الدرالمنضود فی احکام الحدود المجلد 1

اشارة

سرشناسه : گلپایگانی، محمدرضا، 1372 - 1277

عنوان و نام پديدآور : الدرالمنضود فی احکام الحدود/ محمدرضا الگلپایگانی؛ بقلم علی الکریمی الجهرمی

مشخصات نشر : قم: دار القرآن الکریم، 1412ق. = 1370.

مشخصات ظاهری : ج.نمونه

شابک : 2600ریال(ج.1)

يادداشت : جلد سوم (چاپ اول: 1417ق. = 1375)؛ 10000 ریال

یادداشت : کتابنامه: ج. 1. به صورت زیرنویس

موضوع : حدود (فقه)

شناسه افزوده : کریمی جهرمی، علی، . - 1320

رده بندی کنگره : BP195/6/گ 8د4 1370

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : م 71-1147

«كلمة المؤلف»

إنّ صلاح حال الأمّة، و تفجّر استعدادات الإنسان المكنونة في ذاته انّما يتحقّق في ظلّ اعتناقه للدين، و مراعاة انظمة الشارع الحكيم و التسليم المحض لتشريع المولى سبحانه و تعالى.

و الدين هو مجموعة القوانين السماويّة و الأوامر الالهيّة الّتي هي مناهج راقية ضامنة لسعادة الإنسان، و هدايته الى كماله المطلوب، و عليه فان انحراف الإنسان عن الدين مساو لهلاكه و انهياره و إذا فقد دينه فإنّه يواجه الاخطار العظيمة، بل لا خطر على المجتمع الإنساني أعظم من الفوضىٰ و اللّادينيّة و الخروج عن نظام الدين و الاستخفاف بشأنه.

أجل، أنّه أخطر ما يمكن ان يواجهه الإنسان، و ذلك لانّه يمسخ شخصيّة الإنسان السامية و يوجب سقوطه من ذروة الإنسانيّة إلى حضيض البهيميّة العمياء.

انّ خروج الإنسان عن دائرة دين اللّه خروج في الحقيقة عن السلالة المختارة الّتي اختارها اللّه له و خلق العالم كلّه لأجلها [1] و دخوله في السلالة التي نبذها اللّه سبحانه و خلقها حطبا للجحيم و وقوداً للنّار، قال اللّه تعالى:

«وَ لَقَدْ ذَرَأْنٰا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لٰا يَفْقَهُونَ بِهٰا وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لٰا يُبْصِرُونَ بِهٰا وَ لَهُمْ آذٰانٌ لٰا يَسْمَعُونَ بِهٰا أُولٰئِكَ كَالْأَنْعٰامِ بَلْ

هُمْ أَضَلُّ أُولٰئِكَ هُمُ الْغٰافِلُونَ» «1».

______________________________

[1] ففي الأحاديث القدسيّة: يا بن آدم خلقت الأشياء لك و خلقتك لأجلي.

______________________________

(1) سورة الأعراف الآية 179.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 5

و الحقّ انّ الإنسان لولا الدين لم يكن شيئاً سوى صورة إنسان فلذا اهتمّ خالق الإنسان العطوف عليه، العالم بما فيه صلاحه و فساده و خيره و شرّه، بأمر دينه الذي هو العنصر الأصلي في حياته، فخلق الجنّة لمن أطاع اللّه و راقب ربّه و واظب علىٰ مراسم العبوديّة، قال سبحانه.

«تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبٰادِنٰا مَنْ كٰانَ تَقِيًّا» «1».

و خلق النار لمن عصاه و خالفه و خرج عن زي العبوديّة و نظام الطاعة و قرّر عقوبات عظيمة على التخلّف عن تلك البرامج العالية و المناهج القويمة الراقية، و علىٰ عصيان العباد في أوامره و نواهيه، و قال تعالى:

«وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» «2».

و قال سبحانه:

«وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ، مِنْ وَرٰائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقىٰ مِنْ مٰاءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ، وَ لٰا يَكٰادُ يُسِيغُهُ. وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ وَ مٰا هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرٰائِهِ عَذٰابٌ غَلِيظٌ». «3»-

«فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيٰابٌ مِنْ نٰارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مٰا فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ، وَ لَهُمْ مَقٰامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهٰا وَ ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ» «4».

و لا شكّ انّ لهذا الوعيد و العقوبات المقرّرة في الآخرة أثراً محسوساً في تحذّر الإنسان و ارتداعه

عن المعاصي.

ترى انّ اللّٰه سبحانه بعد ان ذكر عذاب الآخرة في سورة «الرحمن» يقول: فبأي آلاء ربّكما تكذّبان، و بذلك يشير الى انّ ذكر عذاب اللّٰه ايضاً من أنواع نعم اللّٰه تعالى على عباده.

قال الطبرسي قدّس سرّه الشريف- عقيب قوله تعالى:

______________________________

(1) سورة مريم الآية 63.

(2)- سورة التوبة، 35- 34.

(3)- سورة إبراهيم، 17- 16- 15.

(4)- سورة الحج 22- 21- 20- 19.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 6

«يُرْسَلُ عَلَيْكُمٰا شُوٰاظٌ مِنْ نٰارٍ وَ نُحٰاسٌ فَلٰا تَنْتَصِرٰانِ فَبِأَيِّ آلٰاءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ» «1» اى باخباره إيّاكم هذه الحالة لتتحرّزوا عنها أم بغيره من النعم، فان وجه النعمة في إرسال الشواظ من النار و النحاس على الثقلين هو ما في ذلك لهم من الزجر في دار التكليف عن مواقعة القبيح و ذلك نعمة جزيلة انتهى. «2»

فلو لا النواهي و العقوبات لَاسترسل الإنسان في شروره و لما وقف عن فساده، بل لو لم يكن خوف عقاب الآخرة لغشيت العالم الرذائل و الأجرام، و تفاقم الاقدام على قتل النفوس و نهب الأموال و هتك الاعراض و الحرمات من كلّ من تمكن من ذلك، الّا القليل من ذوي النفوس الطاهرة العالية.

غير انّه ممّا لا يمكن إنكاره انّ هذا العامل مؤثّر في اجواء خاصّة و طبقات مخصوصة و هم الذين نفذ الايمان في قلوبهم، و اطمأنّوا بما وعد اللّٰه تعالى من الثواب و العقاب.

إذا فالخطر غير مستأصل من أصله و أساسه، و لا شي ء يمنع عن انتشار الجرائم، فلا بدّ من جعل عقوبة عاجلة تزجر الطبقات السافلة عن الاقدام على الشّر و الفساد.

و الشارع الحكيم لم يهمل هذه الجهة فقرّر عقوبات خاصّة على قسم من المعاصي، و يعاقب المجرم بها عاجلا قبل

العقوبة الآجلة في الدّار الآخرة، و ليست هذه العقوبات الّا الحدود المقرّرة في الشرع على المعاصي المعيّنة، و التعزيرات على ما سواها.

و بتقرير آخر: انّ النفوس بالنسبة إلى طاعة اللّٰه تعالى على ثلاثة أقسام، الأوّل: النفوس العالية القدسيّة المتّصلة بالملأ الأعلىٰ.

الثاني: النفوس الشريفة المؤمنة بالآخرة.

الثالث: النفوس السافلة الّتي لم يرسخ الايمان فيها عميقاً.

أمّا الفئة الاولى فيكفي في ارتدادهم عن معصية اللّه سبحانه عرفانهم باللّه تعالى و انّهم رأوه مستحقّا للطاعة فلذا لا حاجة في هذا المجال لأكثر من ذلك.

و امّا الفئة الثانية الذين لم يبلغوا ذاك المقام الرفيع، فإنّ الذي يردعهم عن

______________________________

(1) سورة الرحمن 36- 35.

(2)- مجمع البيان ج 5 ص 205.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 7

اقتراف الذنوب هو الخوف من النار و العقوبات الثابتة للعاصين.

و امّا الفئة الثالثة الذين لم ينالوا شيئاً من المقامين الأوّلين فلا يردعهم خوفهم من مقام الرب، و لا خوفهم النار، فلا بدّ في ارتداعهم من جعل عقوبة عاجلة دنيويّة، لأنّه لو لا ذلك لأكبّوا على المعاصي و اقترفوا الجرائم و الآثام، فلذا قرّر الشارع الحدود المقرّرة في الشريعة بلحاظ حال هذه الفئة السافلة.

«حكمة تشريع الحدود، في كلام الإمام أمير المؤمنين» يقول الإمام أمير المؤمنين على عليه السّلام:

عند بيان حكمة الأحكام: «فرض اللّه الايمان تطهيرا من الشرك، و اقامة الحدود إعظاما للمحارم.» «1»

وظيفة الامام و القائد إقامة الحدود من جملة وظائف الامام و قائد الأمّة المتولي لأمور المسلمين اقامة الحدود قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

«انّه ليس على الإمام إلّا ما حمل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النصيحة، و الأحياء للسنّة و اقامة الحدود على مستحقيها». «2»

الاشتكاء من تعطيل الحدود انّ تعطيل حدود

اللّٰه تعالى يتعقّب مصائب عظيمة و مشاكل شتّى، فلذا كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يشكو أصحابه من عدم اهتمامهم بإقامة الحدود و إهمالهم هذا الأمر العظيم.

قال سلام اللّٰه عليه في الخطبة القاصعة.

«الا و قد قطعتم قيد الإسلام و عطّلتم حدوده و امتّم أحكامه» «3».

الجهاد لإقامة حدود اللّٰه تعالى: انّ الرمز الوحيد في تأكيد الشارع على الجهاد في سبيل اللّٰه هو احياء

______________________________

(1) نهج البلاغة، الحكمة 244.

(2) نهج البلاغة، الخطبة 104.

(3) نهج البلاغة، الخطبة 234.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 8

ما اماته الطواغيت من أحكام اللّٰه و سننه، و اقامة حدود اللّٰه سبحانه في الأرض.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

«اللّهمّ انّك تعلم انّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان و لا التماس شي ء من فصول الحطام و لكن لنردّ المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك و تقام المعطّلة من حدودك». «1»

ترى انّه صلوات اللّٰه عليه كان يأسف على ما وقع على الأمّة الإسلاميّة من إهمال الدين و قطع علائق الإسلام و تعطيل حدود اللّٰه و أحكامه و يشكو من ذلك و يعيّر أصحابه عليه و كان صلوات اللّٰه عليه قد جاهد في سبيل اللّٰه و قاتل أعداء الدين لإحياء معالم الدين و اقامة ما عطّل من حدود اللّٰه فاذا كانت الأمّة الإسلامية المعاصرة أيضا غير مهمّة بإقامة الحدود فهم أيضا جديرون بان يلاموا على ذلك لوما عنيفا كما انّ على المجاهدين ان يجاهدوا و يبذلوا طاقاتهم لإحياء شعائر الدين و حدود اللّٰه في عباده و بلاده.

و مع الأسف فقد عطّلت اقامة الحدود طيلة أعوام كثيرة و ذلك لسلطة الطواغيت و تولّيهم أمور المسلمين، و قد

جنّدوا- خذلهم اللّٰه- جميع طاقاتهم لتدمير الإسلام و أحكامه و آدابه لأنّهم يريدون ان ترتدّ الشعوب المسلمة عن دينها و تتّخذ القرآن مهجوراً.

و مع ذلك كلّه فان بعض المراجع العظام و العلماء الموجّهين في بعض البلاد قد وفقوا لإقامة حدود اللّٰه تعالى قليلًا أو كثيراً خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلاميّة بايران.

ثم انّ أهميّة إقامة الحدود و عظم خطرها و جلالة أمرها و بالغ أثرها حملت الفقهاء الأكابر علىٰ تبيين أحكامها و إيضاح مواردها و أقسامها و ما يتعلّق بها، و بذلوا طاقاتهم كاملة في تحقيقها و تنقيح أدلّتها.

و من هؤلاء الفطاحل استأذنا الأفخم، فقيه الطائفة و زعيمها، المرجع الأعلىٰ و آية اللّٰه العظمى السيّد محمّد رضا الگلپايگاني مدّ ظله العالي، فإنّه- أدام اللّٰه بقاه- مع ضعف مزاجه و كثرة مشاغله و تحمّله لِاعَباء المرجعيّة الكبرىٰ شرع في تدريس الحدود و ابان مواضعها و بحثها بحثاً كاملًا جامعاً طوال سنين، فقد شرع دام ظلّه في هذه الأبحاث الشريفة يوم الأَحَد الخامس عشر من ذي الحجّة

______________________________

(1) نهج البلاغة الخطبة 131.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 9

الحرام سنة 1405 هجريّة إلى منتهى سنة 1410.

و من أعظم ما منّ اللّٰه سبحانه و تعالى علىّ ان وفّقني للاستفادة من دروسه الشريفة و ابحاثه العالية، و كنت بحمد اللّٰه و منّه مواظبا على حفظ إفاداته و ما كان يلقيه على جمّ غفير و جماعة كثيرة من العلماء و المجتهدين و الفضلاء و المشتغلين الذين كانوا يحضرون مجلس إفاضاته و تحقيقاته، حتّى كتبت في الحدود دفاتر و مجلّدات عديدة.

و قد طلب منّى عدة من العلماء الأعلام و الفضلاء الكرام ممّن حضروا تلك الدراسات و من لم يحضرها ان أقدّم

ما دوّنته الى الطبع كي يسهل وقوفهم على آرائه و بدائع إنظاره حول هذا الأمر الخطير الإسلامي فأجبت مسؤولهم، و ها أَنَا أقدّمها بين يدي حضرات العلماء و الفضلاء و قد سميّته ب «الدّرّ المنضود في أحكام الحدود».

و قد تكرّم سيّدي الأستاذ المرجع دام ظلّه و تفضّل علىّ بالتقريض المطبوع في صدر الكتاب.

أرجو المولى الكريم ربّ العالمين، الذي هداني لهذا، ان يجعله أثراً نافعاً و ان كان فيه خلل و خطأ فإنّ الإنسان محلّ السهو و النسيان، الّا من عصمهم اللّٰه من الزلل، و آمنهم من الخطأ و جعل بيوتهم مهابط وحيه و مختلف ملائكته و سكّان سماواته.

قال اللّٰه جلّ جلاله:

«إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً». «1»

و في الخبر انّه شاجر علىّ بن الحسين عليهما السّلام بعض الناس في مسئلة من الفقه، فقال عليه السّلام.

«يا هذا لو صرت الى منازلنا لأَريناك آثار جبرئيل في رحالنا ا فيكون أحدٌ أعلم بالسّنّة منّا؟ «2».

______________________________

(1) سورة الأحزاب الآية 33.

(2) نزهة النواظر للحلوانى من أعلام القرن الخامس ص 94.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 10

و سئل عليّ بن الحسين عليه السّلام:

«بأيّ حكم تحكمون؟ قال: بحكم آل داود، فان عيينا عن شي ء تلقّانا به روح القدس». «1»

محرّم الحرام 1412 ه- على الكريمي الجهرمي

______________________________

(1) كشف الغمّة في معرف الأئمة ج 2 ص 113.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 12

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه و أشرف بريّته ابى القاسم محمّد و على أهل بيته الطيّبين الطاهرين المعصومين و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين من الآن الى قيام يوم الدين «1»

______________________________

(1) كان سيّدنا

الأستاذ الأكبر دام ظلّه يفتتح دروسه العالية بهذه الخطبة الشريفة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 13

الكلام في الحدود

اشارة

و قبل الشروع في البحث و تعريف الحدود أسبابه نتبرّك بذكر بعض الروايات الواردة في أهميّة إجراء الحدود و الفوائد الكثيرة المترتّبة علىٰ ذلك:

عن محمد بن يعقوب. عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

انّ في كتاب علي عليه السّلام انّه كان يضرب بالسوط و بنصف السوط و ببعضه في الحدود و كان إذا اتى بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حداً من حدود اللّٰه عزّ و جلّ. قيل له: و كيف كان يضرب؟ قال: كان يأخذ السوط بيده مِن وسطه أو من ثلثه ثم يضرب به علىٰ قدر أسنانهم و لا يبطل حدّاً من حدود اللّٰه عزّ و جلّ [1].

و عن حنان بن سدير قال «1»: قال أبو جعفر عليه السّلام: حدّ يقام في الأرض

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1. و الأسنان جمع السن قال الفيومي في المصباح المنير:. و السن إذا عنيت بها العمر مؤنّثة أيضاً لأنّها بمعنى المدّة انتهىٰ ثم ان التّقيّ المجلسي رضوان اللّٰه عليه قال في شرح هذا الخبر: انّه كان يضرب بالسوط في البالغ مثلًا و بنصف السوط و ببعضه في الصبيّ مثلًا بان كان عليه السلام يضربهم في القذف ثمانين و لكن كان يضرب بثلثي السوط لمن كان قريبا من البلوغ و بنصفه لمن كان أبعد و هكذا و ربّما كان يضربهم بالسوط تاماً و لكن كان ينقص من العدد و ربّما كان ينقصهما معاً و تقدّم ان التعزير منوط برأى الامام و كان يعزّر بحسب حالاتهم في السنّ و

القوّة و الضعف و العقل انتهى: راجع روضة المتّقين الجلد 10 الصفحة 203.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 14

أزكى فيها من مطر أربعين ليلة و أيّامها «1».

و عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: في قول اللّٰه عزّ و جلّ: يحيي الأرض بعد موتها، قال: ليس يحييها بالقطر و لكن يبعث اللّٰه رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل، و لإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً «2».

القطر، بالفتح، المطر، فيه، اى في العدل.

و عن السكوني عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: اقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً «3».

عن حفص بن عون رفعه قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ساعة إمام عادلٍ أفضل من عبادة سبعين سنة و حدّ يقام للّٰه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً «4».

عن ابى بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه في حديث طويل انّ امرأة أتت أمير المؤمنين عليه السلام فأقرّت عنده بالزنا اربع مرّات قال:

فرفع رأسه الى السماء و قال: اللّهم انّه قد ثبت عليها اربع شهادات و انكّ قد قلت لنبيّك صلّى اللّٰه عليه و آله فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطل حدّاً من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادّتي «5».

و عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أقيم عليه الحدّ في الدنيا أ يعاقب في الآخرة؟ فقال: اللّٰه أكرم من ذلك «6».

ثم انّ هذه الروايات الشريفة ظاهرة جدّاً في انّ الحدّ هو

نفس العقوبة لا ماله العقوبة علىٰ ما ذكره في الشرائع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 6.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من مقدّمات الحدود الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 15

و نظيرها في الدلالة علىٰ ذلك بل و أصرح منها خبر علىّ بن رباط عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: انّ اللّٰه عزّ و جلّ جعل لكلّ شي ء حدّاً و جعل علىٰ من تعدّى حدّاً من حدود اللّٰه عزّ و جلّ حدّاً و جعل ما دون الأربعة الشهداء مستوراً على المسلمين «1».

و ذلك لانّ قوله عليه السلام: انّ اللّٰه جعل لكلّ شي ء حدّاً، ظاهر غايته في انّ الحدّ عقوبة مجعولة على الشي ء و هو المعصية الخاصّة مثلًا لا نفسها.

و مثل ذلك خبر عمرو بن قيس قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: يا عمرو بن قيس أَشعرت انّ اللّٰه أرسل رسولًا و انزل عليه كتاباً و انزل في الكتاب كلّ ما يحتاج اليه و جعل له دليلًا يدلّ اليه و جعل لكلّ شي ء حدّاً و لمن جاوز الحدّ حدّاً؟ قال: انّ اللّٰه حدّ في الأموال ان لا تؤخذ الّا من حلّها فمن أخذها من غير حلّها قطعت يده حدّاً لمجاوزة الحدّ و انّ اللّٰه حدّ ان لا ينكح النكاح الّا من حلّه و

من فعل غير ذلك ان كان عزباً حدّ و ان كان محصناً رجم لمجاوزته الحدّ «2».

و خبر عمرو بن القيس الماصر عن ابى جعفر عليه السلام قال: انّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة الّا أنزله في كتابه و بيّنه لرسوله [و جعل لكلّ شي ء حدّاً و جعل عليه دليلا يدلّ عليه] و جعل علىٰ من تعدّى الحدّ حدّاً «3».

وضع الحدود في الماضي و الحاضر

ثم انّ ممّا يورث الأسف أنّ الحدود- مع عظم خطرها و شأنها و اهميّتها الخاصّة و كونها ممّا تترتّب عليها فوائد كثيرة و نتائج جليلة و اناطة حياة المجتمعات و سعادة الأمم بها- قد كانت معطّلة طيلة أعوام و أعصار خصوصاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من مقدّمات الحدود الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 16

في الأزمنة الأخيرة و عصر حكومة الطاغوت المقبور و ان كان بعض العلماء ربما يقدمون على ضرب بعض مرتكبي المعاصي و الفجور الّا انّ ذلك كان من باب التأديب لا من باب اجراء الحدود.

نعم قد رأيت مرّة واحدة أنّه أقيم حدّ من حدود اللّٰه تعالى و ذلك عند ما كنت مشتغلًا بالتحصيل في حوزة أراك قبل تأسيس الحوزة العلميّة بقم [1].

و قد اجرى هذا الحدّ بإقدام الأعاظم من العلماء الذين كانوا يومئذ في أراك كشيخنا الأستاذ الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري [2] و الآقا نور الدين الاراكى [3] و غيرهما رضوان اللّٰه عليهم و ذلك بعد ان بذلوا جهودهم و طاقاتهم و تحملو الشاق

و المتاعب و جدّوا كمال الجد و طال الأمر و اشتدّ الجدال و لكنّهم قد وفقوا لذلك و صلب المجرم اللعين على رؤس الاشهاد خذله اللّٰه و أخزاه [4].

______________________________

[1] أقول: كان بعض العلماء قد اقام الحدود الشرعيّة و ذلك مثل وحيد الأيّام السيد محمّد باقر الشفتي الأصفهاني المشتهر بحجّةِ الإسلام، على الإطلاق المتوفّىٰ سنة 1260 ه قدّس سرّه الشريف فإنّه قد اقام حدوداً كثيرا حتّىٰ قيل: بلغ عدد من اقام عليهم الحدّ ثمانين و على قول: تسعين و في قول ثالث: عشرين و مأة شخصاً فراجع الفوائد الرضوية الصفحة 427 و قد ذكرنا شطراً ممّا يناسب المقام في كتابنا: سيماء عباد الرحمن الصحفة 92 فراجع إذا شئت.

[2] هو الآية العظمى شيخ مشايخنا الشيخ عبد الكريم بن محمد جعفر المهرجردي اليزدي الحائري، قال العلّامة التهرانى: فقيه جليل و عالم كبير و زعيم ديني شريف. ولد في مهرجرد من قرى يزد في سنة 1276 ه، و في رجب سنة 1340 هبط مدينة قم المشرّفة بدعوة بعض رجال العلم فيها رغبةً في إحياء أمرها الغابر. و توفّى ليلة السبت 17 ذي القعدة سنة 1355 ه، فثلم الإسلام بموته و خسر المسلمون به زعيماً كبيراً و ركناً ركيناً. نقباء البشر الجلد 3 الصحة 1158.

و في أحسن الوديعة- 2- 118: هو اليوم ادام اللّٰه وجوده و نفع الفقراء بفيض جوده في قم بل في إيران بل في جميع البلدان عزّ الشيعة و ما حي البدعة و الشنيعة.

[3] هو العلّامة الفهامة وحيد عصره. آية اللّٰه في العالمين السيد نور الدّين الحسيني العراقي طاب ثراه. ولد في بلدة أراك سنة 1278 ه، و ارتحل في رجب 1341 و كان فقيها متتبّعا أصوليّا

دقيقاً و متكلّما حكيما و عارفاً و مرجعاً وحيداً للفتوىٰ. راجع مقدمة تفسير: القرآن و العقل.

[4] قال دام ظلّه: أصل الواقعة انّ رجلًا خبيثاً من الفرقة الضّالّة المضلّة قد أقدم على إحراق القرآن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 17

و لكن بعد نجاح الثورة الإسلامية الايرانيّة و انتصارها بقيادة العلماء الأعلام فقد أقيمت حدود كثيرة من حدود اللّٰه عقيب المحاكمات الشرعية و الحمد اللّٰه و له الشكر على هذا.

و ان كان قد يصدر و يقع أحياناً ما يوجب الأسف من اجراء بعض الحدود في غير موقعه و من غير اهله و نسئل اللّٰه تعالى الاستقامة في الأمور و التثبّت في أمر الدين و عدم الابتلاء بالاعوجاج و الانحراف، و النجاة و الحفظ من كلّ زيغ و زلّة.

______________________________

الكريم فصلبوه عياناً اجراءً لحدّ الارتداد و الإهانة بالمصحف الشريف و قد شاهدت بنفسي ذاك الخبيث و هو مصلوب، هذا.»

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 18

الحدّ و التعزير

الحدود جمع الحدّ و الحدّ لغةً بمعنى المنع [1]. و بمعنى منتهى الشّي ء يقال: داري محدودة من جوانبها الأربع بكذا، يعنى انّ منتهاها مجاورة له، و ذكروا لها معاني أخر أيضاً و ان كان أكثرها من باب بيان موارد الاستعمال دون ما وضع له اللفظ. كما انّه قد كثر استعماله في القرآن الكريم بمعنى ما حدّده اللّٰه و قدّره من الأحكام من الصوم و الطلاق و معاشرة النساء و الإرث و غير ذلك. قال اللّٰه تعالى بعد ذكر الطلاق و أحكامه و العدّة و دفع الصداق: تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَعْتَدُوهٰا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ [2]. الىٰ غير ذلك من الآيات الكريمة.

______________________________

[1] قال الفيومي في المصباح

المنير: الحدّ في اللغة الفصل و المنع فمن الأوّل قول الشاعر: و جاعل الشمس حدّاً لا خفاء به، و من الثاني: حددته عن أمره، إذا منعته، فهو محدود.

[2] سورة البقرة الآية 299، أقول: و من تلك الآيات قوله تعالى بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيِّنُهٰا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة- 230.

و منها قوله تعالى: وَ لٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَقْرَبُوهٰا. البقرة- 187.

و منها قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ ذٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا وَ لَهُ عَذٰابٌ مُهِينٌ. النساء 13- 14 و منها قوله تعالى: وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ سورة التوبة- 112.

و منها قوله تعالى بعد بيان كفّارة الظهار: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ لِلْكٰافِرِينَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ سورة المجادلة- 4.

و منها قوله تعالى بعد ذكر عدّة الطلاق: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 19

و لعلّ إطلاق الحدود علىٰ أحكام اللّٰه تعالى و قوانينه لأجل أنّها الخطط النهائية التي لا يجوز التعدّي عنها و الإهانة بها. هذا بحسب اللغة.

و امّا بحسب الشرع- و ان شئت تقول: في الاصطلاح- فقد عرّفها المحقّق فقال في الشرائع: كلّ ما له عقوبة مقدّرة يسمّى حدّاً و ما ليس كذلك يسمّى تعزيراً.

و قد سمّى الحدود الشرعية حداً بمناسبة معنى المنع

و الدفع و ذلك لانّ الحدود تمنع المرتكب للمعصية عن العود الى ارتكابها ثانيا و يمنع غيره عن الارتكاب و الاقتحام فيها.

فكما انّ الايمان بالآخرة و الخوف من العذاب الأليم و نار الجحيم يمنع الإنسان عن ارتكاب المعاصي و إتيان القبائح كذلك الحدود المقررة في الشرع على المعاصي في الدنيا تردّه و تمنعه عن الاقدام على الذنوب مخافة إقامتها و إجراءها عليه عقيب إتيانه بالمعاصي الخاصّة و تلبّسه بها و اقدامه عليها لكونها موجبة له.

و يمكن ان يكون تلك التسمية بلحاظ المعنى الثاني اللغوي له و بمناسبة انّ للحدود انتهاءً لا يجوز التعدي عنه.

ثم انّ التعريف الذي ذكره المحقق لا يخلو عن تسامح و ذلك لانّ ماله عقوبة هو نفس المعصية الخاصّة و هي ليست حداً و انّما الحدّ هو ما أوجبتها المعصية الخاصّة، و الظاهر في تعريف الحدّ هو ما ذكره الأعلام الثلاثة صاحبوا التنقيح و المسالك و الرياض رضوان اللّٰه عليهم أجمعين.

فقال الفاضل المقداد السيوري بعد ان ذكر معنى الحدّ لغة:

و شرعاً عقوبة تتعلّق بإيلام البدن عيّن الشارع كميّتها. انتهىٰ «1».

______________________________

الطلاق- 1.

و قد يطلق على المعاصي كقوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَقْرَبُوهٰا. البقرة- 187، أي المعاصي التي نهى اللّٰه عنها فلا ترتكبوها.

______________________________

(1) التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 327.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 20

و قال الشهيد الثاني:. و شرعا عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام البدن بواسطة تلبّس المكلّف بمعصيةٍ خاصّة عيّن الشارع كميّتها في جميع افراده. انتهىٰ «1».

و قال السيّد: و شرعا عقوبة خاصّة تتعلّق بإيلام بدن المكلّف بواسطة تلبّسه بمعصيةٍ خاصّة عيّن الشارع كميّتها في جميع افراده. انتهى «2».

فترى انهم نصّوا علىٰ انّ الحد هو نفس العقوبة.

و ظهر أيضا من

تقييدهم الإيلام بكونه متعلّقاً ببدن المكلّف انّ الايلامات الروحية و السّب و اللعن و الحبس و التغريم و أخذ المال من احدٍ ليس من باب الحدّ و الّا فقد جعل الشارع على ارتكاب بعض المعاصي الكفّارة المعيّنة كإطعام ستّين مسكينا مثلًا.

و قولهم: تتعلّق بإيلام البدن انتهى لخروج مثل السجن و التغريب و ما أشبه ذلك ممّا يتعلّق بالمكلّف و لكن لا يكون من باب إيلام بدنه.

و قولهم: تتعلّق بإيلام البدن انتهى لخروج مثل السجن و التغريب و ما أشبه ذلك ممّا يتعلّق بالمكلّف و لكن لا يكون من باب إيلام بدنه.

و قولهم: قد عيّن الشارع كميّتها، قيد لإخراج التعزيرات فلا بدّ في الحدّ من ان تكون العقوبة المذكورة معيّنة على لسان الشرع القويم.

و امّا التعزير فهو في اللغة التأديب [3] و في الشرع عقوبة لا تقدير لها شرعاً و انّما أمره موكول الى نظر الحاكم بحسب ما يراه من المصلحة.

و لا يخفى انّ هذا أمر غالبيّ و الّا فقد أطلق التعزير على عقوبة خاصّة معيّنة أيضاً في بعض الموارد فان من جامع امرأته في نهار رمضان و هما صائمان يضرب كل واحد منهما خمسة و عشرين سوطاً فهذا من أقسام التعزيرات مع كونه معيناً محدوداً و لعلّ ذلك لكونه أقل من الحدّ. و على الجملة فمهما لم تقدّر العقوبة شرعاً تسمّى تعزيراً.

قال الشهيد الثاني في تعريف التعزير: عقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل

______________________________

[3] أقول: و قد يجي ء بمعنى النصرة و التعظيم كما في قوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُعَزِّرُوهُ. سورة الفتح الآية 9، راجع المصباح المنير و مجمع البيان.

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 423.

(2) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.

الدر

المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 21

الشرع غالباً «1».

فقد ذكر في تعريفه انّ عدم التقدير غالبيّ و قيّد ذلك بقوله: غالباً، و لكنّ الآخرين لم يذكرا هذا القيد.

و وجه اضافة هذا القيد هو ما تقدّم من وجود موارد قد عيّن فيها مقدار التعزير كالحدّ بعد انّ الأصل فيه عدم التقدير، و ذلك لورود روايات بتقدير بعض افراده و قد أحصاها في المسالك و عدّها خمسة: الأوّل: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان فهو مقدّر بخمسة و عشرين سوطاً. الثاني: من تزوّج امةً على حرّة و دخل بها قبل الاذن ضرب اثنا عشر سوطاً و نصفاً ثمن حدّ الزاني.

الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجرّدين مقدّر بثلاثين إلى تسعة و تسعين على قول. الرابع: من افتضّ بكراً بإصبعه قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين. و قال المفيد: من ثلاثين الى ثمانين. و قال ابن إدريس: من ثلاثين إلى تسعة و تسعين. الخامس: الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجرّدين يعزّران من عشرة إلى تسعة و تسعين. قاله المفيد و أطلق الشيخ التعزير. و قال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الحدّ انتهى كلامه زيد في علوّ مقامه «2».

و امّا وجه عدّ هذه الموارد من باب التعزير مع ورود مقدّر خاص فيها فهو إطلاق ذلك في بعض الروايات.

و لا يخفى انّ أكثر هذه الموارد داخلة في قاعدة التعزير و معياره و ذلك لانّه و ان ذكر و عيّن فيه طرفا هذا المقدّر الّا انّ الأمر في اختيار ما بين الطرفين موكول الى نظر الحاكم و هذا غير ما قدّر مقدار العقوبة معيّناً بلا زيادة أو نقصان و بلا تخيير في مراتب العقوبة

الذي يسمّى بالحدّ اصطلاحاً.

و تطهر الثمرة في مثل ما ورد من عدم الاقتداء بالإمام الذي أقيم عليه الحدّ مع كونه قد ارتكب سابقاً ما يوجب واحدةً من هذه المقدّرات كما إذا كان قد

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 223.

(2) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 423.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 22

جامع زوجته في نهار شهر رمضان و ضرب خمسة و عشرين سوطاً فإنّه لو كان هذا المقدّر من باب التعزير فلا بأس بإمامته و الايتمام به بخلاف ما لو كان من باب الحدّ- لكون المقدار المزبور معيّناً معلوماً- فإنّه لا يجوز الاقتداء به.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 23

الكلام في أسباب الحدّ

ثم انّ البحث هنا في ذكر أسباب الحدّ و التعزير.

قال المحقّق بعد بيان تعريفهما: و أسباب الأوّل ستّة: الزنا، و ما يتبعه، و القذف، و شرب الخمر، و السرقة، و قطع الطريق. و الثاني أربعة: البغي، و الردّة، و إتيان البهيمة، و ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم.

و يرد عليه كما في المسالك بأنّ عقوبة الباغي اى المحارب ليست من باب التعزير بل هي من الحدود كما انّه المعروف بين الفقهاء. و لا ينافي ذلك كون الحدّ مقدّراً لانّ عقوبته و هي القتل أيضاً مقدّرة بإزهاق الروح امّا مطلقاً أو علىٰ وجه مخصوص.

و هنا كلام آخر و هو عدم الملائمة بين الأمور الأربعة المتعلّقة بالتعزير و ذلك لانّ الرابع منها و هو: ارتكاب ما سوى ذلك من المحارم، قد جعل قسيماً للثلاثة المتقدّمة و الحال انّها من اقسامه و افراده.

و لعلّ ذلك لكون هذه الثلاثة منصوصة من الشارع بخصوصها و الّا فالمعيار هو الإتيان بشي ء من المحرمات إذا لم ينصب الشارع

له حدّاً، فذكر المحارم بعد الثلاثة في حكم قوله: ارتكاب واحد من هذه الثلاثة أو معصيةٍ أخرىٰ غيرها.

و لا يخفى انّه و ان كان المصطلح من الحدّ هو القدر المعيّن من العقوبة الّا انه قد يطلق أيضا علىٰ مجرّد العقوبة و ان لم تكن محدودة بحدّ معيّن و مقدّرة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 24

بمقدار مخصوص.

و حينئذ يأتي البحث في انّه هل تجري الأحكام المتعلّقة بالحد، في مطلق العقوبات الّتي أطلق عليها الحدّ و كان موضوعها ذلك، أم لا و ذلك كعدم اليمين في الحدّ و انّ للإمام العفو عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البيّنة، و عدم الشفاعة في الحدّ و غير ذلك من الأحكام، فهل هي أحكام تختصّ بالحدّ المصطلح المشهور أو تعمّه و ما أطلق عليه الحدّ؟

الظاهر انّه لو ثبت كون الموضوع له للحدّ هو مطلق العقوبة فهناك تجري فيها كلّ الأحكام و كذا لو كانت هناك كثرة استعمال بها تنصرف اللفظ اليه.

اما لو كان ذلك مشكوكا فمقتضى القاعدة الاقتصار في ترتيب الأحكام المزبورة على الموارد المخصوصة أي الأمور السّتة خاصّة دون مطلق موارد العقوبة.

ثم انّ صاحب الجواهر رضوان اللّٰه عليه قال: لا كلام في كون المقدّرات المزبورة حدوداً انّما الكلام في اندراج ما لا مقدّر له شرعاً تحت اسم الحدّ الذي هو عنوان أحكام كثيرة في النصوص كدرء الحدّ بالشبهة و عدم اليمين في الحدّ و عدم الكفالة فيه و للإمام العفو عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البيّنة و عدم الشفاعة في الحدّ و غير ذلك و عدم اندراجه. الى آخر كلامه «1».

أقول: الظاهر انّه لا ثمرة بالنسبة إلى درء الحدود بالشبهة. و ذلك لأنه لا تجوز عقوبة احدٍ

بدون دليل شرعي و قبل ان يثبت موجبها شرعاً سواء كانت هذه العقوبة مقدّرة معيّنة التي تسمّى بالحدّ أو غير مقدّرة الموسومة بالتعزير، فالعقوبة مع الشبهة غير جائرة مطلقا و ان كانت بعنوان التعزير، و الأصل عدم جوازها ما لم ترفع الشبهة بكاملها. و لا فرق في المفاد بين أصل عدم جواز العقوبة قبل إثبات موجبها و بين ما ورد من درء الحدود بالشبهات «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 256.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من مقدّمات الحدود الحديث 4 و لفظه: ادرءوا الحدود بالشبهات.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 25

و هذا الاشكال جار في كثير من الموارد المذكورة و ذلك كعدم اليمين في الحدّ فإنّه و ان كان كذلك لما ورد من الروايات الدالّة عليه مثل ما رواه أحمد بن محمد بن ابى نصر عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: اتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل فقال: هذا قذفني و لم تكن له بيّنة فقال: يا أمير المؤمنين استحلفه فقال: لا يمين في حدّ و لا قصاص في عظم «1».

و لكن لو كان المراد هو يمين المنكر- كما هو الظاهر- فلا فرق فيه أيضا بين الحدّ و التعزير لأنّه إذا ادّعى احدٌ على غيره ما يوجب عقوبة فإن أقام العدد المعتبر في الشهادة فهو و الّا فلا يحلف المنكر على عدم إتيانه بما يدّعيه المدّعى، و لا تحوز عقوبته الّا مع اقامة الشهود أو إقرار المنكر سواء أ كانت حدّا أو تعزيرا.

و هكذا عدم الكفالة في الحدّ فهو و ان كان صحيحا لورود أخبار في ذلك كقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: لا كفالة في حدّ

«2» الّا انّ الظاهر انّه لا وجه للكفالة في التعزير أيضا بعد ان كانت العقوبة ثابتة عليه.

و كذا عدم الشفاعة في الحدّ فإنّه و ان دلّت جملة من الاخبار «3» على ذلك لكن لعلّه لا فرق فيه بين الحدّ و التعزير. و تفصيل المطلب و تحقيقه موكول الى محلّه و محتاج الى مزيد تأمّل.

فيبقى عفو الامام عن الحدّ الثابت بالإقرار دون البيّنة الذي وردت به الاخبار «4» فهناك تظهر الثمرة بين كون التعزير حدّا أيضا فإنّ للإمام العفو عن مطلق العقوبة، و عدم كونه حدّا بان يكون الحدّ موضوعا للعقوبة المقدّرة فله العفو عن ذلك إذا كان قد ثبت موجبها بالإقرار دون البيّنة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1 و 2 و 3 و 4.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 26

الكلام في الزناء

اشارة

قال المحقّق: الباب الأوّل في الزناء و النظر في الموجب و الحدّ و اللواحق امّا الموجب فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرّمة عن غير عقد و لا شبهة و لا ملك و يتحقّق ذلك بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.

و في الجواهر عند ذكر لفظ الزناء: الذي يقصر فيكتب بالياء و يمدّ فيكتب بالألف المجمع على تحريمه في كلّ ملّة حفظا للنسب، و لذا كان من الأصول الخمسة التي يجب تقريرها في كلّ شريعة.

أقول: المراد من الأصول الخمسة: الدين و العقل و النفس و النسب و المال و يقال

لها المقاصد الخمسة أيضا [1].

ثم انّ المحقّق قد أضاف و نسب الإيلاج إلى الإنسان و عبّر ب- إيلاج

______________________________

[1] أقول: ذكرها الشهيد الأوّل في القواعد و الفاضل المقداد في نضد القواعد الفقهيّة. قال في الأوّل الصفحة 6: الوسيلة الرابعة ما هو وصلة الى حفظ المقاصد الخمسة و هي: النفس و الدين و العقل و النسب و المال، التي لم يأت تشريع الّا بحفظها، و هي الضروريّات الخمس، فحفظ النفس بالقصاص و الدّية و الدّفاع، و حفظ الدّين بالجهاد و قتل المرتدّ، و حفظ العقل بتحريم المسكرات و الحدّ عليها، و حفظ النسب بتحريم الزنا و إتيان الذكران و البهائم، و وجوب الحدّ بالقذف على ذلك، و حفظ المال بتحريم الغصب و السرقة و الخيانة و قطع الطريق، و الحدّ و التعزير عليها انتهى ثم لا يخفى انّ الزنا من الكبائر التي نصّ على تحريمها الكتاب قال اللّٰه تعالى: وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلًا. سورة الإسراء، الآية 32 و قال تعالى: وَ الَّذِينَ لٰا يَدْعُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ وَ لٰا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلّٰا بِالْحَقِّ وَ لٰا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً. سورة الفرقان- 69- 68.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 27

الإنسان، دون إيلاج الرجل، و الحال انّ المتبادر منه في الأذهان هو الثاني.

و يمكن ان يكون نظره في العدول و التعبير ب- الإنسان، دون الرجل الى شمول التعريف للخنثى أيضا بناء على صدق (الذكر) على آلته أيضا و عدم كونها عضوا زائدا.

قال الشهيد الثاني بشرح العبارة: و يدخل في الإنسان الصغير و الكبير و

العاقل و المجنون فلو زاد فيه المكلّف كان أجود.

و كانّ غرضه رحمه اللّٰه انّ التعريف غير مانع لشموله للصغير و المجنون بل و المكره- كما ذكره أيضا بعد ذلك- و الجاهل كشموله للكبير و العاقل و المختار و العالم و لو كان قد زاد قيد (المكلّف) بان يقول: هو إيلاج الإنسان المكلّف إلخ لخرجت الموارد المذكورة عن التعريف و ذلك لعدم تكليف بالنسبة إلى الصغير و المجنون.

ثم صار بصدد الجواب عنه بأنّه: و يمكن تكلّف إخراجهما- أي إخراج الصغير و المجنون- بقوله في فرج امرأة محرّمة فإنّه لا تحريم في حقّهما، و قال بالنسبة إلى المكره: الّا ان يخرج بما يخرج به الأوّلان.

أقول: و فيه أوّلا انّه لو كان المراد من التكليف هو التكليف الفعلي لصحّ ذلك امّا لو كان المراد هو المحرّم بالذات و في الواقع فلا يتمّ ما ذكره و ذلك لانّ الوطي المزبور حرام شأنا و اقتضاء حتّى على الصغير و المجنون.

و ثانيا يمكن القول بأنّ الحرمة هنا وضعيّة لا تكليفيّة و الحرمة المختصّة بالبالغين غير الجارية بالنسبة إلى غيرهم هي الحرمة التكليفيّة، و امّا الوضعيّة منها فلا فرق فيها بين البالغين و غير البالغين.

و في الجواهر ردّا على المسالك: انّه في غير محلّه لأنّها على التقدير المزبور شرائط في الحدّ لا في تحقّق حقيقة الزناء انتهى.

و الذي يبدو في النظر انّ ما أورده غير وارد عليه و ذلك لانّ الكلام بمقتضى عقد الباب في الزنا الموجب للحدّ، و قد علمت انّ المحقّق عبّر هكذا: امّا الموجب فهو إيلاج إلخ و من المعلوم انّ الموجب للحدّ هو إيلاج الإنسان المكلّف

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 28

دون غيره كالصغير و

المجنون و على هذا فكلام الشهيد الثاني خال عن الاشكال من هذه الجهة.

ثم انّ ظاهر قول المحقّق و غيره: إيلاج الإنسان ذكره إلخ هو إيلاج الجميع، و مع ذلك ففي الشرائع بعد ذلك: و يتحقّق ذلك بغيبوبة الحشفة انتهى و ظاهره انّ الملاك هو الحشفة لا الزائد، و تمام الحشفة دون الناقص، و هم يريدون تطبيق الآية- الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ- على هذا. فيكون مصداق الزنا عندهم هو إدخال هذا الحدّ: فان وجد على ذلك دليل يعيّن انّ المعيار في تحقّق الزنا هو إدخال هذا الحدّ اى الحشفة فقط- كما انّهم يدّعون ظهور الاخبار في ذلك- فلا محالة يؤخذ به، و الّا فلو شكّ في المقدار الخاصّ المعتبر في الحدّ فالشبهة مفهوميّة. و انّى الى الآن لم أجد و لم أصادف لغة فارسيّة تفسّر لفظ الزنا العربي تفسيرا بسيطا لا مركّبا بان تفسّره بكلمة واحدة مبيّنة كي نقول انّ الزنا في العربي هو هذا المفهوم الفارسي نظير لفظ (آب) في الفارسية في قبال لفظ الماء في العربيّة، و حينئذ فيؤخذ بالقدر المتيقّن اى التمام و ذلك لإجمال اللفظ كما انّه لو تحقّق كفاية غيبوبة الحشفة و شكّ- لإجمال الحشفة- في انّ إدخال بعض الحشفة أيضا كافية أم لا فلا بدّ من الأخذ بالمتيقن الذي هو تمامها.

قوله: من غير عقد، يفيد انّه لو أولج في المرأة المحرّمة الّا انّه كان يعلم و يعتقد حليّته مثل ما إذا عقد على محارمه مثلا زاعما حلية ذلك لما كان هذا سبيا للحدّ كما انّه لو أولج فيها بلا عقد لكن مع الشبهة و الاعتقاد بالحليّة لما أوجب ذلك حدّا فالمراد كونه من دون عقد

مشروع لا مجرّد العقد كما سيأتي ذلك إن شاء اللّٰه تعالى.

و قوله: و لا شبهة، لبيان اعتبار كونه عالما بالحرمة لا معتقدا للحلّ جهلا مركبا فكأنّه قال: إذا كانت معلوم الحرمة، و على هذا فلا حدّ مع العلم بالحلّ موضوعا أو حكما و ان كان حراما في الواقع و هذا لا كلام فيه.

و امّا الظنّ بالحلّ ففي الرياض انّه كالعلم به قال مزجا: و امّا الزناء

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 29

الموجب للحدّ فهو إيلاج الإنسان و إدخاله فرجه و ذكره الأصلي في فرج امرأة محرّمة عليه أصالة من غير عقد نكاح و لا متعة بينهما و لا ملك من الفاعل للقابل و لا شبهة دارئة (ثم قال:) و ضابطها ما أوجب ظنّ الإباحة بلا خلاف أجده و به صرّح في الغنية و لعلّه المفهوم منه عرفا و لغة «1».

ترى انّه جعل الضابط في الشبهة الدارئة ما أوجب ظنّ الإباحة مع انه لا يجري الأصل في الشبهة المصداقية أي فيما إذا شك مثلا في انّ المرأة الفلانيّة هل هي زوجة أو محلّلة أم لاكى يثبت الحلّ الّا انّ ظنّ الإباحة أوجب دفع الحدّ و هذا هو المورد للقاعدة و بدونها يجب الحدّ عليه.

ثم قال: و إطلاق العبارة و ان شمل غير المكلّف الّا انّه خارج بما زدناه من قيد التحريم. مع احتمال ان يقال: انّ التكليف من شرائط ثبوت الحدّ بالزنا لا انّه جزء من مفهومه فلا يحتاج الى ازدياد التحريم من هذا الوجه و ان احتيج اليه لتحقيق معنى الزناء لعدم تحقّقه عرفا و لغة إلّا به و الّا فدخول المجنون بامرأة مثلا لا يعدّ فيهما زناءا ما لم تكن المدخول

بها محرّمة عليه أصالة.

أقول: انّ ما ذكره- من انّ قيد التحريم في التعريف يوجب خروج غير المكلّف بعد انّ إطلاق العبارة شامل له- يتمّ إذا كان المقصود من المحرّمة، المحرّمة بالفعل، لعدم الحرمة الفعليّة بدون التكليف و قبل البلوغ أو مع الجنون و امّا لو كان المراد المحرّمة بالأصالة و ان لم تكن كذلك بالفعل، فغير المكلّف أيضا داخل في التعريف و مشمول للعبارة لصدقها على إيلاجه في امرأة تكون حراما عليه بالأصالة و ليست محرّمة عليه بالفعل.

ثم انّ ما ذكره أخيرا بقوله: و ان احتيج الى ازدياد التحريم لتحقيق معنى الزناء، لا يلتئم ظاهرا مع ما ذكره قبل ذلك بقوله: انّ التكليف من شرائط.

ثبوت الحدّ بالزنا لا انّه جزء من مفهومه، فان الصدر يفيد انّ التكليف ليس جزءا من مفهوم الزناء بل هو شرط في ثبوت الحدّ بخلاف الذيل فإنّه صريح في الحاجة الى قيد التكليف في تحقيق معنى الزناء.

______________________________

(1) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 30

ثم انّ الظاهر انّ ما ذكره أوّلا من عدم دخل التكليف في حقيقة الزنا و مفهومه و انّما هو معتبر في الحدّ و شرط له، لعلّه خلاف ما يظهر من الآية الكريمة فإنّ ظاهر قوله سبحانه الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ «1» هو انّ تمام الموضوع في إجراء الحدّ هو كونه زانيا و كونها زانية، و بعبارة اخرى انّ المستفاد من الآية انّ الموجب للحدّ هو الزناء فكأنّ الشارع قد استعمل الزنا فيما هو موجب للحدّ الخاص.

و كيف كان فقد أورد عليه صاحب الجواهر بقوله: و فيه انّ ذلك لا يوجب الزيادة المزبورة، ضرورة تحقّق الإيلاج بامرأة

بلا عقد و لا ملك و لا شبهة و ان لم يكن في ذلك حرمة عليه لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليّته في تحقّق معنى الزناء الذي هو على التقدير المزبور وطي الأجنبيّة التي هي غير الزوجة و المملوكة عينا أو منفعة إلخ.

قوله: أو منفعة، أي ما كان تحلّ منفعتها، و المراد منه هو التحليل فان ملك المنفعة في الأمة لا يتصوّر الّا بالتحليل.

و حاصل إيراده عليه انّه لا وجه لزيادة القيد المزبور بعد كون الزنا هو الإيلاج بامرأة بدون عقد و لا ملك للعين و لا التحليل و ان لم تكن هناك حرمة- لعدم التكليف- ثم أورد عليه بانّ مقتضاه كون وطي الشبهة زناءا الّا انه لا يوجب الحدّ و ذلك لصدق التعريف المزبور عليه و هو مناف لمقابلته به في النكاح المقتضية لكونه وطي الأجنبية على انّها أجنبيّة، و لازم ذلك عدم كون الوطي بالشبهة داخلا في مفهوم الزنا أصلا.

ثم رتّب على ذلك أولوية إيكاله إلى العرف، فيكون الموضوع هو كلّما صدق عليه انّه زناء عرفا، و العرف يعرف المفهوم من الزنا و يرى انّ الزناء إتيان الرجل المرأة الأجنبيّة بعنوان أنّها أجنبيّة لا مع الاعتقاد بأنّها حليلة.

و لذا نرى انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله قال لماعز بعد إقراره بالزنا اربع مرّات: أ تعرف الزنا؟ فقال: هو ان يأتي الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا [2].

______________________________

[1] مسالك الجلد 2 الصفحة 425: فهل تدري ما الزّنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته.

______________________________

(1) سورة النور، الآية 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 31

هل يتحقّق الزنا بالوطي في دبرها؟

قال المحقّق: و يتحقّق ذلك بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا.

لكن قال ابن حمزة:

في الوطي في دبر المرأة قولان أحدهما ان يكون زنى و هو الأثبت و الثاني ان يكون لواطا انتهى «1» و قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: الزنا الموجب للحدّ هو وطئ من حرّم اللّٰه تعالى وطئه من النساء بغير عقد مشروع إذا كان الوطي في الفرج خاصّة دون ما سواه. انتهى «2» و قال شيخ الطائفة: الزنا الموجب للحدّ هو وطئ من حرّم اللّٰه تعالى وطئه من غير عقد و لا شبهة عقد و يكون الوطئ في الفرج خاصّة انتهى «3».

فمقتضى بعض هذه الكلمات هو اختصاص الزنا بالقبل.

و تظهر الثمرة في الأحكام الخاصّة المترتّبة على اللواط كإلقائه من شاهق مثلا.

و الظاهر انّ الزنا أعمّ من الإيلاج في القبل أو الدبر، و الفرج بحسب الظاهر أعمّ بالنسبة الى كلّ واحد منهما كما انّ ظاهر الروايات أيضا عدم الفرق بينهما.

ففي خبر حفص بن سوقة عمّن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيّين فيه الغسل «4».

و في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: قال: سألته: متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم «5».

______________________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 409.

(2) المقنعة الطبع الجديد الصفحة 774.

(3) النهاية الصفحة 688.

(4) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 73 من مقدّمات النكاح، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة الجلد 1 الصفحة 469 الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 32

فاذا كان الدبر أحد المأتيّين فيتحقّق الزنا بالدخول فيه أيضا كما انّ قوله عليه السلام: إذا أدخله إلخ يصدق على الإدخال فيه أيضا و يشمله، و على

الجملة فظاهر الإطلاقات نصا و فتوى هو عدم الاختصاص.

بل صرّح بعض العلماء رضوان اللّٰه عليهم بالتعميم و عدم الفرق بينهما قال ابن إدريس: الزنا الموجب للحدّ هو وطئ من حرّم اللّٰه تعالى وطيه من غير عقد و لا شبهة عقد و يكون الوطئ في الفرج، سواء كان قبلا أو دبرا بلا خلاف. «1»

و قال العلّامة أعلى اللّٰه مقامه: قال الشيخان و ابن البرّاج: حكم الزنا بالمرأة في الدبر حكم الزنا في القبل و هو المشهور أيضا و قال ابن حمزة: و في الوطي في دبر المرأة قولان أحدهما ان يكون زنا. و الثاني ان يكون لواطا و المشهور هو الأوّل فتعيّن المصير اليه «2».

و قال صاحب الرياض- بعد قول المحقق: قبلا أو دبرا- بلا خلاف أجده به «3».

ترى تصريح بعض كالعلّامة بأنه المشهور و الحلّي و صاحب الرياض بعدم خلاف أو خلاف أجده به [1].

حكم مقطوع الحشفة

ثم انّه لما كان المعتبر في تحقق الزنا هو غيبوبة الحشفة فهنا يأتي البحث في انّه لو كان مقطوع الحشفة فما هو المعتبر؟

و الظاهر الذي صرّح به غير واحد هو اعتبار قدر الحشفة من مقطوعها.

و ان أمكن الخدشة فيه بانّ ظاهر «ادخله» إدخال التمام غاية الأمر انه خرج منه ذو الحشفة خاصّة لترتّب الحكم فيه بالتقاء الختانين و بقي الباقي تحته.

______________________________

[1] أقول: و امّا تقييد الفرج بخاصّة في كلام الشيخين فلعله لإخراج مثل التفخيذ و في قباله.

______________________________

(1) كتاب السرائر الصفحة 428 الطبع الجديد الجلد 3.

(2) المختلف الصفحة 762.

(3) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 463.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 33

لكن فيه انّ الظاهر من التقاء الختانين الوارد في الروايات المترتّب عليه الأحكام هو بيان للمصداق العرفي من الدخول

لا انه مصداق له تعبّدا و عليه فلا فرق بين المقامين و يكفى مقدار الحشفة من الباقي في مقطوعها.

شروط تعلّق الحدّ

اشارة

قال المحقّق قدّس سرّه: و يشترط في تعلّق الحدّ العلم بالتحريم و الاختيار و البلوغ و في تعلّق الرجم مضافا الى ذلك الإحصان.

أقول: و يدلّ على اعتبار العلم أو ما هو قائم مقامه أي الحجّة من الاجتهاد و التقليد أمور:

منها الإجماع المحكي، و في الجواهر: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيّه مضافا الى الأصل.

و منها قوله تعالى وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا «1» ثالثها ما رواه الصدوق مرسلا انه قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله:

ادرأوا الحدود بالشبهات «2».

و من اشتراط العلم يعلم وجه اشتراط العقل أيضا و انّه بدون ذلك لا يتعلّق به الحدّ فان المجنون لا علم له بالحرمة فلا تكليف عليه حتى يعاقب بمعصيته، و يأتي البحث في ذلك و معلوم انّ العقل من شرائط التكليف العامّة و هذا أحد الأمور التي يستدلّ بها في اعتبار العقل لإجراء الحدّ و محصّله انّه لو لا العقل لما كان هناك تكليف عقلا لعدم صلاحية الإنسان للتكليف بدون العقل.

و ثانيها حديث الرفع عن المجنون المنقول في الإرشاد عن أمير المؤمنين عليه السلام: انّ النّبي صلّى اللّٰه عليه و آله قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق «3».

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 15.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من مقدمات الحدود الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 34

فاذا كان التكليف مرفوعا عن المجنون على ما هو الظاهر منه فلا شي ء عليه.

و لو قيل: انّ المراد من الرفع

هو رفع العقاب الأخروي لا التكليف لقلنا:

يكفينا ذلك لانّ العقوبة الدنيويّة حينئذ مرفوعة بالأولويّة.

ثالثها الروايات الخاصّة كخبر حمّاد بن عيسى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علىّ عليهم السلام: قال: لا حدّ على مجنون حتى يفيق و لا على صبيّ حتّى يدرك و لا على النائم حتّى يستيقظ [1].

و امّا الاختيار اى عدم الإكراه فهو معتبر أيضا في تعلّق الحدّ فمع الإكراه لا حدّ أصلا سواء كان المكره- بالفتح- المرية أو الرجل قد اكره من أيّ ناحية و ان كان من ناحية زوجته كما إذا كانت المرأة تتغلّب على زوجها و كانت قاهرة عليه.

و يدلّ على اعتبار الاختيار في ترتب الحدّ قوله تعالى في قصّة عمّار إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ [2].

حيث يدلّ على انّه لا بأس بالتكلم بكلمة الكفر مكرها إذا كان القلب مطمئنا بالايمان فكما ان الإكراه يبرّر التكلم بالكفر كذلك يسوّغ الزنا هذا مضافا الى انّ عدم سقوط الحد على الزنا مع الإكراه عليه من قبيل التكليف بما لا يطاق. فتحصّل انه لا بدّ من سقوط التكليف عن المكره.

و امّا البلوغ فهو شرط فيه بلا كلام و قد قام الإجماع بقسميه عليه و ذلك لعدم توجّه التكليف إلى الصبيّ كي يقام و يجرى عليه الحدّ و ان كان يجوز

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.

أقول: و امّا وجه عدم تعرض المصنف لشرط (العقل) فلعلّه لما يأتي في المتن من الخلاف فيه في الجملة.

[2] سورة النحل الآية 106.

أقول: و يدلّ على اعتبار الاختيار خبر الرفع و كذا الأخبار الكثيرة الواردة في الباب 18 من أبواب الزنا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 35

تعزيره و تأديبه و تربيته حتّى ينشأ على الصلاح و السداد و يجرى بعد بلوغه مجرى الصالحين، لكن هذا غير الحدّ، و حديث الرفع ناطق برفع قلم التكليف عن الصبي.

و على الجملة فهذه الشروط امّا اجماعيّة أو انه لا خلاف في اعتبارها [1] هذا كلّه في الحدّ و امّا الرجم فيشترط فيه مضافا الى جميع هذه الشرائط كونه محصنا و هو ان يكون له ما يغدو عليه و يروح و لا مانع له عن ذلك و قد قام على ذلك الإجماع و دلّت عليه النصوص كما يأتي ذلك في محلّه ان شاء اللّٰه تعالى.

و الحاصل انّه لا مورد للأخذ بإطلاق: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا إلخ، بل تلاحظ تلك الشرائط في إقامة الحدّ.

ثم انّ وجه اعتبار الشرط الزائد في الرجم هو انّه حدّ اللّٰه الأكبر بخلاف الجلد فإنّه حدّ اللّٰه الأصغر كما ورد التعبير بهما في الاخبار فراجع «1».

قال المحقّق: و لو تزوّج امرأة محرّمة كالأمّ و المرضعة و المحصنة و زوجة الولد و الأب فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حدّ.

أقول: كان البحث في شرائط الحدّ سواء كان لبعضها دخل في ماهيّة الزنا أم لا، و قد علمت انّ من جملتها العلم فيعتبر علم كلّ واحد منهما بالحرمة حتّى يجب عليه الحد فلو عقد على امرأة محرّمة عليه و وطأها جاهلا بالتحريم فلا حدّ.

ثم انّ لفظ الجهل مطلق يشمل الجهل المركّب و البسيط فتارة يكون الإنسان جاهلا بالحرمة و يرى نفسه عالما فهو قاطع بالحلّ، و اخرى لا يعلم الحكم و هو ملتفت الى عدم علمه بذلك.

و الجاهل الأصلي أي الجاهل بالجهل المركب قد يكون جاهلا

______________________________

[1] أقول: و هو أيضا من ألفاظ الإجماع و ان

كان يظهر من بعض الكلمات انّه ليس في رديف الإجماع الّا انّ الشيخ المرتضى قدّس سرّه صرّح بانّ نفي الخلاف لا يقصر عن نقل الإجماع فراجع المكاسب المحرّمة الصفحة 30 باب حفظ كتب الضلال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة جلد 18 باب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 36

بالحكم و اخرى بالموضوع فالأوّل كما إذا كان حديث العهد بالإسلام و كان قبل إسلامه يستحلّ نكاح المحارم مثلا و بعد لم يتوجّه لحرمة ذلك في الإسلام و ارتكب ذلك. و الثاني كمن وطئ الأجنبيّة معتقدا انّها حليلته.

و الجاهل بالجهل البسيط تارة يكون جهله هو الشك البدوي و اخرى مقرونا بالعلم الإجمالي و هو على قسمين فتارة يكون الشك و الشبهة في أطراف محصورة و اخرى في أطراف غير محصورة.

كما انّ الجهل البسيط قد يكون بمجرد الشك و اخرى مع الظن و ثالثة مع الوهم، لا شك و لا ترديد في سقوط الحد عن الجاهل بالجهل المركّب مطلقا سواء كان بالنسبة إلى الحكم أو الموضوع.

و انّما الإشكال في الجهل البسيط و قد اختلفت الأقوال في مسئلة الجهل فذهب بعض الى كون الجهل مطلقا بأي صورة كان مانعا عن تعلّق الحدّ و ان كان جهلا بسيطا سواء ا كان الجاهل شاكا في الحرمة أو ظانا بها أو واهما لها فمجرّد عدم العلم كاف في درء الحدّ.

و قال بعض آخر انّه لا حدّ مع الجهل المركّب و كذا مع الجهل البسيط إذا كان الجاهل ظانا بالحلّ واهما للحرمة فقط، و على هذا فالصورتان الباقيتان اى الجاهل الشاك و الجاهل الواهم للحلّ يتعلّق بهما الحدّ.

و قال الشهيد الثاني: ضابط الشبهة المسقطة للحدّ توهّم الفاعل أو

المفعول انّ ذلك الفعل سائغ له لعموم ادرءوا الحدود بالشبهات لا مجرّد وقوع الخلاف فيه مع اعتقاد تحريمه انتهى «1».

فاعتبر هو في درء الحدّ توهّم الجواز.

و لا ندري انّ مراده من التوهم هو التوهم المصطلح اى الاحتمال الذي هو دون الشك أو انّ مراده منه هو الظن بالجواز و على الأوّل فيكتفى في درء الحدّ بمجرد الاحتمال المرجوح فضلا عن الشك و الظن و هذا بخلاف الثاني فإنّه عليه لا يدرء الحدّ مع الشك فضلا عن التوهم و ان كان لا يبعد ظهوره في

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 423.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 37

الأوّل أي الاحتمال المرجوح و مقتضى ذلك، الاكتفاء في حصول الشبهة الدارئة للحدّ به و بالاحتمال المساوي فضلا عن الظنّ بالحلّ.

و قال صاحب الرياض عند بيان ملاك الشبهة: ما أوجبت ظنّ الإباحة، فقد اعتبر رضوان اللّٰه عليه الظنّ بالإباحة و عليه فالشك في الحلّ أو احتماله المرجوح لا ينفع شيئا و لا يدفع الحدّ.

لكن في كلامه إجمال من ناحية أخرى و هي انّ الظن على قسمين ظنّ معتبر و ظنّ غير معتبر و لا تعرض في كلامه لاشتراط اعتباره و عدمه و مقتضى ذلك هو الاكتفاء بالظن مطلقا و ان لم يكن معتبرا.

و بعضهم قد فسّر الظن بالعلم و الاعتقاد، فالملاك عنده هو القطع.

و في الجواهر في باب النكاح: انّ وطي الشبهة على ثلاثة أقسام الأوّل الوطي الذي ليس بمستحق مع اعتقاد فاعله الاستحقاق لجهل بالموضوع أو جهل بالحكم الشرعي على وجه يعذر فيه، الثاني الوطي الذي ليس بمستحق مع اعتقاد فاعله الاستحقاق الّا انّ النكاح معه جائز شرعا كالمشتبه بغير المحصور و التعويل على اخبار المرأة.

الثالث الوطي الغير المستحق و لكن صدر ممّن هو غير مكلّف كالنائم و المجنون و السكران بسبب محلّل و نحوهم و ما عدا ذلك و النكاح الصحيح الذي قد عرفت كلّه زناء هذا «1» و حاصل كلامه انّه لا بدّ في سقوط الحدّ امّا من العلم بالحلّ جهلا مركّبا و امّا من قيام الظن المعتبر على حلّه فلو لم يكن هناك علم بالحلّ و لا ظنّ معتبر به فلم يكن له سوى الشك فلا أقلّ من ان يكون مع شكه مجوز للارتكاب فالظن أو الشك الذي لا مانع من العمل به شرعا يدرء الحدّ و امّا بدون ذلك فلا.

و قال أيضا بعد تحقيقات له: و قد ظهر من ذلك انّ إطلاق الظن في تعريف الوطئ بالشبهة و كذا عدم العلم بالتحريم ليس محمولا على ظاهره بل هو مقيّد بما يجوز معه الوطئ على ما صرّحوا به و اقتضته طريقتهم المعلومة في

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 247.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 38

استباحة الفروج انتهى «1».

أقول: و على هذا فيشترط العلم بالحلّ و لو بحسب الظاهر فيؤخذ بالعموم أو الإطلاق و غيرهما و ذلك كما في الشبهة غير المحصورة حيث يؤخذ فيه بعموم:

وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ، و غيره، كما انّه لو شهد عدلان بطلاق امرأة خاصّة أو بموت زوجها فإنّه يجوز نكاحها لانّ الشارع جعل البيّنة حجّة و حينئذ و ان كان الشك في جواز الوطي محققا الّا انّ الدليل الشرعي يسوّغ ذلك فلو لم يكن دليل أصلا فهو في صريح كلامه زناء و يترتب عليه الحدّ، و لا يلحق الولد، لكنّه مال الى خلاف ذلك في الحدود لانّه نقل أوّلا عن

العلامة السيد الطباطبائي قدّس سرّه تعريف الوطئ بالشبهة بأنّه: الوطئ الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرّم.

و في الجواهر بعد نقل كلام المصابيح: و المراد بالجهالة المغتفرة ان لا يعلم الاستحقاق و يكون النكاح مع ذلك جائزا كما لو اشتبه عليه ما يحلّ من النساء بما يحرم منهنّ مع عدم الحصر أو عوّل على اخبار المرأة بعدم الزوج أو انقضاء العدّة أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته، الى غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا و ان كان قريبا اوء مظنونا، و بارتفاع. الى آخره، الجنون و النوم و نحوهما دون ما كان بسبب محرّم كشرب الخمر المسكر فإنه بحكم الزاني في تعلّق الحدّ و غيره.

و مقتضى ما ذكره في المصابيح كما صرّح به في الجواهر هو عدم ترتّب الشبهة على الظن غير المعتبر شرعا لا في الموضوع و لا في الحكم الّا ان يعتقد الإباحة به جهلا منه و الّا كان زانيا.

و أورد قدّس سرّه عليه بقوله: و هو و ان كان صريح بعض المتأخّرين كثاني الشهيدين و سبطه الّا انّ جملة من عبارات الأصحاب مطلقة في الاكتفاء بالظن الشامل لما لا يعلم صاحبه الحلّ و ربما لا يكون ملتفتا لذلك و لا متصوّرا

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 253.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 39

لحكمة من هذا الجهة، انتهى «1» فلازم كلام السيّد في المصابيح هو عدم كون الاحتمال المرجوح و لا الظن غير المعتبر موجبا للشبهة الدارئة و مقتضى كلام صاحب الجواهر في المقام و

ما أورده من الاشكال، هو الاكتفاء بالظنّ مطلقا.

و على الجملة فظاهر كلام الجواهر في باب النكاح «2» هو دوران الأمر بين وجود مجوّز شرعيّ للارتكاب و ان كان هو الأصل فهناك يدرء الحدّ و عدم ذلك فلا لانّ الفروج لا تستباح الّا بسبب شرعيّ و ليس منه مجرّد الاحتمال أو الظن فإنّه قد اباحه بشرط العلم بالاستحقاق أو حصول ما جعله امارة و بدونها يكون الوطئ زناءا و ذلك كما إذا تزوج المفقود زوجها من دون فحص و لا رفع الى الحاكم و لكن بظنّ وفاته لطول المدّة أو تعويلا على اخبار من لا يوثق به أو شهادة العدل الواحد الّا ان يحصل له الاعتقاد بالجواز هذا.

فاختلفت الأقوال و الآراء و اختلف معيار الجهل عندهم في المقام.

اشارة

فلا بدّ من مراجعة الأدلّة و النظر و التأمّل فيها و هي الآية الكريمة و الاخبار الشريفة.

امّا الاولى: قوله تعالى:

الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ «3» و ظاهرها ترتب الحكم اى الحدّ على من كان زانيا أو زانية لا الزاني العالم، و المعيار هو الزناء لا الزناء المعلوم و على هذا فكلّما صدق الزنا يجب الحدّ و ان لم يكن عالما و في مثل الجهل المركّب ربّما لا يصدق الزنا و كذا الجهل البسيط مع قيام البينة كما إذا تزوّج امرأة معتدة مع قيام البيّنة على انقضاء عدّتها فإنّه و ان كان العقد باطلا مع انكشاف الخلاف لكن مفهوم الزنا غير صادق ظاهرا و ان أمكن ادعاء انّ للعلم دخلا في تعلّق الحدّ و لا مدخل له في صدق المفهوم.

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 263.

(2) راجع الجلد 29 الصفحة 245.

(3) سورة النّور الآية 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 40

و امّا الثانية اى الاخبار

فمنها رواية الكناسي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدّتها فقال: ان كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم و ان كانت تزوجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فان عليها حدّ الزاني غير المحصن و ان كانت قد تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيّام فلا رجم عليها و عليها ضرب مأة جلدة. قلت:

أ رأيت ان كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين الّا و هي تعلم انّ عليها عدّة في طلاق أو موت و لقد كنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك قلت: فان كانت تعلم انّ عليها عدّة و لا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت انّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتى تعلم «1».

قوله

عليه السلام: ما من امرأة إلخ يحتمل ان يكون المراد منه انّه لا يمكن ان تكون جاهلة فلو ادّعت الجهل فهي كاذبة بعد ان كانت المطلب بحيث يعلمه الكلّ.

و يمكن ان يكون المراد عدم كون جهلها عذرا و ذلك لتقصيرها في التعلّم و الحال هذه.

و قوله عليه السلام: لزمتها الحجّة، يحتمل ان يراد منه لزوم الحجّة في العقاب فيقال له في الآخرة- على ما ورد في بعض الاخبار- هلّا تعلّمت «2».

و يمكن ان ا؟؟؟؟؟ د لزوم الحجّة حتّى في إجراء الحدّ فلا تدرء الشبهة الحدّ، و الجهل غير مانع عنه هنا.

فهذه الرواية غير واضحة الدلالة على ما نحن بصدده.

و هنا أخبار أخر نقلها المحدّث العاملي في باب عنوانه: باب انّ من فعل ما يوجب الحدّ جاهلا بالتحريم لم يلزمه شي ء من الحدّ:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب الحدود الحديث 3.

(2) أمالي الشيخ الطوسي الجلد 1 الصفحة 9 و تفسير الصّافي ذيل الآية 149 من سورة الانعام.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 41

عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: لو انّ رجلا دخل في الإسلام و أقرّ به ثم شرب الخمر و زنى و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلا الّا ان تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ «1».

و هذه الرواية ظاهرة في مانعيّة الجهل عن تعلّق الحدّ لكن في سقوطه للجهل البسيط تأمل و ترديد، و المتيقّن هو الجهل المركّب.

بل يمكن ان

يقال: انّ الظاهر انّه إذا كان قد دخل في الإسلام جديدا- على ما هو المفروض في الرواية- فهو بحسب النوع غافل محض اى الجاهل المركب فلا يشمل ما إذا كان ملتفتا الى جهله ظانا كان أو شاكّا أو محتملا.

كما انّ قوله عليه السلام: و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام، ليس له ظهور في الجهل البسيط و لا الأعم بل هو يساعد الجهل المركّب بالخصوص و لعلّ المراد منه هو انّهم لم يبيّنوا له ذلك و لم ينبّهوه. و على الجملة فالرواية ظاهرة في الجهل المركّب.

و عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دعوناه إلى جملة الإسلام فاقرّ به ثم شرب الخمر و زنى و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام أقيم عليه الحدّ إذا جهله؟ قال: لا الّا ان تقوم عليه بيّنة انّه قد كان أقرّ بتحريمها «2».

قوله: قد أقرّ بتحريمها يراد به انّه كان عالما بتحريمها فإنّ الإقرار طريق اليه. و لا يخفى انّه يجرى في هذه ما ذكرناه في سابقته.

عن ابى عبيدة الحذّاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو وجدت رجلا كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شي ء من التفسير زنى أو سرق أو شرب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 42

خمرا لم أقم عليه الحدّ إذا جهله الّا ان تقوم عليه بيّنة انّه قد أقرّ بذلك و عرفه «1».

و عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام في رجل دخل في

الإسلام شرب خمرا و هو جاهل قال: لم أكن أقيم عليه الحدّ إذا كان جاهلا و لكن أخبره بذلك و أعلمه فإن عاد أقمت عليه الحدّ «2».

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في حديث انّ أبا بكر أتى برجل قد شرب الخمر فقال له: لم شربت الخمر و هي محرّمة؟ فقال: إنّي أسلمت و منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر و يستحلّونها و لو أعلم انّها حرام اجتنبتها فقال علىّ عليه السلام لأبي بكر: ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين و الأنصار فمن كان تلا آية التحريم فليشهد عليه فان لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شي ء عليه ففعل فلم يشهد عليه أحد فخلّى سبيله «3».

و هذه الاخبار كلّها واردة في الجهل بالحكم و امّا الجهل بالموضوع فلا تعرّض له في الروايات.

نعم هنا رواية أخرى واردة في الجهل بالموضوع و هي رواية يحيى بن العلا قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما ترى في رجل تزوّج امرأة فمكثت معه سنة ثم غابت عنه فتزوّجت زوجا آخر فمكثت معه سنة ثم غابت عنه ثم تزوّجت آخر ثم انّ الثالث أولدها قال: ترجم لأنّ الأوّل أحصنها قلت: فما ترى في ولدها؟

قال: ينسب إلى أبيه. قلت: فان مات الأب يرثه الغلام؟ قال: نعم «4» فان الظاهر منها انّه كان الزوج- أبو الغلام- جاهلا بكون المرأة ذات بعل فيلحق به الولد و تجري الوراثة بينهما فيعلم انّ الحدّ يدرء في الجهل الموضوعي أيضا كما هو مسلّم عند العلماء في الجملة.

و حاصل الكلام بالنسبة إلى البحث الأصلي هو انه ليس في الروايات

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدّمات

الحدود 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حدّ الزنا الحديث 12.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 43

ظهور تطمئن إليه النفس بل هي ظاهرة في الجهل المركّب بلحاظ ما تقدّم منّا من انّ من دخل في الإسلام جديدا فهو غير ملتفت أصلا إلى الأحكام و هي غير مبيّنة له. فلم نجد في الاخبار أيضا ما يفيدنا بالنسبة إلى الجهل البسيط فلم يبق الّا الحكم على حسب القواعد.

فنقول: لا شك في انّه لا حدّ على من اعتقد الحلّ مع عدم استحقاقه واقعا بل لعلّه لا يصدق عليه انّه قد زنى، فمن تزوّج امراة معتقدا الحل ثم بان انّها كانت عمّته أو خالته مثلا لا يقول الناس انّه زنى بل يقال في حقّه انّه وطئ شبهة. و الظاهر من لفظ الشبهة- كالاشتباه- هو عدم الاعتقاد الباطل كما حملت الروايات الواردة في جديد الإسلام على ذلك على ما تقدّم.

و امّا من شكّ في الحرمة فهو من إفراد العالم بالحرمة، و العلم طريقي- لا موضوعي- فتخلفه الأمارات و الأصول فلو شهد عنده عدلان بأنّ المرأة التي يريد تزويجها مزوّجة و لم يحصل له العلم بذلك فإنّها محرّمة عليه و يحدّ هو على وطيها بلا توقّف على انّهما صادقان في علم اللّٰه أم لا كما انّه لو كان الأصل الشرعي يقتضي الحرمة كالمرأة المعتدّة التي يراد تزويجها و يشكّ في انقضاء عدّتها فان مقتضى الاستصحاب و إبقاء ما كان على ما كان بحكم الشرع هو الحكم ببقاء العدة و ترتيب أحكامها كالحرمة

و غيرها و عليه فيجب اجراء الحدّ عليه أيضا إذا وطئها و الحال ذلك و هذا هو الحكم في تمام صور الجهل البسيط- اى سواء كان شاكا أو ظانا أو واهما- إذا كان هناك دليل شرعي يدلّ على الحرمة- كما انه لو كان هناك دليل من الامارة و الأصل قد دلّ على الحلّ و الجواز فإنّه يترتّب عليه سقوط الحدّ.

و امّا لو كان شاكا مطلقا و لم يكن دليل أو أصل شرعي يدلان على الحرمة بأن كان في مجرد حال الشك في الحرمة أو الظن بها مع عدم كون ظنه من الظنون المعتبرة شرعا، أو الوهم بها فهناك لا وجه لجريان الحدّ بالارتكاب قبل الفحص في الأحكام.

و امّا إذا كان شكّه مع العلم كما إذا تردد الحرام بين أطراف في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 44

الموضوعات فان العلم الإجمالي قائم على وجود حرام في البين، و هو على قسمين فتارة يكون أطرافه محصورة و اخرى غير محصورة و الحكم في الثانية عدم لزوم الاجتناب كما إذا تردّد أحد المحارم بين إفراد غير محصورة فالمتزوج يكون كالمعتقد بالحليّة بناء على عدم تنجيز التكليف بالعلم بالحرام المردّد بين غير المحصور و امّا إذا كانت أطراف الشبهة محصورة فالدليل العقلي على لزوم الاحتياط قائم و ذلك لوجود الحرام المقطوع به في البين مع عدم كون أطراف الشبهة غير محصورة فإن كانت الحجة أعم من الشرعي و العقلي فلا محالة يكون ارتكاب أحد الأطراف غير سائغ و يترتّب عليه الحدّ و امّا على فرض الاختصاص بالدليل الشرعي فهو مفقود فلا يترتّب على ارتكابه الحدّ و ذلك لانّ اللازم على هذا هو الحجّة على التحريم المنجّزة للعقاب

و من المعلوم انّ ارتكاب أحد الطرفين- مثلا كوطي احدى المرأتين المردّدتين فيما إذا علم انّ واحدة منهما حلال له و الأخرى محرّمة عليه- ممّا لم تقم عليه حجّة شرعيّة على التحريم و على هذا فلا يوجب الحدّ. و الظاهر من رواية أبي أيّوب هو كفاية الحجّة على العقاب لدلالتها على لزوم الحجّة على المرأة بمجرّد علمها بلزوم أصل العدّة مع انّها لا تعلم كم هي.

و يظهر ذلك أيضا من قوله تعالى وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا «1». حيث انّه يدلّ على انّه لا عذاب بدون بعث الرسول و الإتيان بالأحكام و امّا إبلاغها الى كلّ أحد فليس معتبرا في العذاب و انّما وظيفة العباد هو الرجوع الى الرسول و السؤال منه.

و يدلّ على ذلك أيضا ما ورد في بعض الاخبار من انّ مثل الامام مثل الكعبة حيث تؤتى و لا تأتى «2».

لكن مع ذلك ليس هنا إلّا الحجّة على العقاب و هو حكم العقل بلزوم الاجتناب حذرا عن ارتكاب المحرّم الواقعي فلو كان الحدّ موقوفا على الحجّة

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 15.

(2) الإنصاف للسيّد البحراني الصفحة 290 و منتخب الأثر الصفحة 90 عن كفاية الأثر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 45

على التحريم فهنا أيضا لا حدّ نعم لو قلنا بكفاية الحجّة على العقاب فارتكاب أحد الطرفين يوجب الحدّ.

و الظاهر ان الحد مترتّب على العلم بالزنا و ان كان ذلك بسبب دليل شرعي و امارة شرعيّة لا على حكم العقل بلزوم الاحتياط فلذا لا حدّ في المقام و بعبارة اخرى انّه كلّما وجد دليل على الحرمة الظاهريّة و ان لم يكن هناك علم وجدانيّ فلا يسقط الحدّ و كلّما لم يوجد

ذلك و انّما وجب الاحتياط عقلا فهناك يسقط و ذلك لعدم المانع من جريان قاعدة درء الحدود بالشبهات الّا على القول بانّ المراد من الشبهة هي الشبهة التي يجوز ارتكابها بإحدى الأمارات المعتبرة أو الأصول كذلك.

و فيه انّه لا شبهة هناك حتّى يتمسّك بالقاعدة و ذلك لانّه مقطوع الحلية بحكم الظاهر [1].

و على الجملة فلو كان المراد من الشبهة مجملا فكلّما دلّ الدليل الشرعي على الحرمة فهو كاف في ترتّب الحدّ و الّا فلا يجرى عليه الحدّ و ذلك لحرمة إقامته إلّا بمبرّر قاطع. فلا يجوز إجرائه في أطراف العلم الإجمالي و ان كان يحرم ارتكابها عقلا.

و امّا ما ذكروه من لزوم الاحتياط في الفروج على ما هو دأب العلماء في الشبهات الموضوعيّة.

ففيه انهم قالوا بالاحتياط في الدماء أيضا فكيف يمكن الحكم بالزنا و الاقدام على الرجم [2] مثلا مع لزوم الاحتياط في الدماء الّا بدليل قاطع فبلحاظ

______________________________

[1] قال سيّدنا الأستاذ دام ظلّه في دفتر مذكّراته: فتحصّل من جميع ذلك، سقوط الحدّ في غير وطي اعتقد حرمته أو دلّ دليل معتبر عليها من غير فرق بين الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة و ذلك لانّ المتيقّن من وجوب الحدّ ذلك و الباقي مشكوك و الأصل عدمه و لعلّ المحقّق رحمه اللّٰه أراد بالعلم أعم من الحرمة الظاهرية انتهى كلامه دام بقائه.

[2] و قد أوردت بأنّه ليس حكم الزنا هو الرجم مطلقا كي يتمسّك بالاحتياط في الدماء و الأنفس.

فأجاب سيّدنا الأستاذ الأكبر دام ظله بأنّه لا فرق بين الجلد و الرجم في مساسهما بالنفوس و انّما ذكروا الرجم من باب أظهر المصاديق.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 46

هذا الاحتياط لا يجوز اجراء الحدّ عليه.

و لا

يخفى عليك انّ النزاع في باب درء الحدّ بالشبهة قليل الجدوى و ذلك لانّ الغالب هو قيام الدليل في الموارد و بحسبها امّا على الحلّ أو الحرمة و قلّما يتّفق مورد لا يكون هناك امارة أو أصل شرعي معتبر كما إذا وجد امرأة في فراشه مثلا و دار الأمر بين كونها حليلة أو أجنبيّة.

الغافل و الناسي

و امّا الغافل المحض اى غير المتوجه الى المطلب بحيث لا ينقدح في ذهنه أصلا كي يعتقد بالحل مثلا فالظاهر ان يكون كالقاطع بالخلاف فتشمله الروايات الواردة في الجهل المركّب فلا يجرى عليه الحدّ لدرئه بالشبهة.

و امّا الناسي فالظاهر انّه أيضا كذلك فتشمله الروايات و لا خصوصيّة للجهل بل المراد هو ما يشمل ذلك أيضا كما هو الظاهر من كلام شيخ الطائفة.

قال قدّس سرّه: باب ماهية الزنا و ما يثبت به ذلك. الزنا الموجب للحد هو وطئ من حرّم اللّٰه تعالى وطيه من غير عقد و لا شبهة عقد و يكون الوطي في الفرج خاصّة و يكون الواطى بالغا كاملا فامّا العقد فهو ما ذكرناه في باب النكاح من اقسامه ممّا قد اباحه اللّٰه تعالى في شريعة الإسلام. و امّا شبهة العقد فهو ان يعقد الرجل على ذي محرم له من أمّ أو بنت أو أخت أو عمّة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت و هو لا يعرفها و لا يتحققها أو يعقد على امرأة لها زوج و هو لا يعلم ذلك أو يعقد على امرأة و هي في عدّة الزوج لها امّا عدّة طلاق رجعي أو بائن أو عدّة المتوفّى عنها زوجها و هو جاهل بحالها أو يعقد على امرأة و هو محرم أو هي محرمة ناسيا ثم

علم شيئا من ذلك فإنّه يدرأ عنها الحدّ و لم يحكم له بالزنا «1».

ثم لو فرض عدم شمول أدلة المقام للناسي فإنّما يكفي في ذلك حديث الرفع لكون النسيان من الأمور التسعة المرفوعة عن الأمة.

______________________________

(1) النهاية كتاب الحدود الصفحة 688.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 47

العقد بمجرّده غير كاف في سقوط الحدّ

و هل يكتفى بمجرد العقد في سقوط الحد بأن ينهض شبهة فيوجب الدرء ام لا؟

قال المحقّق قدّس سرّه: و لا ينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط الحدّ فلو استأجرها للوطي لم يسقط بمجرّده.

أقول: و لا إشكال في ذلك و لا خلاف فيه بل لا يحتاج هذا الكلام الى الاستدلال و لا حاجة الى ردّ من قال بانّ العقد بنفسه كاف في السقوط و انّما قد تعرّضوا لذلك ردّا لأبي حنيفة فإنّه الذي قال بذلك [1] و لو كان عالما بالتحريم، مستدلا بدرء الحدود بالشبهات.

قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: إذا استأجر امرأة للوطء فوطئها لزمه الحدّ و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: لا حدّ عليه. دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله تعالى: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ، و هذه ليست واحدة منهما «1».

و قال قدّس سرّه أيضا: إذا عقد النكاح على ذات محرم له كأمّه و بنته و أخته و خالته و عمته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه أو أبيه أو تزوّج بخامسة أو امرأة لها زوج و وطئها أو وطئ امرأة بعد ان بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم فعليه القتل في وطي ذات محرم و الحدّ في وطئ الأجنبيّة

______________________________

[1] ففي الفقه على المذاهب الأربعة للجزيرى الجلد 5 الصفحة 98 (في بحث العقد على المحارم):

المالكية و

الشافعية و الحنابلة و أبو يوسف و الامام محمّد بن الحنفيّة قالوا: إذا عقد رجل على امرأة لا يحلّ له نكاحها بان كانت من ذوي محارمه كأمّه و أخته مثلا أو محرّمة من نسب أو رضاع ثم وطئها في هذا العقد و هو عالم بالتحريم فإنّه يجب عليه اقامة الحدّ لانّ هذا العقد لم يصادف محلّه لانّه لا شبهة فيه عنده، و يلحق به الولد الإمام أبو حنيفة قال: لا يجب عليه اقامة الحدّ، و ان قال: علمت انها علىّ حرام، لكن يجب عليه بذلك المهر، و يلحق به الولد، و يعاقب عقوبة هي أشدّ ما يكون من أنواع التعزير سياسيّا لا حدّا مقدّرا شرعيّا إذا كان عالما بذلك إلخ.

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود مسئلة 26.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 48

و به قال الشافعي الّا انّه لا يفصّل و قال أبو حنيفة: لا حدّ في شي ء من هذا حتّى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها لا حدّ عليه، فان استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحدّ. دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله تعالى: و لا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء الّا ما قد سلف انه كان فاحشة. إلى آخر كلامه «1».

و قد يوجّه كلامه بإرادة ما لا يعلم حرمته يقينا و ان كان هو حراما بمقتضى الاجتهاد.

و لكن كلامه يأبى عن ذلك بل هو يقول بانّ مجرّد العقد اى عقد نكاح المحرّمات أو استيجار المرأة للوطء كاف في حصول الشبهة و سقوط الحدّ.

و الذي يسهّل الخطب انه لا مورد لتوجيه كلام أبي حنيفة بعد ان نعلم ما هو المعهود منه من الفتاوى الفاسدة و الآراء و النظرات الباطلة المخالفة لضرورة

الدّين مثل حكمه بإلحاق الولد بالرجل إذا كانت زوجته قد حملت في أيام سفره، فلا بعد أصلا من مثله ان يقول بانّ العقد ينهص شبهة في سقوط الحدّ.

نعم ما ذكر في هذا التوجيه في نفسه كلام حسن في الجملة و وجيه في بعض الموارد فان من الممكن ان يكون العقد سببا للشبهة و درء الحد كما إذا فرض انّ خبرا صحيحا دلّ على كفاية عشر رضعات في التحريم و مع ذلك قد تزوّجها فإنّها بحسب اجتهاده و ان كانت محرّمة عليه الّا انّ ذلك لا يوجب القطع بالحرمة فإنّ الخبر واجب العمل عنده ظاهرا و الّا فلا يخلو الأمر في الواقع من كفاية العشر فهي محرّمة عليه أو اعتبار خمس عشر رضعة فهي عليه حلال و هذه هي الشبهة لأنّ الزنا هو الوطي غير المستحق و هذا مشكوك فيه في المقام فيكون العقد كافيا في درء الحدّ [1].

______________________________

[1] فيه انه ينافي ما كان يذكره دام ظلّه كثيرا في الدرس من انه لا شبهة مع الاستظهار عن الدليل و قد تقدّم انّ العلم أعم من الوجداني و الحكم الظاهري اجتهادا أو تقليدا هذا مضافا الى انّه خروج عن محلّ الكلام فإنّه يقول بكفاية العقد بمجرّده لا العقد مع عدم العلم بالتحريم و هكذا

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود مسئلة 29.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 49

و هكذا بالنسبة إلى عقد الإجارة بأن استأجر امرأة للوطي زاعما انّها تحلّ عليه بذلك فإنه لا يحدّ حينئذ خصوصا بلحاظ ما ورد من التعبير بالأجر عمّا يدفع إليهنّ في الاستمتاع كقوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً «1». و على الأخصّ بلحاظ انّ العامّة يفسّرون آيات

القرآن الكريم بما يبدو في أذهانهم بلا مراجعة الى أهل بيت الوحي و التنزيل، و على الجملة فلو تخيّل لأجل هذه الأمور أنه يباح استيجارهنّ لذلك فأنشأ عقد الإجارة فإنه كاف في سقوط الحدّ.

و نظير ذلك ما إذا تخيّل و اعتقد انه يجوز للمرأة ان تهب نفسها لرجل و تباح له بذلك حيث راى جواز ذلك بالنسبة إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله لقوله تعالى وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ «2» فزعم انّ ذلك حكم عام يشمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و غيره و لا يختصّ به فإنه لو وطئها و الحال هذه فلا حدّ عليه.

و كيف كان فبطلان ما ذكره أبو حنيفة بمكان من الوضوح و قد ردّوا عليه في كلماتهم.

قال العلّامة أعلى اللّٰه مقامه: لو تزوّج من يحرم عليه نكاحها كالأمّ و البنت و الأخت و المرضعة و ذات البعل و المعتدّة و زوجة الأب أو الابن كان العقد باطلا بالإجماع فإن وطئها مع علمه بالتحريم وجب عليه الحدّ، و لا يكون العقد وحده شبهة في سقوط الحدّ، و لو وطئ جاهلا بالتحريم سقط الحدّ و هكذا كلّ نكاح اجمع على بطلانه كالخامسة و المطلّقة ثلاثا، امّا النكاح المختلف فيه كالمجوسيّة فإنّه لا حدّ فيه و هكذا كلّ نكاح توهّم الواطى الحلّ فيه، و لو استأجرها للوطي وجب الحدّ و لم يسقط به الّا ان يتوهم الحلّ به انتهى «3».

______________________________

الكلام في فرض الإجارة.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 24.

(2) سورة الأحزاب، الآية 50.

(3) التحرير كتاب الحدود الصفحة 219.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 50

و قال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه: و يشترط في الحدّ بالزنا مطلقا العلم بتحريمه من

غير ان يحصل عنده شبهة محلّلة فلو توهّم الواطى حلّ أحد المحرّمات المؤبّدة نسبا أو رضاعا أو مصاهرة يسقط الحدّ اى لا يجب به الحدّ و لا يسقط بمجرّد العقد مع العلم بالتحريم معه و فساد العقد و كذلك لا يسقط الحدّ بل يتعلّق و يجب باستئجار المرأة للوطء مع العلم بعدم الحل بذلك و فساد العقد. نعم لو توهّم الحلّ بالاستئجار أو بغير الاستيجار مثل ان تهب نفسها أو تبيح وطيها أو يوقعه بلفظ غير صحيح أو يكون قصده الإباحة مع الجهل بانّ ذلك غير كاف و كذا العقود الفاسدة لعدم العربيّة أو القصد أو الأعراب أو المقارنة أو الاشتمال على شرط فاسد مثل ان لا يطأ و بالجملة جميع ما يمكن ان يتوهّم و يعتقد انّه ليس بمحرّم و ان كان نفس رضاهما و بأيّ شي ء كان فإنه موجب لعدم تعلّق الحدّ و سقوطه.

ثم قال: و دليل تحريم الزنا وجوب الحدّ مع الشرائط، الكتاب و السنّة و الإجماع و دليل عدمه مع عدم و لو كان بوجه بعيد كون الجاهل معذورا و بناء الحدود على التخفيف و درء الحدود بالشبهات انتهى كلامه رفع مقامه.

قال المحقّق: و لو توهم الحلّ به سقط

و قد فسر في الجواهر التوهم بالاعتقاد و قال- عقيب قول المصنّف: و لو توهم-: على وجه اعتقده، فلو قطع بانّ العقد كاف في الحلّ فلا محالة يسقط الحدّ.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون اعتقاده ناشيا عن الاجتهاد أو التقليد و قد مرّ ذلك و في الجواهر: بل و ان كان ذلك لتقصير منه في المقدمات باختيار مذهب فاسد يقتضي ذلك أو باعراض عن أهل الشرع أو بغير ذلك ممّا يكون

فيه مشتبها و ان كان هو آثما في ظنّه إلخ.

قال المحقّق: و كذا يسقط في كلّ موضع يتوهّم الحلّ كمن وجد على فراشه امرأة فظنّها زوجته و لو تشبّهت له فعليها الحدّ دونه و في رواية يقام عليها

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 51

الحدّ جهرا و عليه سرّا.

أقول: كلّ ذلك على أساس المعيار الذي ذكرناه من انّ من بان له الأمر فوطئ عالما بانّ عمله حرام يحكم عليه بالزنا و يحدّ و من أقدم على الوطئ مشتبها عليه الأمر فلا يحدّ لعدم ثبوت الحرمة عليه شرعا. و عليه يتمّ ما افاده من انّ من وجد على فراشه امرأة فوطئها زاعما انّها زوجته فإنّه لا حدّ عليه. و هكذا لو تشبّه الرجل لها بحيث زعمت انه زوجها فلا حدّ على المرأة و انّما يحدّ الرجل و العكس العكس فلو تشبّهت المرأة للرجل بحيث أيقن أنها زوجته فان عليها الحدّ لانّه لا شبهة لها فإنّها قد تعمّدت و أقدمت على العمل عالمة بالحرمة بخلاف الرجل لانّه قد أقدم للشبهة الطارية عليه فلا حدّ عليه. هذا هو مقتضى الأدلّة و القاعدة و ذلك لانّ أحدهما زان دون الآخر.

نعم هنا رواية تدلّ على خلاف ذلك في الفرض الأخير و هي رواية أبي الروح: انّ امرأة تشبّهت بامة لرجل و ذلك ليلا فواقعها و هو يرى انّها جاريته فرفع الى عمر فأرسل الى علىّ عليه السّلام فقال: اضرب الرجل حدّا في السّرّ و اضرب المرأة حدّا في العلانية [1].

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 38 من أبواب حدود الزنا الحديث 1، و قال الشيخ الحرّ العاملي: حمله أكثر الأصحاب على شك الرجل أو ظنّه و تفريطه في التأمّل

و انّه حينئذ يعزّر لما تقدّم في تزويج امرأة لها زوج و غير ذلك و قد رواه المفيد في المقنعة مرسلا نحوه، الّا انّه قال: فوطأها من غير تحرّز انتهى.

و قال المحقّق في نكت النهاية بعد التعرّض لخبر الأعمى: و كذا القول في الرّواية عن أمير المؤمنين عليه السلام عن امرأة تشبّهت لرجل بجاريته و اضطجعت على فراشه ليلا فظنّها جاريته فوطئها من غير تحرّز و رفع خبره إليه فأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرا و اقامة الحدّ على المرأة جهرا، و في هذا الخبر شيئان كلّ واحد منهما يوجب الشبهة و هو انّها تشبّهت، الثاني انّه ظنّها جاريته ثم إذا حكم عليه بأنّه زان لم حدّه سرّا؟

ثم قال: الجواب: أمّا الأعمى الى ان قال: و امّا الرواية المتضمّنة إقامة الحدّ على الرجل سرّا فهي رواية أبي بشر عن ابى نوح انّ عمر أرسل في ذلك الى على (ع) فقال له: اضرب المرأة حدّا في العلانية و الرجل حدّا في السرّ ذكرها الشيخ في التهذيب، و الروايتان محمولتان و سمعنا من بعض فقهائنا انّه عليه السلام أراد إيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّا و لم يقم عليه الحدّ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 52

فهي صريحة في انه يحدّ كلاهما مع تفاوت انه يحدّ الرجل في الخفاء و المرأة في أعين الناس و على رؤس الاشهاد، و قد عمل و افتى بها القاضي ابن البرّاج «1».

و لكنّها مخالفة للقواعد الشرعيّة متروكة عند المعظم و لم يفت بها سواه [1] و قد وجهها بعض العلماء بانّ الامام عليه السلام ذكر ذلك بحسب الظاهر لا الواقع لإيهام الحاضرين الأمر بإقامة الحدّ على الرجل سرّا

استصلاحا و حسما لمادّة الفساد لئلا يتّخذ الجاهل الشبهة ذريعة و عذرا، و لم يقم عليه السلام عليه الحدّ بان كان قد أمر سرّا ان يدعوه و يتركوه و لا يضربوه في السرّ، و على الجملة فالمعتقد بالحلّ لا شي ء عليه سواء كان أحدهما أو كليهما و لذا قال المحقّق بعد ذلك:

و كذا يسقطه لو إباحته نفسها فتوهّم الحلّ

أقول: و ذلك لما تقدّم من انه لا بدّ في الحدّ من عدم شبهة في البين.

كلام حول الاختيار و الإكراه

قال المحقّق قدّس سرّه: و يسقط الحدّ مع الإكراه و هو يتحقّق في طرف المرأة قطعا و في تحقّقه في طرف الرجل تردّد و الأشبه إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

أقول: عرفت انّ من جملة شرائط تعلّق الحدّ هو الاختيار و ان لا يكون المرتكب لموجبه مكرها، و الكلام حينئذ في مقامات.

______________________________

استصلاحا و حسما للمادّة لئلا يتّخذ الجاهل الشبهة عذرا و هذا ممكن انتهى كلامه. و قال في الرياض: انّ الرواية ضعيفة بالإرسال و عدّة من الجهلة انتهى، و في كشف اللثام: و هو متروك يحتمل لان يكون ع علم منه العلم أو الظن بحالها و ان ادّعى الشبهة.

[1] يقول المقرّر: قد افتى به يحيى بن سعيد الحلّي أيضا في جامعه الصفحة 548 قال: فان تشبّهت امرأة لا جنبي بمنكوحته على فراشه حدّ سرا و حدّت جهرا إلخ.

______________________________

(1) المهذّب الجلد 2 الصفحة 524.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 53

منها انّه ما هو المعيار في الإكراه فهل يتحقّق بتوعيده بأخذ ماله أو ضربه و أمثال ذلك؟ و منها انّه هل يمكن إكراه الرجل على الزنا أم لا و منها انّه مع تحقّق الإكراه فلا حرمة و لا حدّ

في البين.

امّا الأوّل فالظاهر انّه ليس كلّما هدّده المكره- بالكسر- على ترك الزنا يتحقّق معه الإكراه و ان كان تحمّله شاقّا فاللازم هو مراعاة الأهم و تشخيصه، الا ترى انّ الحرج يرفع التكليف لكن لا في كلّ الموارد فالمسح على البشرة حرج و قد أمر الإمام عليه السّلام بالمسح على المرارة «1» مستدلّا بقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» و امّا إذا كان شاب كثير الشبق غير متمكن من النكاح لا يستريح طول ليله و لا ينام فهل يجوز له وطي المحارم مثلا تمسّكا ب لا حرج؟ و هكذا من كان في شدّة من الجوع فلا يجوز له الأخذ من مال غيره إذا أمكنه التحمّل نعم لو كان مشرفا على الموت فهناك يجوز له ان يأخذ منه ما يسدّ به رمقه مضمونا عليه.

و على هذا ففيما نحن فيه لو هدّده المكره بأنّه يأخذ مالا منه أو يضربه مثلا لو لم يرتكب الزنا فلا يسوّغ مجرّد ذلك ان يقدم على هذه المعصية نعم لو هدّده بقتله أو قتل ولده مثلا إذا ترك الزنا فهناك يجوز له ارتكاب ذلك. و على الجملة فلا بدّ من كون ما وعده و هدّده به بحيث يحقّ عرفا و يناسب ان يرتكب الزنا فرارا عنه و كثيرا ما يحصل الاشتباه في انّه من موارد الإكراه أم لا.

و اما الثاني فنقول: لا خلاف و لا إشكال في تحقّق الإكراه بالنسبة إلى المرأة و لكن وقع الاشكال و البحث في إمكان إكراه الرجل على الزنا و عدمه فقد حكى عن السيد ابن زهرة الجزم بعدم إمكان ذلك أصلا [3].

______________________________

[1] أقول: لم أعثر على ذلك في الغنية و ان نسب

اليه جزما في كشف اللثام بقوله: و هو خيرة. الغنية انتهى، و لعلّه لذلك قال في الرياض: المحكي عن الغنية إلخ و في الجواهر: بل عن الغنية الجزم بعدمه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الصفحة 327 الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5.

(2) سورة الحج الآية 78.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 54

و قد يستدلّ لذلك بأنّ الإكراه يمنع عن انتشار العضو و انبعاث القوى لتوقّفهما على الميل النفساني المنافي لانصراف النفس عن الفعل.

و يقرب منه ما ذكره في كشف اللثام في مقام التعليل و هو قوله: لعدم انتشار الآلة إلّا عن الشهوة المنافية للخوف.

و يرجع هذا الكلام الى انّ المكره كالعنّين فكما لا يمكن حمل العنّين على الوطي كذلك لا يمكن حمل المكره على ذلك.

و حاصل هذا الكلام و الاستدلال انّه لو لم يكن له ميل نفساني فكيف حصل له الانتشار، فانتشار عضوه كاشف عن انّه كان مائلا الى ذلك فلا يكون مكرها.

و فيه انه لو كان معنى الإكراه هو خصوص حمل الشخص غيره قسرا على إتيان ما هو خلاف ميلة الطبيعي النفساني لتمّ الاستدلال و ورد الإشكال.

امّا لو كان المراد حمله على العمل الذي لا يميل إليه عادة بل يتركه و يحترز عنه بالنظر الى تكليفه الشرعي و ما يعتنقه من العقائد الدينيّة فهذا ممكن و ذلك لكون العزيزة النفسانية مستعدّة قويّة. و عليه فيمكن ان يكون الإنسان بحيث لا يرضى بمعصية اللّٰه سبحانه حتّى في حين كونه مكرها و مع ذلك يحصل له الانتشار بمقتضى عزيزته الشهوية و الميل النفساني المركوز في ذاته، و لو لا الإكراه و التهديد لما ارتكب ذلك أصلا بل كان يردعه خوف اللّٰه تعالى مع الانتشار-

كما قد وقع مثل ذلك في الحالات العادية حيث عزم على المعصية و انتشر عضوه و لكنه تركها و ردعه خوف اللّٰه سبحانه حينما كان مشرفا على الوقوع فيها- الّا انّ القوّة القاسرة حمله على الارتكاب، و هذا هو الذي أشار إليه المحقّق بقوله: لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع.

و حاصل الكلام في المقام انّ الإكراه هو حمل الغير على خلاف إرادته.

و ميلة و هو على قسمين فتارة يكون حملا له على خلاف إرادته الناشئة من القوى الحيوانية و اخرى يكون حملا له على خلاف إرادته الناشئة عن دينه و ايمانه، و بلحاظ الإطلاق الثاني يتحقّق الإكراه و ان كان بلحاظ الأوّل لا يمكن ذلك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 55

و امّا ما افاده صاحب الجواهر رضوان اللّٰه عليه- اشكالا و نقضا على الاستدلال المزبور- من إمكان فرض الإكراه على الزنا و تحقّقه بدون الانتشار بان يدخل الحشفة في الفرج و هو غير منتشر.

فهو غير تامّ و ذلك لانصراف البحث عن ذلك و لا يقول أحد بعدم إمكان الإكراه بهذا النحو و لا يدّعيه مدّع، و على الجملة فالكلام في غيره.

ثم انّ الشهيد الثاني بعد ان ذكر إنكار بعض انتشار العضو مع الإكراه و استظهاره بنفسه إمكان ذلك معلّلا بانّ الانتشار يحدث عن الشهوة و هو أمر طبيعي لا ينافيه تحريم الشرع قال: و على كلّ حال لا حدّ لانّه شبهة و الحدّ يدرء بالشبهة [1].

و أورد عليه في الجواهر- بعد ان نقل كلام المسالك بهذا اللفظ:

و على كلّ حال فلا حدّ للشبهة- بانّ المتّجه الحدّ بناءا على عدم تحقّق الإكراه فيه ضرورة استلزام حصوله حينئذ لعدم كونه مكرها فيه انتهى «1».

أقول:

و قد استفاد و استظهر من عبارة المسالك: و على كلّ حال إلخ انّ مراده انّه سواء قلنا بإمكان الإكراه على الزنا بان لا يكون الانتشار منافيا للإكراه أو قلنا بعدم إمكان الإكراه عليه- لعدم حصول الانتشار معه فلو انتشر يعلم انّه لم يكن مكرها- فلا حدّ فيهما للشبهة.

فلذا أورد عليه بأنّه إذا بنينا على عدم إمكان إكراه الرجل فالّلازم هو الحدّ فكيف نقول بالشبهة و عدم جريان الحدّ؟

و لكن يمكن ان يكون مراد المسالك غير ما استظهره منه فلا يرد عليه

______________________________

[1] مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 424 أقول: و شبيه هذه العبارة عبارة الكاشاني في مفاتيحه الجلد 2 الصفحة 64 قال: و لو اختصّت الشبهة أو الإكراه بأحدهما سقط عنه للنصّ: ليس على المستكرهة شي ء إذا قالت: استكرهت، و قول القاضي بوجوب إقامته على المشتبه عليه سرّا و على الآخر جهرا شاذّ و مستنده ضعيف و الأصحّ إمكان الإكراه في حقّ الفاعل كما في حقّ المفعول لانّ انتشار العضو يحدث عن الشهوة و هو أمر طبيعي و على التقديرين لا حدّ، للحديث النبوي المشهور: ادرءوا الحدود بالشبهات انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 266.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 56

إشكال. و ذلك لانّه لو لم يكن في عبارة الشهيد الثاني كلمة (لانّه) كما هي كذلك في نقل الجواهر عنه على ما تقدّم آنفا فلا بُعد أصلا في القول بكون مراده انّه لا حدّ عند الشبهة و الشك، و كأنّه قيل: من قال بإمكان الإكراه يقول لا حّد لكونه مكرها عليه، و من قال بعدم إمكانه يقول بوجوب الحدّ لانّ ما وقع و صدر عنه حينئذ كان باختياره و هو يوجب الحدّ،

و من شك في ذلك و لم يدر انّه يمكن ذلك أم لا فلا حدّ لأجل الشك و الشبهة.

و امّا على فرض وجود كلمة (لانّه) كما هو كذلك في ضبط المسالك نفسه كما مرّ، فيمكن ان يكون المراد هو الاشعار الى عدم الحرمة و عدم الحدّ في مورد الإكراه- حيث انّ الكلام في المكره- فانّا نقطع بعدم حرمة هذا الزنا الصادر عن إكراه و لا حدّ عليه، فقد عبّر عن الإكراه بالشبهة و كأنّه قال: لا حدّ مع الإكراه بسبب نفس الإكراه فلم يكن المراد من الشبهة، الشك، و قد عبّر عن اليقين بعدم الحرمة و الحدّ، بالشبهة هذا [1].

و امّا المقام الثالث و هو انّه لا حرمة و لا حدّ مع الإكراه فقد استدلّ لذلك بأمور:

منها انّه لو لا ذلك لزم التكليف بما لا يطاق. قال في المسالك: الإكراه يسقط به اثر التحريم عن المكره إجماعا حذرا من تكليف ما لا يطاق انتهى.

و فيه انّه لا يجري في كلّ موارد الإكراه و انّما يتمّ و يجري في بعضها فإنّه ربّما يتحقّق الإكراه و ليس تحمّل ما توعّد به تكليفا بما لا يطاق و ليس مغلوبا على

______________________________

[1] أقول: هكذا أفاد دام ظلّه في مجلس الدرس و لعلّه لا يخلو عن شي ء، فان الكلام و ان كان في الإكراه كما أفاد الّا انّه بهذه المناسبة انجرّ الكلام إلى انّه هل يمكن إكراه الرجل على الزنا أم لا و الى ذكر القولين في المسئلة فكيف نغضّ النظر عن ذلك و نقول بانّ كلامنا في المكره، و على الجملة فالظاهر انّ الحقّ مع صاحب الجواهر فإنّه لو قلنا بعدم إمكان الإكراه في خصوص الرجل فلا بدّ من

ان يكون ما صدر منه اختياريّا لفرض عدم تحقّق الإكراه فيجب اجراء الحدّ عليه. و انّى أظنّ جدّا انّ مراد المسالك هو انّه سواء قيل بإمكان إكراهه أو قلنا بعدمه لا يجب الحدّ للاختلاف في المسئلة الموجب للشبهة. و يؤيّد ذلك ان فخر المحقّقين صرّح بعدم الحدّ لذلك فقال: و يمكن ان يقال: هذه مسئلة مختلف فيها فيكون محلّ الشبهة و قال عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 57

عقله كالمجنون بل انّما يرتكبه باختياره بعد الإكراه، كذا في الجواهر [1].

و منها حديث الرفع و هو قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: رفع عن أمتي تسعة الخطاء و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا اليه و الحسد و الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة «2».

فإنه وارد في مقام الامتنان و رفع التكليف و المؤاخذة حيث انه كان يمكن التكيف مع كونه مكرها بان يقال له: لا ترتكب الزنا و ان جرى عليك ما جرى و وقع عليك ما وقع كما انّ الأمر كذلك في الإكراه على قتل الغير فإنّه لا يرفع التكليف و ان كان في ترك قتل الغير قتل نفسه و على الجملة فقد رفع اللّٰه التكليف بالاجتناب عن الزنا عند الإكراه عليه امتنانا على العباد.

و منها الأخبار الخاصّة الواردة في المقام فقد عقد المحدّث العاملي بابا سمّاه باب سقوط الحدّ عن المستكرهة على الزنا و لو بان تمكن من نفسها خوفا من الهلاك عند العطش و تصدّق إذا ادّعت.

عن ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: انّ عليّا عليه السلام أتى

بامرأة مع رجل فجربها فقالت: استكرهني و اللّٰه يا أمير المؤمنين. فدرأ عنها الحدّ و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا لا تصدّق و قد و اللّٰه فعله أمير المؤمنين عليه السلام «3».

عن العلا عن محمّد عن أحدهما عليهما السلام في امرأة زنت و هي مجنونة فقال: انّها لا تملك أمرها و ليس عليها رجم و لا نفى و قال في امرأة أقرّت على نفسها انه استكرهها رجل على نفسها قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها

______________________________

[1] أقول: يمكن دفع هذا الإيراد عنه بما ذكره المحقق الآقا جمال في حاشية الرّوضة بعد تمسّك الشهيد الثاني بلزوم التكليف بما لا يطاق انتهى بقوله: أراد به ما يشمل الحرج المنفيّ في الدّين فافهم. انتهى.

______________________________

(2) خصال الصدوق باب التسعة الحديث 9، و الكافي الجلد 2 الصفحة 462 بلفظ: وضع، و الفقيه الجلد 1 الصفحة 36 كذلك.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 58

فلو شاء قتلها ليس عليها جلد و لا نفى و لا رجم «1».

قوله عليه السلام: هي مثل السائبة. يعنى المغلوبة التي لا قدرة لها على المدافعة فكأنّ قوله: لا تملك نفسها تفسير لها فهي تكون بحيث يمكن ان يقتلها.

عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة مجنونة زنت فحبلت قال: مثل السائبة لا تملك أمرها و ليس عليها رجم و لا جلد و لا نفى و قال في امرأة أقرّت على نفسها انه استكرهها رجل على نفسها قال: هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها فليس عليها جلد و لا نفى

و لا رجم «2».

و عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علىّ عليه السلام قال: ليس على زان عقر و لا على مستكرهة حدّ «3».

و عن موسى بن بكير قال: سمعته و هو يقول: ليس على المستكرهة حدّ إذا قالت: انّما استكرهت «4».

و عن محمد بن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال: أتت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي فجرت فأقم في حدّ اللّٰه فأمر برجمها و كان علىّ عليه السلام حاضرا فقال له: سلها كيف فجرت؟ قالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته الماء فأبى الّا ان أمكنه من نفسي فولّيت منه هاربة فاشتدّ بي العطش حتّى غارت عيناي و ذهب لساني فلمّا بلغ منّي أتيته فسقاني و وقع علىّ فقال له على عليه السلام: هذه التي قال اللّٰه عزّ و جلّ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ*، هذه غير باغية و لا عادية إليه فخلّ سبيلها فقال عمر: لو لا علىّ لهلك عمر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 59

و عن محمّد بن محمّد المفيد في الإرشاد قال: روى العامّة و الخاصّة انّ امرأة شهد عليها الشهود انّهم وجدوها في بعض مياه العرب مع

رجل يطأها و ليس ببعل لها فأمر عمر برجمها و كانت ذات بعل فقالت: اللّهم انكّ تعلم أنّي بريّة فغضب عمر، و قال: و تجرح الشهود أيضا؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ردّوها و اسئلوها فلعلّ لها عذرا فردّت و سئلت عن حالها فقالت: كان لأهلي إبل فخرجت مع إبل أهلي و حملت معى ماءا و لم يكن في إبلي لبن و خرج معى خليطنا و كان في إبل له فنفد مائي فاستقيته فأبى أن يسقيني حتّى أمكنه من نفسي فأبيت فلما كادت نفسي ان تخرج أمكنته من نفسي كرها فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللّٰه أكبر، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ. فلمّا سمع عمر ذلك خلّي سبيلها «1».

فهذه الأخبار الشريفة تدلّ صريحة على انّه لا حدّ على المرأة إذا استكرهت على الزنا.

في ادعائها انّها مستكرهة

ثم انه يستفاد من بعض هذه الاخبار قبول دعواها انّها مستكرهة على الزنا ففي خبر ابى عبيدة التي مرّ نقلها آنفا انّ عليّا عليه السلام اتى بامرأة مع رجل فجربها فقالت استكرهني و اللّٰه يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحدّ. الى غير ذلك من الاخبار الدالّة على ذلك.

و هل قبول قولها و ادعائها انّها مستكرهة تعبّد خاصّ في هذا المورد أو انّه مقبول في غير ذلك أيضا و في جميع الموارد؟

قد يقال بانّ دعوى الاستكراه غير مسموعة فلذا لو باع سلعته ثم بعد ذلك ادّعى انّه كان قد اكره على ذلك فإنّه لا تسمع منه هذه الدعوى الّا ان يقيم هو بيّنة أو أقرّ المشتري بذلك لانّ ظاهر البيع صدوره عن اختيار.

و لكنّ الظاهر الفرق بين المقامين لأنّه في باب البيع يريد البائع المدّعي

______________________________

(1) وسائل الشيعة

الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 60

للإكراه استرجاع المال بدعوى الاستكراه عن يد المشترى و لا وجه لذلك بعد ان صار ملكا له و هذا بخلاف المقام فان مدّعى الإكراه يدفع بذلك، الحدّ من نفسه، و لا بأس به بعد الأمر بدرء الحدود بالشبهات و على هذا ففي كلّ الموارد التي يتوجّه حدّ من حدود اللّٰه تكون دعوى الاستكراه مسموعة سواء كان في باب الزنا أو شرب الخمر أو غير ذلك، و ادّعاء الزاني عدم الإكراه في قبال المرأة التي تدعى ذلك لا اثر له بالنسبة إلى المرأة و لا يوجب حدّها و ان كان ينفع و يؤثر بالنسبة إلى نفسه حيث يرفع عنه حكم القتل المترتب على الواطى اكراها الّا ان يثبت عدم كونها مستكرهة بالأمارة كالبيّنة.

الكلام في مهر المستكرهة على الزنا

اشارة

قال المحقّق: و يثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها على الأظهر.

أقول: هذا هو المشهور كما صرّح بذلك في المسالك و الجواهر.

و استدلّ له في المسالك بقوله: لانّ مهر المثل عوض البضع إذا كان محرّما عاريا عن المهر كقيمة متلف المال. و البضع و ان لم يضمن بالفوات لكنّه يضمن بالتفويت و الاستيفاء «1».

و أورد عليه في الجواهر بعدم رجوعه الى حاصل يعتدّ به.

و كأنّه لأجل الإشكال في صدق الإتلاف على الانتفاع هنا، و في كون البضع مثل المال عند الشارع، و في كون مهر المثل قيمة و على هذا فليس مشمولا لقاعدة من أتلف مال الغير.

نعم يدلّ على المطلوب بعض ما ورد من النصوص كخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علىّ عليه السلام قال: إذا اغتصب الرجل امة فافتضّها فعليه عشر قيمتها

و ان كانت حرّة فعليه الصداق «2».

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 424.

(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 3 من أبواب النكاح المحرّم، الحديث 3 و الجلد 15 الباب 45 من أبواب المهور الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 61

و روى الشيخ عن زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها انّه قد طلّقها فاعتدّت ثم تزوّجت فجاء زوجها الأوّل فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الأخير دخل بها الأوّل أولم يدخل بها و ليس للآخر ان يتزوّجها ابدا و لها المهر بما استحلّ من فرجها «1».

و في رواية أخرى مثله الّا ان فيها: قد دخل بها الأخير أم لم يدخل بها «2» و يمكن التأييد لذلك بمفهوم ما ورد عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من عدم المهر لبغيّ [3]. فإنّ المستفاد منه النهى عن مهر البغي، فيثب لغيرها، و من المعلوم انّ المستكرهة ليست بغيّا فلها المهر.

إذا كان المكره هو الغير

ثم انّ ما ذكرناه متعلّق بما إذا كان المكره هو الزاني فكان يجب عليه مهرها، فيبقى الكلام فيما إذا كان المكره غير الزاني فهل الضامن للمهر هو المباشر أو المكره له على الزنا؟

قال في الجواهر: مقتضى ما سمعته في كتاب الغصب انّ الضّمان على المكره الذي هو أقوى من المباشر و لكن قد ذكرنا هناك انّه لو لم يكن إجماعا أمكن القول بالرجوع عليه و ان رجع على الآخر.

و هو كما أشار إليه هنا قال في باب الغصب أوّلا: انّ ظاهر الأصحاب عدم رجوع المالك على المكره بشي ء.

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 12 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 7 و

13، ثم لا يخفى انّ بما ذكر يخرج عن مقتضى خبر طلحة بن زيد عن عليّ عليه السلام: ليس على زان عقر و لا على مستكرهة حدّ، الوسائل الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5، و قد صرّح بذلك في الجواهر.

و في المصباح المنير: العقر بالضم دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ثم كثر ذلك حتى استعمل في المهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 62

ثم قال- بعد أسطر-: و لكن مع ذلك ان لم يكن إجماعا لا يخلو من نظر خصوصا مع عود النفع الى المباشر باعتبار مباشرته الإتلاف و ان رجع هو على المكره بل قد يقال: انّ القاعدة تقتضي اختصاص الضمان بالمباشر الذي هو المكره «1».

أقول: فرق بين مسئلتنا و ما في كتاب الغصب فان البحث هناك كان في المتلف المكره و كان يصح القول بضمان المتلف حيث انّه سبب أقوى بخلاف المقام حيث انّ المباشر مختار غير مكره و انّما أكرهت المرأة بإكراه الغير و لا وجه لضمان المكره مع اختيار المباشر.

و تحقيق الكلام انّ إكراه الغير- لا الزاني- على الزنا يتصوّر على ثلاثة وجوه: الأوّل ان يكون المكره قد اكره الرجل خاصة على الزنا دون المرأة و انّما هي زنت باختيارها.

الثاني ان يكون قد أكره المرأة خاصّة عليه دون الرجل.

الثالث ان يكون قد اكره كليهما على الزنا.

فلو كان مراده قدّس سرّه هو الفرض الأوّل فيرد عليه انّه حينئذ تكون المرأة زانية و لا مهر لها أصلا فكيف يطرح النزاع

في انّ المهر على الزاني أو على المكره.

و لو كان المراد هو الثاني و هو ما إذا أكرهت المرأة خاصّة ففيه انّ لازم ذلك هو ثبوت المهر على الزاني لأنّه قد باشر الزنا باختياره بلا أيّ إكراه و لا وجه أصلا لاحتمال كون المهر على المكره، و هذا نظير ما إذا حبس رجلا و أتلف آخر ماله فإنّه لا إشكال في كون الضامن هو المباشر المتلف دون الحابس الذي حبس صاحب المال و لم يخلّ سبيله فان المباشر أقوى في المقام.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 62

نعم لو كان مراده هو الفرض الثالث و هو إكراه المكره كليهما على الزنا فهناك يصحّ الدعوى في انّ المهر على المكره أو على الواطى و يجرى هذا البحث و لعلّ الأقوى حينئذ كونه على المكره الذي هو السبب فهو الضامن له دون المباشر للوطي لكن هذا الوجه ليس الظاهر من مفروض كلامه.

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 37 الصفحة 58.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 63

الكلام في لحوق الأولاد

من المعلوم انه يلحق الولد في الوطي بالشبهة، بمن هو المشتبه عليه واطيا كان أو الموطوءة أو كليهما فهل الأمر كذلك في باب الإكراه أيضا بأن يكون الولد ملحقا بمن اكره على الزنا أم لا؟

أقول: انّا و ان لم نجد نصا معتبرا في المقام يدلّ عليه بالخصوص كما ذكر ذلك صاحب الجواهر أيضا الّا انّ المقام في الحقيقة من إفراد الشبهة بناءا على كونها هو الوطي الذي اعتقد المشتبه عليه عدم الحرمة و ان لم يكن هناك ملك البضع

و مقتضى ذلك هو الحاقة به. و ان شئت فقل انّ المشتبه عليه حيث كان معتقدا للحلّ جهلا مركّبا فهو معذور في اقدامه و عمله و هذا المناط محقّق في مورد الإكراه بل المقام اولى به من باب الشبهة و ذلك لانّه و ان كان بين المقامين فرق و هو انّه هناك يرتكب قاطعاً بالاستحقاق بخلاف المقام حيث انّ المكره عالم بعدم الاستحقاق و بذلك يمكن الإشكال في المقام الّا انه في المقام قد رفع التكليف بسبب الإكراه فلا حرمة في البين أصلا و المكره يأتي بما هو جائز، فالمقام اولى بإلحاق الولد من الواطى شبهة الذي يأتي بالحرام و هو معذور.

و بعبارة اخرى انّ اعتقاده بعدم الحرمة مطابق للواقع بخلاف من أقدم على الوطي جاهلا فإنّه و ان كان يعتقد عدم الحرمة لكن اعتقاده لا يطابق الواقع.

و يدلّ على المطلوب قاعدة اللحوق بأشرف الأبوين، فيما إذا كان الإكراه في أحدهما دون الآخر و هي مستفادة من الروايات ففي خبر يحيى بن العلا قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما ترى في رجل تزوّج امرأة فمكثت معه سنة ثم غابت عنه فتزوّجت زوجا آخر فمكثت معه سنة ثم غابت عنه ثم تزوّجت آخر ثم انّ الثالث أولدها قال: ترجم لأنّ الأوّل أحصنها قلت: فما ترى في ولدها؟ قال:

ينسب إلى أبيه. قلت: فان مات الأب يرثه الغلام؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1) أمالي الشيخ الطوسي الجلد 2 الصفحة 287.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 64

فحيث ان الزوج الذي أولدها كان جاهلا بأنّها ذات بعل فلذا ينسب الابن اليه و يرثه الغلام و بعبارة اخرى انّ المانع من الإلحاق، الفجور و هو منتف بالنسبة إليه حسب الفرض.

و

لك ان تقول انّ الولد ملحق عرفا بمن تولّد منه و ان كان زان أو زانية و انّما رفع النسب يحتاج الى دليل و هو وارد في الزنا، و من المعلوم انّ الوطي بالشبهة ليس زناءا عند العرف.

الكلام في الإحصان

اشارة

قد يكون الزنا موجبا للرجم و هو ما إذا كان عن إحصان و يعتبر فيه مضافا الى الشروط المعتبرة في أصل الزنا أمور أخر لا يجوز الرجم بدونها.

قال المحقق: و لا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرّجم حتّى يكون الواطى بالغا حرّا و يطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق متمكن منه يغدو عليه و يروح.

أقول: انّ الإحصان لغة هو المنع و في الشرع ورد على معاني كثيرة كالإسلام و البلوغ و العقل و الحرّية و التزويج و العفّة كذا في المسالك [1] و قد استعمل في القرآن الكريم في كلّ واحد من هذه المعاني.

و لكنّ المراد منه في باب الزنا الموجب للرجم هو شي ء خاص و هو ما يجمع أمورا ذكره المحقّق و هي كون الواطى بالغا و حرّا و متمكنا من الوطي في فرج مملوك له امّا بالعقد الدائم أو بالرق.

______________________________

[1] قال: الإحصان و التحصين في اللغة: المنع قال تعالى: لتحصنكم من بأسكم، و قال: في قرى محصّنة و ورد في الشرع بمعنى الإسلام و بمعنى البلوغ و العقل و كلّ منها قد قيل في تفسير قوله تعالى: فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ، و بمعنى الحريّة و منه قوله تعالى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ، يعنى الحرائر، و بمعنى التزوّج، و منه قوله تعالى وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ، يعنى المنكوحات و بمعنى العفّة عن الزنا، و منه قوله

تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ، و بمعنى الإصابة في النكاح و منه قوله تعالى مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ و يقال: أحصنت المرأة عفّت.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 65

و لا يخفى انّ الشرط الأوّل أعني البلوغ غير مختصّ بالمقام بل هو شرط الحدّ مطلقا رجما كان أو جلدا فان غير البالغ رفع عنه حتّى يدرك أو يحتلم على اختلاف ما ورد في الروايات من التعابير، و قد قام الإجماع على عدم حدّ مطلقا على الصبي، و في الجواهر: بل الإجماع بقسميه عليه لكن على معنى اعتبار البلوغ حين الزناء بل الظاهر كونه كذلك أيضا بمعنى اعتباره في وطي زوجته إلخ.

و امّا الشرط الثاني و هو الحريّة حال الزنا فلا خلاف في اعتبارها في الرجم و ان لم تكن معتبرة في الجلد فلو زنى العبد جامعا لجميع الشرائط فإنّه لا يرجم و قد قام الإجماع على ذلك أيضا و ان كان بين الشرطين فرق فان غير البالغ قد رفع عنه بخلاف العبد فإنّه ليس كذلك و لذا يحتاج عدم رجمه- مع انّه قد زنى جامعا للشرائط- إلى دليل.

و قد وردت فيه روايات. و عقد المحدّث البارع الشيخ حرّ العاملي بابا عنونه بقوله: باب انه يجب على المملوك إذا زنى نصف الحدّ خمسون جلدة و لا يرجم و ان كان محصنا الّا ما استثنى، و نقل ما يدلّ على ذلك فيه.

عن الحسن بن السريّ عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم انّما عليهما الضرب خمسين، نصف الحدّ «1».

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في العبيد

إذا زنى أحدهم ان يجلد خمسين جلدة و ان كان مسلما أو كافرا أو نصرانيا و لا يرجم و لا ينفى «2».

و عن بريد العجلي عن ابى عبد اللّٰه [جعفر] عليه السلام في الأمة تزني قال: تجلد نصف الحدّ كان لها زوج أولم يكن لها زوج «3».

و امّا الشرط الثالث و هو ان يطأ في فرج مملوك له بالعقد الدائم أو بملك

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 66

اليمين متمكّن منه ليلا و نهارا فهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه.

و انّما البحث و الكلام في انّه هل يكتفى بمجرّد التمكن أو يشترط معه الدخول أيضا؟ و تظهر الثمرة فيما إذا تزوّج و عقد امرأة لكنّه بعد لم يدخل بها و زنى و الحال هذه فإنّه على فرض اعتبار الوطئ لا يرجم.

و قد اعتبر نفس الوطي قبل ارتكابه للزنا كثير من العلماء كالمحقّق و العلّامة و غيرهما و قد مرّت عبارة المحقّق.

و امّا العلّامة أعلى اللّٰه مقامه فقال في القواعد: المطلب الثاني في الإحصان و انّما يتحقّق بأمور سبعة: الأوّل: الوطي في القبل حتّى تغيب الحشفة فلو عقد و خلا بها خلوة تامّة أو جامعها في الدبر أو فيما بين الفخدين أو في القبل و لم تغب الحشفة لم يكن محصنا و لا يشترط الإنزال. الثاني: ان يكون الواطى بالغا فلو أولج الطفل حتّى غيّب الحشفة لم يكن محصنا و لا المرية و كذا المراهق و ان

بلغ لم يكن الوطي الأوّل معتبرا بل يشترط في إحصانه الوطي بعد البلوغ و ان كانت الزوجية مستمرّة. الثالث ان يكون عاقلا فلو تزوّج العاقل و لم يدخل حتّى جنّ أو زوّج الوليّ المجنون لمصلحته ثم وطئ حالة الجنون لم يتحقّق الإحصان. الرابع الحريّة فلو وطئ العبد زوجته الحرّة أو الأمة لم يكن محصنا الخامس: ان يكون الوطي في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين.

السادس ان يكون النكاح صحيحا. السابع ان يكون متمكنا من الفرج يغدو عليه و يروح الى آخر كلامه.

ترى انه رحمه اللّٰه اعتبر- مضافا الى اعتباره التمكن- الوطي و اشترط ذلك في تحقق الإحصان.

و لكن قال الفاضل الأصبهاني في كشف اللثام: عند شرح أوّل هذه الشروط: و لا ذكر له في المقنعة و الانتصار و الخلاف و التبيان و مجمع البيان انتهى.

و يظهر من إطلاق بعض آخر أيضا عدم اشتراط ذلك أصلا الّا انّ المشهور هو اعتباره بل و اعتبار وقوعه في الكبر فلا اعتبار بالوطي الصادر منه في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 67

حال صغره و ان كان قد زنى كبيرا.

و في الجواهر عند البحث عن البلوغ بعد التمسك برفع القلم عن غير البالغ: و من هنا كان الإجماع بقسميه عليه لكن على معنى اعتبار البلوغ حين الزناء بل الظاهر كونه كذلك أيضا بمعنى اعتباره في وطئ زوجته فلو أولج غير بالغ و لو مراهقا في زوجته حتّى غيّب الحشفة ثم زنى بالغا لم يكن الوطئ الأوّل معتبرا في تحقق الإحصان.

و هنا قال: لانّه يشترط في إحصانه الوطئ بعد البلوغ و ان كانت الزوجية مستمرّة.

و قد تمسك لذلك بأمور: الأصل و الاستصحاب و قصور فعله عن ان

يناط به حكم شرعي، و نقص اللذّة، و عدم انسباق نحوه من الدخول و شبهه.

و لا بدّ من ان يكون مراده من الأصل و الاستصحاب أصالة عدم تحقّق الإحصان بالوطي قبل البلوغ و أصالة عدم الرجم الثابتة قبل الزنا فإنه حيث يشك في ثبوته بعد الزنا يستصحب العدم السابق.

و لكن لا تصل النوبة الى الأصل و الاستصحاب إذا أمكن الاستظهار من الروايات فلو استظهرنا منها عدم كفاية مجرّد التمكّن مثلا فلا حاجة الى الأصول.

و امّا ما ذكره من قصور فعل غير البالغ عن ان يناط به حكم شرعي ففيه انّه لا قصور فيه بل وقع ذلك- اى ترتّب الأثر عليه- في الشرع. و ذلك كما إذا أجنب غير البالغ فإنه و ان كأنه لا يترتّب عليها في حال صغره تكليف لكنّه بعد بلوغه يجب عليه الغسل فلا إشكال في ان يكون وطيه صغيرا موجبا لترتب الرجم على زناه كبيرا.

كما انّه لا مجال للتمسك بنقص اللذة و عدم انسباق نحوه من الدخول، لو استفيد الحكم من الاخبار.

هذا بالنسبة إلى الأقوال و امّا الاخبار فهي طائفتان يظهر من إحديهما كفاية مجرّد التمكن من الوطي في صدق الإحصان و حصوله و تحقّقه و من الأخرى

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 68

عدم حصوله بدونه بل هي صريحة في اعتبار الوطئ و انّه لا رجم بدونه.

فمن الاولى ما رواه إسماعيل بن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال:

قلت: ما المحصن رحمك اللّٰه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن «1».

و عن حريز قال سئلت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المحص قال: فقال:

الذي يزني و عنده ما يغنيه «2».

و يؤيّد الإطلاق المستفاد من

هذه الروايات، التعليل الوارد في بعض الاخبار الواردة في الإحصان و الرجم و هو قوله ع: لانّ عنده ما يغنيه عن الزنا «3».

و قوله ع: انّما هو على وجه الاستغناء «4».

فان هذا التعليل جارفى مطلق من كان متمكّنا من الوطي و ان لم يتحقّق ذلك منه بعد.

و من الثانية صحيح رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يزني قبل ان يدخل بأهله أ يرجم؟ قال: لا «5».

و رواه الصدوق بإسناده عن رفاعة بن موسى انّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام و ذكر مثله و زاد: قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنى قبل ان يدخل بها؟

قال: لا «6».

الى غير ذلك من الروايات. و هنا أخبار أخر واردة في خصوص العبد و انّه لا يرجم الّا ان يزني بعد ان أعتق و يواقع بعد عتقه:

عن ابى بصير يعني المرادي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال في العبد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 69

يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال: لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما يعتق «1».

و مقتضى الجمع الدلالي هو تقديم هذه الاخبار الدّالة على اعتبار الوطي على الاخبار المطلقة حيث انّها ظاهرة

في الإطلاق لا نصّا فيه بخلاف الأخبار الدّالة على اعتبار الوطي فإنّها تدلّ على ذلك نصا و النتيجة اعتبار التمكن مع الوطي حتّى يتحقّق الإحصان و ذلك لتقييد المطلق بالمقيّد.

و لو قيل بأنّ النسبة بينهما التباين و كونهما كالمتباينين بان يكون قسم منها دالّا على كفاية مجرّد التمكن بلا حاجة الى الوطي و الآخر على اعتبار الوطي بنفسه فهناك يحصل التعارض بالنسبة الى ما قبل الوطي، و التقدم للأخبار الدالة على اعتبار الوطي فإنّها أكثر عددا و أصرح دلالة و قد عمل بها المشهور أيضا.

و لو فرض تساقطهما و عدم الترجيح في البين فحينئذ يرجع الى عموم التنزيل و هو قوله: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و على هذا فلا رجم بدون الوطي مطلقا و ان كان له التمكن من ذلك. هذا كلّه لو أغمضنا النظر عن احتمال انّ المراد من يغدو عليه و يروح هو نفس الوطي كما لا يبعد ارادة ذلك منه و الّا فالأمر واضح. فتحصّل من ذلك كلّه انّ الأقوى عدم وجوب الرجم قبل الوطي- و امّا بعد الوطي فكلا الدليلين يثبتان الرجم بلا تعارض.

ثم انّ ما ذكرنا- من الرجوع الى عموم جلد الزانية و الزاني مِائَةَ جَلْدَةٍ- يتمّ لو قلنا بأنّه يجب جلد كلّ زان سواء كان محصنا أم لا، غاية الأمر انّ المحصن يرجم أيضا، فإنّ المخصّص المجمل يكتفى فيه بالقدر المتيقن و هو في المقام، الوطي بالفعل و يرجع في غيره الى عموم الجلد.

امّا لو قلنا بأنه في مورد الرجم ليس شي ء سوى الرجم و لا مجال للجلد، و انّه مع وجود الأكثر و الأشدّ فلا مورد للأقلّ و الأخف فلو لم يتحقّق الوطي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 70

لا رجم و لا جلد و ذلك للتنويع فان الجلد على هذا يختصّ بالزاني غير المحصن و هو غير معلوم.

ثم انّ ما ذكره في الجواهر من عدم الاعتبار بالوطي الصادر من الصبي قبل بلوغه، في تحقق الإحصان بالزنا بعد البلوغ فلا نصّ في ذلك بخلاف باب العبد فإنّ رواية أبي بصير المرادي «1» صريحة في عدم الاعتبار بالوطي الذي صدر عن العبد الّا ان يواقع بعد عتقه و قد تقدّمت آنفا.

و لعلّ العلماء استفادوا من هذه الرواية اعتبار كون الوطي بعد البلوغ كما انه يعتبر وقوعه بعد الحرّية نعم لا بأس بتحقق الزوجية قبله.

و يمكن ان يستفاد ذلك- اعتبار وقوع الوطي بعد البلوغ- من الاخبار بان يقال: انّ اشتراط الوطئ يكون على وزان اشتراط يغدو عليه و يروح، فهو شرط حيثما يشترط التمكن و من المعلوم انّ المورد الذي يعتبر فيه التمكن هو حال البلوغ لا قبله فلا محالة يكون هذا هو المورد الذي يعتبر فيه الوطي [1].

حول تحقق الإحصان بالأمة

ثم انّه لا شكّ في تحقّق الإحصان إذا كانت له زوجة معقودة بالعقد الدائم و لا خلاف في ذلك أصلا. فهل الأمر كذلك إذا كانت له ملك يمين- حتّى يحكم عليه بالرجم إذا زنى و هو كذلك- أم لا؟

المشهور ذلك و خالف فيه- على ما في كشف اللثام- الصدوق في الفقيه و المقنع و العلل و أبناء الجنيد و ابى عقيل فلم يروا تحقّق الإحصان الموجب للرجم بالأمة قال: و يعطيه كلام سلار [2] للأصل و الاحتياط و قول الباقر

______________________________

[1] أقول: و يؤيّد ذلك كما قيل

ورود لفظ الرجل في بعض الروايات المشعر بعدم كونه صبيّا.

[2] قال في المراسم الصفحة 252:. و امّا العاقل المحصن فإنّه إذا شهد عليه أربعة رجال عدول بأنّه وطئها و كان لا حائل بينه و بين وطئ زوجته و كان نكاحها للدّوام فان المتعة لا تحصن فاما ملك اليمين فقد روى: تحصن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 71

عليه السلام إلخ.

أقول: امّا الأصل و الاحتياط فلا يرجع إليهما مع الدليل و امّا الرواية فالتحقيق ان يقال انّه قد وردت روايات تدلّ على ذلك ففي صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: سألته عن الحرّ أ تحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحرّ المملوكة و لا يحصن المملوك الحرّة، و النصراني يحصن اليهودية، و اليهودية يحصن النصرانية «1».

و في صحيح آخر له عنه أيضا قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال: لا و لا بالأمة «2».

و في صحيحه أيضا عن ابى جعفر عليه السلام. و كما لا تحصنه الأمة و اليهودية و النصرانية إن زنى بحرّة كذلك لا يكون عليه حدّ المحصن ان زنى بيهوديّة أو نصرانية أو امة و تحته حرّة [1].

و مفاد هذه الرواية اعتبار كون زوجته حرّة و كون الزنا أيضا بالحرّة و لكن هذه الروايات معارضة بعدّة اخبار تدلّ على تحقّق الإحصان بالأمة أيضا كالحرّة و هي مفتى بها، هذا بالإضافة إلى كون هذه الصحيحة متضمّنة لما اجمع على بطلانه فإنها صريحة في عدم رجم من زنى باليهودية أو النصرانية أو الأمة و هذا يطابق فتوى العامّة و لعلّه

يكون شاهدا على صدور الرواية تقيّة.

و استدلّ لقول المشهور بأخبار و هي هذه:

عن إسماعيل بن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال: قلت: ما المحصن رحمك اللّٰه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن «3».

فهي بإطلاقها تدلّ على تحقّق الإحصان بالأمة أيضا كالزوجة الدائمة

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9 و قد حمله الشيخ على ما في الوسائل و الكشف على ما إذا كنّ عنده بعقد المتعة، و في كشف اللثام: و هو بعيد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 5 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 72

بل و إطلاقها شامل للمتعة أيضا الّا انّها خرجت بدليل خاص كما سيأتي ذلك.

و عن حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المحصن قال:

فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه «1».

و هي أيضا تدل بإطلاقها على تحقّق الإحصان بالأمة أيضا.

و عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى و عنده السرّية و الأمة يطأها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: نعم انّما ذلك لانّ عنده ما يغنيه عن الزنا قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟

قال: لا انّما هو على الشي ء الدائم عنده [2].

و هذه صريحة في تحقّق الإحصان بأن يكون عنده أمة يطأها. و الوجه في قوله عليه السلام: لا يصدّق، هو قيام الامارة على خلاف قوله، فان من له امة و هي في بيته و لا

مانع في البين فإنّه يبعد جدّا ان لا يطأها.

و مثل ذلك رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:

الرجل تكون له الجارية أ تحصنه؟ قال: فقال: نعم، انّما هو على وجه الاستغناء «2».

و عن علىّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من الزنا الحديث 2 قوله: السرية، قال في المنجد: السرية ج سرارى الأمة التي تقام في بيت و الأغلب انّ اشتقاقها من السّر، و في المصباح المنير: و السرية فعلية قيل مأخوذ من السّر بالكسر و هو النكاح فالضّم على غير القياس فرقا بينها و بين الحرّة إذا نكحت سرّا فإنّه يقال لها: سريّة، بالكسر على القياس و قيل من السّر بالضم بمعنى السرور لانّ مالكها يسرّ بها فهو على القياس انتهى.

و في القاموس: السرّية بالضم الأمة التي بوّأتها بيتا منسوب الى السر بالكسر للجماع من تغيير النسب.

و في الروضة عند ذكر انّ: في شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة، قال: و المطلّقة رجعية زوجة و لا يلحق بها الأمة و ان كانت سرّية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حدّ الزنا الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 73

سألته عن الحرّ تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم «1» فمع التصريح بتحقّق الإحصان إذا كانت تحته امة لا مجال للإشكال في ذلك.

و بتقرير آخر انّ هنا اخبارا صحاحا تدلّ على عدم تحقّق الإحصان بالأمة و في قبالها أخبار أخر تدلّ على تحقّقه بها و حينئذ يرجع الى المرجّحات و حيث

انّ بعضا من القسم الأوّل حاو لما يطابق فتوى العامة فهذا يوجب ترجيح القسم الثاني على الأوّل لأنّ احتواءه على ما يوافق فتوى العامّة شاهد على صدور القسم الأوّل تقيّة فترجّح الروايات المثبتة بمخالفة العامّة.

و لو قيل بانّ ما هو مطابق لفتوى العامّة هو عدم إيجاب الزنا باليهوديّة و النصرانية للرجم و هذا لا يوجب رفع اليد عن الحكم الآخر المذكور فيها.

فحينئذ نقول: انه قد وقع التعارض بين الطائفتين من الاخبار و بعد التكافؤ و التساقط يرجع الى العمومات كصحيح إسماعيل بن جابر و صحيح حريز المذكورين آنفا نظير تساقط أكرم زيدا و لا تكرم زيدا و الرجوع الى عموم أكرم العلماء.

لا يقال: انّ المتبادر و المنصرف اليه من لفظ «من كان له فرج يغدو عليه و يروح» هو الزوجة الحرّة الدائمة دون ملك اليمين خصوصا بلحاظ انّ المتمحّض في ذلك هو الحرّة و امّا الأمة فليست متمحّضة في ذلك بل يستفاد منها للخدمة و طبخ الطعام و الغذاء و تربية الأولاد و غير ذلك [1].

لأنّا نقول: ادعاء الانصراف لأجل الظروف الموجودة الآن و الّا ففي تلك الأزمنة كانوا يتمتّعون بالأمة كالحرّة بعينها و كان ذلك امرا متعارفا.

عدم تحقّق الإحصان بالمتعة

و هل المتعة توجب تحقّق الإحصان الموجب للرجم أم لا؟

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب سيّدنا الأستاذ الأفخم، دام بقاءه بما في المتن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 74

المشهور انه لا ينفع ذلك شيئا و لا اثر لها في تحقّق الإحصان بل عن بعض انّه المتسالم عليه، و عن آخر الاتّفاق عليه أو عدم الخلاف فيه و الظاهر انه كذلك و ان كانت

عبارة السيّد المرتضى قدّس سرّه مشعرة بوجود القول بالخلاف فإنّه- بعد ان ذكر انّ من متفرّدات الإمامية القول بأنّ الإحصان الموجب في الزاني الرجم هو ان يكون له زوجة أو ملك يمين يتمكّن من وطيها متى شاء- قال:

و نكاح المتعة عندنا لا يحصن على أصحّ الأقوال لأنّه غير دائم و معلّق بأوقات محدودات. انتهى كلامه رفع مقامه «1».

و من المعلوم انّ التعبير بأصح الأقوال يشعر بالخلاف و قول آخر في المسئلة.

و في القواعد عند ذكر شروط الإحصان و ما يعتبر فيه: الخامس ان يكون الوطئ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين فلا يتحقّق الإحصان بوطي الزنا و لا الشبهة و لا المتعة.

و في كشف اللثام بعد لفظة (و لا الشبهة): اتّفاقا. و بعد لفظة (و لا المتعة): على الأصحّ كما في الانتصار.

هذا لكن في الجواهر بعد ذكر اشعار كلام الانتصار بوجود المخالف في المسئلة قال: الّا انّى لم أتحقّقه كما اعترف به غيرنا أيضا.

و استدلّوا على عدم تحقّق الإحصان بها بالأصل و الاحتياط و الاعتبار و الروايات.

امّا الأصل فالظاهر هو أصالة عدم التخصيص فإنّ آية الزنا ظاهرة في وجوب جلد مطلق الزاني و الزانية ثمانين جلدة فالخروج عن هذا سواء كان بالرجم أو بهما يحتاج الى دليل، فاذا زنى مع انّ له زوجة دائمة فقد خرج عن تحت الحكم بالدليل قطعا امّا لو كانت له متعة و قد زنى فلا يعلم انّه خرج عن الآية أم لا و انّه هل خصّصت الآية به أم لا، و الأصل هو العدم.

______________________________

(1) الانتصار، الطبع الجديد الصفحة 258.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 75

و امّا الاحتياط فلانّ الحكم بالرجم أو به مع الجلد في المتعة

مع الشك في تحقّق الإحصان خلاف الاحتياط فان الاحتياط يقتضي عدم الاقتحام في الدماء بدون دليل قاطع.

و امّا الاعتبار الذي هو وجه من الوجوه المحسّنة تبدو في ذهن الفقيه، فهو في المقام ان يقال: الزوجة الدائمة هي التي يغدو الإنسان عليه و يروح و هي التي تغنيه عن الحرام، و امّا المتعة فليس هي في الحقيقة كذلك في الخارج.

و فيه انّ الاعتبار- بما ذكرنا له من التفسير- ليس ممّا يثبت به حكم شرعي، مضافا الى انّه يمكن ان يقال: انّ الاعتبار يقتضي خلاف ذلك اى جريان الحكم في المتعة أيضا و ذلك لانّ صاحب الزوجة المنقطعة يصدق عليه عرفا انّ له فرجا يغنيه عن الحرام كما يصدق ذلك على صاحب الزوجة الدائمة، و العرف مساعد لتحقّق الإحصان مع المتعة إذا كان متمكّنا منها بحيث يغدو عليها و يروح، هذا مضافا الى انّه لا سبيل للاعتبار مع وجود الاخبار.

و امّا الاخبار فنقول: انه و ان كان قد وردت روايات تشمل بإطلاقها أو عمومها المتعة كالدائمة- و ذلك كصحيح إسماعيل بن جابر عن ابى جعفر عليه السلام: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن «1» و صحيح حريز عن الصادق عليه السلام الوارد في تفسير المحصن: الذي يزني و عنده ما يغنيه «2» فإنهما و أمثالهما يشمل المتعة- الّا انّ هنا روايات تخصص تلك العمومات أو تقيّد تلك المطلقات فإنها صريحة في انّ المتعة لا توجب الإحصان.

ففي موثقة إسحاق بن عمّار المذكورة آنفا: قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أَ تحصنه؟ فقال: لا انّما هو على الشي ء الدائم عنده «3».

و مثلها رواية أخرى له أيضا و فيها بعد السؤال عن الجارية و جواب الامام

عليه السلام بأنه توجب الإحصان: قلت: و المرأة المتعة؟ قال: فقال: لا،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 76

انّما ذلك على الشي ء الدائم «1».

و هل سئل إسحاق، الامام الكاظم عليه السلام عن هذه المسئلة مرّتين و اجابه الإمام عليه السلام عنها في كلّ مرّة بتعبير خاص أو انّه سئل مرّة واحدة الّا انه نقل مرّة لصفوان و اخرى ليونس و قد حصل النقل بالمعنى؟ يحتمل الأمران.

و كيف كان فقد صرّح فيه بعدم تحقّق الإحصان إذا كانت عنده المتعة.

و في مرسلة ابن ابى عمير عن هشام و حفص البختري عمّن ذكره عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في رجل يتزوج المتعة أ تحصنه؟ قال: لا انّما ذاك على الشي ء الدائم عنده «2».

و إرسالها غير قادح بعد ان تقرّر انّ مراسيل ابن ابى عمير كالمسانيد.

و عن عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في حديث قال: لا يرجم الغائب عن اهله و لا المملّك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة «3».

قوله: لم يبن بأهله، أي لم يدخل بها.

و على الجملة فمقتضى هذه النصوص انّ صاحب المتعة ليس بمحصن و على ذلك فلا يترتّب على زناه سوى الجلد المقرّر في كتاب اللّٰه سبحانه.

عدم تحقّق الإحصان بالمحللة

إذا زنى و لم تكن له زوجة دائمة و لا ملك يمين و انما كانت عنده امة قد حلّلها مولاها له فهل هذا يكفي في إحصانه حتى يرجم أم لا؟

الظاهر هو الثاني و يدلّ على ذلك أمور:

1-

التعليل الوارد في روايات المتعة و هو قوله عليه السلام: انّما هو على الشي ء الدائم «4» فإنّ ذلك يفيد انّ الملاك و المعيار في صدق الإحصان هو ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب الزنا الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2 و 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 77

يكون له ما يدوم و يثبت لا ما يزول و ينقطع بحسب طبعه و بمقتضى طبيعته و ذاته، و من المعلوم انّ التحليل غير مقتض للزوم و البقاء فان للمولى الرجوع عن التحليل في كلّ وقت و آن.

2- انصراف قوله عليه السلام: ان يكون له فرج يغدو عليه و يروح، عن التحليل فإنه ليس له ذلك بل هو لما لمالكها و انّما حلّل و أباحها له.

3- الأصل. فإنّه لو شكّ في إيجاب التحليل الإحصان فالأصل هو العدم و هكذا بالنسبة إلى الرجم و على هذا فلا يكون محصنا و لا يجوز رجمه.

4- الاحتياط، فان الاحتياط في الدماء يقتضي عدم إحصانه و عدم رجمه. و خالف في ذلك الشهيد الثاني في الروضة فقال قدّس سرّه: و في إلحاق التحليل بملك اليمين وجه لدخوله فيه من حيث الحلّ و الّا لبطل الحصر المستفاد من الآية- ثم قال: و لم أقف فيه هنا على شي ء- و مراده من الآية هو قوله تعالى وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «1».

و قد انحصرت أسباب اباحة النساء-

بمقتضى الاستثناء الوارد فيها- بالزوجية أو ملك اليمين، و لمكان الحصر المزبور لا بدّ من القول بكفاية التحليل في تحقّق الإحصان بأن يكون هو من إفراد ملك اليمين- فإنّه ليس داخلا تحت عنوان الزوجية قطعا- و لو لا ذلك لبطل الحصر المستفاد منها.

و فيه انّه و ان كان التحليل من شئون ملك اليمين فالأمة المحلّلة ملك لمولاها و مالكها و قد أباحها للغير لكن ذلك في خصوص الوطي و لا يستلزم تحقّق الإحصان به كما انّ المتعة مبيحة للوطي و لم تكن مقتضية للإحصان. و الحاصل انّ تحليل الأمة مستفاد من (ما ملكت) و لا يكفي في الإحصان كما انّ المتعة داخلة في- أزواجهم- و لا تكفي هي في الإحصان.

______________________________

(1) سورة المؤمنون الآية 23- 22 و سورة المعارج الآية 30- 29.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 78

الوطي المعتبر في الإحصان

ثم انّه بعد ان ثبت- بمقتضى الروايات المتقدّمة و ادعاء الإجماع من الإماميّة- انّ الوطي معتبر في تحقق الإحصان، فهل المعتبر هو وطي خصوص القبل أو يكفي الوطي مطلقا و ان كان في الدبر؟

مقتضى إطلاق لفظ الفرج هو الثاني و ذلك لانّه بمعنى الثقب و هو شامل لهما.

لكن دعوى التبادر، و الانصراف الى ما هو مبني الزوجيّة و هي الوطي في القبل خاصة ليس ببعيد.

و لم يتعرّض لذلك بعض العلماء كالمحقّق رضوان اللّٰه عليه لا في الشرائع و لا في المختصر النافع و لكنّ العلّامة أعلى اللّٰه مقامه صرّح في القواعد باعتبار كون الوطي في القبل و جعله أوّل الأمور السبعة المعتبرة في الإحصان فقال في كلامه الذي نقلناه من قبل: الأوّل الوطئ في القبل. فلو عقد و خلا بها خلوة تامّة أو جامعها في الدبر.

لم يكن محصنا انتهى كلامه.

فان كان لفظ الفرج في كلام الباقين منصرفا إليه أيضا فهو و الّا فظاهره بلحاظ المعنى اللغوي هو الإطلاق، و لو شك في شمول اللفظ المزبور الوارد في الروايات للدبر أيضا فالّلازم هو الأخذ بالمتيقّن.

و في الجواهر بعد ذكر ما يدلّ على الاختصاص قال: هو و ان كان مقتضى الأصل و الاحتياط الّا انّ الإنصاف عدم خلوّه من الاشكال ان لم يكن إجماعا في ما إذا وطأ بالغا دبرا و كان متمكّنا من الفرج أيضا نعم لو لم يتمكّن الّا من الدبر أمكن الإشكال فيه بعدم انسياقه من النصوص امّا الأوّل فيحتمل قويّا الاجتزاء به كما في كلّ مقام اعتبر الدخول فيه.

و فيه انّه لو كان هناك انصراف فلا فرق بين ما إذا وطئ دبرا متمكّنا من الفرج أو غير متمكّن منه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 79

اعتبار كون زوجته معه

ثم انّه يعتبر ان يكون مع ذلك متمكنا من قضاء وطره بها ليلا و نهارا و كونها في اختياره مهما أراد. فلو كانت له زوجة الّا انه كان بينهما افتراق بان كان أحدهما مسجونا أو غائبا- مثلا- فليس بمحصن.

ففي خبر ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدر أعنه الرجم و يضرب حدّ الزاني قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرّة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحدّ [يجلد الجلد] و يدرأ عنه الحدّ «1».

و في خبر ربيع الأصمّ عن الحارث قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل له امرأة بالعراق

فأصاب فجورا و هو في الحجاز فقال: يضرب حدّ الزاني مأة جلدة و لا يرجم قلت: فان كان معها في بلدة واحدة و هو محبوس في سجن لا يقدر ان يخرج إليها و لا تدخل هي عليه. أ رأيت ان زنى في السجن؟

قال: هو بمنزلة الغائب عنه اهله يجلد مأة جلدة «2».

تحقق الإحصان مع الموانع الشرعية

ثم انّ ههنا مسئلة مهمّة و هي انّه لو كانت له زوجة دائمة و كانت عنده و ليس بينهما افتراق أصلا الّا انّه قد كان ممنوعا عن مقاربتها لموانع شرعيّة كالحيض أو الصوم أو الإحرام مثلا- حيث انّ وطيها محرّم إذا كانت في هذه الأحوال- فلو زنى و الحال هذه فهل يكون محصنا أم لا؟

الظاهر عندنا هو انّ الممنوعية بالعرض لا تمنع عن تحقّق الإحصان.

و ذلك لانّ قوله عليه السلام: من كان له فرج يغدو عليه و يروح، يراد به ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 80

يكون قد أعطاه اللّٰه ما يقضى به وطره على ما قرّره الشارع و في المواقع التي أباحه اللّٰه تعالى فيها. فاذا كانت له زوجة دائمة يتمكن من وطيها و لا مانع له عن ذلك فهذا كاف في صدق الإحصان فيرجم بالزنا و ان كان قد زنى حينما كان ممنوعا شرعيا عن وطئ زوجته لأجل الحيض مثلا و على الجملة فالحيض أو الصوم أو الإحرام لا يمنع تحقّق الإحصان و اجراء حدّ الرجم عليه.

نعم من استظهر من قوله عليه السلام: يغدو عليه و يروح، كونه كذلك بالفعل و استفاد منه الإرسال

المحض بان لا يكون هناك اىّ مانع من مقاربتها مطلقا فحينئذ لا يتحقّق الإحصان. كما انّه لو شك في انّ المراد من يغدو عليه و يروح، هو هذا أو ذاك فإنّه لا يحكم عليه بالإحصان و لا يرجم بالزنا و ذلك للشّبهة الدارئة.

كلمة اخرى حول حدّ الإحصان.

ثم انّ هنا بحثا آخر و هو انّه ما هو حدّ الإحصان؟ فنقول: اعتبر بعض فيه التمكن من الوطي متى شاء. و قيّده بعض بالغدوّ و الرواح، و كيف كان فالغائب عن اهله ليس بمحصن. ثمّ ان حدّ الغياب مكانا و زمانا أيضا محلّ البحث و الكلام فقد يقيّد بمقدار السفر الشرعي الذي يوجب الإفطار و قصر الصلاة، كما انّه قد يقيّد بمدّة شهر أي إذا طال سفره الى ان بلغ شهرا كاملا، خلافا لمن أطلق الغائب.

قال شيخ الطائفة في المبسوط: حدّ الإحصان عندنا هو كلّ حرّ بالغ كامل العقل كان له فرج يغدو اليه و يروح على جهة الدوام متمكنا من وطئه سواء كان ذلك بعقد الزوجية أو بملك اليمين و يكون قد وطئ «1».

و قال في الخلاف: الإحصان لا يثبت الّا بان يكون للرجل الحرّ فرج يغدو اليه و يروح متمكّنا من وطيه سواء كانت زوجته حرّة أو امة أو ملك يمين و متى لم يكن متمكنا منه لم يكن محصنا و ذلك بان يكون مسافرا منها أو محبوسا

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 كتاب الحدود الصفحة 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 81

أو لا يكون مخلّى بينه و بينها انتهى «1».

و قريب منه عبارة المحقّق و الشهيد الثاني و قد تقدّم كلام المحقّق و امّا الشهيد الثاني فقال في المسالك: رابعها ان يكون متمكنا من الفرج يغدو عليه

و يروح بمعنى القدرة عليه في أيّ وقت اراده ممّا يصلح لذلك، و الغدوّ و الرواح كناية عنه، و الى هذا المعنى أشار الشيخ في النهاية فقال: ان يكون له فرج يتمكّن من وطيه انتهى «2».

و قال العلّامة في القواعد في الأمور المحقّقة للإحصان: السابع ان يكون متمكّنا من الفرج يغدو عليه و يروح فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن من الغدوّ عليه و الرواح أو محبوسا لا يتمكن من الوصول اليه خرج عن الإحصان. و في رواية مهجورة يكون بينهما دون مسافة التقصير. انتهى.

و في كشف اللثام عن التبيان و فقه القرآن للراوندي [3]. لو كان غائبا عن زوجته شهرا فصاعدا أو محبوسا لا يتمكّن من الوصول اليه كذلك أو كانت مريضة لا يمكنه من وطيها خرج عن الإحصان. انتهى «3».

و قال السيّد المرتضى في الانتصار: و فرّقوا بين الغيبة و الحيض لانّ الحيض لا يمتدّ و ربّما امتدّت الغيبة و لانّه قد يتمتّع من الحائض بما دون موضع الحيض و ليس كذلك الغيبة. انتهى «4».

______________________________

[1] و إليك عين عبارة الشيخ في التبيان في ذيل الآية 15 من سورة النور: و من كان غائبا عن زوجته شهرا فصاعدا أو كان محبوسا أو هي محبوسة هذه المدّة فلا إحصان انتهى ثم انّ عبارة الراوندي هي عين عبارة الشيخ بلا أيّ زيادة أو نقيصتة فقال في فقه القرآن الجلد 2 الصفحة 371: و من كان غائبا عن زوجته شهرا فصاعدا أو هي محبوسة هذه المدّة فلا إحصان انتهى. و لعلّ الراوندي قد أخذ ذلك من الشيخ و اقتبس منه و ذهب اليه، كما ذكر بعض من حقّق الكتاب: انّ القطب في هذا الكتاب شديد التأثر بآراء

شيخ الطائفة في كتابيه: التبيان في تفسير القرآن، و الاستبصار. انتهى.

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسئلة 5.

(2) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 424.

(3) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 221.

(4) الانتصار الطبع الجديد الصفحة 258.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 82

فترى انّه اقتصر في عبارة النهاية بالتمكن من الوطي و لكن كثير من الكلمات يدلّ على اعتبار التمكن في كلّ غدوّ و رواح كما انّ مقتضى ما نقلناه عن الكشف هو انّ الإحصان محقّق إذا كان غائبا بأقلّ من شهر و امّا إذا كان غائبا عنها شهرا أو أكثر فهو غير محصن.

و قد مال صاحب الجواهر الى ذلك على ما هو ظاهر عبارته حيث قال:- عند ذكر اعتبار التمكن على وجه يغدو عليه و يروح إذا شاء- فمتى لم يكن كذلك كمن كان غائبا عن زوجته شهرا على ما في التبيان و فقه القرآن لم يكن محصنا انتهى «1» و ان كان قد جعل الملاك بالآخرة هو العرف.

و لا أدرى انّهم من أين استفادوا ذلك و اىّ دليل لهم في القول به فانّا لم نقف على ذكر الشهر في شي ء من الروايات.

اللّهم الّا ان يكون ذكر ذلك من باب ذكر المصداق العرفي و ان كان يرد عليه انّ المصداق العرفي ربّما يتحقّق بأقلّ من ذلك أيضا [1].

و لو بنينا على اعتبار الشهر في السفر فلا بدّ من القول به في المحبوس و المريض أيضا لعدم وجه للفرق بينهما و بين المسافر هنا.

نعم لا يجرى هذا الكلام في الحيض و ذلك لعدم امتداده أكثر من عشرة أيّام.

و امّا ما افاده السيّد قدّس سرّه من التفصيل بين الحيض و الغيبة و توجيه ذلك بانّ الحيض

لا يمتدّ و لكن الغيبة ربّما امتدت و بأنه قد يتمتّع من الحائض بغير موضع الحيض بخلاف الغائب.

فنقول: لو كان الملاك هو الشهر فمن المعلوم عدم جريانه في الحيض. امّا

______________________________

[1] أقول: لعلّ اعتبار الشهر لأجل خبر ربيع الأصمّ قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجورا و هو بالحجاز فقال: يضرب حدّ الزاني مأة جلدة و لا يرجم إلخ وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4، بان يكون المسافة بين الحجاز و العراق يومئذ شهرا. و قد أوردت ذلك و أجاب دام ظله بأمور منها انه لا بدّ من اعتبار الأقلّ فيما إذا قطعت مسافة ما بين الحجاز و العراق في عشرة أيّام مثلا أو أقل. (فتأمّل).

______________________________

(1) الجواهر الجلد 41 الصفحة 274.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 83

لو كان الملاك هو عدم التمكن عرفا- فمن لم يكن متمكنا و مستغنيا عند العرف فليس بمحصن و أيضا الزاني الذي كانت زوجته حائضا كذلك- ففيه انّ عدم تمكنه من الوطئ أيّام الحيض انّما هو بحكم الشرع و لو كان هو معتنيا بحكم الشرع بحيث يترك الوطي في أيام الحيض فكيف يرتكب الزنا و لا يبالي بحرمته مع انّ الزنا أيضا كالوطي في الحيض بل الزنا أشدّ و أعظم شرعا و عقوبة و على الجملة فمن كان غير متمكّن من الوطي بواسطة حكم الشرع فيأوى الى حرام أعظم اى الزنا لا يصدق عليه انه غير متمكّن الّا ان يكون بحيث تمنعه زوجته عن الوطي في حال الحيض و لا قدرة له على الغلبة عليها.

هذا كلّه مضافا الى انّ من كانت له زوجة دائمة اوامة

مملوكة فهو متمكّن عرفا من دفع شهوته و قضاء وطره بها و مجرّد كونه ممنوعا في أيام خاصّة لا يخرجه عن كونه متمكّنا و مستغنيا عن الحرام.

اللّهم الّا ان يؤخذ بلفظ يغدو عليه و يروح و يقال باعتبار التمكن الفعلي جمودا على ظاهر اللفظ.

لكنّ الظاهر انّه كما لا يعتبر في التمكن، التمكن العقلي كذلك لا يعتبر التمكن الفعلي بهذا النحو اى بحيث لا يكون له اىّ مانع حتّى الحيض بل المراد هو التمكن العرفي و هو لا ينافي الحيض و لعلّ الاخبار بتعابيرها المختلفة تفيد ذلك أيضا.

هذا و قد عرفت انّ كلماتهم رضوان اللّٰه عليهم أجمعين في حدّ الإحصان من حيث الحضور و الغيبة و من حيث مكان الغيبة و طول زمانها و من حيث التمكن غدوا و رواحا أو التمكن في كلّ زمان أو مطلق التمكن مختلفة.

و امّا الاخبار ففي بعضها: (ما يغنيه) و ذلك كموثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى و عنده السريّة و الأمة يطأها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: نعم انّما ذلك لانّ عنده ما يغنيه عن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 84

الزنا «1».

و صحيح حريز قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن المحصن قال:

فقال: الذي يزني و عنده ما يغنيه «2».

و في بعضها: كون امرأة عنده يغلق عليها بابه، و ذلك كخبر ابى بصير قال: قال: لا يكون محصنا حتّى [الّا ان] يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه «3».

و في بعضها ذكر المعيّة. و ذلك كرواية محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: المغيب و المغيبة ليس عليها رجم الّا ان يكون

الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل [1].

و يشعر بذلك ما رواه أبو عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم و يضرب حدّ الزاني قال: و قضى في رجل محبوس في السجن و له امرأة حرّة في بيته في المصر و هو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحدّ [يجلد الجلد] و يدرأ عنه الرجم «4».

فان المورد و هو من زنى بالكوفة مع كون زوجته بالبصرة فهو من مصاديق المغيب و المغيبة و عدم كونها عنده و معه.

و امّا كونها عنده فلا إشكال في عدم إرادة العنديّة العقليّة بأن تكون على جنبه و في حضوره نظير ما يقال في باب الصلاة بانّ من تنجس ثوبه في الصلاة و عنده ماء يمكنه تطهيره إلخ الذي يراد منه كون الماء في جنبه كي لا يلزم من تطهيره به الفعل الكثير بل المراد في المقام هو كونها عنده بحسب العرف و ان لم تكن الآن

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 الحديث 1، و امّا قوله: المغيب و المغيبة، فقال الفيّومي في المصباح: اغابت المرأة بالألف غاب زوجها هي مغيب و مغيبة و في القاموس: امرأة مغيب و مغيبة و مغيب كمحسن، غاب زوجها، و في المنجد: اغابت المرأة غاب زوجها فهي مغيب و مغيبة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من

حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 85

في حجرته مثلا.

و كذلك المراد من (إغلاق الباب عليها) ليس هو الفعلي منه بل هو كناية عن كونه متمكّنا من الوقاع حيث شاء.

و هكذا بالنسبة إلى المعيّة الواردة في صحيح ابن مسلم فان المراد منها ليس هو الالتصاق بل المراد عدم الحاجة الى مؤنة في الوصول إليها.

و لكن مع ذلك ربما يحصل الشك في صدق ذلك لكونه من المفاهيم المشكّكة فهل يصدق فيما إذا كان البلد من البلاد الكبيرة و كانت المرأة في بيت على رأس فرسخين مثلا انّها عنده أو ان عنده ما يغنيه؟ كما انّه ربما يحصل للإنسان الشك فيما إذا زنى المحبوس في أول يوم من أيام حبسه فهل يرجم هو أولا؟

و على الجملة فهذه الاخبار بتعابيرها المختلفة واردة في مقام تخصيص الآية الكريمة الناطقة بجلد الزانية و الزاني فترفع حكم الجلد و تبدّله بالرجم أو تضيف الرجم الى الجلد- على ما يأتي ذلك في محلّه.

فحينئذ فلو كان بين هذه الروايات بأنفسها عام و خاص أو مطلق و مقيّد أو مجمل و مبيّن فلا محالة يحمل البعض على الآخر اى يحمل العامّ على الخاص و المطلق على المقيد و المجمل على المبيّن، و الحاصل انّه يؤخذ بما هو أضيق دائرة منها و تخصّص الآية الشريفة به. و لو لم يكن كذلك فلو استفدنا و فهمنا انّ الكلّ بصدد بيان أمر واحد فهو و الّا فمع ورود التعابير المختلفة مع إجمالها في الجملة فلا مناص عن الأخذ بالقدر المتيقن اى ما يتوافق عليه الكل لكثرة القيود.

و يمكن ان يقال: انّ أخصّ ما ذكر في حدّ الإحصان هو ما ورد في خبر ابن

مسلم عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام: المغيب و المغيبة ليس عليها رجم الّا ان يكون الرجل مع المرآة و المرآة مع الرجل «1» و ما في خبر ابى بصير: الّا ان يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه [1].

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من حدّ الزنا الحديث 16 أقول: و لا أدرى أيّ فرق بين (عنده) و (معه) حتى يكون خبر ابن مسلم المتضمّن للثاني أخصّ من خبر ابى بصير المتضمّن للاوّل؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 86

فالملاك هو المعيّة فمتى تحقّقت يترتب عليها الرجم، و الخارج عن هذا الحكم هو المغيب و المغيبة و ما إذا لم يكن الزوجان معا فلو كانا في دارين لكن في مصر واحد فالمعيّة محقّقة و الحكم هو الرجم إذا زنى بخلاف ما إذا كان هو في بلد و زوجته في بلدة اخرى.

ثم لو سافر عن بلده- التي تكون زوجته أيضا فيها- الى بلد آخر لأجل الزنا فغاب عنها لاقتراف نفس المعصية- الزنا- فهل يصدق عليه عنوان المغيب و المغيبة حتى لا يحكم بالرّجم؟

الظاهر انصراف المغيب عن ذلك- فان الظاهر منه هو الذي غاب بالطبع و للحاجة و سبب طبيعي لا للزنا- و عليه فلو زنى فإنه زان محصن لانّه و ان كان في بلد آخر الّا انّه كالذي زنى و عنده امرأته.

و قد ظهر بما ذكرناه انّ المستفاد من الروايات هو تحقّق الإحصان بمجرد التمكن من الحلال، و الغناء به عن الحرام كما انّ قوله عليه السلام: يغدو عليه و يروح أيضا قد كنّى بهما عن التمكن لا خصوص التمكن في الوقتين بحيث

لو كان متمكّنا في الظهر لما شمله. فالمقصود هو انّه بحسب طبعه لا مانع له عن الوقاع. و يشير الى ذلك ما ورد في بعض الروايات من قوله: مخلّى بينها و بينه [1].

و هل يمكن إسراء الحكم إلى الغائب الذي يتمكن ان يعود إلى اهله و بلده كلّما شاء و حيثما أراد أم لا؟

الظاهر هو الثاني و ذلك لانّ المراد هو التمكن الطبيعي العرفي و من كان في بلد آخر فهو غير متمكّن عرفا و ان كانت له وسائل و امكانيات يتمكّن معها من العود الى موطنه حيثما شاء.

ثم انّه قد تقدّم انّه لا دليل على التحديد بالنسبة إلى الزمان بالشهر مثلا و امّا بالنسبة إلى المكان ف

قال المحقّق قدّس سرّه:

و في رواية مهجورة: دون مسافة التقصير.

______________________________

[1] أقول: لم أجد هذه الرواية لا في الوسائل و لا في مستدركه و لعلّه دام ظلّه العالي وجدها في موضع آخر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 87

أقول: هذه الروايات المهجورة الدّالة على اعتبار عدم قصور المسافة عن مسافة التقصير- في تحقّق الإحصان- هي رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: أخبرني عن الغائب عن أهله يزني، هل يرجم إذا كان له زوجة و هو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن اهله و لا المملك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة. قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال: إذا قصّر و أفطر فليس بمحصن «1».

و عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين رفعه قال: الحدّ في السفر الذي إن زنى لم يرجم ان كان محصنا؟ قال: إذا قصّر فأفطر «2».

و حيث انّ في طريق رواية عمر

بن يزيد جهالة [1] و الرواية الثانية مرفوعة [2] و لم يذهب الى مضمونهما الأصحاب فلذا تكون الرواية في المقام مهجورة و هم قد جعلوا المدار على نظر العرف و قضائه.

هل يعتبر في الإحصان العقل أم لا؟

قال المحقق: و في اعتبار كمال العقل خلاف فلو وطئ المجنون عاقلة وجب عليه الحدّ رجما أو جلدا هذا اختيار الشيخين و فيه تردّد.

أقول: المناسب هو التعبير بالعقل (لا كمال العقل) فان المقابل للمجنون هو العاقل.

ثم انّ ترتّب الحكم بوجوب رجم المجنون الذي وطئ عاقلة أو جلده على الخلاف في اعتبار كمال العقل غير ملتئم و لا مناسب. و لذا قال قدّس سرّه

______________________________

[1] أقول: وجه الجهالة انّ في سندها عبد الرحمن بن حمّاد و هو مجهول و لم يرد فيه توثيق في كتب الرجال.

[2] وجه كونها مرفوعة انّه قد سقط من السند بعض مع التصريح بلفظ الرفع و هو الملاك في المرفوعة راجع مقباس الهداية الصفحة 39 ثم انّه يرد على هذه الرواية انّه لم يذكر فيها الراوي و لا المرويّ عنه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 4 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 4 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 88

بعد الحكم المزبور: هذا اختيار الشيخين، ثم تردّد هو بنفسه في ذلك.

ثم انّه لا بد من تعميم عنوان البحث رجما و جلدا لجريان الإشكال في كلا المقامين و عدم انحصاره بصورة الإحصان و الرجم.

و كيف كان فالظاهر انه لا خلاف في اعتباره في المرأة المزني بها و لو كان خلاف فهو شاذّ جدّا [1].

و امّا بالنسبة الى الرجل فقد اختلفوا في ذلك- كما صرّح بذلك المحقّق قدّس سرّه- فذهب جمع

من الأعلام كالشيخ المفيد و شيخ الطائفة و الصدوق و القاضي و ابن سعيد الى عدم اشتراط ذلك في الزاني، و اعتبره فيه الآخرون.

و هنا بحث و هو انّه هل يجوز و يمكن تكليف المجنون كي يجوز عقوبته بالرجم أو الجلد؟ و هل الرجم أو الحدّ عقوبة للزاني المجنون أو هو تعبّد محض؟

الظاهر- بالنسبة الى الثاني- هو انّه من باب العقوبة و حينئذ فإذا جاز رجم المجنون أو جلده فلا بدّ من ان يجوز للّٰه تعالى عقابه في الآخرة أيضا.

و على الجملة فالعقوبة مترتّبة على مخالفة التكليف، و التكليف منوط و مشروط بالعقل فبدونه لا يمكن التكليف فإنّه يصحّ حيث كان هناك اثر، و المجنون لا يدرك التكليف كي يتأثر به و ان كانت له اعمال و حركات يأتي بها على طبق ارادتها الحيوانيّة لكنّه لا درك له فلا يصحّ تكليفه، و التذاذه بالشهوات الجنسيّة لا يدلّ على دركه كما في الحيوانات.

و لذا فانّى اتعجّب من تعرّض العلماء لهذا البحث و ذهاب بعضهم الى حدّ الزاني المجنون أو رجمه و لا أدرى لماذا وقع هذا البحث منهم و هذا النظر من بعضهم؟

و استدلّ القائلون بعدم اعتبار العقل في الرجل و انّه يرجم المجنون مع إحصانه و يجلد مع عدمه برواية أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام إذا

______________________________

[1] قال السّيوريّ في التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 330: اعلم انّه لا حدّ على المجنونة إجماعا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 89

زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و ان كان محصنا رجم. قلت: و ما الفرق بين المجنون و المجنونة و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى و الرجل إنّما يأتي و

انّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة و انّ المرأة إنّما تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها «1».

و فيه- مضافا الى ضعف الرواية [2] انّ للمجنون إرادات بالنسبة إلى أفعال خاصّة كأكله و شربه و فراره عن المخوّفات في بعض الأحايين و من هذا القبيل زناه فإنّه يزني بإرادته كما يأكل و يفرّ بإرادته لكن هذا لا فرق فيه بين المجنون و المجنونة فهي أيضا تأتى بهذه الأفعال بإرادتها فكما انّ المجنون يأتي المرأة و يقصد ذلك هكذا المجنونة تقصد ذلك و لذا تخلّى بينه و بين نفسها و ليس فعل الزنا متحقّقا و قائماً بفعل الرجل وحده بل للمرأة دخل فيه و لذا ينتسب الفعل إليها كما ينتسب اليه- اللّهم الّا ان تكون المرأة مستكرهة على الزنا كما ذكر ذلك في الرواية- بل قد يتّفق أنّ المجنونة تدعو الرجل الى نفسها و تخلّى نفسها له كي يزني بها فكيف نقول بأنّه يحدّ و يرجم المجنون دون المجنونة و الحال انّهما على حدّ سواء؟

و لو كان المراد انّ للمجنون مقدارا من العقل دون المجنونة فالّلازم بيان الفرق بين العاقل و المجنون- دون المجنون و المجنونة الذي هو المذكور في الرواية- فإنّه على ذلك يلزم القول بأنه يحدّ الزاني عاقلا كان أو مجنونا.

و على الجملة فلا يمكن للشرع تجويز ما ينكره العقل و يأباه بالاستقلال، فاذا لا بدّ امّا من تأويل الرواية المزبورة أو طرحها.

و قد حملها بعض العلماء على بعض الوجوه غير المنافية للحكم العقلي و من هؤلاء هو الشهيد الثاني قدّس سرّه فقال في المسالك بعد ذكر اشتراط البلوغ في الإحصان و انّ الصبيّ ليس بمحصن:

و الأظهر انّ المجنون

كذلك لاشتراكهما في العلّة فيشترط البلوغ و العقل

______________________________

[1] لأنّ في سلسلة السند إبراهيم بن الفضل (فهو الذي نقل الرواية عن ابان) و هو مجهول.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 90

و يجمعهما التكليف فلو وطئ المجنون فلا حدّ عليه رجما و لا جلدا لعدم التكليف الذي هو مناط الحدود على المعاصي.

ثم قال: و ذهب الشيخان و جماعة إلى وجوب الحدّ على المجنون و تحقّق الإحصان منه فيثبت عليه الرجم معه و الجلد دونه استنادا إلى رواية أبان بن تغلب- و عندئذ نقل الرواية.

و أجاب عنها بقوله: و هذا الرواية ظاهرة في كون الفاعل غير مجنون و ان كان صدرها قد تضمّن المجنون فيحمل على مجنون يعتوره الجنون إذا زنى بعد تحصينه لتناسب العلّة التي ذكرها في الرواية انتهى.

و فيه انّ هذا الحمل خلاف الظاهر جدا بل خلاف الصريح فإنّ الرواية صريحة في المجنون حال الزنا و انّه يكفى في صحّة الحدّ مجرّد انّه يعقل كيف يأتي اللّذة فكيف نقول: انّ المراد هو الذي زنى محصنا ثم عرض عليه الجنون [1].

هذا كلّه مضافا الى انّ نفس هذا الحكم- أي إقامة الرجم أو الجلد على من زنى- في حال عقله- عند جنونه لا يخلو عن كلام و ذلك لما هو الحقّ من عدم صحّة عقوبة المجنون و مؤاخذته على ما فعله، و ان كان ما فعله كان في حال الصحّة.

و حملها بعض آخر على ارادة بعض مراتب الجنون الذي يجتمع مع العقل و بقاء ما يصلح لثبوت التكليف عليه من الشعور. و بعبارة أخرى تحمل الرواية على قليل العقل لا كامل العقل- الذي

قد عبّر به المحقّق رحمة اللّٰه عليه في بداية البحث- فكان بحيث يصحّ توجّه التكليف اليه و ان لم يكمل عقله.

______________________________

[1] أقول مبني اشكاله دام ظلّه على الشهيد الثاني هو ما استظهره من كلامه من انّه يقول بأنّ الزاني قد زنى ثم عرض عليه الجنون فلذا أورد عليه بانّ الرواية تقول: إذا زنى المجنون إلخ.

و لكن الظّاهر انّ مراد الشهيد الثاني هو انّ المجنون المذكور في الموضوع مجنون ادوارىّ و لا منافاة أصلا بين كون أحد مجنونا أدواريّا و بين ان يزني في دور إفاقته و مع ذلك يصدق عليه المجنون و يقال: زنى المجنون و على ذلك فما ذكره رحمة اللّٰه عليه في التوجيه وجيه و لذا قد جمع بذلك الفاضل السيوري رضوان اللّٰه عليه فقال في التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 330 و الرواية محمولة على من يفيق تارة و يجنّ اخرى فيكون قد زنى وقت تعقله، و التعليل يدلّ عليه و هو قوله عليه السلام: و انّما يأتي إذا عقل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 91

و فيه انّه ان كان بحيث يصحّ معه توجّه التكليف اليه فهو عاقل و خارج عن محلّ الكلام و ان لم يكن له أوّل مرتبة التعقّل و التميّز الذي يصح معه التكليف فلا يمكن العقوبة لعدم التكليف.

و حينئذ فلا مفرّ عن ورود الإشكال العقلي على القول المزبور. هذا مضافا الى روايات دالّة على رفع القلم عن المجنون كالصبيّ بعينه:

عن ابن ظبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد فجرت فأمر برجمها فمرّوا بها على علىّ بن ابى طالب عليه السلام فقال: ما هذه؟ قالوا مجنونة فجرت فأمر بها عمر ان ترجم. قال: لا تعجلوا فاتى عمر

فقال له: اما عملت انّ القلم رفع عن ثلاث عن الصبيّ حتّى يحتلم و عن المجنون حتّى يفيق و عن النائم حتّى يستيقظ «1».

و عن علىّ عليه السلام قال: لا حدّ على مجنون حتّى يفيق و لا على صبيّ حتّى يدرك و لا على النائم حتّى يستيقظ «2».

و في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في امرأة مجنونة زنت قال: انّها لا تملك أمرها ليس عليها شي ء «3».

و مورده و ان كان هو المرأة الّتي لا نزاع فيها الّا انّ التعليل عامّ كلّى يشمل الرجل أيضا.

و مثله ما رواه محمّد عن أحدهما عليهما السلام في امرأة زنت و هي مجنونة قال: انّها لا تملك أمرها و ليس عليها رجم و لا نفى «4».

و عن محمّد بن محمّد المفيد في الإرشاد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مجنونة فجربها رجل و قامت البيّنة عليها، فأمر عمر بجلدها الحدّ فمرّ بها علىّ أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: انّ رجلا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 92

فجربها فهرب و قامت البيّنة عليها فأمر عمر بجلدها. فقال لهم: ردّوها اليه و قولوا له: اما علمت انّ هذه مجنونة آل فلان و انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قال:

رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و انّها مغلوبة على عقلها و

نفسها، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ «1».

و امّا ما قد يتوهّم من انّ مقتضى هذه الاخبار هو عدم اقامة الحدّ على المجنون حال جنونه و امّا بالنسبة الى بعد إفاقته فلا دليل على عدم إقامته عليه، و على هذا فيقام عليه الحدّ بعد حصول الإفاقة له، فهو غير تامّ.

و ذلك لانّ مقتضى رفع القلم عن المجنون هو عدم شي ء عليه و انّه لا يترتّب على فعله أثر أصلا، و الاشكال الجاري في عقوبة المجنون حال جنونه جار في عقوبته حال إفاقته لما اتى به في حال جنونه الّا ان يرتكب المعصية في حال صحّته و إفاقته فيعاقب على فعله و المسلّم المتيقّن عقوبته على ذلك في خصوص حال إفاقته و امّا في حال جنونه فهو محلّ الكلام و يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى.

ان قلت: فما تقول في تعزير الصبيّ فكما انه يجوز ذلك هكذا يجوز اجراء الحد على المجنون.

نقول: لو كان تعزير الصبي بمعنى عقوبته على فعله لجرى فيه الاشكال المزبور حرفا بحرف. لكنّ الظاهر انّ تعزير الصبي بمعنى تأديبه و لأجل ان لا يعتاد على الذنب بل يدعه و يتركه في القابل- كما ترى انّه قد يضرب الحيوان كيلا يعود الى ما فعله- و على ذلك يأوّل ما ورد من تعزير الزاني المجنون أيضا كخبر أصبغ بن نباته قال:

اتى عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ و كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم قال: فأقم أنت الحدّ عليهم فقدّم واحدا منهم فضرب عنقه و قدّم الآخر فرجمه و قدّم الثالث فضربه الحدّ و قدّم الرابع فضربه نصف الحدّ و

قدّم الخامس فعزّره

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب مقدّمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 93

فتحيّر عمر و تعجّب الناس من فعله فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضيّة واحدة أقمت عليهم خمسة حدود ليس شي ء منها يشبه الآخر فقال أمير المؤمنين عليه السلام: امّا الأوّل فكان ذميا فخرج عن ذمّته لم يكن له حدّ الّا السيف و امّا الثاني فرجل محصن كان حدّه الرجم و امّا الثالث فغير محصن حدّه الجلد و امّا الرابع فعبد ضربناه نصف الحدّ و امّا الخامس، فمجنون مغلوب على عقله «1».

فترى انّه عليه السلام لم يحدّ الخامس، و امّا التعزير فقد ذكرنا وجهه و على الجملة فترفع اليد عن رواية أبان بهذه الروايات الشريفة و لا مقاومة لها في إثبات الحكم لأنّها على خلاف العقل المستقلّ و ان لم يكن لها معارض فكيف بهذه الأخبار المعارضة لها.

و لذا قال في الجواهر- بعد قول الشرائع: و فيه تردّد-: كما في النافع بل منع، وفاقا لكافّة المتأخّرين حتّى المصنّف في نكت النّهاية بل عن الشيخين في العريض و الخلاف ذلك أيضا بل عن المسبوط قبل النسبة المزبورة ما يشعر بالإجماع على العدم بل هو المحكي عن صريح الغنية و ظاهر السرائر إلخ [2].

ثم انّه بعد ان اتّضح اعتبار العقل في إحصان الرجل كما اعتبر ذلك في

______________________________

[1] جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 274 أقول: و امّا كلامه في النكت فهذه: انّما صار الشيخ الى ذلك لانّ الواطى يفتقر الى قصد و لا يحصل القصد إلى الوطي مع ذهاب العقل فمع حصول الوطي يعلم انّ له قصدا. و يؤيّد ذلك رواية أبان-

و هنا نقل الرواية ثم قال قدّس سرّه:- و يقوى عندي انّه لا حدّ على المجنون لما روى عن الأصبغ انّ عمر اتى بخمس أخذوا في الزنا- و نقل تمام الرواية.

ثم قال:- و هذه و ان كانت صورة واقعة لكنّ التعليل فيها يؤذن بسقوط الحدّ و لعلّه احداث شبهة في طرف المجنون لاحتمال ان يكون ذلك هو الحكم فيه انتهى. راجع الجوامع الفقهيّة الصفحة 452.

ثم أقول: انّه قد ضعّفت الرواية لأنّ في سندها إبراهيم بن الفضل و لم يرد فيه توثيق و لا مدح، و في جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 6: و الظاهر انّ إبراهيم المذكور هو الهاشمي كما يظهر من جامع الرواة و هو امامى و قيل حسن و استشعر المحقق البهبهاني ره في تعليقته من رواية جعفر بن بشير عنه وثاقته انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 16.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 94

المرأة كي تكون محصنة فهل يعتبر في إحصان الرجل كون المزنيّ بها أيضا عاقلة أم لا؟

اختلف العلماء في ذلك فذهب كثير منهم الى عدم اعتباره و خالف فيه المحقّق الأردبيلي رضوان اللّٰه عليه و قال في مجمع الفائدة و البرهان:

يشترط في إحصان الرجل و رجمه كون المرأة المزنيّ بها عاقلة بالغة فلو زنا المحصن بمجنونة أو صغيرة فلا رجم انتهى و في الجواهر بعد ان نقل ذلك عنه: و فيه نظر يأتى عند تعرّض المصنّف لذلك [1]

الكلام في ادعاء الزوجية.

قال المحقّق: و يسقط الحدّ بادّعاء الزوجية و لا يكلّف المدّعى بيّنة و لا يمينا و كذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر الى المدّعى.

و في المسالك: انّما يسقط الحدّ عنه بمجرّد الدعوى و ان

لم يثبت الزوجيّة لأنّ دعواه شبهة في الحلّ، و الحدّ يدرء بالشبهة و مثله ما لو ادّعى شراء الأمة من مالكها و ان لم يثبت ذلك.

ثم قال: و لا يسقط فيه من أحكام الوطي سوى الحدّ فلو كانت امة فعليه لمولاها العقر أو حرّة مكرهة فمهر المثل ان لم يثبت استحقاق الوطي.

و في الجواهر بعد نقل ذلك عن المسالك قال: قلت: هو كذلك إذا لم يكن مقتضى الأصل سقوطه.

أقول: انّه قد يكون مقتضى الأصل سقوط سائر الآثار أيضا كما إذا ادّعى زوجيّة المزني بها مع انّها لم تكن من قبل مزوّجة فان ادعاء الزوجيّة يوجب درء الحدّ و مقتضى الاستصحاب هو عدم الزوجيّة فلا يلزم المهر أيضا لكن هذا يوجب كون الأصل مثبتا لانّ استصحاب عدم التزويج ينتج كونها أجنبيّة فلا مهر لها و هذا الأصل المثبت الذي ليس بحجّة، و لو كانت الحالة

______________________________

[1] عند قوله: و لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 95

السابقة هي الزوجية أو العدّة فادّعى المتزوّج لها انّه كان يزعم رفع الزوجيّة أو انقضاء العدّة فحينئذ يدرء الحدّ بالشبهة و لكن مقتضى الاستصحاب بقاء الزوجية أو العدّة و يترتّب أحكامهما.

و ما ذكره في المسالك صحيح ان كان مستند السقوط الشبهة لاحتمال صدقه أو أصالة الصحّة في قوله أو فعله كما يوجد في عباراتهم و امّا ان كان مستند السقوط حجيّة قول المدّعى بلا معارض فيسقط سائر ما يترتّب على الوطي الحرام.

و تحقيق الكلام انّ هنا أمورا يمكن التمسّك به في درء الحدّ و يتفاوت الأمر بالنسبة إلى بقيّة الآثار باختلاف مقتضيات هذه الأمور.

أحدها التمسّك بدرء الحدود

بالشبهة و مقتضى ذلك هو درء الحدّ و ترتّب سائر الأحكام.

ثانيها صحيح ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: انّ عليّا عليه السلام اتى بامرأة مع رجل فجربها فقالت: استكرهني و اللّٰه يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحدّ و لو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا لا تصدّق و قد و اللّٰه فعله أمير المؤمنين عليه السلام «1».

و هذه أيضا كالسابقة.

ثالثها أصالة الصحّة كما قد يرى التمسك بها في عباراتهم.

و فيه انّ مقتضى أصالة الصحة في القول هو ان يصدّق في قوله و في دعواه الزوجيّة مثلا و بعبارة أخرى الحكم بصدقه لا الحكم بكذبه و فسقه في ذلك لكن لا يترتّب آثار الواقع المترتّبة على الزوجيّة. كما انّ أصالة الصحة في الفعل تنتج انّه لم يفسق بعمله المشكوك فيه و انّه لم يزن عامدا، و لا يترتّب وراء ذلك شي ء [1].

______________________________

[1] راجع لهذا الكلام، التنبيه الخامس من تنبيهات باب أصالة الصحّة من فرائد الشيخ الأعظم الجلد 2 الصفحة 728 الطبع الجديد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من أبواب حدّ الزنا الحديث 18.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 96

رابعها ما بدا لنا و هو كون المقام من قبيل الادعاء بلا معارض، فكما انّه لو كان هناك مال و كان زيد يدّعى انّه له و لم يكن له معارض يعارضه في ذلك فإنّه يأخذه و يعامل معه معاملة المالك فيشترى منه و يصلّى فيه و يوّرث منه، الى غير ذلك من الآثار فهنا أيضا يدّعي الرجل انّها زوجته و لا تعارضه الزوجة فيعامل معه معاملة الزوج فيترتّب جميع الآثار كما انّه لا حدّ عليه.

و يؤيّد ذلك انّ صاحب الجواهر مثل بباب التزويج أيضا

للدّعوى بلا معارض و هذا يشعر بأنّه لا يختصّ ذلك بباب الأموال، و السيرة جارية على قبول الدعوى بلا معارض إذا كان المدّعى ظاهر الصلاح، و على الجملة فمقتضى ذلك هو ترتيب جميع الآثار. و قد اتّضح بما ذكرناه انّ ترتيب الآثار كلّها موقوفة على الأمر الرابع و ان كان مجرّد درء الحدّ يجرى مع كلّ الوجوه الأربعة.

و ظاهر عبارة المحقّق انّ مستنده هو الوجه الأوّل و لذا قال بعد فرض ادّعاء الزوجيّة: و كذا بدعوى ما يصلح شبهة بالنظر الى المدّعى.

و على الجملة فدرء الحدّ بالشبهة أمر جار في كلّ مورد كانت هناك شبهة و لم يكن إثبات الزنا بنحو القطع، فيكفي احتمال الزوجية عند ادعائها أو احتمال الجهل بالحكم أو الموضوع أو الاشتباه المصداقي كما يكفى ادّعاء شراء الأمة من مالكها كما مرّ.

نعم على فرض ترتّب آثار الوطي مطلقا سوى الحدّ يأتي إشكال في زنا الأمة فمن حيث انّها زنت برضاها فهي بغيّة و لا مهر لبغيّة في الحرّة، فلا عقر لها في الأمة و من حيث انّها لمولاها و هو لم يأذن في ذلك فيلزم على الزاني العقر، و كونها بغيّة لا يوجب إسقاط حقّ المولى.

الكلام في إحصان المرأة

اشارة

قال المحقّق: و الإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده بل عن الغنية الإجماع عليه لاشتراك معنى الإحصان فيهما نصا و فتوى فيشترط حينئذ فيها جميع ما عرفته على النحو

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 97

الذي سمعته انتهى.

أقول: و على هذا فالمسئلة من جهة الفتوى ممّا لا خلاف فيها بل هي مجمع عليها. هذا بالنسبة إلى الأقوال، و امّا بالنسبة الى الاخبار التي يستفاد منها ذلك فهي عدة اخبار

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم الّا ان يكون الرجل مع امرأة و المرأة مع الرجل «1».

فهي تدلّ على انّ الغيبوبة كما توجب خروج الرجل عن كونه محصنا كذلك توجب خروج المرأة عن كونها محصنة.

و منها صحيحة ابى عبيدة عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن امرأة تزوّجت رجلا و لها زوج قال: فقال: ان كان زوجها الأوّل مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه و يصل إليها فإنّ عليها ما على الزاني المحصن [الزانية المحصنة] الرجم و ان كان زوجها الأوّل غائبا عنها أو كان مقيما معها في المصر لا يصل إليها و لا تصل إليه فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة و لا لعان بينهما «2».

و هذه تدلّ على انّ الملاك في إحصانها وصولها اليه كوصوله إليها و كونهما في مصر واحد.

و عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ فإذا أحصنّ قال: إحصانهن أن يدخل بهنّ قلت: أ رأيت ان لم يدخل بهنّ و أحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال: بلى «3».

و هذه صريحة في اعتبار الدخول لصدق إحصانهن.

و مرسلة الصدوق: محمّد بن علىّ بن الحسين قال: سئل الصادق عليه السلام عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ قال: هنّ ذوات الأزواج قلت:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود،

ج 1، ص: 98

و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم قال: هنّ العفائف «1».

و مقتضى هذه هو اشتراط كونها ذات زوج كي يصدق عليها كونها محصنة.

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في قوله: فإذا أحصنّ قال:

إحصانهنّ إذا دخل بهنّ قال: قلت: أ رأيت ان لم يدخل بهنّ و أحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال: بلى «2».

ثم انّ مقتضى الجمع بين هذه الروايات انّه يعتبر في إحصان المرأة ان تكون مزوّجة أي ذات بعل و مدخولا بها و ان لا يكون زوجها غائبا عنها بل كان مقيما معها في البلد بحيث تصل اليه و يصل إليها.

و على هذا فيصحّ القول بانّ المستفاد منها هو انّ جميع ما يشترط في إحصان الرجل يشترط في إحصان المرأة كما لا يخفى.

نعم من جملة شرائط إحصان الرجل ان يكون له فرج يغدو عليه و يروح، و من المعلوم انّ هذا لا يتمّ بالنسبة إلى المرأة فإنّه ليس لها ان تغدو على الرجل و تروح بل هذا حقّ للزوج، و الاختيار في ذلك بيده، فالمراد انّه لو كان الرجل له زوجة يغدو عليها و يروح فهما محصنان بذلك و كما انّه سبب لإحصانه، كذلك يكون سببا لإحصانها، و المقصود من قوله ع يصل إليها هو إمكان الوصول إليها، و من قوله ع: و تصل اليه، هو إمكان وصولها اليه مهما أراد الرجل الوصول إليها و التمكّن منها غدوّا و رواحا.

و لذا قال في الجواهر: فما يعتبر في إحصان الرجل معتبر في إحصان المرأة لكنّ المراد من تمكّنها من الزوج إرادته الفعل على الوجه المزبور لا ارادتها متى شاءت ضرورة عدم كون ذلك حقّا لها انتهى كلامه

«3».

ثم انّه قد تقدّم انّه يعتبر في إحصان الرجل ان لا تكون زوجته متعة بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 11.

(3) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 277.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 99

اللازم كونها دائمة فهل يعتبر في إحصان المرأة أيضا كونها زوجة دائمة أو انّه- و ان كان ذلك شرطا في إحصان الرجل لكنّه- ليس شرطا في إحصانها؟

ربّما يؤيّد الثاني صدق انّ لها زوجا و قد ورد في الروايات السابقة انّ المتعة لا تحصن الرجل و امّا عدم كونها محصنة أيضا فلم يكن فيها شي ء من ذلك.

و قد يستدلّ للأوّل أي اشتراط العقد الدائم في إحصانها أيضا برواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل إذا هو زنى و عنده السريّة و الأمة يطأها تحصنه الأمة و تكون عنده؟ فقال: نعم انّما ذلك لانّ عنده ما يغنيه عن الزنا. قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال: لا. انّما هو على الشي ء الدائم عنده «1» فان المشار اليه بقوله: ذلك، أو مرجع ضمير انّما هو على الشي ء الدائم هو الإحصان فيدلّ على انّه انّما يكون الإحصان في الشي ء الدائم بلا فرق بين إحصان الرجل و المرأة فإنّ المورد و ان كان هو الرجل الّا انّ الحكم عامّ و هو من باب تطبيق الكبرى على الصغرى «2».

لكنّه مشكل و ذلك لعدم الملازمة بين ان لا تحصن المتعة الرجل الزاني و بين ان لا تكون هي بنفسها محصنة.

و الظاهر انّه يصدق عليها كونها مزوّجة خصوصا إذا كان زوجها بحيث لا

يعطّلها و حينئذ فلو زنت فهي محصنة و ترجم الّا ان يكون هناك إجماع على اعتبار الدوام و عدم كونها متعة في إحصانها.

اللّهم الّا ان يكون معنى: لها زوج، ان يكون لها زوج محصن فان الزوج لا يكون محصنا إلّا إذا كان له ما يدوم اى الزوجة الدائمة أو ملك اليمين.

و الّا فلم يكن في الروايات ما يفيد انّ المتعة لا تكون محصنة فيكفي في إحصانها كون الزوج محصنا نعم في خصوص المغيب و المغيبة و المحبوس منصوص بعدم كون

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(2) أورده بعض الأعاظم في مباني تكملته الجلد 1 الصفحة 207.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 100

المرأة محصنة [1].

فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام انّه إذا كانت الزوجة مدخولا بها و كانت بحيث كلّما أراد زوجها ان يواقعها امكنه ذلك فهي أيضا محصنة و ان فرض انّ الزوج لم يرد ذلك و انّ الملاك هو إمكان ذلك و تيسّره حين أراد و لو في كلّ أربعة أشهر مرّة حيث انّه ليس لها حق أكثر من ذلك.

نعم لو كانت مريضة أو محبوسة لا تمكنها اجابة الزوج فليست بمحصنة كما انّ الزوج لا يكون حينئذ محصنا.

هل يعتبر حريّتها في تحقّق إحصانها؟

قد تقدّم انّه تعتبر في إحصان الرجل، الحريّة فهل هي شرط في إحصان المرأة و ثبوت الرجم عليها حتّى لا يحكم عليها بالرجم إذا لم تكن حرة؟

الظاهر هو الأوّل بل ادّعى عدم الخلاف في ذلك.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حدّ الحرّة و

ما لم تقض فيكون فيه حدّ الأمة- الى ان قال:- و ابى ان يرجمها و ان ينفيها قبل ان يبيّن عتقها «1».

و رواية بريد العجلي عن ابى عبد اللّٰه [جعفر] عليه السلام في الأمة تزني قال: تجلد نصف الحدّ كان لها زوج أو لم يكن لها زوج «2».

و على هذا فالأمة ليست بمحصنة و ان كان لها زوج محصن و بتعبير آخر يشترط في إحصانها و رجمها حريّتها كما تشترط في إحصانه و رجمه حرّيته.

هل تعتبر حرّية الزوج في إحسان المرأة؟

و هل تشترط في إحصانها- مضافا الى حرّية نفسها- حرّية زوجها بان

______________________________

[1] أقول قدّ صرّح في صحيح ابن مسلم بعدم الرجم على المغيب و المغيبة و امّا المحبوس فالمصرّح به في رواية ابى عبيدة هو عدم رجم الرجل الزاني المحبوس و امّا الزوجة فلا، نعم يمكن ان يستفاد منه ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 101

لا تكون الحرّة الزانية زوجة للعبد أم لا؟.

نقول: قد عرفت انّه لا يشترط في إحصان الرجل حريّة زوجته بل لو كان له ملك يمين لكفى ذلك في كونه محصنا و لا فرق بين الزوجة الدائمة و الأمة في إحصان الرجل، و انما الكلام في عكس ذلك و هو ما إذا كان زوج الزانية الحرّة عبدا، و الظاهر انه ليس فيه نصّ خاصّ يدلّ على كونها محصنة كالعكس على ما تقدّم.

بل في صحيح الحلبي: قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: لا يحصن الحرّ المملوكة و لا المملوك الحرّة «1».

لكن فيه كلاما فلذا قال الشيخ الحرّ العاملي: حمله الشيخ

على انّ المراد به انّ المملوك و المملوكة لا يحصنان بالحرّ و الحرّة بحيث يجب على المملوك الرجم لانّ ذلك لا يجب عليه على حال بل عليه الجلد لما مضى و يأتي، فهو نفى لإحصان خاص.

و نحن نقول: لا شكّ في انّ الحرّ في الجملة الأولى فاعل، و المملوكة مفعول و معناها انّ الزوج الحرّ لا يكون سببا لكون الزوجة المملوكة محصنة حتّى ترجم بزناها بل يشترط في إحصانها كونها حرّة و امّا الجملة الثانية فظاهر السياق و ان كان يقتضي كونها كالأولى بأن يكون المملوك فاعلا و الحرّة مفعولا فيكون المراد انّ الزوج المملوك لا يكون سببا لإحصان الحرّة فيعتبر في إحصانها كون الزوج غير مملوك و ان تكون المرأة زوجة للحرّ الّا انّه يرفع اليد عن هذا الظاهر لما هو المعلوم من انّ العبد أو الأمة لا يغيّران حكم الحرّ و الحرّة و ذلك بدليل خارج كخبر ابى عبيدة عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام و فيه:

ان كان زوجها الأوّل مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه و يصل إليها فإنّ عليها ما على الزاني المحصن [الزانية المحصنة] الرجم «2».

فان الظاهر منه انّ المرأة إذا كان لها زوج حاضر يصل إليها و تصل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 102

اليه فلو زنت فهي زانية محصنة، و هذا بعينه صادق في المقام و ان كان زوجها مملوكا.

و على هذا فتقرء الجملة الثانية بتقديم المفعول و تأخير الفاعل، و المعنى انّ الزوج المملوك لا يصير محصنا بمجرّد

كون الزوجة حرّة بل تعتبر في إحصان الزوج حرّيته بنفسه فاذا كان هو حرّا متمكّنا من امرأة يغدو عليها و يروح فهو محصن سواء كان لها زوجة حرّة أو ملك اليمين فقد ظهر انّ ما افاده الشيخ الطوسي قدّس سرّه هو الظاهر.

كما انّ في كشف اللثام أيضا: و لعلّ المملوك منصوب، و الحرّة مرفوعة فيكون كصحيح ابى بصير «1».

و مراده من صحيح ابى بصير هذا: عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: في العبد يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال:

لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما يعتق «2».

ثم لو فرض كون الجملة الثانية كالأولى في كون الأول- المملوك- فاعلا و الثاني- الحرّة- مفعولا، فهذا يوجب التخصيص في الروايات الدالة على انّ المرأة التي لها زوج، محصنة إذا كان يصل إليها و تصل اليه، و النتيجة انّ المرأة التي لها زوج كذلك إذا زنت فهي محصنة إلّا إذا كان زوجها مملوكا فلا تكون محصنة، لوضوح انّ المعنى على فرض تقديم الفاعل هو انّ الزوج المملوك لا يصيّر الزوجة الحرّة محصنة، و هذا بخلاف العكس و هو ما إذا كان المفعول مقدّما فإنّه لا يلزم التخصيص أصلا، و معلوم انّه مع الشك في التخصيص لا يمكن الذهاب اليه بل المرجع هو عموم المحصنات هي المزوّجات، المستفاد من الروايات فيجب الرجم [1].

______________________________

[1] أقول: و صريح عبارة صاحب الرياض عدم اشتراط حرّيّة الزّوج في إحصان المرأة و انّ ذلك مجمع عليه قال- في ذيل عبارة المختصر النافع: و إحصان المرأة كإحصان الرجل-: في اشتراط ان تكون

______________________________

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 220.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث

5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 103

لا يقال انّه على ما ذكرتم يحتمل التخصيص فلا رجم، و عدمه فيجب الرجم، فيكون المورد من موارد الشبهة و من المعلوم هو درء الحدود بالشبهات.

لأنّا نقول: أجل أنّ الحدود تدرء بالشبهات لكن بشرط عدم وجود عام يكون هو المرجع و الّا فمع الرجوع اليه مثلا كما في المقام فلا شبهة في البين كي تدرء.

«المطلقة الرجعية محصنة»

قال المحقّق: و لا تخرج المطلّقة الرجعية عن الإحصان و لو تزوّجت عالمة كان عليها الحدّ تامّا و كذا الزوج ان علم بالتحريم و العدّة و لو جهل فلا حدّ و لو كان أحدهما عالما حدّ حدّا تامّا دون الجاهل، و لو ادّعى أحدهما الجهالة قبل إذا كان ممكنا في حقّه.

أقول: غير خاف انّ المطلّقة على قسمين رجعيّة و بائنة امّا الرجعية فهي زوجة في الحقيقة أي في حكمها و ذلك لانّه كلّما أراد الزوج الرجوع إليها يمكنه ذلك فإنّ أمرها بيده ما دامت في العدّة كما إذا لم تكن مطلّقة و على هذا فله فرج يغدو عليه و يروح، و على الجملة فلم تتحقّق البينونة الحقيقيّة بينهما بالطلاق الرجعي و هي من هذه الجهة كأنّها غير مطلّقة و ان كان وطيها يحتاج الى الرجوع الّا انّه كم فرق بين من ليس له زوجة- و ان كان يمكن له تحصيلها في كلّ آن- و بين من كانت له مطلّقة رجعيّة يمكن له الرجوع إليها مهما أراد- و هذا بخلاف المطلّقة البائنة التي لا سبيل للزوج إليها- و على هذا فلو طلّق الزوج زوجته كذلك ثم زنى حال كون زوجته في العدّة فهو محصن و ان لم تكن له زوجة أخرى في حبالته

فإنّه يصل إليها كلّما أراد و عند ما شاء كما انّها تصل اليه عند ما أراد الزوج الوصول إليها.

هذا مضافا الى روايات خاصّة منها صحيح الكناسي قال: سألت

______________________________

بالغة عاقلة حرّة لها زوج دائم أو مولى و قد وطأها و هي حرّة بالغة عاقلة و هو عندها يتمكّن من وطئها غدوّا و رواحا بلا خلاف أجده حتى في اعتبار كمال العقل فيها إلخ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 104

أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن امرأة تزوّجت في عدّتها فقال: ان كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم و ان كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فان عليها حدّ الزاني غير المحصن، و ان كانت تزوّجت في عدّة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيّام فلا رجم عليها، و عليها ضرب مأة جلدة قلت: أ رأيت ان كان ذلك منها بجهالة؟

قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين الّا و هي تعلم انّ عليها عدّة في طلاق أو موت و لقد كنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك. قلت: فان كانت تعلم انّ عليها عدّة و لا تدري كم هي؟ فقال: إذا علمت انّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتّى تعلم «1».

و منها رواية الكناسي الأخرى قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدّتها فقال: ان كانت تزوّجت في عدّة من بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة الأشهر و عشر فلا رجم عليها و عليها ضرب مأة جلدة و ان كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها رجعة فإنّ عليها الرجم و ان كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها فيها

رجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن «2».

فقد فصلّ فيهما بين المطلقة الرجعيّة و البائنة و صرّح بلزوم الرجم في الاولى و الجلد في الثانية كما انّ الأمر في المتوفّى عنها زوجها أيضا كذلك.

و ليعلم انّ المراد من التزويج في عدّة الطلاق الرجعي الموجب للرّجم هو التزويج مع الدخول فان مجرد التزويج- و ان كان محرّما- لا يوجب الحدّ و الرجم و انّما يوجب التعزير و ليس هو من أسباب الحدّ المذكورة في بداية الكتاب. و على الجملة فبعد تحقّق الوطي يتحقّق الزنا الموجب للرجم فيكون كالزنا بدون النكاح في أيّام العدّة الرجعية.

نعم في بعض الروايات الحكم بالرجم في أيّام العدّة مطلقا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب حدّ الزنا الحديث 10.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 105

فعن عمّار بن موسى الساباطي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل كانت له امرأة فطلّقها أو ماتت فزنى قال: عليه الرجم و عن امرأة كان لها زوج فطلّقها أو مات ثم زنت عليها الرجم؟ قال: نعم «1».

و عن قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل طلّق و «أو» بانت امرأته ثم زنى ما عليه؟

قال: الرجم. و سألته عن امرأة طلّقت فزنت بعد ما طلّقت هل عليها الرجم؟

قال: نعم [1].

لكن لا بدّ- بمقتضى خبر الكناسي الصريح في التفصيل بين الرجعية و البائنة- من حمل المطلق على المقيّد و لا يمكن الأخذ بإطلاق هاتين.

و لذا قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه عند ما نقل رواية الساباطي:

ما يتضمّن هذا الخبر من

حكم الرجل انّه إذا طلّق امرأته أو ماتت فزنى انّ عليه الرجم لا ينافي ما قدّمناه من الاخبار لانّ كونه مطلّقا يحتمل ان يكون انّما كان طلاقا يملك فيه الرجعة فهو محصن لانّه متمكن من وطئها بالمراجعة، و ان كانت بائنة أو ماتت هي فلا يمتنع ان يكون انّما أوجب عليها الرجم إذا كان عنده امرأة أخرى تحصنه و امّا حكم المرأة إذا طلّقها زوجها انّما يجب عليه الرجم إذا كان الطلاق رجعيا حسب ما قدّمناه في الرجل، و امّا موت الرجل فلا يحصنها بعد ذلك فاذا زنت في العدّة فليس عليها غير الجلد، و يحتمل ان يكون ذلك و هما من الراوي «2».

ترى انه قدّس سرّه حمل رجم الرجل المطلّق زوجته على ما إذا كان الطلاق رجعيّا أو انّه لو كان الطلاق بائنا فإنّما كانت عنده امرأة أخرى فكان زناه عن إحصان أيضا و بهذا وجّه أيضا حكم رجم الرجل الزاني الذي ماتت زوجته

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 6 من حدّ الزنا الحديث 1 و 2، لكن ليس فيه لفظ «بسنة» في حين انّه موجود في المصدر أي قرب الاسناد فراجع الصفحة 110 حيث قال: بعد ما طلقت بسنة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حدّ الزنا الحديث 7.

(2) التهذيب الجلد 10 الصفحة 22.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 106

و ذلك لما هو مقرّر من انّ موت الزوجة يخرج الرجل عن كونه محصنا فلا بدّ من حمل ما يدلّ على إحصانه و رجمه على ما إذا كانت له زوجة أخرى. كما انّه قدّس سرّه حمل ذيل الرواية الدّالّ على رجم المرية التي زنت بعد ان طلّقها زوجها على ما

إذا كان الطلاق رجعيا فكانت في الحقيقة ذات بعل قد زنت و حكمها الرجم.

و امّا رجم المرية التي زنت بعد ان مات زوجها فقد حمل قدّس سرّه ذلك على وهم الراوي اى تردّده في النظر، و خطأه، و ذلك لتسالم الأصحاب على انّ زنا أحد الزوجين بعد موت الآخر لا يوجب الرجم لعدم الإحصان.

و على الجملة فالحكم برجم الرجل الذي زنى بعد ان طلّق امرأته، في رواية قرب الاسناد أيضا يحمل على كون الطلاق رجعيا كي يكون ذا زوجة فيكون محصنا و يترتّب على زناه الرجم، أو يحمل على انه كانت له زوجة أخرى.

و امّا قوله عليه السلام في هذا الخبر: أو بانت، فحيث انّ الزنا بعد الطلاق البائن مع عدم زوجة أخرى له لا يوجب الرجم فلا بدّ من ان يحمل امّا على كون (أو) بمعنى الواو فيكون قوله: أو بانت امرأته، عبارة أخرى عن قوله عليه السلام:

طلّق، و امّا على كون المراد انّها بانت و تركت زوجها و ذهبت فلا يد له عليها [1] أو على انّ المراد انّها بانت و حرّمت عليه بعامل غير الطلاق كالرضاع أو النشوز و عدم التمكين.

و لو لم يمكن الحمل على شي ء من هذه الوجوه أو غيرها فلا إشكال في طرحها لمعارضتها لروايات اخرى أقوى منها كروايتي الكناسي فإنّهما بسند صحيح و دلالة واضحة تدلان على انّ الرجعية بحكم الزوجة و على انّ الإحصان محقّق بالطلاق الرجعي دون البائن.

______________________________

[1] هذا الحمل و الحمل الأخير لا ينفعان شيئا و ذلك لانّه و ان وجّه بذلك معنى «بأن» الّا انّ من المسلم عدم ارادة هذا المعنى و ذلك لانّه لا يكون حكم الزنا مع البينونة بهذا النحو الرجم في

حين انّ الرواية صريحة في الرجم بزناه

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 107

هذا كلّه بناء على انّ ضبط الخبر هو لفظة «أو» و امّا لو كان الوارد فيه هو لفظ (الواو)- كما هو كذلك في قرب الاسناد- فلا إشكال أصلا و لا حاجة الى التوجيه لانّه على ذلك تكون جملة: و بانت عنه امرأته، تفسيرا للطلاق و عبارة أخرى عنه لا شيئا آخر ورائه.

ثم انّ الموجود في رواية قرب الاسناد على ما هو المضبوط في نفس المصدر هكذا: و سئلته عن امرأة طلّقت فزنت بعد ما طلّقت بسنة.

فلو كان لفظ (سنة) بلا تشديد فهو بمعنى العام و حينئذ لا يكون ملائما للحكم المذكور فيها و هو الرجم لانّه مع مضىّ سنة من طلاقها تكون بائنة لا محالة، فلا بدّ من كون اللفظ مشدّدا مرادا به ما يقابل البدعة، و هو المعروف بالطلاق السّنيّ و هو منسوب إلى السنّة و له اطلاقان:

أحدهما انّه كلّ طلاق جائز شرعا و هو ما قابل الحرام و في مقابله البدعي اى الحرام.

ثانيهما ما هو أخصّ منه و هو ان يطلّق على الشرائط ثم يتركها حتّى تخرج من العدّة و يعقد عليها ثانيا و يقال له طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ.

ثم انكّ قد علمت انّه صرّح في روايتي الكناسي بانّ المطلّقة الرجعيّة إذا زنت فهي محصنة و ترجم لكن لا تعرّض فيهما بالنسبة إلى الزوج و انّه إذا زنى يكون محصنا و يرجم و ذلك للعلم بوحدة المناط و هو حصول الزوجية و تحقّقها في هذه المدّة.

كما انّ موثقة الساباطي و رواية قرب الاسناد المذكورتين آنفا تدلّان بإطلاقهما على انّ مطلق من طلّق امرأته فزنى بعد ذلك يكون محصنا و

حيث انّ الحكم المذكور فيهما هو الرجم فلذا حملتا على من طلّق زوجته رجعيا، و على الجملة فبمناط روايتي الكناسي و مقتضى رواية عمّار الساباطي و رواية قرب الاسناد يحكم بانّ الزوج أيضا كالزوجة إذا زنى في مدّة عدتها فهو محصن و حدّه هو الرجم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 108

و امّا ما في الموثقة من عطف موت المرأة بطلاقها الدّالّ على انّ الرجل يرجم بالزنا بعد موت زوجته فهو لا يلائم القواعد فلذا صار معرضا عنه عند العلماء.

ثم انّ ما افاده المحقّق في عبارته المتقدمة من وجوب الحدّ التامّ على المرأة إذا تزوّجت عالمة فتكفي في الاستدلال عليه الاخبار الدالة على رجم المرأة ذات بعل و ذلك لانّ الرجعيّة زوجة.

حول اشتراط العلم

لا شكّ في اعتبار العلم بالحكم و الموضوع كي يوجب الزنا في المقام الرجم و قد صرّح بذلك المحقّق فيما نقلناه من كلامه بلا فرق بين الرجل و المرأة فلو جهلا أو جهل أحدهما سقط الحدّ عنهما أو عن الجاهل منهما.

و الدليل على ذلك صدق المحصن على المطلّق و المحصنة على المطلّقة إذا كان سائر شرائط الإحصان موجودة، و الروايات الواردة في المقام.

و امّا قوله عليه السلام في رواية الكناسي- في جواب السؤال عن انّها إذا تزوّجت في أيّام العدّة جهلا-: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين الّا و هي تعلم انّ عليها عدّة في طلاق أو موت و لقد كنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك إلخ «1» فالمراد منه نفى العلم خارجا و هو محمول على الغلبة فلو علم انه كان جاهلا فلا رجم و لا حدّ أصلا.

و في المسالك: و لو تزوّجت الزوجة بغير الزوج فكتزويج المطلقة رجعيّا و اولى

بالحكم.

ثم انّ من جملة الروايات الدالة على انّه مع العلم يترتّب الرجم رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن امرأة تزوّجها رجل فوجد لها زوجا قال: عليه الجلد و عليها الرجم لانّه تقدّم بعلم و تقدّمت هي بعلم و كفّارته ان لم يقدّم الى الامام ان يتصدّق بخمسة إصبع دقيقا «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 109

و هي صريحة في انّ المرأة ذات البعل إذا تزوجت بآخر فإنّها ترجم، لكونها عالمة بأنّ لها زوجا و بحرمة النكاح مع ذلك.

نعم يشكل الأمر بالنسبة الى الرجل الذي تزوّجها فإنّه لو كان عالما بذلك كما هو صريح العبارة، فإن كان له فرج مملوك فلا بدّ من ان يرجم هو أيضا لكونه محصنا على ذلك، و ان لم يكن له فرج مملوك فحكمه و ان كان هو الجلد الّا انّ ذلك لا يناسب تعليل الرواية فلو كان يعلل بقوله: لانّه كان عالما و لم يكن له فرج مملوك لكان حسنا لكنّه علّل بقوله: لانّه تقدّم بعلم.

و على الجملة فيحمل هذا الحكم على انّ الرجل لم تكن له زوجة فلذا يحدّ و لا يرجم نعم في نسخة الكافي: لأنّه تقدّم بغير علم، و هذا أنسب ان يكون تعليلا للحكم بعدم رجمه مع انّها ترجم. الّا انّه يرد عليها انّه إذا كان قد أقدم بغير علم فلا حكم له حتّى الجلد و ان كان له فرج مملوك [1] و الحال انّه قد حكم عليه بالجلد.

و كيف كان فهي تدلّ على رجم المرأة

التي قد تزوجت و كان لها زوج و هي عالمة.

و عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام قال: سئل عن امرأة كان لها زوج غائبا عنها فتزوّجت زوجا آخر، قال: ان رفعت الى الامام ثم شهد عليها شهود انّ لها زوجا غائبا و انّ مادّته و خبره يأتيها منه و انّها تزوّجت زوجا آخر كان على الامام ان يحدّها و يفرّق بينها و بين الذي تزوّجها، قلت: فالمهر الذي أخذت منه كيف يصنع به؟ قال: ان أصاب منه شيئا فليأخذه و ان لم يصب منه شيئا فإنّ كلّ ما أخذت منه حرام عليها مثل أجر الفاجرة «1».

______________________________

[1] أقول: لكن على نقل العلامة المجلسي قدّس سرّه، حمل هذا الحدّ على التعزير لتقصيره في التفتيش أو على ما إذا ظنّ انّ لها زوجا، ثم قال: و احتمل الشيخ ان يكون متّهما في دعوى التزويج. فراجع مرآت العقول الجلد 23 الصفحة 294.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حدّ الزنا الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 110

قوله: مادّته يعنى النفقة الواجبة عليه لها.

و هي تدلّ بالمنطوق على انّه إذا أقامت البيّنة على حياة زوجها و مع ذلك تزوّجت برجل آخر فان عليها الحدّ دون الرجم لانّ زوجها غائب عنها و ليس معها، و بالمفهوم على انّه لو لم تقم البيّنة عند الامام على كونها عالمة بحياة زوجها فليس له ان يحدّها باستصحاب علمها الى حال التزويج، و يستفاد منها انّه يكتفى في إجراء الحدّ بالبيّنة فهي كالعلم و قيام البيّنة على انّ لها زوجا غائبا و انّ خبره و نفقته يأتيها و مع ذلك فقد تزوّجت بآخر فهو كالعلم بحياة زوجها و بقاءه

بلا فرق بينهما و امّا لو لم تقم البيّنة فلا [1].

و التحقيق انّ العلم ان أخذ في موضوع الحدّ بما هو صفة من صفات النفس فالمعتبر في إجراء الحدّ مطلقا هو حصول هذه الصفة و تحقّقها بنفسها و لا يقوم مقامها شي ء. امّا لو كان مأخوذا فيه بما هو طريق فحينئذ تقوم البيّنة مقامه.

و امّا انّه بعد ان أخذ في الموضوع فمن أين يعلم انّ أخذه كان على النحو الأوّل أو الثاني فهذا قد يستفاد من ظاهر أخذه فيه و قد يستفاد من الخارج كالتصريح به في نصّ من النصوص أو التصريح بقيام شي ء كالبيّنة مقامه أو بعدم قيامه و ما نحن فيه من هذا القبيل للتصريح بقيامها مقامه في خبر ابى بصير.

و امّا بالنسبة إلى قيام الاستصحاب مقامه و عدمه فمقتضى طريقيّة العلم هو الأوّل فهذه المرأة التي كان يأتيها خبر زوجها و مادّته تستصحب بقاءه و حياته كما يستصحب علمها الحاصل في أوّل أزمنة غيبوبة زوجها بوجوده فلو تزوّجت و تحقّق الوطي أيضا يجب اجراء الحدّ عليها، الّا انّه يخرج عن هذه القاعدة لما ذكرنا من اقتضاء رواية أبي بصير قيام خصوص البيّنة مقام العلم دون

______________________________

[1] هكذا أفاد دام ظله الشريف في مجلس الدرس و كتب كذلك في دفتر مذكّراته و هو يظاهره لا يخلو عن كلام و ذلك لانّ البيّنة المذكورة في خبر ابى بصير كانت عند المرافعة إلى الحاكم و لإثبات زناها و تزويجها مع كونها ذات بعل و لم تكن بيّنة قائمة للزوجة و عندها حتى يستفاد من ذلك قيام البيّنة مقام العلم، ثم استفادة الخصوصة لها، حتى لا يجوز قيام الاستصحاب مقامه، و هذا الاشكال وارد في مواقع

من هذا البحث.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 111

غيرها إذا فلا وجه للتمسك بالاستصحاب بعد عدم العلم.

لا يقال: يكفينا في المقام انّه من موارد الدرء، للشبهة حيث ان المرأة لم تكن عالمة ببقاء الزوج بل كانت شاكّة في ذلك فيدرء الحد عنها بلا حاجة الى التمسك بالرواية و أخذ المفهوم.

لأنّا نقول: انّه لا ينفع في المقام شيئا و ذلك لأنّه إذا شك في خروج المورد عن حكم العامّ الدّال على وجوب حدّ الزاني و الزانية فالأصل عدمه لأنّ الأصل عدم التخصيص و هذا الأصل جار بلا كلام، و العامّ حجّة، فلا مورد للقاعدة لعدم الشبهة و الحال هذه، فلا محيص حينئذ عن التمسك بالرواية و هو يقتضي عدم قيام غير البيّنة مقام العلم.

و امّا ما عن ابن ابى عمير عن شعيب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوّج امرأة لها زوج، قال: يفرّق بينهما قلت: فعليه ضرب؟ قال: لا، ماله يضرب؟ الى ان قال: فأخبرت أبا بصير فقال: سمعت جعفرا عليه السلام يقول: انّ عليا عليه السلام قضى في رجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة و ضرب الرجل الحدّ، ثم قال: لو علمت انّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة [1] فما عن شعيب يحمل على كون الرجل جاهلا و امّا ما عن ابى بصير، فلا يصح الّا إذا حمل الضرب على التعزير لمسامحته في الفحص مع الشك و التزويج بلا سؤال عنها.

الكلام في المطلّقة البائنة

قال المحقّق: و تخرج بالطلاق البائن عن الإحصان و لو راجع المخالع

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من حدّ الزنا الحديث 8، أقول: و في التهذيب الجلد 10 الصفحة 25: انّ أبا الحسن (ع) نفى عنه الحدّ لانّه

لم يعلم انّ لها زوجا و الذي ضربه أمير المؤمنين عليه السلام يحتمل شيئين أحدهما ان يكون ضربه لعلمه بانّ لها زوجا. و الثاني لغلبة ظنّه انّ لها زوجا ففرّط في التفتيش عن حالها و ليس في الخبر انه ضربه الحدّ تاما و يكون قوله عليه السلام: لو علمت انك علمت لفضخت رأسك بالحجارة، المراد به انك لو علمت علم يقين انّ لها زوجا لفعلت ذلك بك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 112

لم يتوجّه عليه الرجم الّا بعد الوطئ.

أقول: امّا الأوّل فلما تقدّم آنفا من عدم كون البائنة زوجة لحصول البينونة بينهما بالطلاق و من التصريح بالتفصيل بين الرجعي و البائن و بإجراء حدّ غير المحصن في مورد البائن في صحيح الكناسي الذي مرّ نقله.

و امّا الثاني فلانّ طلاق الخلع من أقسام الطلاق البائن، و المختلعة بائنة فلو زنى في العدّة بلا رجوعها عن بذلها فلم يتحقّق الإحصان و لا يترتّب عليه الرجم و لو رجعت عن بذلها و رجع هو في الزوجة فحينئذ يكون محصنا إذا وطئها.

و قال أيضا في المختصر النافع: و لو راجع المخالع لم يتوجّه عليه الرجم حتّى يطأ انتهى.

و في المسالك بعد عبارة الشرائع المذكورة آنفا: امّا المخالع فلانّه بالخلع الموجب للبينونة خرج عن الإحصان حيث لا يملك فرجا آخر غيرها فيشترط في عوده إلى الزوجة و ان كان برجوعه «إلى الزوجة» بعد رجوعها «الى البذل» تجدّد الوطي ليتحقّق إحصان جديد لبطلان الأوّل بالفرقة الثانية انتهى.

و في الجواهر: لأنّها بحكم الزوجة الجديدة.

و في الرياض- بعد العبارة المذكورة عن النافع-: لزوال الإحصان بالبينونة و خروج الاختيار عن يده، و الرجوع غايته انّه كعقد جديد أو نفسه و هو بمجرّده

لا يوجب الإحصان ما لم يدخل.

و قال العلّامة في القواعد: و لو راجع المخالع امّا لرجوعها بالبذل أو بعقد مستأنف لم يجب الرجم الّا بعد الوطي في الرجعة.

و في كشف اللثام- بعد ذلك-: لزوال الإحصان بالبينونة و خروج الاختيار عن يده.

و قال العلّامة في الإرشاد: و يشترط وقوع الإصابة بعد الحريّة و التكليف و رجعة المخالع.

و قال الأردبيلي في الشرح: و من شرائط الدخول كونه بعد رجعة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 113

المخالع فلو دخل رجل بامرأته ثم خالعها فرجعت المرأة في البذل فرجع الرجل الى زوجته المخالعة ثم زنا قبل وطي امرأته المراجعة و المخالعة لم يرجم و ان تحقّق شرائطه غير الدخول و يجلد، وجه ذلك ظاهر، فإن المرأة بعد الخلع خرجت عن حباله و صارت أجنبيّة محضة و بعد الرجوع صار بمنزلة شخص تزوّج امرأة أجنبيّة أو التي طلّقها بائنا، إلى آخر كلامه.

الى غير ذلك من كلماتهم و نحن قد تفحّصنا ما كان بأيدينا من كتبهم و كلماتهم، و كلهم يقولون بهذا المضمون و لا مخالف في خصوص المسئلة أصلا بناء على لزوم الوطئ في الإحصان، و انّما المخالف هو من خالف في أصل اعتبار الوطئ في تحقّق الإحصان و قد تقدّم في موضعه انّ عدّة من العلماء صرّحوا باعتبار- الوطي في كون الزاني محصنا و أطلق آخرون، و المحقق اعتبره في الشرائع صريحا كما مرّ ذلك و أطلق في المختصر النافع.

و قد صار صاحب الجواهر هناك بصدد الجمع بينهما بقوله: و يمكن حمله على الغالب، و على الجملة فكلّ من اعتبره هناك اعتبره في الراجع المخالع.

و يمكن ان يستدلّ على ذلك ببعض الاخبار.

منها خبر رفاعة قال: سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يزني قبل ان يدخل بأهله أ يرجم؟ قال: لا «1».

و منها صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يزني و لم يدخل بأهله أ يحصن؟ قال: لا و لا بالأمة «2».

فإنهما صريحان في عدم الرجم أو الإحصان إذا زنى مع عدم الدخول بأهله، و المطلّقة بائنة ليست بأهل للرجل و لا هو زوج لها و ان كانت تصير أهلا له بالرجوع الّا انه قد انقطعت العلقة بينهما بالطلاق، فاذا صارت أهلا بالرجوع فهناك يلزم الدخول و الّا فهي أهل لم يدخل بها فلا رجم عليها و لا عليه.

ان قلت انّها بعد رجوعه إليها- عقيب رجوعها في البذل- صارت

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 114

رجعيّة و لذا يجوز له الوطي بعد ذلك مهما أراد و المفروض انّه قد دخل بها سابقا كما في الرجعية المصطلحة و دخوله من قبل سبب لإحصانه.

نقول: الفرق بينهما واضح و ذلك لانّ الرجعيّة لم تنقطع أهليّتها و لم تخرج عن كونها أهلا له في حال كونها مطلّقة و للزوج الاستمتاع منها منذ وقوع الطلاق الى تمام العدّة مهما شاء بخلاف المختلعة فإنّه بعد الطلاق ليس له فرج مملوك أصلا و لذا لو زنى فإنّه يجلد و لا يرجم الى ان ترجع عن بذلها و يرجع هو فيها و عندئذ يكون له فرج مملوك بعد ان لم يكن كذلك و صار زوجا لها بعد انقطاع العلقة و هي صارت أهلا له بعد ان كان

قد زالت الأهليّة فهي زوجة جديدة نظير ما إذا عقد عليها بعد انقضاء العدّة و ليس الأمر من باب اعادة المعدوم بل علقة جديدة و زوجيّة حادثة.

و على الجملة فالعمدة في المقام هو انّ العلقة في الرجعيّة باقية ثابتة و لذا تجري بينهما الوراثة في أيّام العدّة بخلاف البائنة لانقطاعها جدّا فاذا حصلت الزوجيّة برجوعها و رجوعه فهي زوجية مستحدثة و لا بدّ في تحقق الإحصان معها من وقوع وطي جديد فهذا هو الوجه في اتّفاقهم على اعتبار الوطي في المخالع و إلا فلا رواية في المقام تدلّ على اشتراط الوطي في المخالع.

ثم لو شك في ذلك أي في كونها الأهل السابق حتّى يكتفى بالوطي السابق أو انّها أهل جديد كي يحتاج إلى وطي جديد فهو في الحقيقة شكّ في التخصيص فان عموم «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا.» يدلّ على جلد كلّ من زنى و انّما خصّص هذا العموم بالمحصن و المحصنة فإنهما يرجمان فاذا شك في انّ الزاني إذا كانت زوجته هي المختلعة الراجعة بدون الوطي فعلا هل يكون محصنا أم لا و هل خرج عن عموم الآية فلا محالة يرجع الى العامّ لانّه يقتصر في العامّ المردّد مفهوما بين الأقلّ و الأكثر على المتيقّن.

و قد اتّضح من هذه الأبحاث حول المطلّقة، ان الرجعيّة لو تزوّجت فعليها الحدّ التام و هو الرجم و كذا بالنسبة إلى الزوج و يشترط ذلك بالعلم موضوعا و حكما أي بالعدّة و الحرمة و الّا فلا حدّ و لو ثبت انّ أحدهما كان عالما

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 115

و الآخر جاهلا يختصّ الحدّ بالعالم دون الجاهل.

و لو ادّعى أحدهما الجهل فهو من موارد الشبهة إذا أمكن

ذلك في حقّه و من مثله، فيدرء عنه الحدّ و الفرق بين الشبهة و مورد الجهل هو انّه في مورد الشبهة يحكم بدرء الحدّ بحسب الظاهر و امّا الجاهل فلا حكم له أصلا.

قال المحقّق: و كذا المملوك لو أعتق و المكاتب إذا تحرّر.

أقول فقد ذكر رضوان اللّٰه عليه ثلاثة موارد يشترط فيها الوطي أحدها المخالع الراجع، على ما تقدّم، ثانيها: المملوك إذا أعتق فإنّه لو وطئ ثم زنى بكون محصنا، ثالثها: المكاتب إذا تحرّر و ذلك لورود النص في المملوك بأنّه لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما أعتق.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 115

فعن ابى بصير يعني المرادي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال في العبد يتزوّج الحرّة ثم يعتق فيصيب فاحشة قال: فقال: لا رجم عليه حتّى يواقع الحرّة بعد ما يعتق «1». الى غير ذلك من الروايات و قد مرّ ذلك.

و في الجواهر: و ألحقنا به الصبي إذا بلغ و المجنون إذا أفاق لأنّ الوطي السابق على ذلك بحكم العدم للأصل و الاحتياط و غيرهما ممّا أشرنا إليه سابقا انتهى.

أقول: انّ هذه الموارد لم يرد فيها نصّ و لا عموم تعليل يشملها.

الكلام في الأعمى

لو زنى الأعمى فهل يجرى عليه الحدّ جلدا أو رجما كما في البصير أم لا؟

قال المحقّق: و يجب الحدّ على الأعمى.

أقول: و ذلك لعموم الأدلّة و لا يدفع الحدّ عنه عماه إجماعا بل في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه، إذا فلا فرق بين البصير و الأعمى في ذلك أصلا.

قال المحقق: فان ادّعى الشبهة قيل لا تقبل

و الأشبه القبول مع الاحتمال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 116

أقول: في المسئلة أربعة أقوال. أحدها انّه لا تقبل مطلقا ذهب اليه شيخ الطائفة و الشيخ المفيد و القاضي و سلّار ثانيها القبول مطلقا مع احتمال صدقه و هو مذهب الأكثر بل المشهور، ثالثها القبول إذا كان هناك شاهد حال على ما ادّعاه بان كان قد وجدها على فراشه مثلا فظنّها زوجته أو أمته امّا لو شهد الحال بخلاف ذلك لم يصدّق، ذهب اليه ابن إدريس رابعها التفصيل بين كونه عادلا فيقبل و عدمه فلا، ذهب اليه الفاضل المقداد قال قدّس سرّه: و يظهر لي انّه ان كان على ظاهر العدالة قبل الفعل قبل منه و الّا لم يقبل «1».

و يمكن ان يكون ما ذهب اليه ابن إدريس مصداقا لكلام المشهور [1] فإنّه إذا كان هناك شاهد حال على صدقه و إمكان ذلك في حقّ مثله فقد اقترنت دعواه بالاحتمال.

و لا شكّ انّ الاحتمال محقّق مع دعواه و يشمله دليل الدرء كما في المبصر و امّا النافون فلم يقيموا على ما ذهبوا اليه دليلا مقنعا تطمئن إليه النفس و انّما قالوا بذلك لبعض الوجوه الاعتبارية، قاله في الجواهر.

و الوجه الاعتباري مثل انّه حيث كان أعمى فقد كان ينبغي له التحرّز و التحفّظ كثيرا كي لا يقع في الفجور، أو انّه كان يجب عليه ذلك لمكان فقده حاسّة الأبصار.

و مقتضى ذلك كون الأعمى مكلّفا بأزيد و أشدّ ممّا كلّف به المبصر فيلزم عليه عند الوقاع ان يتثبّت حتّى يتحقّق له انّ المرأة حليلته أو مملوكته.

و يمكن ان يكون من هذه الوجوه، انّ

قبول دعواه يفضي الى تعطيل

______________________________

[1] قد احتمل ما احتمله دام ظله، السيّد في الرياض فإنه بعد ان نقل كلام الحلّي قال: و هو موافق للقوم ان أراد بشهادة الحال بخلافه الشهادة بالقطع و ضعيف ان أراد بها الشهادة بنحو من المظنّة لعدم ارتفاع الشبهة الحاصلة من دعواه بمجرّده و ان ضعفت معه فقوله على هذا التقدير ضعيف انتهى بل الفاضل السيوري جعل القول بالقبول مع الاحتمال قول ابن إدريس فإنّه عند قول المحقّق في النافع: فان ادّعى الشبهة فقولان أشبههما القبول مع احتمال، قال: هذا قول ابن إدريس لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: ادرءوا الحدود بالشبهات، و الفرض احتمال ذلك في حقّة انتهى.

______________________________

(1) التنقيح الرائع الجلد 4 الصفحة 332.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 117

الحدود و الاجتراء على اقتراف المحرّمات و ارتكاب الفواحش.

و قد يقال ما وجه التعرّض للأعمى و قبول ادعائه الشبهة و الحال انّ المبصر أيضا كذلك؟

و الجواب عنه ان خصوصيّة المقام هو كون الأعمى أقرب الى الاشتباه من البصير فحيث انّه يكون في معرض الاشتباه أكثر من المبصر فلذا تعرّضوا له مستقلّا.

ثم انّه قد تتحقّق الشبهة بدون ان يدّعيها هو بنفسه كما في غير ذلك من أموره و ما يجرى عليه و يصدر عنه نظير ما لو وقع في البئر فإنّه لا يشكّ أحد في انّ وقوعه و سقوطه فيه لم يكن عن عمد و اختيار بل كان ذلك لعدم تفطنه و تذكّره فوقع في البئر على حين غفلة منه، و على الجملة فهل الشبهة بحقيقتها و نفسها بدون ادّعائه لها توجب الدرء كما يدرء بها مع ادعائه أم لا؟

الظاهر هو الأوّل و ذلك لما هو المفروض من

تحقّق الشبهة و انّ الشبهة دارئة للحدّ فإذا رأى الشهود انّ الأعمى قد باشر الأجنبيّة و زنى و شهدوا بذلك لكن كان هناك احتمال الغفلة و الاشتباه و ان لم يدّع ذلك أصلا فكيف يجوز اجراء الحدّ عليه مع احتمال الشبهة احتمالا قويّا و الحدود تدرء بالشبهات؟

لكنّي لم أقف على ذلك في كلمات العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين. و مثل ذلك ان يقال بلزوم السؤال عنه و الحكم على حسب ما يجيبه فربّما ابدى عذرا و اتى بشبهة كما في المرأة الحامل بلا زوج، و ذلك لوقوع الشبهة و احتمال الجذب في الحمّام أو الوطي بشبهة فلا تعرّض لذلك في كلماتهم.

نعم افتى شيخ الطائفة قدّس سرّه بلزوم السؤال، و إليك عبارته: إذا وجدت امرأة حامل و لا زوج لها فإنّها تسئل عن ذلك فان قالت: من زنا، فعليها الحدّ و ان قالت من غير زنا فلا حدّ عليها و قال بعضهم: عليها الحدّ و الأوّل أقوى لأنّ الأصل برأيه الذمّة لأنّه يحتمل ان يكون من زنا أو من وطي بشبهة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 118

أو مكرهة و الحدّ يدرأ بالشبهة انتهى كلامه رفع مقامه «1».

و على الجملة فمقتضى القاعدة انّه إذا قام شاهد الحال و دلّ على انّ الأعمى ارتكب الزنا شبهة فلا حاجة الى السؤال بل يكتفى به و يحكم بالدرء.

اللّهم الّا ان يقال: انّه فرق بين السقوط في البئر و ارتكاب الزنا و ذلك لانّ العاقل لا يقدم على إلقاء نفسه في البئر بعزمه و إرادته إلّا في موارد شاذّة و مواقع استثنائية كما إذا أقدم على الانتحار حينما سئم الحياة و الّا فالتعمّد بذلك امّا غير محتمل أصلا

أو انّ احتماله بعيد غايته و هذا بخلاف الاقدام على الزنا و غير من الأمور الاختيارية فإنّ العاقل إذا اتى بعمل فالظاهر انّه اتى به بعلمه و اختياره فلذا لو أقرّ بالزنا فلا يسئل عن انّه كان عن عمد أو شبهة و ان كان يسئل عن ذلك أحيانا كما روى ذلك بالنسبة الى أمير المؤمنين عليه السلام الّا انّ الظاهر انّ العمل قد صدر عن الفاعل بعلمه و اختياره و على الجملة فيمكن ان يكون عدم تعرّض العلماء لاحتمال الشبهة بالنسبة إلى الأعمى- مع عدم ادعائه الشبهة- و درء الحد بذلك لأجل هذه النكتة اى قيام الدليل و هو شاهد الحال على انّه فعل ذلك عالما عامدا لا عن شبهة و اضطرار و إكراه كما في ظاهر إقرار المقرّ بالزنا الّا ان يقوم شاهد الحال على الخلاف و لذا اقتصروا على ذكر صورة ادعاء الشبهة فقط.

الكلام في ما يثبت به الزنا

قال المحقّق قدّس سرّه: و يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة.

أقول: لعلّ ظاهر العبارة حصر الطريق فيهما فيرد عليه بأنّه لماذا لم يذكر علم الحاكم فهل لا يكون ذلك حجّة هنا مع انّه كان حجّة في باب القضاء؟

نعم انّه قد ذكر ذلك في المسئلة الخامسة من النظر الثالث و صرّح هناك بأنّه يجب على الحاكم اقامة حدود اللّٰه تعالى بعلمه كحدّ الزنا.

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 7 من كتاب الحدود.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 119

لكن يرد عليه انّه بناء على ذلك كان الأنسب أن يقيّد كلامه هنا و يقول: لو لم يعلم القاضي بنفسه.

و الذي يسهّل الخطب انّه رحمه اللّٰه لم يؤدّ المطلب بصورة النفي و الإثبات و لم يقل: لا يثبت إلّا بالبيّنة و الإقرار، بل

قال: و يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة و هذا لا يفيد سوى إثبات الزنا بهما لا الحصر فيهما.

ثم لو فرض حصول العلم بمجرّد إقرار المقرّ مرّة واحدة أو بشهادة واحد من الشهود لشدّة وثوقه به فما يصنع هنا فهل يأخذ بعلمه و يقتصر على الإقرار الواحد و الشهادة الواحدة أو لا بدّ من شهادة الأربع و الإقرار أربعا و لا يكون علمه هنا حجّة لانّه تمسّك أولا بالبيّنة الإقرار؟

فيه تردّد، من كون العلم هنا جزء الموضوع فان اللازم علم الحاكم بأنّه قد زنى عالما غاية الأمر قيام البيّنة مقام العلم فيمكن ان يكون حجّة في مورد دون مورد، و من عدم ورود استثناء هذا الفرض في كلماتهم، فلم نقف على من قال بانّ علم الحاكم بموجب الحدّ حجّة إلّا إذا حصل في أثناء الشهادة أو الإقرار.

نعم قطع الحاكم إقرار المقرّ في الأثناء أو قطعه شهادة باقي الشهود بعد ان شهد شاهد مثلا، بان يقول الحاكم: لا حاجة الى تكميل الأربعة لأنّه قد حصل لي العلم بذلك، غير معهود فلذا يشكل الفتوى بذلك جدّا، فما يظهر من بعض من اعتبار أربعة شهود أو أربعة اقارير إذا لم يتبيّن المطلب عند الحاكم في غاية الإشكال.

الكلام حول الإقرار و شرائط المقرّ

اشارة

قال المحقّق قدّس سرّه: أمّا الإقرار فيشترط فيه بلوغ المقرّ و كماله و الاختيار و الحرّية و تكرار الإقرار أربعا في أربعة مجالس.

أقول: امّا البلوغ فاستدلّوا على اعتباره بوجوه: و قبل ذكر ذلك ينبغي تذكار انّ الصبي قسمان مدرك مميّز، و غير ذلك امّا الثاني فعدم حجيّة إقراره

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 120

لا يحتاج الى الاستدلال و ذلك لانّ العقلاء لا يعتنون بإقراره أصلا و امّا المميّز كالمراهق

فهم يعتنون بإقراره فلا بدّ في الحكم بعدم اعتباره من التمسّك بدليل شرعي و هاهو هذه الوجوه التي أشير إليها.

الأوّل حديث رفع القلم عن الصبيّ، الثاني كون عمد الصبي خطأ الثالث الإجماع. و لكن يرد على الأوّل أي التمسّك برواية الرفع بانّ عنوان الإقرار على النفس الصادر عن العقلاء هو عنوان الكاشفية غاية الأمر انّه لمّا لم تكن تلك الكاشفيّة تامّة فلذا تتم و تكمل بإمضاء الشرع و هو طريق نوعي عندهم و ذلك لانّ العاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه و إتلاف ماله فإذا أقرّ بضرر نفسه مثلا فلا محالة يفهم منه انّه صادق في إقراره.

و حينئذ نقول: انّ المرفوع في مورد إقرار الصبي ما هو؟ فان كان هو التكليف فلا مساس له بإقراره لأنّ رفع التكليف لا يوجب رفع إقراره و لا يمنع عن كاشفيّة إقراره فلو كان يتمسك هنا بأصالة الصحّة لصحّ ان يقال انّه لا تكليف عليه كي تجري أصالة الصحّة في أفعاله و امّا كاشفيّة إقراره فلا ترفع بذلك، فترى انّهم يؤلون بكون الصبي مسلوب العبارة في باب المعاملات، لكن هل يوجب ذلك عدم ظهور ألفاظ الصبي في المعاني؟ فكيف و عباداته مشروعة على المشهور و إقراره بالشهادتين- التوحيد و النبوّة- مقبول.

و لو كان إقراره بلا اثر مطلقا فلازم ذلك عدم صحّة إقراره بوحدانيّة اللّٰه جلّ و علا و برسالة الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله إذا كان متولّدا من الكافرين، و هم لم يلتزموا به.

و ان كان المرفوع هو العقاب فهو أيضا كذلك فان رفع العقاب لا تعلّق له بعدم صحّة الإقرار و كاشفيّته الّتي مناط حجّيته عند العقلاء.

و على هذا فالتمسك بحديث رفع القلم عن الصبي غير سديد

و امّا عمد الصبي خطأ فهو تعبّد خاصّ و يمكن التمسك به ان لم يرد عليه ما ذكرناه من

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 121

الاشكال و الّا فلم يبق إلّا الإجماع.

نعم قد يقال بأنّه يؤدّب لكذبه أو صدور الفعل منه.

و هذا أيضا لا يخلو عن اشكال و ذلك لانّه لو لم يكن إقراره طريقا فلا وجه لتأديبه لعدم تحقّق الفعل، و امّا كذبه فهو مشكوك فيه و يكون من باب الشبهة المصداقيّة، و لو كان إقراره طريقا و حجّة فلا محالة يكون التأديب على مجرّد الفعل و لا مورد للترديد و جعله من باب العلم الإجمالي [1]. هذا كلّه بالنسبة إلى حدّه.

و امّا الآثار الوضعيّة كحرمة النكاح بأمّ المزنيّ بها فهل هي تترتّب على إقراره أولا مثل الحدّ بعينه؟

مقتضى عدم حجيّة هذا الطريق هو الثاني لكن الظاهر انّها تترتّب، بل القول بعدمه مشكل جدّا حيث انّ المتيقّن هو عدم ترتّب الأثر الخاصّ و هو الحدّ لا انّ إقرار الصبي كالعدم.

و امّا الشرط الثاني أي كمال المقرّ بالعقل فهو واضح فإنّه لا عبرة بكلام المجنون عند العقلاء علما بأنّه ليس المجنون بحيث لا يتكلّم بكلام صحيح أصلا بل ربّما ينطق بعض المجانين بكلمات حسنة جيّدة إلّا انّ الغلبة بالعكس فلذا لا يعتنى العقلاء بأقوال المجنون مطلقا و لم يردع الشارع عن هذه السيرة العقلائية و قد اتّضح بذلك انّه لا حاجة هنا الى التمسّك بحديث الرفع بعد عدم اعتبار لقوله عند العقلاء بضمّ عدم ردع الشارع عنه.

و امّا الشرط الثالث و هو الاختيار فهو معتبر بلا خلاف و لا اشكال و ذلك لما تقدّم آنفا من انّ حجّية الإقرار بطريقيّته و كاشفيّته، و

لا شكّ في انّه مع الإكراه- كما لو هدّد بالقتل مثلا- فلا طريقيّة و لا كشف له عند العقلاء بل يحمل على انه لدفع الضرر و لا حاجة هنا أيضا الى التمسك بحديث الرفع الصريح

______________________________

[1] أقول: هكذا أفاد دام ظلّه و فيه نوع إجمال و ذلك للعلم الإجمالي و القطع بأنّه ارتكب واحدا من الأمرين و ان لم يعلم شخصه، اللّهم الّا ان يعتبر في التأديب العلم بخصوصيّة العمل الذي ارتكبه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 122

في رفع ما استكرهوا عليه [1].

و امّا الشرط الرابع أي الحريّة و اعتبار كون المقرّ بالزنا حرّا فيدلّ عليه انّ العبد ملك لمولاه فإقراره على نفسه إقرار على الغير و بضرر المولى لا على نفسه و من المعلوم انّ إقرار العاقل- بمقتضى لسان الدليل- نافذ إذا كان في اطار خاص و هو على نفسه لا على غيره، و على هذا فلا يعبأ بإقرار العبد بالزنا و لا اثر له فلا يجرى عليه الحدّ الخاصّ به الذي هو نصف حدّ الحرّ.

نعم لو صدّقه مولاه لنفذ إقراره- لرفع المانع- و كذا لو أقرّ ثم أعتق، على ما أفاده العلّامة في القواعد بقوله: و لو أعتق بعد الإقرار فالأقرب الثبوت، و ذلك لانّه لا ضرر فعلا على مولاه حيث انّه حرّ.

و لكن يرد عليه انّ إقراره لمّا وقع في حال العبوديّة و عند ما كان بضرر الغير فلا عبرة به و هو لم يؤثّر شيئا فلا وجه لإجراء الحدّ عليه بعد عتقه فان اقامة الحدّ و ان كانت في حال لا تضرّ بالغير الّا انّ الإقرار حيث كان بضرر الغير فهو بنفسه غير نافذ و لا يترتب عليه اثر

و الى هذا القول أشار العلّامة بقوله: الأقرب، المشعر بوجود قول غير أقرب و الظاهر انّ إقراره نافذ إذا لم يرجع عنه بعد ان أعتق.

و امّا الخامس و هو تكرار الإقرار أربعا فاختلف فيه العامّة فعن أكثرهم الاكتفاء بالمرّة و امّا الإماميّة فهم متفقون على ذلك الّا شاذ منهم و هو ابن ابى عقيل رضوان اللّٰه عليه.

قال شيخ الطائفة: لا يثبت حدّ الزنا إلّا بالإقرار أربع مرّات من الزاني في أربع مجالس متفرّقة و به قال جماعة و قال قوم: يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر الاقرارات و اعتبر قوم اربع مرّات سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرّقة «1».

و قال أيضا: لا يجب الحدّ بالزنا إلّا بإقرار أربع مرّات في أربعة مجالس

______________________________

[1] و قد استدلّ له برواية أبي البختري عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ السّرقة الحديث 2.

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 4 من كتاب الحدود.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 123

فامّا دفعة واحدة فلا يثبت به على حال و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: إذا أقرّ دفعة واحدة لزمه الحدّ بكرا كان أو ثيّبا و به قال في الصحابة أبو بكر و عمر، و في الفقهاء حمّاد بن ابى سليمان و مالك و قال ابن ابى ليلا لا يثبت الّا بان يعترف اربع مرّات سواء كان في أربع مجالس أو مجلس واحد دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا الأصل برأيه الذمّة و إذا أقرّ أربع مرّات على ما بيّناه

لزمه الحدّ بلا خلاف و لا دليل على استحقاقه بإقراره مرّة واحدة و روى عن ابن عبّاس انّ ماعزا أقرّ عند النبي مرّتين فاعرض ثم أقرّ مرّتين فأمر برجمه و روى انّ أبا بكر قال لماعز: إن أقررت أربع مرّات رجمك رسول اللّٰه «1».

و قال الشهيد الثاني في المسالك: اتفق الأصحاب الّا من شذّ على انّ الزنا لا يثبت على المقرّ به على وجه يثبت به الحدّ الّا ان يقرّبه اربع مرّات و يظهر من ابن ابى عقيل الاكتفاء بمرّة و هو قول أكثر العامّة و منهم من اعتبر الأربع كالمشهور عندنا لنا. إلخ.

و في الجواهر بلا خلاف معتدّ به أجده عندنا و لا ريب في ضعفه إلخ.

و على الجملة فلم ينقل الخلاف عن سوى العمّاني بل مذهبهم على اشتراط الأربع مع انّ سيرة العقلاء على قبول إقرار المقرّ بذلك بلا حاجة الى تكراره بل و ربّما يحصل القطع من قوله و إقراره بخلاف باب البيّنة فإنّه ربّما لا يحصل العلم حتّى بالثلاثة بل و بالأربعة.

ففي الإقرار بشي ء لا يتعقبه مال أو جاه بل جاء المقرّ و اقرّ بما يوجب الجلد أو الرجم و هيّأ نفسه لذلك و يستدعي و يلتمس ان يقام عليه الحدّ كي يتطهّر، و يقول: انّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع- كما سترى ذلك في بعض الروايات- فإنّه يحصل للإنسان القطع بقوله و إقراره و لو مرّة واحدة لأنّه لا داعي له إلى إقراره سوى صدقه و خوفه من اللّٰه سبحانه و طهارة نفسه من تبعات ما اقترفه، في الآخرة فإنّ هذا الإقرار بلحاظ ما يترتّب عليه لا يقع

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسئلة: 16.

الدر

المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 124

الّا من أهل الإخلاص و اليقين و ذوي الايمان الصادق.

و على الجملة فمع حصول القطع عرفا و عادة بإقراره مرّة واحدة اعتبر الشارع في إقراره ان يتكرّر اربع مرّات ففي الحقيقة لم يلاحظ الإقرار في خصوص اجراء الحد بعنوان كاشفيّته بل اعتبر خصوص كونه أربعا كما اعتبر مرّتين في بعض الموارد و لعلّ الحكمة في ذلك شدة عناية الشارع الحكيم باختفاء هذه المعصية العظيمة و عدم ظهورها و بروزها و إثباتها، و كيف كان فهذه من ناحية الأقوال.

و امّا الأدلّة: فقد ادّعى في الجواهر تطابق النصوص من الطريقين على ذلك.

و المرويّ من طرقنا أخبار عديدة فعن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليها السلام في رجل أقرّ على نفسه بالزنا اربع مرّات و هو محصن رجم الى ان يموت أو يكذّب نفسه قبل ان يُرجم فيقول: لم افعل. فان قال ذلك ترك و لم يرجم و قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود و قال: لا يرجم الزاني حتّى يقرّ اربع مرّات بالزنا إذا لم يكن شهود، فان رجع ترك و لم يرجم [1].

فصدر هذه المرسلة و ذيلها ظهورا و صراحة يدلّ على اعتبار الأربع مرّات في الإقرار بالزنا الموجب للرجم.

و هنا روايات تعرّض لها المحدّث البارع الحرّ العاملي رحمه اللّٰه في باب عنونه بقوله: باب ثبوت الزنا بالإقرار أربع مرّات لا أقلّ منها و كيفيّة الإقرار و جملة من أحكام الحدّ فإليك هذه الروايات.

محمّد بن يعقوب عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن علىّ بن أبي حمزة عن ابى بصير

عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه قال: أتت امرأة مجحّ أمير المؤمنين عليه السلام فقالت يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللّٰه فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي

______________________________

[1] المجحّ بتقديم المعجمة على المهملتين الحامل المقرب التي دنا ولادتها، النهاية.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 125

لا ينقطع، فقال لها: ممّا أطهّرك؟ فقالت: انّى زنيت فقال لها: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت بل ذات بعل، فقال لها: ا فحاضرا كان بعلك إذ فعلت أم غائبا كان عنك؟ قالت: بل حاضرا، فقال لها:

انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ائتيني أطهّرك فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم انّها شهادة فلم تلبث أن أتته فقالت: قد وضعت فطهّرني قال: فتجاهل عليها فقال: أطهّرك يا امّة اللّٰه مما ذا؟ قالت:

انّى زنيت فطهرني قال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم.

قال: فكان زوجك حاضرا أم غائبا؟ قالت: بل حاضرا قال: فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّٰه قال: فانصرفت المرأة فلمّا صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم انّهما شهادتان قال: فلمّا مضى الحولان أتت المرأة فقالت: قد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين فتجاهل عليها و قال: أطهّرك ممّا ذا؟ فقالت: انّى زنيت فطهّرني فقال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: نعم قال: و بعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: بل حاضر قال: فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح و لا يتهوّر في بئر قال: فانصرفت و هي تبكي فلمّا ولّت و صارت

حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم هذه ثلاث شهادات قال: فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا امة اللّٰه و قد رأيتك تختلفين الى علىّ تسألينه أن يطهّرك؟ فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته ان يطهّرني فقال: اكفلي ولدك حتّى يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح و لا يتهوّر في بئر و قد خفت أن يأتي عليّ الموت و لم يطهّرني، فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أكفله فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بقول عمرو بن حريث فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام و هو متجاهل عليها: و لم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني فقال: و ذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت قالت: نعم. قال: ا فغائبا بعلك إذ فعلت ما فعلت؟

قالت: بل حاضرا قال: فرفع رأسه الى السماء فقال: اللّهم انّه قد ثبت عليها

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 126

اربع شهادات، «الى ان قال:» فنظر اليه عمرو بن حريث و كأنّما الرّمان يقفأ في وجهه فلمّا راى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إنّي إنّما أردت أن أكفّله إذ ظننت انك تحبّ ذلك فامّا إذ كرهته فانّى لست افعل فقال أمير المؤمنين عليه السلام أبعد أربع شهادات باللّٰه؟ لتكفلنّه و أنت صاغر، الحديث، و ذكر انّه رجمها «1».

و هذه الرواية تدلّ على اعتبار الأربع في الإقرار من وجوه فإنّه لو لم يكن ذلك شرطا و معتبرا لما أخّر الإمام عليه السلام اجراء الحدّ هذا التأخير، كما انّ قوله عليه السلام: اللّهم انّها شهادة ثم قوله: اللهم انّها شهادتان ثم في الإقرار الثالث: اللّهم

انّها ثلاث شهادات و في الرابع: اللّهم انّه قد ثبت لك عليها اربع شهادات، دليل على ذلك و على الجملة فهي تدلّ بوضوح على اعتبار الأربع في الإقرار كما في الشهادة و انّ سبيله سبيلها.

و عن علىّ بن إبراهيم عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه الى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني قال: ممّن أنت؟ قال: من مزينة قال: أ تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: بلى قال: فاقرأ، فقرأ فأجاد فقال: ابك جنّة؟ قال: لا، قال فاذهب عنّي حتّى نسأل عنك فذهب الرجل ثم رجع اليه بعد، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني قال: ا لك زوجة؟ قال: بلى، قال: فمقيمة معك في البلد؟ قال:

نعم فأمره أمير المؤمنين عليه السلام فذهب و قال: حتّى نسأل عنك فبعث الى قومه فسأل عن خبره فقالوا يا أمير المؤمنين صحيح العقل فرجع إليه الثالثة فقال مثل مقالته فقال: اذهب حتّى نسأل عنك فرجع إليه الرابعة فلمّا أقرّ قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب، الحديث، و فيه انّه رجمه «2».

عن ابن ابى عمير عن جميل عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا يقطع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 127

السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين و لا يرجم الزاني حتّى يقرّ اربع مرّات «1».

عن ابى مريم عن ابى جعفر عليه السلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: انّى قد فجرت فاعرض بوجهه عنها فتحوّلت حتّى استقبلت

وجهه فقالت: انّى قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: انّى قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: انّى فجرت فأمر بها فحبست و كانت حاملا فتربصّ بها حتّى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفيرة إلى الحقو و موضع الثّديين و أغلق باب الرّحبة و رماها بحجر و قال: بسم اللّٰه اللّهم على تصديق كتابك و سنّة نبيك ثم أمر قنبر فرماها بحجر ثم دخل منزله ثم قال: يا قنبر ائذن لأصحاب محمّد فدخلوا فرموها بحجر حجر ثمّ قاموا لا يدرون أ يعيدون حجارتهم أو يرمون بحجارة غيرها و بها رمق فقالوا يا قنبر أخبره انّا قد رمينا بحجارتنا و بها رمق كيف نصنع؟

فقال: عودوا في حجارتكم فعادوا حتّى قضت فقالوا له: قد ماتت فكيف نصنع بها؟ قال فادفعوها إلى أوليائها و مروهم ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم «2».

فهذه الروايات كلّها تدلّ على اعتبار اربع مرّات في الإقرار بالزنا نعم هنا اشكال و هو انّها واردة في مورد الرجم أو متعرّضة لخصوصه كما انّ رواية ماعز المرويّة بطرق أهل السنة أيضا كذلك و لا ذكر فيها عن الجلد و يزيد الاشكال التصريح الوارد في رواية جميل على اعتبار الإقرار في السرقة مرّتين و في الرجم اربع مرّات فلو كان يعتبر ذلك في الجلد أيضا لكان اللازم ذكره. و إذا كان الأمر كذلك فكيف أطلق العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين الحكم باعتبار الأربع في حدّ الزنا جلدا كان أو رجما فهل كانت هناك رواية تدلّ على ذلك لم نجدها؟ أو انّه قام الإجماع على عدم الفرق بينهما؟ أو انّهم ألحقوا الجلد بالرجم

تنقيحا للمناط؟ لم يتعرضوا لذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 128

بل مقتضى مفهوم صحيح فضيل هو الاقتصار في الحكم باعتبار الأربع على خصوص الرجم و الاكتفاء بإقرار واحد في مورد الجلد و إليك لفظه:.

عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبدا أو حرّة كانت أو امة فعلى الامام ان يقيم الحدّ عليه للذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء فاذا شهدوا ضربه الحدّ مأة جلدة ثم يرجمه «1».

فان مقتضى قوله: «الّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء» بعد قوله: «من أقرّ على نفسه. مرة واحدة فعلى الامام ان يقيم الحدّ عليه» هو انّه يكتفى بمرّة واحدة في الجلد للزنا.

نعم هذه الرواية موافقة لمذهب العامّة و مشتملة على أمور مخالفة للقواعد المقرّرة [1].

و يمكن ان يستدل بهذا الخبر [2] لابن ابى عقيل في قوله بالاكتفاء بإقرار واحد في الزنا- على ما نسب اليه- نعم هو صريح في اعتبار الأربع بالنسبة إلى الرجم، و لعلّ العمّاني أيضا يقول بالاكتفاء بمرّة واحدة في خصوص مورد الجلد و زنا غير المحصن لا الأعم الشامل للرجم و زنا المحصن أيضا، و اللازم ملاحظة كلامه.

______________________________

[1] أقول هي على ما ذكروه: عدم الفرق بين الحرّ و العبد و الحال انّه لا أثر لإقرار العبد بلا تصديق المولى، و الفرق بين المحصن و

غيره الذي لم يحك عن ابن ابى عقيل ذلك، و كون ظاهرها انّ الرجم لا يترتّب على الإقرار و ان كان اربع مرّات و انّما يثبت بشهادة أربعة شهداء و هو مخالف لمذهب الأصحاب.

[2] إذا أريد الاستدلال بهذا الخبر فلما ذا يتمسّك بصدره و الحال انّ ذيله صريح في الاكتفاء في زنا غير المحصن و هو: فقال له بعض أصحابنا يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق اللّٰه. و إذا أقر على نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّٰه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 129

هذا و لكنّهم أرسلوا اعتبار الأربعة في كلّ من الجلد و الرجم إرسال المسلّمات فلا يكتفى بمرّة واحدة مطلقا.

و امّا العامّة فهم فرقتان- كما أشرنا الى ذلك- فمنهم من قال بالاكتفاء بمرّة واحدة و حجتّهم على ذلك أمور.

1- ما جاء في حديث أبي هريرة و زيد بن خالد من قول النبي (ص) في حديث العسيف: اغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها أنيس، فاعترفت فأمر النبي (ص) بها فرجمت «1».

فترى انّه لم يذكر فيه العدد.

2- عن البيهقي: أمر عمر أبا واقد الليثي بمثل ذلك و لم يأمره بعدد الاعتراف «2».

3- انّ الإنسان إذا أقرّ على نفسه بما يوجب الحدّ جلدا أو رجما دلّ هذا على صدق قوله.

و منهم من ذهب الى اشتراط الإقرار بالزنا بالأربعة.

و استدلوا على ذلك بحديث ماعز و هو على ما رواه البيهقي

عن ابن المسيّب و ابى سلمة أنّ أبا هريرة قال: اتى رسول اللّٰه (ص) رجل من الناس و هو في المسجد فناداه يا رسول اللّٰه انّى زنيت يريد نفسه فاعرض عنه النبي (ص) فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال يا رسول اللّٰه انّى زنيت فاعرض عنه فجاء لشق وجه النبي (ص) الذي أعرض عنه فلمّا شهد على نفسه اربع شهادات دعاه النبي فقال: ا بك جنون؟ فقال: لا يا رسول اللّٰه فقال: أحصنت؟ قال:

نعم يا رسول اللّٰه، قال: اذهبوا فارجموه «3» و في بعض رواياته قال (ص) له: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا يا رسول اللّٰه قال: ا نكتها لا تكنّى؟ قال:

نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة و الرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل

______________________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 83.

(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 226.

(3) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 130

تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهّرنى فأمر به فرجم.

و في بعض ألفاظ الحديث. شهدت على نفسك اربع شهادات اذهبوا به فارجموه. و في رواية اخرى انّه لمّا اعترف ثلاث مرّات قال له: ان اعترفت الرابعة رجمتك فاعترف الرابعة.

و قد يقال كما في المسالك: انّه ارتاب في امره فاستثبت ليعرف انّه مجنون أم شرب خمرا أم لا.

و فيه انّ الاستثبات لا يتقيّد بهذا العدد و كان يمكن البحث و السؤال عنه في أوّل مرّة و التثبّت في بدأ الأمر.

ثم ان روايات العامّة أيضا كروايات الخاصّة خالية عن ذكر الجلد بل موردها

هو الرجم و لم نجد دليلا على انّ الإقرار بالجلد أيضا كالرجم يحتاج الى وقوعه اربع مرّات.

نعم قد مرّ انّ الشيخ الطوسي قدّس سرّه الشريف قال في الخلاف:

لا يجب الحدّ في الزنا إلّا بإقرار أربع مرّات. فامّا دفعة واحدة فلا يثبت به على حال، قد عبّر قدّس سرّه بالحدّ و هو شامل للجلد و الرجم لو لم يكن ظاهرا في الجلد و اعتبر الأربعة و صرّح بأنه لا أثر لإقرار واحد.

ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا الأصل برأيه الذمّة و إذا أقرّ أربع مرّات على ما بيّناه لزمه الحدّ بلا خلاف و لا دليل على استحقاقه بإقراره مرّة واحدة انتهى.

و نحن نقول: إذا قلنا بانّ خروج معلوم النسب لا يقدح في تحقّق الإجماع فالظاهر تحقّقه و ذلك لعدم نسبة الخلاف الى أحد سوى ابن ابى عقيل.

و امّا الاخبار التي ادّعى رضوان اللّٰه عليه دلالتها على اعتبار الأربع فلعله عثر على ذلك و امّا نحن فلم نجد في الروايات ما يدلّ على ذلك في الجلد و انّما المستفاد منها اعتبارها في مورد الرجم وحده كما تقدّم.

و امّا التمسك في ذلك بتنقيح المناط و الحكم بانّ حكم الجلد حكم

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 131

الرجم فغير صحيح، و ذلك لانّه لا مورد لتنقيح المناط بعد ان نعلم انّ الرجم أمر أشدّ من الجلد بلا كلام حيث انّ فيه إزهاق النفس بخلاف الجلد الذي نرى انّ المجرم يجلد ثم يقوم و يشتغل بعيشه فأين هذا من ذاك و لا يصحّ ان يقال انّ كلّما اشترط و اعتبر في تحقّق الأمر الأشقّ الأشدّ فهو معتبر في الأمر الأسهل، و ما يلاحظ في العقوبة

الشديدة الصعبة يلاحظ في العقوبة الخفيفة السهلة.

و امّا ما ذكره الشيخ قدّس سرّه من الوجهين الأخيرين فيرد عليه انّ ما افاده هنا موقوف على عدم وجود عام يرجع اليه عند الشك و الّا فالشك في الحقيقة راجع الى الشك في التخصيص و عدمه و المرجع حينئذ هو ذاك العامّ لا أصل البراءة كما انّه على ذلك لا يتمّ التمسك بعدم الدليل لانّ العامّ المزبور دليل، و ما نحن فيه كذلك لانّ قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز «1» عام ظاهر في العموم و هل هو ليس دليلا حتّى يرجع الى الأصل؟ نعم قد خرج عن هذا العام إقرار الزاني المحصن و ذلك بمقتضى تلك الروايات المتقدمة آنفا الصريحة في عدم حجيّة الإقرار في باب الرجم إذا كان أقلّ من أربعة، و على الجملة فقد خصّص العام بهذا المورد و امّا الجلد فلم نجد ما يدلّ على استثنائه أيضا كي يحتاج إثباته بالإقرار إلى وقوعه اربع مرّات، و مع الشك في التخصيص يرجع الى العام المقتضى حجيّة الإقرار فيكتفى في إثبات زنا غير المحصن بإقرار مرّة واحدة و ذلك لوجود أصل لفظي.

اللّهم الّا ان يدّعى ان هذا العام ليس عامّا شرعيا واردا و دليلا لفظيا يؤخذ به و انّما هو من التقاط العلماء رضوان اللّٰه عليهم فيقتصر في التمسك به على موارد خاصّة التي تمسّكوا به فيها دون غيرها.

لكنّ الظاهر خلاف ذلك.

لا يقال: انّ مقتضى درء الحدود بالشبهات عدم تأثير الإقرار مرة واحدة.

لأنّا نقول: قد ظهر جوابه ممّا ذكرناه في المقام من وجود أصل لفظي في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 16 الباب 3 من أبواب الإقرار الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام

الحدود، ج 1، ص: 132

المقام كأصالة عدم التخصيص و مع وجوده يرجع الى العامّ و لا شبهة في البين كي يدرء الحدّ بها.

نعم لو كان الأصل من قبيل الاستصحاب و غيره لصحّ التمسك بدرء الحدود بالشبهات.

و امّا ما قد يقال من انّ مورد الروايات و ان كان هو الرجم الّا انّه يستفاد منها حكم الجلد أيضا و ذلك لتنزيل الإقرار في الزنا بمنزلة الشهادة كما عرفت ذلك من بعض الروايات الماضية حيث قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بعد إقرار المقرّ بالزنا: اللّهم انّ هذه شهادة. اللّهم انّ هذه شهادتان. و غير ذلك [1] و حيث انّه لا يكتفى بواحد في الشهادة سواء كان الحدّ رجما أو جلدا فكذلك الإقرار.

ففيه انّ مجرّد إطلاق الشهادة على الإقرار لا يقتضي اتّحاد حكمهما حتّى يقال. انّه يعتبر في الإقرار بالزنا العدد الخاص أي الأربعة كما انّه يعتبر ذلك في الشهادة خصوصا بعد العلم بتحقّق الفرق بينه و بين البيّنة، فقد تخلّف أحدهما عن الآخر في موارد فيقولون بأنّه يجوز للحاكم العفو عنه إذا تاب و كان قد ثبت زناه بالإقرار و لا يجوز إذا ثبت بالشهادة.

فلم يبق الّا انّ يتمسّك بالإجماع على اعتبار الأربعة مطلقا.

نعم قد وقفنا على روايتين في باب القذف تدلّان على اعتبار ذلك في الإقرار بالزنا الموجب للجلد.

إحديهما صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في رجل قال

______________________________

[1] أقول: و قد أطلقت الشهادة على الإقرار في القرآن الكريم أيضا قال اللّٰه تعالى في سورة النور الآية 6: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ فَشَهٰادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهٰادٰاتٍ بِاللّٰهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّٰادِقِينَ.

ثم انه قد يتمسك لإثبات

اعتبار الأربعة أيضا بأنّه لو كان يثبت بالإقرار مرّة واحدة لم يكن وجه لتأخير الحدّ في الإقرار بالزّنا الى ان يتمّ اربع مرّات كما في هذه الرّوايات الشريفة.

و لكن هذا لا ينفع جوابا بالنسبة الى من يقول بالاكتفاء بالمرّة في الجلد و ذلك لانّ هذه الروايات واردة في باب الرجم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 133

لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك قال: عليه حدّ واحد لقذفه ايّاها و امّا قوله: انا زنيت بك فلا حدّ فيه الّا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام «1».

قوله: انا زنيت. يعنى انّه زنا بها قبل ان ينكحها فيكون الزنا حينئذ هو الزنا الموجب للجلد خاصّة أو المراد هو الأعمّ بسبب الإطلاق أو ترك الامام الاستفصال في ذلك.

ثانيتهما مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام في رجل قال لامرأته: يا زانية قالت: أنت أزنى منّي فقال: عليها الحدّ فيما قذفت به و امّا إقرارها على نفسها فلا تحدّ حتّى تقرّ بذلك عند الإمام أربع مرّات [1].

ترى انّه عليه السلام ترك الاستفصال عن كون الموجب موجبا للرجم أو الجلد و على هذا فيصحّ تمسّكهم بالإجماع و النص في إثبات اعتبار الأربعة في الإقرار بالزنا مطلقا فبدون ذلك لا يثبت شي ء منهما إذا كان ما يثبت به هو الإقرار.

«و هل يعزّر المقرّ بالزنا دون الأربع؟»

بعد ان ثبت انّه أقرّ دون الأربع فلا حدّ عليه، فهل يجب تعزيره أم لا؟

قال المحقّق: و لو اقرّ دون الأربع لم يجب الحدّ و وجب التعزير.

و قد قال بذلك أيضا الشيخان و العلّامة في القواعد و ابن إدريس.

ففي القواعد: انّما يثبت بأمرين: الإقرار أو البيّنة، فهنا مطلبان الأوّل الإقرار و يشترط فيه البلوغ و العقل و الحرّية

و الاختيار و القصد و تكراره أربع

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حدّ القذف الحديث 3.

أقول: يمكن الإشكال في الاستدلال بالثانية و ذلك لأنّها نسبت الزنا الى نفسها و هي محصنة فإنّ الظاهر انّ نسبة الزنا بلحاظ الحال لا بالنسبة الى قبل التزويج بل لعلّها منصرفة عنه نعم لا كلام في دلالة الأولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حدّ القذف الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 134

مرّات. و لو أقرّ من جمع الصفات أقلّ من اربع لم يثبت الحدّ و عزّر انتهى.

و قد يستدلّ لذلك بوجوه أحدها عموم الأخذ بالإقرار.

ثانيها ما دل على انّ الإقرار بالمعصية معصية.

ثالثها العلم الإجمالي لانّه امّا أين يكون صادقا في إقراره و قوله أو انّه كاذب في ذلك فيجب تعزيره على عمله لو كان صادقا في الواقع مع عدم تحقّق ملاك الحدّ أو على قوله لو كان كاذبا في الواقع و الحاصل انّ تعزيره متيقّن على كلّ حال.

و كلّ هذه الوجوه مخدوش و محلّ الإشكال امّا الأوّل فلانّ عموم الأخذ بالإقرار قد خصّص في باب الزنا بلزوم التكرار، و بدونه إلا أثر له.

و امّا الثاني فلانّ الإقرار بالمعصية لم يكن معصية إذا كان في مقام التوبة و التحمّل للعقوبة الدنيويّة فرارا عن العقوبة الأخرويّة.

توضيح ذلك انّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في الإقرار بالزنا هو انّ تخلّص الزاني من عقوبة اللّٰه في الآخرة يحصل بواحد من أمرين و يكفيه في رفع العذاب و العقاب واحد منهما.

أحدهما ان يتوب الى اللّٰه سبحانه فيما بينه و بين اللّٰه قبل ان يطّلع الحاكم و بدون المراجعة اليه و قد ورود في بعض الروايات

انّه أفضل [1].

ثانيهما ان يراجع الحاكم و يقرّ عنده حتّى يقام عليه الحدّ و يطهّر من الذنب نظير توبة من كان عنده حقّ من حقوق الناس حيث انّه مضافا الى الندم الحاصل له يؤدّى حقوق الناس إليهم فيتهيّأ لان يُقتل و يصبر على ذلك كي يتخلّص من عذاب اللّٰه تعالى و قد ورود في مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد انّه لما رجم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الرجل الذي كان من مزينة و قد أقرّ عنده بالزنا اربع مرّات، فمات فأخرجه أمير المؤمنين عليه السلام فأمر فحفر له و صلّى عليه و دفنه فقيل: يا

______________________________

[1] ففي مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد في الزاني الذي أقرّ أربع مرآت: ا فلا تاب في بيته فو اللّٰه لتوبته فيما بينه و بين اللّٰه أفضل من إقامتي عليه الحدّ الوسائل الباب 16 من مقدّمات الحدود الجلد 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 135

أمير المؤمنين الا تغسّله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم «1».

و على هذا فالذي يقرّ لم يأت إلّا بما هو أحد طرفي الواجب التخييري فضلا عن ان يكون عمله معصية يترتّب عليها التعزير.

و قد يقال [1] الإقرار الذي كان واحدا من طرفي الواجب التخييري هو الإقرار الكامل البالغ حدّ الأربعة لا ما ينقطع في الأثناء و لا يبلغ حدّ الكمال و النصاب المعتبر فيه.

و فيه انّ للإقرار عند الحاكم هذا الأثر فالمقرّ في طريق تطهير نفسه و ان لم يبلغ إقراره الأربعة و لذا لم يكن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله ينتظر أن يأتي المقرّ و يقرّ ثانيا و هكذا و لا يطالبه

بذلك.

و امّا الثالث فلانّ العلم الإجمالي لا يؤثّر شيئا حيث انّ الزنا بدون الإثبات لا يترتّب عليه شي ء فلا عقوبة دنيوية بالنسبة الى ما لم يثبت منه أصلا، هذا بالنسبة إلى عمله و امّا من حيث الكذب فهو مشكوك فيه.

ثم انّه يشهد بما ذكرنا من عدم التعزير في المقام معاملة النبي الأعظم و أمير المؤمنين مع المقرّين حيث انهما لم يعزّراهم بإقرارهم دون الأربع و قد مرّ في قصّة رجل أقرّ عند رسول اللّٰه بالزنا انّه اعرض بوجهه عنه لشقّ وجهه، الى ان أقرّ ثانيا و هناك أيضا اعرض بوجهه عنه و هكذا فلو كان يجب تعزير المقرّ بما دون الأربع فكيف اعرض عنه بوجهه و لم يحكم بتعزيره و لا أمر بذلك؟ أو هكذا تقدّم في قصّة رجل أقرّ عند الامام على عليه السلام بالزنا انه صلوات اللّٰه عليه قال له: أذهب عنّي حتّى نسأل عنك، و لو كان يجب تعزير المقرّ بمجرّد إقراره لما كان وجه لهذا التأخير و التواني.

و امّا احتمال انّ ترك تعزيرهم كان لعلمهما بأنّه سيكمل الأقارير

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب دام ظله بما في المتن و لعلّه لا يخلو عن كلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود الحديث 2، الكافي الجلد 7 الصفحة 189.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 136

الاربعاء، فهو خلاف الظاهر حيث انّ عليّا عليه السلام أمر بالذهاب بعد الإقرار دون الأربع و لم يأمر بالمراجعة.

نعم يمكن ان يقال بأنّ الإقرار بالمعصية يوجب التعزير الّا انّ في المقام خصوصيّة أوجبت انهما صلوات اللّٰه عليهما و آلهما تركا التعزير و هي ما تقدّم آنفا من انّ المقرّ هنا قد أقدم على

الإقرار تطهيرا لنفسه و خلاصا من العقاب، فلا يحمل المقرّ على الإقرار إلّا خوفه القلبي من مقام ربّه و إخلاصه الكامل فلا يعقّبه التعزير فلذا ترى في قصّة ماعز أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله قال:- على ما في بعض ألفاظ الحديث- ان اعترفت الرابعة رجمتك، و لم يقل له بعد إقراره الأوّل أو الثاني أو الثالث: ان لم تتمّ أربعة اقارير لعزّرتك [1].

بقي في المقام شي ء و هو انّه قد استدل بعض على عدم جواز الإقرار و انه معصية بأنّه إشاعة الفاحشة و قد قال اللّٰه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1».

و فيه انّ هذا ليس من باب إشاعة الفاحشة و اذاعة السوء بل ربّما يكون فيه ترويج الدين و تشييد أركان اليقين حيث يراه الناس و قد هيّأ نفسه للقتل مثلا طلبا لمرضاة اللّٰه و اقامة لأمر اللّٰه، و كم من قلوب تتوجّه الى اللّٰه بسماع حاله و قوّة يقينه و تصلّبه في ذات اللّٰه و تسليمه قبال أمر اللّٰه.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا انه لا وجه لما ذهب اليه المحقّق و صاحب الجواهر من وجوب تعزير المقرّ دون الأربع.

______________________________

[1] و قد يقال بأنّ إعراضه صلّى اللّٰه عليه و آله عمّن أقرّ عنده، نوع تعزير منه و فيه انّه خلاف الظاهر مضافا الى عدم نقل إعراضه صلوات اللّٰه عليه في سائر الموارد.

و مثله ما قد يقال أو يحتمل من انّ ما هو المسلّم هو عدم تعزيرهما عليهما السلام المقرّين كماعز و غيره و هو أعمّ من عدم الاستحقاق فلعلّه كان عدم تعزيرهما للمقرّ من باب العفو لمصالح كانت هتاك.

______________________________

(1) سورة النور الآية 19.

الدر المنضود في

أحكام الحدود، ج 1، ص: 137

و هل يعتبر تعدّد المجالس أم لا؟

قال المحقّق: و لو أقرّ أربعا في مجلس واحد قال في الخلاف و المبسوط:

لا يثبت و فيه تردّد.

ثم انّه على القول بكفاية إقرار واحد فلا مورد للبحث عن اعتبار تعدّد المجلس و عدمه و امّا على القول باعتبار الأربعة فيجري البحث في انّه هل يعتبر تعدّد مجلس الأقارير- أي وقوع كلّ إقرار في مجلس غير مجلس الآخر- أو انه لا يعتبر ذلك و يكفى كونها في مجلس واحد؟

ذهب جماعة منهم الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن حمزة إلى الأوّل، و افتى الأكثر بخلاف ذلك و منهم الشيخ في النهاية و المفيد و ابن إدريس و غيرهم.

و يدلّ على الأوّل ما وقع في المجالس عند النبيّ و الوصي بأمرهما و ذلك كقصّة ماعز و غيره فقد وقع الأقارير الأربعة في أربعة مجالس لا في مجلس واحد، هذا مضافا الى انّ الأصل برأيه الذمّة عن الحدّ بالاقرارات في مجلس واحد.

و أجيب عن الأوّل بأنّ قصّة ماعز و أمثالها قضايا اتفاقيّة فلا دلالة لها على اعتبار تعدّد المجالس، و في الجواهر بل لعلّ ظاهر خبر ماعز كون المجلس واحدا.

و فيه انه لا فرق بين مراعاة الآداب المعمولة بحضرة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في مورد الحدّ و ما كان يفعله و يأتي به من الأركان المخصوصة في الصلاة مثلا.

و يمكن ان يقال بأنّه ليس المراد من تعدّد المجالس تفرّقهما و انعطال المجلس حتّى يفتتح مجلس آخر و يأتي الحاكم و المقرّ ثانيا حتّى يستشكل بأنّ قصّة ماعز لا ظهور لها في تعدّد المجلس أو انّها ظاهرة في وحدته، بل يكفى ما كان يكفي في صدق التعدّد و التفرّق، فهو

شي ء يقرب ما ذكروه في باب خيار

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 138

المجلس من انّه يدوم ما داما في المجلس و لم تحصل بينهما فرقة يذهب واحد منهما إلى ناحية أخرى من المجلس و لا حاجة في صدق تعدّد المجلس إلى أزيد من هذا المقدار [1] و الظاهر انّ هذا المقدار من المفارقة كان حاصلا في قصّة ماعز لانّه قد ذكر فيها انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قد اعرض عن ماعز لمّا أقرّ بالزنا فجاء ماعز من ناحية أخرى الّتي توجّه إليها النبي. صلّى اللّٰه عليه و آله.

و لو تردّد في صدق تعدّد المجلس على هذا فنقول: هب انه ليس منه لكن لا بدّ من تحقّق هذا المقدار من الفاصلة و التفرّق سمّه ما شئت لو سلّم لزوم مراعاة خصوصيّات قضاء رسول اللّٰه، فلا يكفى وقوع الإقرار الثاني في موضع الأوّل و بعبارة أخرى يجب التعدّد و ان كان بمجرّد تحقّق حضوره بعد غيبوبته عن مرأى الحاكم.

و استدلّ المشهور القائلون بعدم اعتبار التعدد، بأصالة عدم اشتراطه و بإطلاق الروايات الواردة في حدّ الزاني فإنها تدلّ على اعتبار أربعة اقارير و لم يكن فيها ذكر عن تعدّد المجالس ففي رواية جميل المذكورة آنفا:

لا يرجم الزاني حتّى يقرّ اربع مرّات.

أقول: يمكن ان يكون المراد من الإطلاق هو ما كان من مقدّمات الحكمة بتقريب انّه مع كونه في مقام البيان لم يذكر هذا القيد و لو كان تعدد المجالس معتبرا في الواقع لكان اللازم ذكره و الّا لزم نقض الغرض و الإغراء بالجهل.

و يمكن ان يكون المراد هو الظهور اللفظي- لا المقامى- بلحاظ انّ تمام الموضوع هو الإقرار أربع مرّات فقط و على

هذا فلا حاجة الى مقدّمات الحكمة.

و امّا الأصل فالمراد به انّه إذا لم يعلم انّ هذا الحكم مشروط بتعدّد

______________________________

[1] قال الأردبيلي قدّس سرّه في الشرح بعد ان استشكل بعدم دلالة بعض الروايات الراجعة إلى فعله (ص) على تعدّد المجلس فإنّه كان في مجلس واحد الّا انّه كان تارة عن يمينه و اخرى عن شماله: الّا ان يراد بتعدّد المجلس تغيّر مكان المقرّ و هو بعيد على انّ ذلك غير ظاهر في فعله في الثالثة و الرابعة انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 139

المجالس أم لا فالأصل عدم اشتراطه به و بعبارة اخرى انّ الشارع عند جعل الحكم لم يجعل تعدّد المجالس شرطا و لم يكن جعله مقرونا بهذا الشرط.

أقول: انّ أصالة العدم إذا كانت من الأصول العمليّة فلا اثر له في قبال عموم درء الحدود بالشبهات نعم إذا كانت من الأصول اللفظيّة على ما قرّرناه آنفا- من عدم جعل هذا شرطا للإقرار- فهي في حكم الدليل لأنّها شبيه أصالة عدم القرينة عند ما شكّ في وجود قرينة اختفت علينا، و النتيجة انّه يجب الحدّ بمجرّد إقراره أربع مرّات، و مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم تخصيص الأكثر فإنّ عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز قد خصّص باعتبار الأربعة في باب الزنا، و الأصل عدم تخصيصه بأزيد من ذلك، هذا هو مقتضى الأصل لو شكّ في اعتبار تعدّد المجلس.

نعم يمكن ان يقال: لو لم يكن في الروايات ما يزيل الشك عن اعتبار تعدّد المجلس و عدمه فالاقرار أربع مرّات في مجلس واحد مورد للشك و الحدود تدرء بالشبهات.

الرجل و المرأة في ذلك سواء

قال المحقّق: و يستوي في ذلك الرجل و المرأة.

أقول: و يدلّ على ذلك أمور أحدها:

ما في الجواهر من انّه لا خلاف و لا إشكال في ذلك.

ثانيها إطلاق الأدلّة الدّالة على انّ من أقرّ أربع مرّات بالزنا يرجم مثلا فراجع رواية جميل و غيرها.

ثالثها انّ الوقائع الواردة على رسول اللّٰه و أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليهما و آلهما مختلفة فبعضها كان في مورد الرجال و آخر منها في مورد النساء.

الكلام في إقرار الأخرس

قال المحقّق: و تقوم الإشارة المفيدة للإقرار

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 140

في الأخرس مقام النطق.

أقول: لا خلاف و لا إشكال في ذلك بشرط ان تكون الإشارة مفهمة و مفيدة للإقرار.

و هل يكتفى في إشارته المفهمة بإشارة واحدة أو لا بدّ من إشارته أربع مرّات؟ من المعلوم انّ سبيل الإشارة في الأخرس سبيل النطق في الناطق، و العرف يرتّب على إشارة الأخرس ما يرتّبه على نطق الناطق و لم يردع الشارع عنه فيعتبر في هذه الإشارة ما يعتبر في ذاك النطق شرعا و من ذلك هو كونها أربعا فإنّ المعتبر في إقرار الناطق هو الأربع.

و إذا احتيج في فهم معنى إشارة الأخرس إلى الترجمة فهناك يكفى الاثنان و لا حاجة الى أكثر من ذلك كما انه لا يكتفى بأقلّ منه و ذلك لانّ الترجمة من باب الشهادة و هما يشهدان بان الأخرس قد أقرّ- بإشارته- بالزنا و من المعلوم الفرق بين إقرار أحد بالزنا أو الشهادة على زناه و بين الشهادة على إشارة الأخرس و ترجمتها فيعتبر في الأوّلين خصوص الأربعة بخلاف الأخيرة فإنّ المترجم يفسّر معنى إشارة الأخرس و في الحقيقة تكون الشهادة هنا شهادة بالإقرار لا بالزنا حتّى يعتبر فيها الأربعة هذا هو الوجه في عدم الحاجة الى الأربعة، و امّا وجه عدم الاكتفاء بواحد فلانّ

الترجمة من باب الشهادة لا من باب الرواية التي يكتفى فيها بواحد.

ثم انّ ما ذكرناه يجري في إقرار الناطق إذا كان بلغة تحتاج إلى الترجمة.

الكلام في قول القائل: زنيت بفلانة

قال المحقّق: و لو قال: زنيت بفلانة لم يثبت الزنا في طرفه حتّى يكرّره أربعا و هل يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردّد.

أقول: حيث انّ هذا التعبير من أنواع تعابير الإقرار فلذا يعتبر في إثبات زنا المقرّ بذلك أيضا تكراره اربع مرّات فلا يقام عليه حدّ الزنا بدون ذلك.

و امّا انّه هل يثبت بذلك القول قذف المرأة التي سمّاها؟ فهو محلّ التردّد و الكلام و يحتمل الوجهان: الإثبات و النفي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 141

امّا الأوّل فلانّ العبارة ظاهرة في القذف و نسبة الزنا إليها و هتك حرمتها عند العرف و لا يدرء هذا الحدّ باحتمال انّه يريد خصوص زنا نفسه عمدا دون المرأة و ذلك لانّ هذا الحدّ مجعول حقّا للمقذوف و ما كان يدرء هو خصوص حقّ اللّٰه تعالى، و على الجملة فللعبارة ظهور عرفي في نسبة الزنا إليها أيضا و ان كان لا ملازمة بينهما الّا انّ العرف يفهم منها انّه نسبها الى الزنا.

و امّا الثاني: فلانّ ما هو صريح العبارة هو نسبة الزنا الى نفسه دونها و لا ملازمة بينهما أصلا لاحتمال الاشتباه و الإكراه في ناحيتها و لا تدلّ قوله:

زنيت بفلانة على زناء المرأة بواحدة من الدلالات الثلاثة المطابقة و التضمّن و الالتزام فان زناء المرأة غير زناء الرجل و ليس عينه و لا جزءا منه و لا لازما له نعم يعزّر القائل لأنّ الكلام المزبور هتك للمرأة عرفا.

و استوجه في المسالك الوجه الأوّل فإنّه بعد ذكر الوجهين و تقريرهما قال: و الوجه

ثبوت القذف بالمرأة مع الإطلاق لأنّه ظاهر فيه و الأصل عدم الشبهة و الإكراه.

قوله قدّس سرّه: «مع الإطلاق» يعني مع عدم تعرّضه للشبهة أو الإكراه بالنسبة إليها فحيث لم يلحق بكلامه قرينة تدلّ على عدم التعمّد و الاختيار فهو في نفسه ظاهر في وقوعه عن اختيار و على هذا فقد نسب إليها زناها عن اختيارها، و ليس المراد من الإطلاق هو الشمول لكليهما و احتمال الاختيار و الإكراه.

و امّا ما افاده من انّ الأصل عدم الشبهة و الإكراه فهذا لم يعلم وجهه و لم يتّضح مراده لانّه لو كان المراد جريان الأصل بالنسبة إلى فعل المرأة فأصالة عدم الشبهة أو الإكراه الجارية في فعلها لا تعلّق لها بنسبة الزنا الصادرة عن الرجل و لا مساس لذلك بقذفه فان هذه قد تتحقق بدون وقوع الزنا في الخارج أصلا و يترتّب على قذفه الحدّ.

هذا مضافا الى انّ الزنا الواقع في الخارج مردّد بين الاختياري و الإكراهي و لا يمكن إثبات ضد بنفي ضدّه فإنّه من الأصول المثبتة حيث انّ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 142

إثبات أحد الضدّين بنفي الآخر ليس أثرا شرعيا حتّى يثبت بنفي الآخر.

و هنا اشكال ثالث و هو كون هذا الأصل معارضا بأصالة عدم كون زناها اختياريّا لأنّ الأصل عدم. صدور الزنا عن اختيار و ذلك لانّ كليهما فردان من الزنا فيقال زناء اختياري و زناء غير اختياري.

و لو كان المراد جريان الأصل بالنسبة إلى فعل القاذف- كما فهم صاحب الجواهر ذلك من عبارة المسالك و كان من المسلّم عنده انّ نظر الشهيد الثاني إلى الافتراء و القذف- ففيه ما أورده عليه في الجواهر- بعد ان استشكل في الظهور المزبور بأنّه

ظهور في بادئ النظر بقوله: و الأصل المزبور لا يحقّق موضوع القذف بعد عدم دلالة اللفظ عليه في ثاني النظر، و دعوى عدم سقوط المزبور بالشبهة لكونه حقّا للمقذوف لا للّٰه تعالى خاصّة يدفعها عموم الدليل.

أقول: و يرد هنا ما أوردناه في الفرض الأوّل من عدم صحّة إثبات أحد الضدّين بنفي الآخر.

ثم انّ الشهيد الثاني قال في آخر كلامه: و لو فسّره بأحدهما قبل و اندفع عنه الحدّ و وجب التعزير انتهى.

يعنى لو صرّح بأنّي قد أكرهتها على الزنا أو انّه اشتبه عليها الأمر، و زعمت انّه زوجها و وقعت في الزنا من حيث لا تعلم، قبل ذلك منه و يندفع عنه حدّ القذف بذلك و لكن لا يندفع عنه التعزير.

و هذا أيضا لا يخلو عن كلام، لأنّه إذا كان الكلام المزبور ظاهرا في نسبة الزنا إليها كما صرّح هو قدّس سرّه بذلك فتفسيره بعد ذلك بالشبهة أو الإكراه لا ينفع شيئا لأنّه يكون من باب الإنكار بعد الإقرار الذي لا اثر له أصلا كما لو قال: انا قتلت فلانا- المقتول- ثمّ فسّر القتل بالضرب فإنّه لا يقبل و لا يسمع منه و على الجملة فلو كان هناك ظهور للفظ واقعا فلا وجه لرفع اليد عنه بتفسيره بما ينافيه بعد ذلك.

فلا بدّ من القول بنقصان في الظهور بان يكون برزخا بين الظاهر و المجمل فلذا يقبل التفسير، و على الجملة فلعلّ ما ذكره شاهد على عدم ظهور

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 143

زنيت بفلانة في القذف.

نعم لو كان مقصودة قدّس سرّه- كما يظهر من كلامه- هو التمسّك بقاعدة درء الحدود بالشبهات فلا يرد عليه إشكال الإنكار بعد الإقرار و ذلك لانّه تحصل

الشبهة بتفسيره بهما.

و ان كان قد يستشكل عليه أيضا بأنّ هذا الحدّ حقّ للمقذوف على القاذف فلا يدرء بالشبهة و انّما يدرء الحدّ بها إذا لم يكن هناك حقّ للغير.

لكن أجاب عنه في الجواهر بانّ دعوى عدم سقوط المزبور بالشبهة لكونه حقّا للمقذوف لا للّٰه تعالى خاصّة يدفعها عموم الدليل.

يعنى انّ دليل درء الحدود عامّ يشمل كلّ الحدود و لا اختصاص له بحدّ مخصوص فيجري في كلّ ما كان حدّا سواء كان حقّا للّٰه تعالى أو للناس.

ثم ان صاحب الجواهر قال- عند توجيه الوجه الأوّل من الوجهين و هو كون القول المزبور قذفا-: و ربّما أُيّد بقول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في خبر السكوني:

لا تسألوا الفاجرة من فجر بك، فكما جاز عليها الفجور يهون عليها ان ترمى البري ء المسلم «1» و قول علىّ عليه السلام: إذا سألت الفاجرة من فجر بك فقالت:

فلان جلدتها حدّين حدّا للفجور و حدّا لفريتها على الرجل المسلم «2».

و فيه انّه لا تأييد فيما ذكره للمقام و ذلك لانّ قول المرأة في الجواب:

فجر بي فلان، غير قول الرجل: انا زنيت بفلانة فإنّ الأوّل صريح في نسبة الفجور اليه فلا يجرى فيه احتمال الإكراه أو الاشتباه في حين انّ الثاني ليس صريحا في نسبة الزنا إليها بل يحتمل الشبهة و الإكراه فلم يبق الّا الظهور العرفي له في صدور الزنا عنها أيضا بالاختيار.

ثم انه قدّس سرّه عند توجيه الوجه الثاني و هو عدم كون القول المزبور قذفا قال: و ربّما كان في صحيح محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في رجل قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك قال: عليه حدّ القذف لقذفه ايّاها، و امّا قوله:

______________________________

(1) وسائل الشيعة

الجلد 18 الباب 41 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 41 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 144

انا زنيت بك فلا حدّ عليه فيه الّا ان يشهد على نفسه اربع مرّات بالزنا عند الامام «1»، نوع إيماء الى عدم القذف بالقول المزبور.

و لعلّ مقصوده قدّس سرّه من نوع إيماء انه لو كان زنيت بك كافيا للقذف لما احتاج الى إضافة قوله: يا زانية.

و كلامه هذا أيضا لا يخلو عن اشكال و ذلك لتحقّق القذف بقوله:

يا زانية، إذا فلا تصل النوبة إلى قوله: انا زنيت بك.

و امّا التعزير في المقام فهو صحيح و ذلك لانّه ليس في مقام التوبة.

الكلام فيما لو أقرّ بحدّ و لم يبيّنه

قال المحقّق: و لو أقرّ بحدّ و لم يبيّنه لم يكلّف البيان و ضرب حتّى ينهى عن نفسه، و قيل لا يتجاوز به المائة و لا ينقص عن ثمانين و ربّما كان صوابا في طرف الكثرة و لكن ليس بصواب في طرف النقصان لجواز ان يريد بالحدّ التعزير.

أقول: إذا أقرّ بانّ عليه حدّا اى أقرّ بارتكابه ما يوجب الحدّ و لكن لم يفصّل و لم يبيّن ذلك الحدّ بل اقتصر على مجرّد الإقرار الإجمالي ففيه وجوه:

الأوّل انّه يخلّى سبيله و لم يكلّف البيان فلا يترتّب على إقراره شي ء ذهب اليه الشهيد الثاني في المسالك و قوّاه.

و قد يستدلّ على ذلك بالأصل و درء الحدود بالشبهات و ما ورد من ترديد جزم المقرّ كما في قصّة ماعز.

الثاني انّه يكلف البيان فيجبر على ان يبيّن ما أجمله و يوضح انّه اىّ حدّ كان هو و ذلك لعدم جواز تعطيل حدود اللّٰه تعالى.

الثالث انّه يضرب لكن لا يتجاوز

به المائة و لا ينقص عن ثمانين ذهب اليه ابن إدريس نظرا الى انّ أقلّ الحدود حدّ الشرب و هو ثمانون جلدة و أكثرها حدّ الزنا و هو مأة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 145

و مقتضى إطلاقه انّه لا يتجاوز به المائة و ان لم ينه عنه بل و ان طلب المقرّ ان يضربوه بعد كما انّ المعتبر على ذلك ان لا يضربوه أقلّ من الثمانين و ان نهى عن نفسه.

و صوّبه المحقّق- بعد نقل ذلك- في طرف الزيادة لأنّ الحدّ لا يزيد عليها و لم يصوّبه في طرف النقصان لجواز ان يريد بالحدّ التعزير [1].

فقد أورد عليه في جانب النقصان لإمكان ان يكون مراده من الحدّ التعزير فإنّه قد يطلق عليه لغة فلا يتحقّق ثبوت الحدّ المعهود، عليه. و قد استشكل في المسالك و الجواهر على ابن إدريس و على المحقّق فيما استصوبه من كلامه فبالنسبة إلى الأوّل- أي كلام ابن إدريس- بانّ كلا الأمرين ممنوعان امّا في جانب القلّة فلانّ حدّ القوّاد خمسة و سبعون فليس اقلّه الثمانين، و امّا في جانب الكثرة فلانّ حدّ الزّنا قد يتجاوز المائة كما لو زنى في مكان شريف أو وقت شريف فإنّه يزاد على المائة بما يراه الحاكم.

و امّا بالنسبة الى الثاني أعني كلام المحقّق فأوّلا بأنّ بأنّ الحدّ حقيقة شرعيّة في المقدّرات المذكورة، و إطلاقها على التعزير مجاز لا يصار اليه عند الإطلاق بدون القرينة.

و ثانيا بأنّه على فرض حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم و هو يتوقّف على معرفة المعصية ليرتّب عليها ما يناسبها لا بالتّشهي.

و ثالثا بانّ من

التعزير ما هو مقدّر فجاز ان يكون أحدها فيشكل تجاوزها أو نقصها بدون العلم بالحال.

الرابع انّه يضرب حتّى ينهى عن نفسه اى يقول: لا تضرب. أو يقول يكفى، و لا يخفى انّ الظاهر انّه يحكم عليه بذلك بمجرّد إقراره و لو مرّة واحدة و قد ذهب جمع من العلماء الى هذا القول و نسب أيضا الى الشيخ و القاضي.

و مستندهم على ذلك خبر محمّد بن قيس- و في المسالك: انه الأصل في هذه المسئلة- عن ابى جعفر عن أمير المؤمنين عليهما السلام في رجل أقرّ على

______________________________

[1] و في تحرير العلّامة بعد نقل القول المزبور: و هو جيّد في طرف الكثرة لا القلة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 146

نفسه بحدّ و لم يسمّ اىّ حدّ هو، قال: أمر ان يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه في الحدّ «1».

و أورد عليه في المسالك بوجوه عديدة أحدها: ضعف سنده لاشتراك محمد بن قيس الذي يروى عن الباقر عليه السلام بين الثقة و غيره.

ثانيها انّ الحكم الوارد فيه مخالف للأصل.

ثالثها انّ الحدّ يطلق على الرجم و على القتل بالسّيف و الإحراق بالنّار و رمى الجدار عليه و نحو ذلك، و على الجلد و هو يختلف كمية و كيفيّة فحمل مطلقة على الجلد غير مناسب للواقع و لا يتمّ معه إطلاق انّ الإقرار أربع مرّات يجوّز جلد المائة.

رابعها استلزام انّه لو نهى عن نفسه فيما دون الحدود المعلومة قبل منه و ليس هذا حكم الحدّ و لا التعزير.

خامسها انّ الحدود مختلفة فمنها ما يتوقّف على الإقرار أربع مرّات و منها ما يتوقّف على الإقرار مرّتين و منها ما يثبت بمرّة.

سادسها انّه معارض بما روى بطريق

يشاركه في الضعف ان لم يكن منه عن انس بن مالك قال: كنت عند النبي (ص) فجائه رجل فقال يا رسول اللّٰه انّى أصبت حدّا فأقمه علىّ و لم يسمّه قال: و حضرت الصلاة فصلّى مع النبي (ص) فلمّا قضى النبي (ص) الصلاة قام اليه الرجل فقال يا رسول اللّٰه انّى أصبت حدّا فأقم ما في كتاب اللّٰه فقال: أ ليس قد صليّت معنا؟ قال: نعم قال: انّ اللّٰه قد غفر لك ذنبك أو حدّك «2».

قال قدّس سرّه: و لو كان الحدّ يثبت بالإقرار مطلقا لما أخره النبي (ص) و لا حكم بأنّ الصلاة تسقط الحدّ و انّما اجابه بذلك من حيث عدم ثبوته مع إطلاقه لذلك و ان تكرّر الإقرار.

ثم استنتج من جميع ذلك بقوله: فالقول بعدم ثبوت شي ء بمجرّد الإقرار

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) صحيح البخاري الجلد 8 الصفحة 207.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 147

المجمل قوى. و على هذا فيمكن القول بعدم وجوب استفساره بل و لا استحبابه.

و قد أجاب عنه في الجواهر بصحّة السند لانّ محمّد بن قيس الوارد في السند هو محمّد بن قيس الموثّق، و ذلك للقرائن المفيدة لذلك كرواية عاصم بن حميد عنه كما انّ العلّامة المجلسي قدّس سرّه قال: حسن كالصحيح.

و عبّر السيّد صاحب الرياض عن هذا الخبر بقوله: الصحيح على الصحيح. يعنى ان خبر قيس صحيح على القول الصحيح [1].

و أجاب قدّس سرّه عن باقي إشكالات الرواية سوى اشكال المعارضة بأنّها كالاجتهاد في مقابل النص، أي إذا كان الخبر صحيحا فنحن متعبّدون به و نقول بكلّ ما دلّ عليه تعبّدا.

و يمكن ان يجاب عنها أيضا بأنّ

المحاذير مولودة إجماله في الإقرار فلو كان يقرّ بالزنا لما كان عليه شي ء بإقرار مرّة واحدة الى ان يقرّ اربع مرّات و هناك يقام عليه الحدّ.

و امّا انّه يمكن ان ينهى عن نفسه بأقلّ من الحدّ كان ينهى بعد ان ضرب جلدتين و مقتضى الخبر القبول منه و الحال انّ هذا ليس حكم الحدّ و لا التعزير.

ففيه انّ نهيه عن نفسه قبل البلوغ الى الحدّ مناف لإقراره بالحدّ و سيأتي الكلام بالنسبة إلى التعزير.

و امّا المعارضة ففيها انّ المعارضة فرع اعتبار المعارض قال في الجواهر:

و خبر انس الذي هو من طرق العامّة المحتمل لصدور التوبة منه لا يصلح معارضا للصحيح المعمول به من طرق الخاصّة المؤيّد بمرسل المقنع إلخ «1».

و امّا ما ذكره إيرادا على المحقق- في ما أفاده في جانب النقيصة من

______________________________

[1] و استشكل الأردبيلي بانّ في سنده سهلا و أجاب عنه في الجواهر بانّ الأمر في سهل، سهل. راجع الجواهر الجلد 41 الصفحة 287.

______________________________

(1) المقنع الصفحة 147.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 148

احتمال ارادة التعزير من الحدّ- من انّ التعزير امره منوط بنظر الحاكم و هو متوقّف على معرفة المعصية تفصيلا كي يترتّب عليها ما يناسبها.

فقد أجاب عنه بقوله: و كون التعزير مقدّرا بنظر الحاكم، و لا نظر له ما لم يعلم المعصية، انّما هو في غير المقام المحتمل تقدير الشارع بما يؤدّي إليه نظر المقرّ فيضرب ما لم ينه و ان زاد على المائة و يترك مع نهيه و ان نقص عن أقلّ الحدّ لاحتمال ارادة التعزير منه و لو على ان يكون نهيه قرينة على ذلك مع فرض المجازيّة انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: تارة يبحث في صحّة الرواية

و سقمها و قد عرفت الكلام فيه حيث انّ الشهيد الثاني ضعّفها لتردّد محمد بن قيس بن الموثّق و غيره و قد مرّ انّ عدّة من الأعلام صحّحوها و اعتمدوا عليها، و اخرى بعد تصحيحها.

فلو اعتمدنا على الرواية و صحّحناها فلا اشكال من سائر الجهات فان كون الحدّ معيّنا، و التعزير منوطا بنظر الحاكم و على حسب ما يراه من المصلحة و ان كان تامّا صحيحا لكن ذلك في الحدود المفصّلة المبيّنة و امّا الحدّ المجمل فلا بأس بأن يقال فيه انّه يضرب حتّى ينهى فيكون هذا حدّا في هذا الظرف الخاص في قبال سائر الحدود و هكذا بالنسبة إلى التعزير فلا مانع عن القول بأنّه إذا أقرّ إقرارا مبهما يكون تعزيره منوطا برأى المقرّ لا بنظر الحاكم فلا رأى له إذا لم يعرف المعصية بعينها و على هذا فلا معارضة بين هذا الخبر و أدلّة الحدود لأنها متعلقة بالحدود المعيّنة و هذا بالحدّ المجمل.

ثم انّ هنا احتمالا آخر و هو حمل رواية محمّد بن قيس على انها قضيّة في واقعة و لعلّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم من الطرق العاديّة- لا من علم الغيب الذي ليس هو ملاك الأحكام- ما فعله المقرّ في الخارج و انّه اتى كي يطهّره الامام ممّا ارتكبه و تلوّث به فعمل عليه السلام بعلمه و أمر بأن يضرب حتّى ينهى، لانّه ليس بأزيد و أكثر من صدور فعل من الامام عليه السّلام، و على هذا فلا يمكن التمسك بها.

و الإنصاف انّ هذا الاحتمال في غير موضعه و ذلك لانّ الأئمة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 149

عليهم السلام إذا نقلوا شيئا ممّا يرتبط بالأحكام عن

جدّهم رسول اللّٰه أو عن أمير المؤمنين صلوات اللّٰه عليهما و آلهما فالظاهر انّه حكم كلّى ذكر لأجل تمسك الناس و جي ء به للأخذ به فإنهم لم يكونوا في تلك المقامات بصدد ذكر التأريخ.

نعم يبقى الكلام في انّه ما يصنع حينئذ بدليل درء الحدود بالشبهات لكن امره سهل فإنّه على تقدير صحّة الرواية تكون هي حاكمة على دليل الدرء، نعم لو لم تثبت صحّتها فلا حجّة بيننا و بين اللّٰه في الحكم بالحدّ و ضربه مع ما نعلم من شدّة اهتمام الشارع بحرمة المؤمن و كمال عنايته في وضوح موضوع الحدود و عدم الاقدام على إقامتها بدون ذلك فيبقى السؤال عن انّه ما هو التكليف بالنسبة إلى المقرّ بالإقرار بحدّ مجهول؟

يمكن ان يقال انّ الظاهر من الحدّ الذي أقرّ به هو الحدّ المقابل للتعزير و عندئذ يتردّد الأمر بين الأقلّ و الأكثر و لا بدّ من الاقتصار على الأقلّ و هو ما يصدق عليه الحدّ.

و لكن يرد عليه بانّ ذلك موقوف على كون المقام من قبيل الأقلّ و الأكثر و الحال انّ كونه من باب المتباينين ليس ببعيد و عليه فالعمل بالأقل لا اثر له أصلا بل هو في حكم العدم و ربّما يكون الواجب هو الفرد الآخر، و ما اتى به حراما في الواقع.

ان قلت: على ذلك يجب إلزامه بتوضيح ما أجمله و تبيين ما أبهمه من سبب الحدّ.

نقول: لا وجه لذلك أصلا بعد ما نعلم و نعهد من فعل النبي و الأمير عليهما السلام من التسامح في ذلك و ما ورد في غير واحد من النصوص من ترديد المقرّ الجازم الذي كان يقرّ بالحدّ المعيّن، فاذا لم يجب تكرار الإقرار، و الإصرار عليه

مع كون الحدّ معيّنا فكيف نقول بوجوب إلزامه بالبيان و التوضيح في الإقرار بالمجمل؟

لا يقال فكيف يجب إلزام المقرّ بحق الناس مجملا على البيان و التوضيح؟ لأنّا نقول: انّه و ان كان يصحّ ذلك في حق الناس الّا انه ليس من

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 150

مذهبنا القياس.

و على الجملة فلا يجب إلزامه بالبيان و لا يكلّف التفصيل و قد وافق على ذلك صاحب المسالك و الجواهر.

و قد ظهر بما ذكرناه الجواب عن القول الثاني و هو انّه يكلّف المقرّ، بالبيان. كما أجاب عنه في الجواهر بالأصل و ظاهر بعض النصوص و الام بدرء الحدّ بالشبهة و خبر انس و لما في غير واحد من النصوص من ترديد جزم المقرّ فكيف بالساكت و لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: من اتى هذه القاذورات شيئا فستر ستره اللّٰه و انّ من بدا صفحته أقمنا عليه الحدّ، و قول أمير المؤمنين عليه السلام للرجل الذي أقرّ عنده أربعا: ما أقبح في الرجل منكم ان يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رءوس الملأ ا فلا تاب في بيته؟ فو اللّٰه لتوبته في ما بينه و بين اللّٰه أفضل من اقامة الحدّ عليه.

فقد جعل الإقرار بالحد مجملا كالإقرار بالزنا تصريحا حيث لا يكلّف هو ان يقرّ ثانيا و ثالثا و رابعا بل و كانوا عليهم السلام يردّدون في مقال المقرّين و إقرارهم و يلقّونهم الشبهة كقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: لعلّك مجنون أو لعلّك غمزت، و أمثال ذلك.

ثم انّ المحقّق قدّس سرّه كما استصوب هنا كلام ابن إدريس في طرف الزيادة نفى عنه الاستبعاد في نكت النهاية أيضا و قد ذكر هناك نكات و

مطالب زائدة على ما افاده هنا و إليك عبارته:

قوله: و قضى أمير المؤمنين في من أقرّ على نفسه بحدّ و لم يبيّنه ان يضرب حتّى ينهى هو عن نفسه الحدّ هل يعتبر هذا فيمن يعرف الحدود أم لا و هل إذا بلغ معه المائة يقطع عنه الضرب أم لا؟

الجواب: روى هذه محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام عن علىّ عليه السلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ و لم يسمّ اىّ حدّ هو، قال: أمر ان يجلد حتّى يكون هو الذي ينهى عن نفسه الحدّ. و هذا اللفظ مطلق فتحمل على العارف و غيره و هذه الرواية مشهورة فيعمل بها و ان كان في طريقها قول،

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 151

و يؤيّدها انّه إقرار من بالغ عاقل فيحكم به و لا استعبد إذا وصل به الى مأة جلدة ان يقطع عنه الجلد و ان لم يمنع عن نفسه لانّه لا حدّ و راء المائة، و إذا نهى عن نفسه قبل و ان كان دون الحدّ لاحتمال ان يكون ذلك توهّمه و انّه يسمّى حدّا فيسقط ما زاد للاحتمال إذ لا يثبت بالإقرار إلّا ما يتحقّق انّه مراد من اللفظ انتهى كلامه رفع مقامه «1».

نقول: امّا ما كان منه متعلقا بمحلّ الكلام هو ان النزاع في الحقيقة في انّه هل يؤخذ بإطلاق الرواية على تقدير صحّتها و يحكم بأنّه يضرب الى ان ينهى فما لم ينه يضرب و ان مات و انجرّ الى زهوق روحه، أو انّه يقتصر على ضربه مائة جلدة ان لم يزجر ضاربه قبل ذلك؟

و يدلّ على الأوّل إطلاق الرواية و عليه فيضرب كائنا ما كان.

و تمسّك من

قال بالثاني بأنّ هذا المقرّ لم يقرّ بأزيد من الحدّ و من المعلوم انّه لا حدّ فوق مأة و أزيد منها، و امّا ما كان يزاد على هذه تغليظا و لا جل ارتكابه القبيح في مكان شريف أو زمان كذلك فليس هو من الحدّ في شي ء بل هو أمر زائد على أصل الحد من باب التعزير و التأديب فيمن لم يراع شرف الزمان المخصوص أو المكان كذلك و ضيّع حرمتهما، و من المعلوم انّ المقرّ في المقام قد أقرّ بالحدّ لا بالحدّ و التعزير كليهما.

و الظاهر انّ هذا الكلام حسن فيكون معنى «يضرب حتّى ينهى» انّه يضرب كذلك الى بلوغ الحدّ التامّ و هو المائة فحينئذ يخلّى سبيله و لا حاجة الى ان ينهى فنهيه يفيد و يؤثّر بالنسبة الى ما قبل المائة إلّا إذا ظنّ في حقّه ما يوجب القتل كزنا المجارم فهناك يمكن ان يقال انّه يضرب ما لم ينه عنه و ان قتل به فان حكم الزاني كذلك، و ان كان هو الرجم أو القتل لا عن جلد و ضرب، الّا انّ ذلك إذا كان معيّنا و امّا إذا كان مجملا فلا بأس بما ذكرناه.

لكنّي لم ارفى كلماتهم من يقول بذلك.

هذا بالنسبة إلى استصوابه طرف الزيادة من كلام ابن إدريس و امّا

______________________________

(1) الجوامع الفقهيّة الصفحة 454.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 152

بالنسبة الى ما ذكره من كونه عارفا أو غيره فنقول:

و هل تعتبر في هذا الحكم- اى ضرب هذا المقرّ حتّى ينهى- علمه و معرفته بالحدود المقرّرة في الشرع أولا يعتبر ذلك؟

اعتبر ذلك بعض العلماء [1]، قال في كشف اللثام «عند قول العلّامة ضرب حتّى ينهى عن نفسه»: و

ان لم يبلغ أحدا من الحدود المقدّرة لأنّ نهيه يدلّ على إرادته التعزير أو يبلغ المائة فإنّها أقصى الحدود و ما يزاد لشرف المكان أو الزمان تعزير زائد على أصل الحدّ و الأصل عدمه.

ثم قال: نعم ان علم بالعدد و بالمسئلة و طلب الزيادة توجّه الضرب الى ان ينهى انتهى.

أقول: و المستند في ذلك انّه إذا كان عارفا بالمسئلة و بالحدود و التعزيرات فإنّه يعتمد بنهيه و يطمئن اليه فاذا نهى قبل بلوغ أقلّ الحدود فإنّه يعلم انّه أراد من الحدّ التعزير، كما انّه إذا نهى عند بلوغ الضربات ثمانين جلدة يعرف انّه كان حدّه حدّ شرب الخمر و هكذا، بخلاف ما إذا لم يكن عالما بالمسائل و عارفا بالحدود المقرّرة فإنّه ربما يضرب فوق المقدار اللازم و هو لعدم كونه عارفا لا ينهى أو انّه لشدّة تسليمه قبال حكم اللّٰه تعالى و جدّه البالغ في تطهير نفسه عن دنس ما اتى به من الذنب قد هيّأ نفسه لان يضرب كملا و يرى انّه كلّما زيد في ضربه ازداد مغفرة و رحمة فلا بدّ من ان يكون عارفا حتّى يكون نهيه ناشيا عن علم و بصيرة فيعتمد عليه.

و لكنّ المحقّق خالف في ذلك مستدلّا بانّ اللفظ مطلق فيحمل على العارف و غيره كما عرفت آنفا من كلامه الذي نقلناه من النكت.

______________________________

[1] قال الشهيد في غاية المراد: و خصّ هذا الحكم في النكت بالعالم بالحدود- ثم قال:- قلت:

و قول الأصحاب ببلوغ المائة فيه نظر إذ لم يعتبروا التعدد هنا و موجب المائة يعتبر فيه التعدّد قطعا و كذا في البلوغ إلى الأقلّ لما ذكر من اعتبار التعدد فان كان مراد الأصحاب انّ ذلك مع الإقرار أربعا

فليس ببعيد ما قالوه و الّا فهو مشكل، و لك ان تقول: انّ من أقرّ مرّة لم يتجاوز التعزير و ان ثنّى أو ثلّث لم يتجاوز الثمانين و ان ربّع لم يتجاوز المائة و يحتمله لجواز تغليظ الحدّ بالزنا في مكان شريف أو زمان شريف و مع التعدّد يحتمل حمله على التأسيس فيتعدّد الحدود انتهى كلامه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 153

و يرد عليه انّ الإطلاق متعلّق بما إذا كان هناك حكم كلّى قد تعلّق بمفهوم شامل لافراد كما إذا قال أعتق رقبة حيث انّ الرقبة شاملة للمؤمنة و الكافرة فما لم يدلّ دليل على اختصاص الحكم بالمؤمنة يؤخذ بالإطلاق و يقال:

انّ المراد هو محض الرقبة سواء ا كان مؤمنا أم كافرا، و امّا إذا استعمل لفظ في مقام الحكاية و ان كان لأجل بيان الحكم فلا إطلاق هنا كما إذا قال: رجل قتل رقبة إلخ فهل يمكن ان يقال: انّ الرقبة مطلقة؟ و ما نحن فيه كذلك فلا إطلاق يشمل كليهما فالصحيح التمسك بترك الاستفصال، و ذلك لوقوع هذا الأمر بأمر الإمام عليه السلام و له وجهان فيمكن كونه في الواقع عارفا كما يمكن كونه جاهلا و لمّا لم يسئل الامام عن ذلك فلذا يحمل على العموم اى سواء كان عارفا أو جاهلا.

ثم انّ هنا كلاما آخر و هو انّه إذا ضرب مأة ثم كفّ عن ضربه امّا بنهيه أو لأنها أقصى الحدود فقد اجرى حدّ الزنا بإقرار واحد و الحال انّه يعتبر فيه أربعة شهود و هكذا.

و لذا قال في كشف اللثام في مقام رفع الاشكال: و إطلاق الخبر الأوّل و الأصحاب نزل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع منه من

الإقرار فلا يحدّ مأة ما لم يقرّ أربعا و لا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين و لا يتعيّن المائة إذا أقرّ أربعا و لا الثمانون إذا أقرّ مرّتين على قول غير ابن إدريس انتهى.

قوله: الخبر الأوّل يعني خبر محمّد بن قيس المتقدّم آنفا.

ثم انّ كلامه محلّ النظر و الاشكال و ذلك لانّ «أقرّ» ظاهر في الإقرار مرّة واحدة لا الإقرار بمقتضى الحدود مرّتين أو أربع مرّات فهذا تعبّد خاصّ في الموضع.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام انّه يؤخذ بالرواية و يعمل بها فإذا أقرّ بحدّ و لم يبيّنه فإنّه يضرب الى ان ينهى عن نفسه الى ان يبلغ المائة فهناك يخلّى سبيله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 154

حكم الرجل و المرأة الّذين وجدا في إزار واحد

قال المحقّق: و في التقبيل و المضاجعة في إزار واحد و المعانقة روايتان إحديهما مأة جلدة و الأخرى دون الحدّ و هي أشهر.

البحث هنا في انّه إذا وجد الرجل و المرأة في إزار أو لحاف يقبّلان و يعانقان فهل يحكم عليهما بالحدّ أو التعزير؟ بعد انّه يحرم مضاجعة الاجنبيّين تحت إزار واحد مجرّدين.

مقتضى رواية هو الأوّل و مقتضى رواية أخرى هو الثاني و يستفاد من عبارة المحقّق انّه مائل الى الثاني حيث عبّر بأنّه الأشهر، فهو مشعر بالتقدّم لقوله عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك [1].

و في الجواهر في شرح «و هي أشهر»: عملا على معنى انّ في ذلك التعزير المناط بنظر الحاكم الذي أقصاه مأة سوط دون الحدّ بل قيل انّه المشهور بل في كشف اللثام الإجماع كما يظهر منهم عليه بل عن الغنية دعواه صريحا انتهى و الوجه في قوله: عملا انّ روايات الحدّ أكثر.

فهم بين من عبّر بالأشهر

و من عبّر بالمشهور، و من ادعى الإجماع على ذلك، و الفرق بين الأشهر و المشهور واضح لأنّ الأشهر مقابل المشهور و امّا المشهور

______________________________

[1] و قال الشيخ في المبسوط الجلد 8 الصفحة 7: إذا وجد رجل مع امرأة في فراش واحد يقبّلها أو يعانقها فلا حدّ عليه و عليه التعزير، و روى في بعض أخبارنا أنّه يجلد كلّ واحد منهما مأة جلدة و كذلك روى المخالف ذلك عن عليّ عليه السلام و قال بعضهم خمسين و قال الباقون يعرّز انتهى.

و قال الشيخ المفيد في المقنعة الصفحة 774: فإن شهدوا عليه بما عاينوه من اجتماع في إزار و التصاق جسم بجسم و ما أشبه ذلك و لم يشهدوا عليه بالزنا قبلت شهادتهم و وجب على الرجل و المرأة التعزير حسب ما يراه الامام من عشر جلدات الى تسع و تسعين جلدة و لا يبلغ التعزير في هذا الباب حدّ الزنا المختصّ به في شريعة الإسلام.

و قال العلّامة في التحرير الصفحة 222: و في التقبيل و المضاجعة في إزار واحد و المعانفة التعزير.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 155

فهو مقابل الشاذ.

و قد عقد المحدّث الحرّ العاملي في ذلك بابا تحت عنوان: باب ثبوت التعزير بحسب ما يراه الامام على الرجلين و المرأتين و الرجل و المرأة إذا وجدا في لحاف واحد أو ثوب واحد مجرّدين من غير ضرورة و لا قرابة و يقتلان في الرابعة.

و هذه فتواه في المقام فيحب التعزير مع هذه القيود و كيف كان فقد ذكر في هذا الباب خمسة و عشرين حديثا، و هذه الروايات على قسمين فبعضها يدلّ على وجوب الحدّ اى مأة جلدة و بعضها الآخر على انّ

الحكم هنا هو التعزير و حيث انّ كلّ واحد من القسمين متضمّن لروايات صحيحة السند صريحة الدلالة فلذا كان الجمع بينهما و علاج تعارضهما بما تطمئن إليه النفس مشكلا، كما انّ الحكم بالتساقط بعد تعارضهما أيضا في غاية الإشكال للإجماع على انّ الحكم هنا واحد من هذين و اللازم هو المراجعة إلى الروايات و النظر فيها فلعلّنا نصادف فيها شيئا يجمع به بين الطائفتين.

فمنها صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: حدّ الجلد، ان يوجدا في لحاف واحد و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحدّ و المرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحد «1».

و حيث ان الفرض الثاني متعلّق برجلين و الثالث بالمرأتين فلا بدّ من ان يكون الفرض الأول متعلقا بالرجل و المرأة.

و عن عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول: حدّ الجلد في الزنا ان يوجدا في لحاف واحد و الرجلان يوجدان في لحاف واحد و المرأتان توجدان في لحاف واحد «2».

و عن عبد الرحمن الحذّاء قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد جلدا مأة جلدة «3»

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 156

و عن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد جلدا مأة مأة «1».

و عن سلمة عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام: انّ عليا

عليه السلام قال: إذا وجد الرجل مع المرأة في لحاف واحد جلد كلّ واحد منهما مأة «2».

الى غير ذلك من الاخبار بهذا المضمون.

و لا شك في دلالة هذه الروايات على انّ حدّ المجتمعين في لحاف واحد هو الجلد، و الظاهر من الجلد و الحد هو حدّ الزنا مأة جلدة كما صرّح بكون حدّ ذلك مأة جلدة التي، التي هي حدّ الزنا في قسم منها كما عرفت.

و امّا الاخبار الدّالة على التعزير حيث استثنى فيها من المائة، واحدة فهي هذه:

عن زيد الشّحام عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل و المرأة يوجدان في اللحاف قال: يجلدان مأة مأة غير سوط «3».

و عن ابان بن عثمان قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: انّ عليّا عليه السلام وجد امرأة مع رجل في لحاف واحد فجلد كلّ واحد منهما مأة سوط غير سوط «4».

و عن ابن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في رجلين يوجدان في لحاف واحد قال: يجلدان غير سوط واحد «5».

و عن حريز عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام: انّ عليا عليه السلام وجد رجلا و امرأة في لحاف واحد فضرب كلّ واحد منهما مأة سوط الّا سوطا «6».

الى غير ذلك من الروايات الشريفة الدالة على التعزير.

و الأمر الصعب جدّا هو الجمع بين هاتين الطاثفتين من الروايات،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 24.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 19.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب

حدّ الزنا الحديث 18.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 20.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 157

و القائلون بلزوم التعزير حملوا روايات المائة على وجوه لا تنافي ذلك بناءا منهم على انّ مقدّمات الزنا و مناسباته لا تكون مثل الزنا نفسه.

ففي الوسائل في ذيل خبر ابن سنان- ح 4-: هذا محمول على الجلد دون المائة و في ذيل خبر الحذّاء- ح 5-: هذا يحتمل الحمل على انّه يجلد كلّ واحد منهما خمسين جلدة لوجود التصريحات الكثيرة السابقة و الآتية بأنّه يجلد دون الحدّ انتهى.

و ان كان هذا الحمل عندنا بمكان من البعد لمخالفته للظاهر شديدا.

و قد يجمع بينهما بحمل روايات المائة على التقيّة و جعلوا رواية عبد الرحمن- بن الحجاج المتعرّضة لدخول عبّاد البصري على الامام الصادق عليه السلام: عن شاهدا على ذلك عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت عند ابى عبد اللّٰه عليه السلام فدخل عليه عباد البصري و معه أناس من أصحابه فقال له: حدّثني عن الرجلين إذا أخذا في لحاف واحد فقال له: كان علىّ عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ فقال له عباد: انكّ قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث- الحدّ- حتّى أعاد ذلك مرارا فقال: غير سوط، فكتب القوم الحضور عند ذلك، الحديث «1».

قال في الجواهر: و لعلّ التأمل في الجمع بين النصوص يقتضي تعيين كونه مأة الّا سوطا خصوصا بعد اشعار صحيح الحلبي الوارد في الرجلين بانّ ذكر المائة للتقيّة.

و فيه انّ في رواية عبد الرحمن قرائن تدلّ على انّ الحكم بالتعزير و استثناء واحد من مأة، صدر تقيّة.

أحدها نسبة ضرب المائة الى أمير المؤمنين

عليه السلام فإنّ التقيّة تحصل بإلقاء الحكم على خلاف الواقع و لا حاجة الى نسبة هذا الحكم الى امام آخر فإنّه كذب و افتراء [1].

______________________________

[1] أقول: يرد عليه انّ في عدّة من روايات هذا الباب نسب الامام عليه السلام ضرب كل واحد مأة الّا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 158

ثانيها انّ ظاهر السياق انّ الامام أبا عبد اللّٰه عليه السلام ذكر أوّلا الحكم الواقعي و لمّا رأى الراوي نسب اليه صلوات اللّٰه عليه انه قال من قبل «من غير سوط» و أصر على ذلك فلم ير مقتضيا لبيان الحكم الواقعي فهناك قال: من غير سوط.

ثالثها انّ فتوى الفقهاء من العامّة هو وجوب التعزير لا الحدّ كما صرّح بذلك الشيخ الطوسي قدّس سرّه الشريف حيث قال:

روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبيّة يقبّلها و يعانقها في فراش واحد انّ عليهما مأة جلدة، و روى ذلك عن علىّ عليه السلام و قد روى انّ عليهما أقلّ من الحدّ، و قال جميع الفقهاء عليه التعزير، دليلنا أخبار الطائفة، و قد ذكرناها، و قد روت العامّة ذلك عن علىّ عليه السلام «1».

قوله: و قد ذكرناها إلخ مراده ذكر ذلك في كتبه الروائية مثل التهذيب و الاستبصار، و كيف كان فترى انّه نسب وجوب مأة جلدة إلى أصحابنا، و التعزير الى الفقهاء اى فقهاء العامّة كما هو مصطلحه.

و إذا كان فتوى العامّة هو وجوب التعزير فهل يصحّ القول بأنّ إفتاء الإمام عليه السلام بالمأة محمول على التقيّة؟ بل حمل نصوص دون الحد على التقيّة أولى.

هذا كله مضافا الى انّ الحمل على التقيّة معناه الطرح

و ليس هو في الحقيقة جمعا بين الروايات.

و من وجوه الجمع ما افاده شيخ الطائفة من حمل روايات المائة على صورة علم الامام بوقوع الزنا قال قدّس سرّه بعد ذكر الأخبار الدّالة على وجوب المائة و من جملتها خبر ابى الصباح الكناني المذكورة آنفا: الوجه في هذه الاخبار هو انّه إذا انضاف الى كونهما في إزار واحد، الفعل و علم ذلك منهما الإمام فإنّه حينئذ يقيم عليهما الحدّ كاملا «2».

______________________________

سوطا، الى أمير المؤمنين عليه السلام، فالإشكال مشترك الورود

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود المسئلة: 9.

(2) التهذيب الجلد 10 الصفحة 44.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 159

و على هذا فيعمل بأخبار التعزير لانّ روايات المائة محمولة على صورة الزنا و علم الامام بذلك.

و فيه انّه لا وجه لهذا الحمل بعد انّ الظاهر منها هو بيان الحكم الشرعي الكلّي و ليس في الروايات ما يشعر بذلك حتّى يكون شاهدا له [1] فيبعد في النظر جدّا حملها على هذا الوجه فان هذه الروايات متعرّضة لأصل الحكم و امّا طريق إثبات الموضوع فهو موكول الى مقام آخر «فتأمّل» و منها ما أفاده أيضا من حمل روايات المائة على صورة قد زبره الامام و نهاه ثم وجد انه قد عاد الى فعله الأوّل.

قال قدّس سرّه- بعد ذكر خبر عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: إذا وجد الرجل و المرأة في لحاف واحد و قامت بذلك عليهما البيّنة و لم يطّلع منهما على سوى ذلك جلد كلّ واحد منهما مأة جلدة-:

فيحتمل هذا الخبر ان يكون المراد به من قد زبره الامام و أدّبه و نهاه عن ذلك بفعل كان منه ثم وجده قد عاد

الى مثل فعله فحينئذ جاز له اقامة الحدّ عليه كاملا و هذا الوجه تحتمله الاخبار الأول و الذي يدلّ على ذلك. إلخ «1».

أقول: و هذا أيضا خلاف الظاهر و بعده غير خفيّ [2] و يمكن ان يجمع بينهما بحمل الأخبار الدّالة على المائة على ما إذا وجدا مجرّدين و امّا إذا وجدا لا كذلك فهناك يضربان مأة الا واحدا.

و يمكن الاستشهاد لذلك برواية ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: كان علىّ عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مأة جلدة كلّ واحد منهما و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة «2».

______________________________

[1] أقول: ذكر الشيخ خبر حسين بن خالد شاهدا و دليلا على حمله فراجع.

[2] أقول: انه قدّس سرّه جعل رواية أبي خديجة دليلا على ما افاده فراجع.

______________________________

(1) التهذيب الجلد 10 الصفحة 44.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 15.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 160

نعم لا تعرّض في هذه الرواية للرجل و المرأة و انّما المفروض فيها الرجلان مرّة و المرأتان أخرى، و بذلك تخصّص اخبار المائة بما إذا وجدا مجرّدين لامع الثوب فان حكمه هو أقلّ من مأة.

اللّهم الّا ان يقال بعدم خصوصيّة للفرضين المذكورين، بل اجتماع الرجل و المرأة تحت لحاف واحد أيضا كذلك و على هذا فتخصّص الحكم في الجميع اى الصور الثلاثة و الّا فيقتصر على الفرضين المذكورين في رواية ابى عبيدة.

و كيف كان فقد جمع بين الطائفتين بهذا النحو فإنهما كالمثبتين، و قد ذكر هذا القيد في كلمات جماعة من العلماء القائلين بالمأة.

الّا انّه يمكن الإشكال في هذا

الوجه أيضا بأنّ التقييد في المثبتين متعلّق بما إذا أحرزت وحدة الحكم و لم يحتمل تعدّده مثل: ان ظاهرت فأعتق رقبة و ان ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، و هنا لا نقطع بذلك، فربّما يكون الحكم في المجرّدين و غير المجرّدين مأة جلدة، و لو قيّدنا بهذا القيد فلعلّه يقتصر فيه على الموردين، و امّا في الرجل و المرأة الذي لم يذكر في الخبر فلا، بل يقال هناك بالإطلاق.

كما انّه لو شكّ في اعتبار هذا القيد و عدمه فالحد يدرء بذلك و على هذا فلا يحدّان و لا يعزّران بدون ذلك الّا مع فرض حرمة كونهما تحت لحاف واحد مطلقا نعم معلوم انّ كون الرجل و المرأة تحت لحاف واحد حرام لأنّه أولى من مجرّد النظر الذي هو حرام بل اولى من مجرّد كونهما في الخلوة الذي ورد فيه:

انّ ثالثهما الشيطان، فهنا لا حاجة الى قيد التجرّد كما لا حاجة في الحرمة و وجوب التعزير الى روايات هذا الباب و هذا بخلاف الرجلين فان نومهما تحت لحاف واحد ليس في حدّ نفسه بحرام فيقيّد بما إذا كانا مجرّدين فيحرم و يعرّزان و كذلك المرأتان.

و قد يجمع بين الطائفتين بالتخيير فان هذا هو مقتضى تعارض الاخبار الصحاح الواجدة لشرائط الحجيّة.

و الذي يقتضي القاعدة هو الأخذ بروايات المائة فإنّها مخالفة للعامّة كما

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 161

رأيت ذلك في كلمات الشيخ قدّس سرّه في الخلاف، مضافا الى انّها أكثر عددا فيؤخذ بهذه و يغضّ النظر عن روايات ما دون مأة لموافقتها لمذهب العامّة.

و ان كان ربّما يستبعد في الذهن تساوى النوم تحت لحاف واحد، و الزنا، في الحكم بان يكون حدّ كلّ منهما مأة

لكن إذا ثبت التعبّد فلا مجال للاستبعاد.

كما انّ مقتضى قوله عليه السلام: خذ بما اشتهر بين أصحابك، أيضا هو القول بالتعزير.

نعم يشكل ذلك اى القول باعتبار المائة، انّ العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين مع انّهم قد رأوا تلك الروايات الدّالة على المائة و نقلوها و مع انّ بناءهم على العمل بالأخبار الصحاح واضحة الدلالة، لم يعملوا بتلك الاخبار و هذا ممّا يوجب سلب الاطمئنان بالنسبة إليها و يبدو في الذهن الظن بأنّه كانت عندهم قرينة حملتهم على الاعراض عن هذه الاخبار و لم يقولوا بالتخيير فضلا عن الإفتاء بخصوص المائة.

و امّا احتمال الجمع بينهما بكون الاخبار الدالة على المائة في مورد الرجل و المرأة، و اخبار التعزير في مورد الرجلين، أو المرأتين، فهو في غير محلّه و ذلك لورود الأخبار المتعارضة في كلّ واحد من الموارد الثلاثة.

امّا بالنسبة الى الرجل و المرأة فقد تقدّم.

و امّا في مورد الرجلين فرواية الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام و قد تقدّم نقلها، و فيها: و الرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد، الحدّ.

و صدر رواية عبد الرحمن بن الحجّاج في قصّة عباد البصري: كان على عليه السلام إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ.

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام التي مرّ نقلها و فيها:

حدّ الجلد في الزنا ان يوجدا في لحاف واحد، و الرجلان يوجدان في لحاف واحد.

و رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 162

كان علىّ عليه السلام إذا وجد الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحدّ «1».

و رواية ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: كان

علىّ عليه السلام إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مأة جلدة كلّ واحد منهما «2».

و امّا ما يعارض ذلك فمنها ذيل الرواية الواردة في قصة عباد البصري و فيها: فقال: غير سوط.

و منها رواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام. قلت الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال: يضربان، قال: قلت: الحدّ قال: لا «3».

و منها رواية عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في رجلين يوجدان في لحاف واحد قال بجلدان غير سوط واحد «4».

و منها رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه عليه السلام فقال: جعلت فداك، الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد فقال: ذوا محرم؟ فقال: لا، قال: من ضرورة؟ قال: لا، قال: يضربان ثلاثين سوطا ثلاثين سوطا «5».

و منها رواية حفص البختري عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال: اتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل وجد تحت فراش رجل فأمر به أمير المؤمنين عليه السلام فلُوثّ في مخرؤة «6».

و امّا المرأتان، فالروايات الدالة على لزوم الحدّ عليهما كثيرة منها رواية الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام المتقدّمة ففي آخرها: و المرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحدّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 15.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 16.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 18.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 21.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 6 من

حدّ اللواط الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 163

و منها خبر عبد اللّٰه بن سنان: عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام: حدّ الجلد في الزنا. و المرأتان توجدان في لحاف واحد «1».

و منها خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: كان علىّ عليه السلام. فإذا أخذ المرأتين في لحاف ضربهما الحدّ «2».

و منها رواية ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السلام قال: كان على عليه السلام إذا وجد. و كذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مأة جلدة «3».

و منها رواية عبد اللّٰه بن مسكان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام: حدّ الجلد في الزنا. و المرأتان توجدان في لحاف واحد «4».

و منها رواية ابى خديجة قال: لا ينبغي لامرأتين تنامان في لحاف واحد الّا و بينهما حاجز فان فعلتا نهيتا عن ذلك فان وجدهما بعد النهي في لحاف واحد جلدتا كلّ واحد منهما حدّا حدّا «5».

و امّا ما يعارض ذلك فمنها رواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال: تضربان: قلت: حدّا؟

قال: لا. «6».

و منها رواية سليمان بن هلال قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه عليه السلام. قلت: فامرأة نامت مع امرأة في لحاف؟ فقال: ذواتا محرم؟ قلت:

لا. قال: من ضرورة؟ قلت: لا، قال: تضربان ثلاثين سوطا «7».

و امّا قيد المحرميّة و عدمها الذي ورد في هذه الرواية- رواية سليمان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب

10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 15.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 23.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 25.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 16.

(7) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 21.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 164

صدرا و ذيلا- فنقول: انّه لو كان كونهما تحت لحاف واحد للريبة و قصد السوء فأمره أشدّ، و إثمه أعظم من غير المحرم كما انّ الزنا بالمحارم كذلك فلا بدّ من ان يكون سؤال الامام عليه السلام لأجل استظهار انّه مع المحرميّة و القرابة لا يصدر منهما قصد السوء و الفساد و الفحشاء فالأب أو الأخ لا يصدر منهما بحسب النوع قصد المعصية بالنسبة الى ابنه أو أخيه، و على الجملة فإجراء الحدّ أو التعزير منوط بان يعلم منهما ارادة الفساد و العصيان و امّا بدون ذلك فلا يترتّب على مجرّد كونهما تحت لحاف واحد، شي ء لانّ ذلك ليس بحرام.

كما انّه بالنسبة إلى التجرّد و عدمه نقول: انّهما لو كانا رجلين و لم يكونا مجرّدين فلا شي ء، و امّا لو كانا مجرّدين فهناك يترتّب الحدّ أو التعزير، و كذا في المرأتين، و امّا الرجل و المرأة فمجرّد كونهما تحت لحاف واحد يوجب التعزير لانّه حرام مطلقا سواء كانا مجرّدين أو غير مجرّدين كما تقدّم ذلك.

و على الجملة فمع وجود التعارض بين الاخبار في كلّ من المقامات الثلاثة فلا وجه للحمل الزبور اى حمل اخبار المائة على صورة كونهما رجلا و مرأة و اخبار التعزير على صورة كونهما رجلين، أو امرأتين.

هذا كلّه مضافا الى

انّ اخبار الزنا الدّالّة على انّه يعتبر في الزنا ان يكون الشهود قد رأوه ذلك بالنحو المعروف اى كالميل في المكحلة و الّا فلا يحدّ، تكون بنفسها كالمعارض لاخبار الحدّ في المقام فإنّه يبعد في النظر جدّا ان يجعل حدّ الزنا لمجرّد كونهما تحت لحاف واحد و لو كان الأمر كذلك لما كانت حاجة الى ان يروهما كذلك بل يقتصر على الشهادة بكونهما تحت لحاف أو إزار واحد و يجلدان مأة جلدة بلا حاجة الى تلك القيود الصعب التحقّق.

اللّهم الّا ان يكون مجرد كونهما تحت لحاف واحد امارة على تحقّق الزنا و طريقا اليه.

و امّا ما قيل من انّ الروايات الدّالة على ضربهما مأة مقيدة برواية ابى خديجة المذكورة آنفا الدّالة على نهى الامرأتين اللتين كانتا في لحاف واحد، عن ذلك ثم انّ فعلتا ذلك ثانيا جلدت كلّ واحدة منهما حدا و النتيجة أنّ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 165

المضطجعين تحت لحاف واحد ينهيان أولا ثم في المرّة الثانية يجلد ان، فجلد مأة يختصّ بالمرة الثانية و امّا قبلها فما دونها.

ففيه انّ ذلك غير تامّ لخلوّ الروايات الكثيرة الواردة في مقام البيان عن هذا القيد فلا يكتفى في تقييدها برواية واحدة مثلها [1].

هذا كلّه بالنسبة إلى أصل الحدّ و التعزير، و النزاع في اختيار هذا أو ذاك، و قد ظهر بما ذكرناه انّ المشهور لم يعملوا بأخبار الحدّ اى مأة جلدة فهي مطروحة.

و امّا البحث في نفس التعزير و مقداره فنقول: قد ورد في هذه الروايات انّه يضرب أو يجلد مأة الّا سوطا واحدا و ظاهره تعيين ذلك كما انّ ظاهر رواية سليمان بن هلال «1» هو تعيين الثلاثين سوطا.

لكن يشكل الأمر

بالنسبة إلى تعيين المائة دون سوط حيث انّه قال في الجواهر: انّى لم أجد بذلك قائلًا انتهى، و على هذا فلا بدّ من ان يقال بانّ المراد كون هذا أكثره.

و امّا بالنسبة إلى أقلّه فمقتضى كون التعزير بنظر الامام و ان كان هو جوازه إلى واحدة لكن خبر ابن هلال صريح في اعتبار الثلاثين فان كان مخدوشا من حيث السند فهو و الّا فمع صحّة السند أو انجبار ضعفه بالعمل فلا محيص عن القول بأنّ أقلّه الثلاثون.

و الرواية و ان كانت واردة في خصوص الرجلين و كذا المرأتين الّا انّ الظاهر اتّحاد الحكم من هذه الجهة و على هذا فالأمر بيد الحاكم في هذه المحدودة أي من ثلاثين إلى تسعة و تسعين بحسب ما يراه من المصالح لا خصوص التسعة و التسعين.

و الوجه في ذكر الأكثر بأن يكون منتهاه مأة الّا واحدا مع انّ أمر التعزير

______________________________

[1] قال العلّامة المجلسي في المرآت الجلد 23 الصفحة 309 عند ذكر خبر ابى خديجة: مختلف فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب حدّ الزنا الحديث 21.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 166

بيد الامام و محوّل الى نظره، هو خصوصيّة هذا العمل الشنيع بالنسبة إلى غيره من المعاصي و هذا التعزير بالنسبة إلى غيره من التعزيرات فان عظمة هذه المعصية اقتضت ان يذكر انّ لتعزيره مجالا واسعا الى ان يبلغ مأة دون واحد و مناسبة هذه المعصية تقتضي ان يجلد مرتكبها بأكثر من مرتكب سائر المعاصي و الّا فأمر التعزير بيد الحاكم الشرعي.

ثم لو شكّ في تعيين خصوص المائة الّا واحدا أو انّ الواجب هو ضربه ما بين الثلاثين إلى تسعة و تسعين فالاحتياط في

إجراء الحدود يقتضي الثاني و النتيجة أنّ مأة سوط غير سوط نهاية التعزير.

قال المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: فينبغي العمل بالاحتياط التامّ في الحدود خصوصا القتل لادرءوا، و بناء الحدّ على التخفيف مهما أمكن فتأمل انتهى.

بقي أمران. أحدهما: انّ هذه المباحث كلّها متعلّقة بما إذا كان في حال الاختيار و بلا ضرورة امّا إذا دعتهما الضرورة كالبرد الشديد أو غير ذلك الى ان يكونا تحت لحاف واحد فلا بأس به و لا يجرى هناك تلك المطالب كما يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في الباب أيضا [1].

ثانيهما انّه لا خصوصية للحاف بل الحكم هو ما ذكرناه إذا كانا تحت إزار واحد أيضا فالملاك مطلق ستر يمكن لهما الاستمتاع به و تحته و قد وردت الروايات أيضا بالتعبيرين لا بخصوص أحدهما [2].

الكلام في ما لو أنكر بعد ما أقرّ

قال المحقّق قدّس سرّه: لو أقرّ بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم.

______________________________

[1] أقول و ذلك كخبر سليمان بن هلال «الحديث 21» حيث سئل الامام انّ نيام الرجل مع الرجل في لحاف واحد هل كان من ضرورة؟ فراجع.

[2] كرواية أبي بصير «الحديث 7» و رواية معاوية بن عمّار «الحديث 16» حيث عبّرتا بالثوب، و امّا التعبير باللّحاف فكثير و قد تقدم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 167

أقول: الظاهر من العبارة هو الإقرار المعتبر في باب الزنا و هو الإقرار أربعا فإنّ الإقرار مرّة واحدة مثلا لا يؤثّر في الرجم فهو لم يكن ينفع شيئا حتّى يحتاج رفع الحدّ الى ذلك أي الإنكار بعد الإقرار.

و في الجواهر بعد عبارة الشرائع: بلا خلاف أجده كما عن الفخر الاعتراف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

قال شيخ الطائفة: إذا أقرّ بحدّ ثم رجع عنه سقط

الحدّ و هو قول أبي حنيفة و الشافعي و احدى الروايتين عن مالك، و عنه رواية اخرى انّه لا يسقط و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و داود. دليلنا إجماع الفرقة و أيضا فإنّ ماعزا أقرّ عند النبي (ص) بالزنا فاعرض عنه مرّتين أو ثلاثا ثم قال:

لعلّك لمست، لعلك قبّلت فعرّض له بالرجوع حين اعرض عند إقراره و صرّح له بذلك في قوله: لعلّك لمست لعلّك قبّلت و لو لا انّ ذلك يقبل منه لم يكن له فائدة انتهى «1».

و تعبيره بالحدّ مطلق شامل للحدّ و الرجم، و كيف كان فقد تمسك قدّس سرّه في إثبات المطلب بخبر ماعز.

و تبعه في ذلك الشهيد الثاني في المسالك فقال: و امّا سقوط الرجم بالإنكار فيدلّ عليه قضيّة ماعز و تعريض النبي (ص) له بالإنكار بعد الإقرار و لو لا قبوله منه لم يكن لترديده فائدة [1].

و فيه انّه لا مساس لخبر ماعز بمسئلتنا هذه و ذلك لانّ الكلام في الإنكار بعد تمام الإقرار الموجب للرجم، و الحال انّ خبر ماعز يدلّ على انّه صلّى اللّٰه عليه و آله كان بترديده و تلقينه ما لقّنه بصدد ان لا يتمّ و لا يتحقّق الأقارير الأربعة و كان يجدّ و يجتهد في ان يقول ماعز: انّى لمست أو قبّلت، رجاء ان لا تكمل

______________________________

[1] مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 426 و استدل قدّس سرّه بقوله ص لأصحابه لما فرّ من الحفيرة فأدركوه و قتلوه: هلّا تركتموه و جئتموني به لنستتيبه، و في بعض ألفاظها: هلّا رددتموه الىّ لعلّه يتوب، انتهى.

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود المسئلة 17.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 168

الأربعة، و أين هذا من

انه لو كان المقرّ ينكر ما أقرّ به أربعا لكان النبي (ص) يقبل منه فليس في الخبر ما يدلّ على ذلك و هو صلّى اللّٰه عليه و آله و ان قال له: ان أقررت الرابعة رجمتك، المستفاد منه انّه ان لم يقرّ الرابعة لا يرجمه لكن لم يقل بأني ما ارجمك إن أنكرت بعد تحقّق الإقرارات و تمامها [1] و على هذا فالاستدلال بخبر ماعز للمقام غير سديد.

و العمدة في مقام الاستدلال الروايات الواردة في الباب و هي تغنينا عن التمسك بخبر ماعز و قد جمعها في الوسائل في باب عنونه بقوله: باب انّ من أقرّ بحدّ ثم أنكر لزمه الحدّ الّا ان يكون رجما أو قتلا و يضرب المقرّ بالرجم الحدّ إذا رجع.

و قد أضاف القتل و افتى بجريان حكم الرجم فيه و هو محلّ الكلام و سنتعرّض له إن شاء اللّٰه تعالى كما انّه ذكر أيضا انّ من أقرّ بموجب الحدّ ثم أنكر يضرب الحدّ و هذا قد ذكر في بعض الروايات و إليك تلك الاخبار.

عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ثم جحد بعدُ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الامام انّه سرق ثم جحد قطعت يده و ان رغم انفه و ان أقرّ على نفسه انّه شرب خمرا أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أ كنت راجمه؟ فقال: لا و لكن كنت ضاربه الحدّ «1».

و عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثم جحد جلد قلت: أ رأيت ان أقرّ على نفسه بحدّ يبلغ فيه الرجم

أ كنت ترجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه «2».

و عن محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أقرّ على نفسه

______________________________

[1] أقول: الظاهر انّ معنى قوله صلّى اللّٰه عليه و آله، انّ رجوعك ينفع الآن و لا ينفع بعد تمام الأربع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدّمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 169

بحدّ أقمته عليه الّا الرجم فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم «1».

و معلوم انّ الظاهر منها إقراره أربعا و بعد تمام الأربع لا قبل ذلك فإنه بعد ليس عليه الرجم.

الإنكار بعد الإقرار في مورد القتل

اشارة

و هل يلحق القتل بالرّجم- في انّه يسقط بالإنكار بعد الإقرار- أم لا؟

فرض المسئلة هو ما إذا أقرّ بالزنا الذي يوجب القتل كالزنا بالمحارم ثمّ رجع عن ذلك، فقال ابن حمزة: و يستحب للحاكم التعريض اليه بالرجوع و ان رجع بعد الأربع لم يسقط ان كان موجبه الجلد و سقط ان كان موجبه القتل «2».

و قال العلّامة في القواعد: و لو أنكر ما أقرّ به من الحدود لم يلتفت اليه الّا بما يوجب الرجم فإنّه يسقط بإنكاره- ثم قال:- و في إلحاق القتل به اشكال [1].

و قال المحقّق في المختصر النافع: و لو أقرّ بما يوجب الرجم ثم أنكره سقط عنه و لا يسقط غيره.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 169

و قال السيد صاحب الرياض بشرح العبارة: و يدخل في إطلاق غير الرجم في

النص و العبارة و نحوها، القتل بغيره فلا يسقط بالرجوع عن الإقرار و استشكله في القواعد من خروجه عن المنصوص و من الاحتياط في الدماء و بناء الحدّ على التخفيف و لعلّ هذا أظهر وفاقا للمحكيّ عن الوسيلة لذلك و لمنع

______________________________

[1] و قال فخر الدين في الإيضاح، الجلد 4 الصفحة 473 في شرح العبارة: هنا مسئلتان (الف) سقوط الرجم بالإنكار، و لا خلاف بين الأصحاب فيه (ب) سقوط القتل كالزنا بالعمّة أو الخالة أو إحدى المحرّمة لو أنكره بعد الإقرار قال المصنّف: فيه إشكال، ينشأ من ثبوت المقتضى و هو الإنكار لما بنى على التخفيف، و لمبالغة الشارع في عصمة دم المسلم، و بنائه على الاحتياط التّام و من عدم النصّ عليه، و امتناع القياس عندنا و الأقرب عندي الأوّل انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدّمات الحدود الحديث 3.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 410.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 170

اختصاص النصّ بالرجم.

و في الجواهر: و في إلحاق القتل به اشكال من الاحتياط في الدماء و بناء الحدّ على التخفيف، و من خروجه عن النصّ، و لعلّ الأوّل لا يخلو عن قوّة. انتهى.

و يدلّ على كون القتل كالرجم في الحكم المبحوث عنه، مرسل جميل بن درّاج عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام انّه قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قُتل إذا لم يكن عليه شهود فان رجع و قال: لم افعل تُرك و لم يقتل «1».

قوله عليه السّلام: إذا أقرّ على نفسه بالقتل، اى بموجب القتل كالزنا بالمحارم و ليس المراد انّه أقرّ بقتل أحد حتّى يجب قتله، و ذلك لظهور كونه من باب الحدّ عرفا لا

القود و القصاص، خصوصا بلحاظ تعيّن القتل في المقام فان القتل قصاصا يختصّ بما إذا كان عمدا مع مطالبة الوليّ ذلك حيث انّه حقّ له لقوله تعالى وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2».

هذا مضافا الى انّ القصاص من حقوق الناس و هو لا يسقط بالإنكار و لذا قال المجلسي رضوان اللّٰه عليه عند ذكر الرواية: و لعلّ المراد ما يوجب القتل من الحدود انتهى «3».

و الرواية تدلّ على سقوط القتل إذا أنكر بعد ما أقرّ بموجبه و هي و ان كانت مرسلة الّا انّ مرسلها جميل بن درّاج الذي له مكانة معلومة و تكون مرسلاته- كمرسلات ابن ابى عمير- في حكم المسانيد.

و على هذا فلا بأس بالعمل بها في القتل الواجب بالزنا خصوصا بعد انّها موافقة للاحتياط و بناء الحدود على التخفيف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب مقدّمات الحديث 4.

(2) سورة الإسراء الآية 33.

(3) مرآت العقول الجلد 23 الصفحة 340.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 171

و هل يجب عليه اليمين أم لا؟

الظاهر انه يسقط الرجم- و القتل على ما مرّ- بالإنكار بعد الإقرار مطلقا بلا حاجة في ذلك الى يمينه.

نعم نقل و حكى عن جامع البزنطي انّه يحلف و يسقط عنه الرجم و انّه رواه عن الصادقين عليهما السّلام بعدّة أسانيد.

الّا انّه قال في الجواهر: و لكن لم نقف على شي ء منها فالمتّجه عدم اعتباره [1].

و هل يجب جلده أو تعزيره أم لا؟

ثم انّه بعد سقوط الرجم- و القتل على ما تقدّم- فهل يخلّى سبيله أو انّه يجب اجراء حدّ الجلد عليه أو انّه لا جلد عليه أيضا بل يجب تعزيره؟

مقتضى بعض الروايات الواردة في المقام، انتفاء الاحتمال الأوّل، إذا فيبقى الاحتمالان الآخران، و منشا الاشكال هو الاختلاف في ضبط رواية الحلبي.

ففي الكافي: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن ابان عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل. فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم ا كنت راجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه الحدّ «1» و رواها الشيخ قدّس سرّه كذلك في التهذيب «2».

و مقتضى هذا الضبط هو وجوب حدّه بعد ان سقط عنه الرجم أو القتل.

______________________________

[1] أقول: و في الرّياض: و ليس فيها «اى النصوص» و لا فيما وقفت عليه من الفتاوى اعتبار الحلف، و عن جامع البزنطي انّه يحلف و يسقط عنه الرجم و انّه رواه عن الصادقين ع بعدّة أسانيد فلم أقف على شي ء منها. راجع الرياض الجلد 2 الصفحة 467.

______________________________

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 4.

(2) التهذيب الجلد 10 الصفحة 123 الحديث 109.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 172

لكن في رواية أخرى عنه ليس فيها لفظ (الحدّ) و هي:. على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن

ابى عمير عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثم جحد جلد قلت أ رأيت ان أقرّ بحدّ على نفسه يبلغ فيه الرجم أ كنت ترجمه؟ قال: لا و لكن كنت ضاربه «1».

و هنا قد اقتصر على ذكر الضرب و ليس هو ظاهرا في الحدّ.

و عن محمّد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أقرّ على نفسه بحدّ أقمته عليه الّا الرجم فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثم جحد لم يرجم «2».

و هنا اقتصر على مجرّد سقوط الرجم و ليس فيه ذكر عن سوى ذلك. و قد نقل الفيض رضوان اللّٰه عليه رواية الحلبي في الوافي- و هو معروف بالضبط- مع لفظة: و لكن كنت ضاربه الحدّ «3» نعم نقل بعد ذلك عن التهذيب رواية محمد بن مسلم الخالية عن ذكر الحدّ.

لكن حيث انّ هذا اللفظ مذكور في رواية الحلبي المنقولة عن أبان فالأقوى هو الحكم بإجراء الجلد عليه بعد سقوط الرجم عنه.

و بذلك يظهر ضعف ما ذكرناه في جواب الاستفتاء عن ذلك في مجمع المسائل من الحكم بسقوط الرجم الّا انّه يعرّز و لا يسقط التعزير بالإنكار بعد الإقرار [1] نعم ذكر في الجواهر الروايتين كلتيهما بدون ذكر الحدّ.

______________________________

[1] لعلّ الظّاهر هو ما أفاده في المجمع الجلد 2 الصفحة 193 فإنّه يبدو في الذهن انّ المراد من الحدّ هو التعزير كما قال العلامة المجلسي في المرآت الجلد 23 الصفحة 339 في ذيل خبر الحلبي: حسن و هذا الخبر و ما يوافقه من الاخبار الآتية محمولة على انه جحد بعد الإقرار فإنه يسقط به الرجم دون غيره من

الحدود و يكون الحدّ المذكور في بعض الاخبار محمولا على التعزير، إذ ظاهر كلامهم انّه مع سقوط الرجم لا يثبت الجلد تامّا.

______________________________

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 3.

(2) الكافي الجلد 7 الصفحة 219 الحديث 5.

(3) الوافي الجلد 3 الصفحة 76.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 173

عدم تأثير للإنكار بعد الإقرار في سقوط الحدّ

هذا كلّه حكم الإنكار بعد الإقرار في مورد الرجم و القتل، و امّا لو أقرّ بحد غير ذلك ثم أنكر فهل يوجب إنكاره سقوط الحدّ عنه؟

قال المحقّق: و لو أقرّ بحدّ غير الرجم لم يسقط بالإنكار.

أقول: و يدلّ على ذلك صدر خبر الحلبي المذكور آنفا عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ثم جحد بعدُ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الامام انّه سرق ثم جحد قطعت يده و ان رغم انفه «1».

نعم في خبر جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام.

و قال: لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسرقة مرّتين فان رجع ضمن السرقة و لم يقطع إذا لم يكن شهود «2».

و هذا يدلّ على سقوط حدّ السرقة و هو اقطع بالإنكار بعد الإقرار. لكن فيه انّه مع كونه مرسلا شاذّ لا عامل به.

و قد حمل على الرجوع بعد الإقرار مرّة أي قبل تمام الإقرار المعتبر فيه فان المال و ان كان يثبت بالإقرار مرّة واحدة الّا انّ القطع لا يثبت إلّا بالإقرار مرّتين.

و ان كان هذا الحمل خلاف الظاهر فان عدم القطع حينئذ لا يحتاج الى الرجوع.

لا يقال: إذا كان الرجم يسقط بالإنكار بعد الإقرار فلا بدّ من ان يسقط الجلد بعده فإنّه سقط الرجم مع كمال أهميّته فالجلد اولى بالسقوط بذلك.

لأنّا نقول: انّ أمر الحدّ أسهل

من الرجم و القتل فترى انّه يضرب ثم يقوم و يشتغل بحوائجه و لوازم عيشه و معيشته و هذا بخلاف الرجم مثلا الذي يختم على حياته و حينئذ فلو سقط الرجم بالإنكار بعد الإقرار فهذا لا يلازم ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من مقدّمات الحدود الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 174

يسقط الجلد أيضا بذلك.

فتحصّل من جميع هذه الأبحاث انّ الحكم في الرجم و القتل استثنائي و من باب التخصيص و الّا فلا ينفع الإنكار بعد الإقرار.

إذا أقرّ ثم تاب تخيّر الإمام في إقامة الحدّ و العفو

قال المحقّق: و لو أقرّ بحدّ ثم تاب كان الامام مخيّرا في إقامته رجما كان أو جلدا.

و في الجواهر بعد هذه الجملة: بلا خلاف أجده في الأوّل بل في محكيّ السرائر الإجماع عليه بل لعلّه كذلك في الثاني أيضا و ان خالف هو فيه للأصل الذي يدفعه أولويّة غير الرجم منه بذلك و النصوص المنجبرة بالتعاضد و بالشهرة العظيمة إلخ «1».

أقول: انّ ما ذهب اليه ابن إدريس هو مقتضى مبناه المعروف من عدم العمل بأخبار الآحاد فيبقى انّ الحكم في الرجم إجماعي فيقول به و لا إجماع في غيره فلا يقول به فيه.

قال في السرائر: لأنّا أجمعنا انّه بالخيار في الموضوع الذي ذكرناه و لا إجماع على غيره، فمن ادّعاه و جعله بالخيار و عطّل حدّا من حدود اللّٰه فعليه الدليل.

و استدلّ في الثاني بالأصل، بيان ذلك انّه إذا شكّ في سقوط الحدّ بعد استحقاقه بالإقرار فالأصل عدم سقوطه.

و قد أجاب عنه صاحب الجواهر بأولويّة غير الرجم منه بذلك. توضيح ذلك انّه إذا كان الرجم مع ما هو عليه من الأهميّة

يسقط بالتوبة فالحدّ الذي هو أخفّ و أهون منه اولى بالسقوط بها.

و قد تمسّك بها غيره أيضا كالشهيد الثاني في المسالك [1].

______________________________

[1] مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 426 قال قدّس سرّه بعد ذكر الرّوايات في بيان مستند سقوط

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 293.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 175

و فيه انّ الجلد و ان كان أخفّ من الرجم، الّا انّ هذا بنفسه يقتضي ان لا تكون أولويّة أصلا لأنّ في الرجم تلف النفس و زهوق الروح بخلاف الجلد فإنّه مجرّد إيلام و إيذاء و من المعلوم انّ حفظ النفس ممّا اهتمّ به الشارع كثيرا كما يشهد بذلك لزوم الاحتياط في الشبهات في باب الدّماء الى ان يتحقّق و يثبت المبرّر للقتل فلو كانت التوبة موجبة لجواز العفو عن الرجم فهذا لا يلازم جواز العفو عن الجلد أيضا فضلا عن ان يكون ذلك اولى بعد ما نعلم باهتمام الشارع في حفظ الدماء المحترمة و النفوس المصونة بما لم يهتم بشي ء سواه.

نعم النصوص الواردة المنجبرة بالعمل تدلّ على العموم.

فمنها خبر ضريس الكناني عن ابى جعفر عليه السّلام قال: لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الإمام، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام [1].

فإن المفهوم من صدره هو انّ للإمام العفو عن حدود اللّٰه تعالى و انّه مختصّ به.

و منها ما عن ابى عبد اللّٰه البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين عليهم السّلام قال: جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ بالسرقة فقال له:

أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة

______________________________

الرجم: و تخيير الامام بعد توبة

المقرّ، بين حدّه و العفو عنه مطلقا، و هو المشهور بين الأصحاب و قيّده ابن إدريس بكون الحدّ رجما، و المعتمد المشهور، لاشتراك الجميع في المقتضى، و لأنّ التوبة إذا أسقطت تحتّم شدّ العقوبتين فاسقاطها لتحتّم الأضعف أولى انتهى كلامه رفع مقامه.

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدّمات الحدود الحديث 1، أقول: و قد أورد عليه سندا و متنا امّا الأول. فلانّ راوي الخبر و هو ضريس الكناسي لم يرد فيه مدح و لا قدح و امّا الثاني:

فلعدم ذكر فيه عن الإقرار فلعلّه يشمل ما إذا ثبت بالشهادة.

و يمكن الجواب امّا عن الأوّل فبجبران ضعف الخبر بعمل الأصحاب على ما هو مذاق سيّدنا الأستاد الأكبر دام ظلّه و سيصّرح في المتن بذلك، هذا مضافا الى ما ذكروه من كون ابن محبوب في سلسلة السند و هو من أصحاب الإجماع. و امّا عن الثاني فبانّ امره سهل بعد عدم القول بالإطلاق، و لعلّ الرواية أيضا لم تكن في مقام افادة ذلك مطلقا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 176

قال: فقال الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّه؟ فقال: و ما يدريك ما هذا، إذا قامت البيّنة فليس للإمام ان يعفو و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك الى الامام ان شاء عفا و ان شاء قطع «1».

و منها ما عن الحسن بن على بن شعبة في تحف العقول عن ابى الحسن الثالث عليه السّلام في حديث قال: و امّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة و انّما تطوّع بالإقرار من نفسه و إذا كان للإمام الذي من اللّٰه ان يعاقب عن اللّٰه كان له ان يمنّ عن اللّٰه اما سمعت

قول اللّٰه: هذا عطائنا فامنن أو أمسك بغير حساب «2».

و هذه الروايات و ان كان كلّها أو أكثرها ضعيفة لكنّها منجبرة بعمل الأصحاب- كما تقدّم ذلك- ثمّ ان صريح المتن و كذا كلمات غيره من الفقهاء هو اعتبار التوبة في حين انّه لم يكن في هذه الروايات ذكر عن التوبة أصلا، و فوق ذلك انّ المستفاد منها كون الملاك و الميزان هو إقراره فإذا ثبت الإقرار يكون الحاكم مخيّرا بين عفوه و اجراء الحدّ عليه.

اللّهم الّا ان يقال: انّ إقراره هذا عند الحاكم للتطهير، يكون توبة [1] و الّا لما استسلم للقتل أو الرجم أو الحدّ، و على هذا فيصدق انّه قد تاب بإقراره.

الّا انّ ظاهر عباراتهم هو لزوم التوبة مضافا الى الإقرار.

و في الجواهر [2]: و لعلّ اتفاقهم عليه «اى على اعتبار التوبة» كاف في تقييدها إلخ و عليه فقد خصّصت تلك الروايات بالإجماع القائم على لزوم التوبة، فلا يكفي التوبة المطويّة، في ترتّب هذا الأثر على الإقرار بل لا بدّ من

______________________________

[1] أقول: خصوصا بلحاظ اشعار لفظ (تطوّع) المذكور في رواية تحف العقول بأنّه تائب و نادم من عمله.

[2] أقول: و قد قال بذلك قبله صاحب الرياض فراجع الجلد 2 الصفحة 467.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدّمات الحدود الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 18 من مقدّمات الحدود الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 177

توبة مستقلّة معه.

لكن الظاهر كفاية الإقرار للتطهير في التوبة إذا كان حاضرا لإجراء الحدّ عليه.

نعم لو كان مع إقراره بموجب الحدّ يقول لشدة غروره و استكباره: انّى قد فعلت و سأفعل ذلك أيضا فاصنع ما شئت، فإنّ هذا الإقرار لا ينفع شيئا

بلا كلام و لا تشمله الاخبار فلا تخيير للإمام في هذا الفرض، في حين انّه لو كان يقرّ و يقتصر عليه يجرى ما ذكرناه من التخيير للإمام في العفو عنه و عدمه.

ثم انّ البحث في مسئلتنا هذه في تخيير الحاكم بين العفو و الاجراء لا في سقوط الحدّ بخلاف البحث السابق «الإنكار بعد الإقرار» حيث انّ البحث هناك في سقوط الحدّ.

هل الحكم يختص بالإمام (ع) و يشمل الفقيه؟

و هل هذا الحكم مختصّ بالإمام المعصوم فيقتصر عليه أو انّه يشمل الحاكم الإسلامي العادل اى الفقيه الجامع للشرائط أيضا؟

استظهر في الجواهر الأوّل و احتمل ثانيا الثاني و جعل الأحوط هو الأوّل، قال: ظاهر النص و الفتوى قصر الحكم على الامام عليه السّلام و ربّما احتمل ثبوته لغيره من الحكّام و لا ريب في انّ الأوّل أحوط لعدم لزوم العفو.

أقول: بيان ذلك انّ الأمر دائر بين التخيير و التعيين لأنّ إجراء الحدّ جائز للحاكم بلا اشكال و لكن لا يعلم جواز العفو أيضا فالترديد في جواز العفو و عدمه فيتردّد الأمر بين تعيين الاجراء أو التخيير بينه و بين العفو و مع الشك في جواز العفو له فالأصل عدمه و لربّما تشمله أدلّة من عطل حدّا من حدود اللّٰه فكذا.، ثم قال: لكن قد يقوى الإلحاق لظهور الأدلّة في التخيير الحكمي الشامل للإمام عليه السّلام و نائبه الذي يقتضي نصبه إيّاه ان يكون له ماله انتهى «1».

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 294.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 178

فقد قوّى في آخر كلامه إلحاق الفقيه الجامع للشرائط بالإمام الأصل في كون التخيير له أيضا و ذلك لانّ المستفاد من قوله عليه السّلام: فذاك الى الامام، انّ الحكم المجعول هنا التخيير، فإنه قد

يكون الحكم الاوّلىّ هو التخيير كما انّه قد يكون الحكم الأصلي هو تعيين اجراء الحدّ الّا انّ للإمام ان يعفو عنه و الظاهر من الأدلّة هو الأوّل و على هذا فالحكم في هذا الموضوع التخيير لا ان يكون مختصّا بالإمام عليه السّلام.

فمن قال بانّ الحدود ليست ممّا يرضى الشارع بتعطيلها و لا بدّ ممّن يتعهّد و يتصدّى لإقامتها و ليس هو الّا من كان نائبا للإمام الحجّة عليه السّلام اى الفقيه الجامع للشرائط و له ما للإمام المعصوم، فمن جملة ما كان له عليه السّلام هو التخيير في المقام بين اجراء الحدّ عليه و العفو عنه.

نعم من قال باختصاص اجراء الحدود بالإمام عليه السّلام فهو في راحة من هذه الأبحاث لأنّ أمر الحد على ذلك ليس بيد غيره حتّى يبحث في عفوه و عدمه.

ما هو الحدّ الذي للإمام العفو عنه؟

بقي الكلام في انّ هذا الحدّ الذي للإمام إجرائه و العفو عنه ما هو؟

قال في كشف اللثام: المراد بالحدّ حدود اللّٰه فان ما كان من حقوق الناس لا يسقط إلّا بإسقاط صاحب الحق و سيأتي في حدّ القذف انّه لا يسقط إلّا بالبيّنة أو إقرار المقذوف أو عفوه أو اللعان و في حدّ السرقة انّه لا يسقط بالتوبة بعد الإقرار انتهى [1].

أقول: لو كان مراده من عدم السقوط انّه لا يسقط بأيّ نحو حتّى بأن يعفو عنه الامام ففيه أنّ مرسلة البرقي المنجبرة صريحة في عفو الامام عليه السّلام عن

______________________________

[2] كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 215 أقول: إذا كان الإشكال في حقوق الناس فكيف نقض دام ظله و كذا صاحب الجواهر بحدّ السرقة الذي ذكروه انّه حقّ اللّٰه تعالى و ان كان ضمان المال حقّ الناس؟

الدر المنضود في أحكام الحدود،

ج 1، ص: 179

حدّ السرقة و هبته ذلك لأجل سورة البقرة.

نعم لو كان مراده انّ الإقرار المتعقّب بالإنكار لا يوجب ثبوت الحدّ بل هو ساقط بطبعه فلا مورد للعفو [1] فهو أمر آخر و مسئلة غير مسئلتنا بل هو داخل تحت المسئلة السابقة.

و قال صاحب الرياض في المقام: ثم انّ هذا في حدود اللّٰه سبحانه و امّا حقوق الناس فلا يسقط الحدّ إلّا بإسقاط صاحبه كما صرّح به بعض الأصحاب و وجهه واضح و في بعض المعتبرة لا يعفى عن الحدود التي للّٰه دون الامام و امّا ما كان من حقّ الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الامام انتهى.

فقد استدلّ بمعتبرة الكناسي على اختصاص عفو الإمام في التوبة بعد الإقرار، بما إذا كان من حقوق اللّٰه دون حقوق الناس.

و فيه انّه لا دلالة فيها على انّه ليس للإمام العفو عنه و انّما تدلّ على انّه ليس لغير الامام العفو إلّا في حقوق الناس لا غير، فيمكن ان يكون للإمام العفو عن حقوق الناس- كما انّ له العفو عن حقّ اللّٰه- و على الجملة فلا منافاة بين المعتبرة و بين ان يكون للإمام العفو عمن أقرّ و تاب كما هو واضح.

و في الجواهر في ضمن أمور ذكرها جوابا عن الرياض: مضافا الى ما يفهم منها من كون ذلك حكم الإقرار من حيث كونه كذلك و الى إطلاق الأصحاب، و لعلّه لأنّ الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم [2].

أقول: بيان الأولويّة انّه إذا كان لصاحب الحق ان يسقط حقّه و يعفو عنه فالإمام اولى بذلك منه.

هذا و لكن لا يخفى انّه و ان كان يتمّ التمسك بما يفهم من الاخبار من انّ هذا أثر التوبة

بعد الإقرار من حيث هو بلا فرق بين الموارد و كذا بإطلاق

______________________________

[1] أقول: هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر عبارته و سياقها فإنّه ذكر ذلك عند قول العلّامة قدّس سرّه:

و لو تاب عند الحاكم بعد الإقرار تخيّر الإمام في إقامة الحدّ عليه و العفو عنه.

[2] لانّ ولايته ولاية النبي و قد قال اللّٰه تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، سورة الأحزاب الآية 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 180

الأصحاب و عدم تفصيلهم و فرقهم بين الموردين الّا انّ التمسك بالأولويّة محلّ الاشكال.

بيانه انّ ذلك خلاف ظاهر قوله (ع) إذا أقرّ. فللإمام الخيار، هذا مضافا الى كلام آخر و هو انّ ظاهر الآية الكريمة: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بمقتضى لفظ الاولى، انّ ما كان امره بيد المؤمنين كالنكاح و الطلاق و غير ذلك فالنبي اولى بذلك منهم، و امّا ما لم يكن لهم اختيار فيه فكيف يصحّ القول بالأولوية هناك؟ و لا يخفى انّ الحدّ في باب السرقة من قبيل الثاني فهو من حقوق اللّه تعالى [1] و ليس امره بيد المسروق عنه، فما ذكره و ان كان يصحّ في مثل حدّ القذف لكنّه لا يتمّ في حدّ السرقة الذي ذكره أيضا.

الكلام في ما لو حملت المرأة و لا بعل لها

قال المحقّق: و لو حملت و لا بعل لم تحدّ الّا ان تقرّ بالزنا أربعا.

أقول: و مثله ما لو قامت البيّنة على ذلك.

و وجه عدم اقامة الحدّ عليها هو احتمال الاشتباه أو الإكراه أو جذب المنيّ من الحمامات أو تزوّجها في الخفاء مثلا و ليس لأحد ان يسئل عنها لأنّها تفحصّ عمّا يحرم شيوعه.

و في الجواهر: بل ليس علينا سؤالها للأصل بل الأصول.

و هل المراد من قوله «ليس علينا» عدم الوجوب

أو عدم الجواز؟

الظاهر هو الثاني فإنّه من باب التفحّص و التجسّس، بل و من قبيل إشاعة ما نهى اللّٰه سبحانه عن إشاعته بقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» و لو تردّد في ذلك فلا أقلّ من كونه في معرض إشاعة الفاحشة.

و امّا «الأصل أو الأصول» فلا يخفى انّ ذلك لا يساعد ارادة عدم

______________________________

[1] هذا ينافي ما افاده دام ظله آنفا من النقض و قد أشرنا الى ذلك فراجع الصفحة 178.

______________________________

(1) سورة النور الآية 19.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 181

الجواز من قوله: ليس علينا، و انّما يتمّ لو كان المراد عدم الوجوب و ذلك لانّ الأصل عدم وجوب السؤال مثلا [1].

لكن بعد حرمة التفحّص و التجسّس فلا مورد للأصل، و لو لا ذلك فالأصل جواز السؤال و عدم حرمته.

و عليه فما ذكره في المبسوط من وجوب السؤال بقوله: «إذا وجدت امرأة حامل و لا زوج لها فإنّها تسئل عن ذلك فان قالت من زنا فعليها الحدّ و ان قالت من غير زنا فلا حدّ عليها و قال بعضهم عليها الحدّ و الأوّل أقوى لأنّ الأصل برأيه الذمّة لأنّه يحتمل ان يكون من زنا أو من وطي بشبهة أو مكرهة و الحدّ يدرء بالشبهة انتهى» فلم يعلم وجهه الّا ان لا يراد ظاهره كان يكون مراده وجوب السؤال في موارد خاصّة: كما إذا وقع ذلك في أسره جليلة محترمة رأوا وجاهتهم الاجتماعيّة في معرض الهتك و هجموا عليها من كلّ جانب و يعيّرونها و يلومونها بذلك و يظنّ أو يحتمل وقوع فساد عظيم فهناك تسئل كي يرتفع بذلك، الفساد و الفتنة، و يدفع الهتك

عنهم، و هو في الحقيقة من باب دفع الأفسد بالفاسد.

و يبعد ان يكون مراده السؤال مطلقا و الّا فيجب الفحص و السؤال في كلّ مورد احتمل في حقّ أحد ارتكابه للمعصية و هو واضح البطلان.

كلام من العلّامة حول الإقرار

اشارة

قال العلّامة أعلى اللّٰه مقامه في القواعد: و يشترط في الإقرار ان يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة إذ قد يعبّر بالزنا عمّا لا يوجب الحدّ و لهذا قال عليه السّلام لماعز: لعلّك قبّلت، أو غمزت، أو نظرت، قال: لا. قال: ا فنكتها؟

لا تكنّى؟ قال: نعم، فقال: حتّى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ كما يغيب المرود في المكحلة و الرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال فعند ذلك أمر برجمه.

______________________________

[1] قال في المسالك بعد عبارة المتن: لانّ الحمل لا تستلزم الزنا، و الأصل في تصرّف المسلم حمله على الصحّة و لأصالة برأيه الذمّة من وجوب الحدّ و لاحتمال ان يكون من شبهة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 182

أقول: انّ فعله صلوات اللّٰه عليه يدلّ على الجواز و لكن لا يدلّ على الوجوب و لعلّ استفساره كان لخصوصيّة في المقام.

نعم يمكن ان يقال: انّ ما أفاده لأجل انّ الحدّ إيذاء و إيلام و ربما يوجب قبول إقراره و عدم السؤال و الاستفسار عنه، قتله مع انّه ليس مستحقا للقتل و ربّما يقتل بمجرّد قبلة أو غمز أو لمس أطلق عليها الزنا و على ذلك فلا يجوز الاقدام عليه بلا مبرّر فيلزم السؤال حتّى يقطع بتحقّقه و عدمه و ذلك لإطلاق الزنا في الاخبار و الآثار على بعض المقدّمات أو الأعمال كما ورد: انّ العينين تزنيان، و كذا ورد: زنا العين، و هو النظر إلى الأجنبيّات أو يقال زنا الشفة، اى

القبلة.

و قد أورد في الجواهر على العلامة، بقوله: و فيه انّه- مع كونه ليس من طرقنا- قضيّة في واقعة و الّا فالظاهر الاكتفاء بظاهر اللفظ لعموم ما دلّ على حجيّته و لذا لم يستقص في جملة من النصوص.

و الإنصاف انّ ما افاده- من كون الزنا ظاهرا في معناه الحقيقي و انّ الظاهر حجّة- و ان كان تامّا الّا انّ ما ذكره العلّامة أيضا ليس بلا أساس و ملاك و ذلك لانّ المقام مقام اجراء الحدّ و مع احتمال التجوّز يضعف الظاهر عن ظهوره و لا يمكن اجراء الحدّ مع احتمال التجوّز احتمالا عقلائيّا بل تجري قاعدة درء الحدود بالشبهات.

فروع مناسبة للمقام

اشارة

ثم انّ هنا فروعا ذكرها العلّامة في القواعد بمناسبة الإقرار بالزنا و قد تعرّض لها صاحب الجواهر أيضا و نحن نقفو أثرهما و نتبعهما في ذلك و ان لم يذكرها المحقّق رضوان اللّٰه عليه و عليهم أجمعين.

فمنها: لو أقرّ أنّه زنى بامرأة فكذّبته

حدّ دونها و ان صرّح بأنّها طاوعته على الزناء إذا لا يؤخذ أحد بإقرار غيره.

أقول: لا بدّ من ان يكون المراد انّه أقرّ بذلك اربع مرّات و الّا فلا حدّ،

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 183

و امّا عدم اجراء الحدّ عليها فلعدم مسوّغ لذلك، و لا يكفي في الحكم بزناءها مجرد إقرار أحد به بعد ان كانت تنكره و تكذّب المقرّ بذلك أو ما دام لم تقرّ هي أيضا بذلك.

و منها انّه لو أقرّ من يعتوره الجنون حال إفاقته بالزنا

و اضافه الى حال إفاقته حدّ و لو أطلق لم يحدّ.

أقول: امّا الأوّل فلانّ الإقرار صدر في حال الإفاقة فهو إقرار من العاقل، و المغروض انّه نسبه الى حال الإفاقة فقد وقع كلّ من الفعل و الإقرار في حال السلامة و العافية فإذا أكمل أربعة اقارير فلا بدّ من ان يقام عليه الحدّ.

و امّا الثاني و هو عدم الحدّ فيما إذا أقرّ في حال الإفاقة بالزنا و لم ينسبها الى حال الإفاقة فقد علّل ذلك باحتمال وقوعه حال جنونه لكنّه ردّ عليه في الجواهر بقوله: و فيه نظر خصوصا إذا قلنا باعتبار العقل في مفهوم الزنا.

بيان ذلك انّ الإطلاق محمول على ما هو الظاهر منه و هو وقوع الزنا في حال الإفاقة و العقل، لا مع الجنون و من حيث لا يشعر، خصوصا إذا قلنا باعتبار العقل في تحقّق مفهوم الزنا فإنّه على ذلك ليس وطيه في حال الجنون زناءا مع انّه قد أقرّ بالزنا فلا بدّ من اجراء الحدّ عليه.

و فيه انّ اعتبار العقل في مفهوم الزنا شرعا لا ينافي صدقه بدونه عرفا و في بعض إطلاقاته و ليس بنحو لا يصدق الزنا مطلقا فترى انه يصدق الزنا على وطئ المجنون.

و الحقّ

هو ان يقال انّ المواقع مختلفة فتارة قد بقي في ذهنه صورة من اعماله و حركاته حال الجنون و الآن يريد أين يحكيها و ينقلها، و اخرى لا يكون كذلك فلو حصل الاطمئنان بأنّه يريد من قوله ما فعله حال جنونه فهنا لا شي ء كما انّه لو حصل الاطمئنان بأنّه يريد حال إفاقته فلا إشكال في إجراء الحدّ عليه و امّا لو لم يحصل لنا ظهور تام تطمئن إليه النفس فلا يجوز ذلك و لا يمكن الأخذ بإقرار مجمل إلّا إذا سئل و انكشف الحال بالسؤال، فتحصّل انّ الأقوى عدم الحدّ إلّا بقرينة تدلّ على وقوعه حال إفاقته.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 184

و منها انّه لو أقرّ العاقل بوطء امرأة و ادّعى أنها امرأته فأنكرت الزوجية

و الوطئ فلا حدّ عليه و ان أقرّ أربعا لأنّه لم يعترف بالزنا و لا مهر لها عليه لإنكارها الوطئ.

الأمر هنا واضح لانّه و ان أقرّ أربعا فإنّ إقراره كان بوطء زوجته بزعمه غاية الأمر انّ المرأة تنكر الأمرين الزوجية و الوطي و من المعلوم انّ الإقرار لا يوجب الحدّ إذا لم يكن بالزنا و حيث انّ المرأة تنكر وقوع الوطي فلا تستحق عليه مهرا [1] لأنّه في قبال الوطئ.

و منها ما لو اعترفت بالوطى ء و انّه زنى بها مطاوعة

فلا مهر و لا حدّ عليه و لا عليها الّا ان تقرّ أربعا.

امّا عدم استحقاقها المهر فلا قرارها بالمطاوعة في الزنا، و امّا عدم الحدّ على الرجل فلانّه و ان كان يدّعى و يعترف بالوطي لكنّه يدّعى انّها زوجته، و امّا عدم الحدّ عليها فلأنّها و ان كانت تدّعي الزنا لكنّها أقرّت مرّة و هو لا يؤثّر في لزوم اجراء الحدّ عليها. نعم لو أقرّت أربعا فهناك يجب عليها الحدّ.

و منها ما لو أقرّت بالوطى ء الّا انّها ادّعت إكراهه لها عليه

أو انّه اشتبه عليها فهنا لا حدّ على أحد منهما لكن عليه المهر.

امّا عدم الحدّ على الرجل فلما تقدّم، و امّا بالنسبة إليها فلا دعائها الإكراه أو اشتباه الأمر عليها.

و امّا وجوب المهر عليه فلانّه مدّع للزوجية و الوطي، و هي و ان كانت تعترف بوقوع الوطئ المحرّم لكنّها لا تدّعي المطاوعة كي لا يترتّب عليه مهر بل تدعى الإكراه أو الاشتباه، و الوطئ الناشي منهما يوجب المهر.

الكلام في البيّنة و ما يعتبر فيها

اشارة

قد تقدّم انّه يثبت الزنا بالإقرار أو البيّنة، و ما ذكرناه الى هنا كان

______________________________

[1] هذا لا ينافي وجوب أداء المهر على الزوج بمقتضى إقراره، و لعلّه الى ذلك يشير كلام كاشف اللثام في المقام حيث قال: و ان كان أقبضها شيئا على انّه مهر لم يكن له الاسترداد.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 185

متعلّقا بالإقرار، و بقي الكلام في البيّنة:

قال المحقّق: و امّا البيّنة فلا يكفي أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين، و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا شهادة رجل و ستّ نساء.

أقول: انّه يثبت الزنا الموجب للرجم بأربعة رجال كما يثبت الزنا الموجب للجلد بهم، و بعبارة أخرى تعتبر في إثبات الرجم أربعة رجال و لا يكتفى بغير ذلك و امّا الجلد فيثبت بذلك و بغير ذلك. و لا خلاف في إثباته مطلقا بأربعة رجال، و في الجواهر: بل الإجماع بقسميه عليه.

و يدلّ على ذلك، الكتاب و السنّة المستفيضة.

أمّا الكتاب فآيات، منها قوله تعالى وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلًا «1».

و منها قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ

شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «2».

و منها قوله تعالى في قصّة الافك لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدٰاءِ فَأُولٰئِكَ عِنْدَ اللّٰهِ هُمُ الْكٰاذِبُونَ «3».

و الآية الأولى صريحة في اعتبار الأربعة في الشهداء كما انّ مفهوم الآية الثانية أنّه إذا أتوا بأربعة شهداء ثبت قولهم، و قد أُطلق في الآية الثالثة، الكاذبون على ما دون الأربعة من الشهداء، و يستفاد منه انّهم لو أتوا بأربعة شهداء فهناك ليسوا بكاذبين و يقبل عنهم.

و امّا السنّة فبالنسبة إلى حدّ الرجم فالروايات مستفيضة و قد أخرجها المحدّث الحرّ العاملي رضوان اللّٰه عليه في باب سمّاه: باب انّ الزنا لا يثبت إلّا بأربعة شهداء يشهدون على معاينة الإيلاج.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 14.

(2) سورة النور الآية 4.

(3) سورة النور الآية 13.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 186

عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حدّ الرجم ان يشهد اربع أنّهم رأوه يدخل و يخرج «1».

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يرجم رجل و لا امرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج «2».

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يجب الرجم حتى يشهد الشهود الأربع انّهم قد رأوه يجامعها «3».

و أيضا عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حدّ الرجم في الزنا ان يشهد أربعة أنّهم رأوه يدخل و يخرج «4».

و هذه الروايات بتعابيرها المختلفة- من: حدّ الرجم ان يشهد اربع إلخ و لا يرجم حتّى يشهد أربعة إلخ و لا يجب الرجم حتّى

يشهد الشهود الأربع إلخ- ظاهرة في الحصر و انّ طريق الإثبات في الرجم منحصر بأربعة شهداء و لا يثبت بما سوى ذلك، و إذا ثبت الرجم بأربعة رجال فالجلد اولى بالإثبات بذلك، هذا، مضافا الى التصريح بذلك في بعض الروايات فعن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يجلد رجل و لا امرأة حتّى يشهد عليهما أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج و قال: لا أكون أوّل الشهود الأربعة أخشى الروعة أن ينكل بعضهم فأجلد «5» الى غير ذلك من الاخبار، و على الجملة فلا إشكال في الإثبات بأربعة رجال في الرجم و الجلد و امّا إثباته بثلاثة رجال و امرأتين الذي مرّ في عبارة المحقّق فنقول: انّه و ان كان ظاهر الاخبار الماضية هو الحصر على ما تقدّم الّا انّ هنا روايات أخرى

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 187

تدلّ على إثبات ذلك بثلاثة رجال و امرأتين أيضا و هي بالطبع تكون قرينة على انّ الحصر المستفاد من الروايات المتقدّمة هو الحصر النسبي الإضافي لا الحقيقي و هذا الجريان ليس بعزيز في أدلّتنا.

و من هذه الاخبار صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

سألته عن شهادة النساء في الرجم فقال: إذا كان ثلاثة

رجال و امرأتان، و إذا كان رجلان و اربع نسوة لم تجز في الرجم «1».

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول:

لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و اربع نسوة و يجوز في ذلك ثلاثة رجال و امرأتان «2».

و صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم و لا تجوز في الطلاق قال: و قال علي عليه السّلام تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال و امرأتان و إذا كان أربع نسوة و رجلان فلا يجوز الرجم «3».

نعم هنا رواية ناطقة بعدم قبول ذلك و هي صحيحة محمّد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا شهد ثلاثة رجال و امرأتان لم يجز في الرجم «4».

و لكن حيث انّها موافقة لفتوى أكثر العامّة على ما حكى و لم يعمل بها المشهور بل ادّعى الإجماع على عدم العمل بهذه الرواية- بخلاف الأخبار المتقدّمة عليها فإنّها معمول بها عندهم- فلذا لا تصلح للمعارضة و تحمل على التقيّة.

و امّا الروايات الدّالة على عدم قبول شهادة النساء في الحدود كرواية غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علىّ عليه السّلام قال: لا تجوز

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 28.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 188

شهادة

النساء في الحدود و لا في القود «1» الى غير ذلك من الروايات، فأمرها سهل لأنّها مطلقات، و روايات المقام مقيّدات لها، و يحمل المطلق على المقيّد، و النتيجة انّه لا تقبل شهادة النساء في الحدود إلّا في باب الزنا.

و الفرض الثالث هنا هو شهادة رجلين و اربع نسوة و إثبات الزنا بذلك فعن كثير انّه يثبت ذلك بل قيل انّه المشهور لكن في خصوص الجلد دون الرجم فقد صرّح في الاخبار الماضية بعدم ثبوت الرجم بأقل من ثلاثة رجال و امرأتين فلا بثبت برجلين و اربع نسوة فراجع رواية الحلبي و ابن سنان و زرارة و غيرها.

و تدلّ على إثبات الجلد بذلك دون الرجم، معتبرة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام انّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم و ان شهد عليه رجلان و اربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم و لكن يضرب حدّ الزاني [1].

ترى التصريح بأنّه يضرب حدّ الزاني و لكن لا يرجم.

و لا يخفى انّ الروايات بهذه الصورة و العبارة ناقصة و لا أقلّ من سقوط لفظ قال [1] حتّى تكون العبارة بهذه الصورة: قال: وجب عليه الرجم.

و كيف كان و تدلّ على الجواز في الفرضين الأخيرين مضافا الى ما مضى الروايات الدّالة على جواز شهادة النساء في الحدود مع الرجال الّا انّها دالّة على المقام بعمومها و إطلاقها لا بعنوان خصوص المورد فان مفادها جواز شهادتهن مع الرجال في الجملة، و ذلك كرواية عبد الرحمن عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال «2».

______________________________

[1] أقول: الرواية في نقل الفقيه متضمنة للفظ (قال) و

امّا التهذيب فأزيد من ذلك و إليك عبارته: انّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان قال: فقال: إذا شهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 29.

وسائل الشيعة الجلد 18 باب 30 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب الشهادات الحديث 21.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 189

و امّا الفروع الأخر التي تعادل أربعة رجال في الواقع كشهادة رجل و ستّ نساء، و كذا شهادة النساء منفردات بان تشهد ثمان نسوة فلا تنفع شيئا و لا يثبت الزنا بذلك.

تذنيب

بقي في المقام أمران: أحدهما انّ مقتضى ما تحقّق من عدم ثبوت الرجم برجلين و اربع نسوة هو عدم ثبوت القتل بذلك أيضا و هذا هو مقتضى القاعدة لكنّي بعدُ لم اتفحص كلمات العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين في ذلك.

ثانيهما انّ بعضا من الأصحاب كالعمّاني و المفيد و الديلمي على ما حُكي عنهم ذهبوا الى عدم جواز الرجم بشهادة ثلاثة رجال و امرأتين- كما لا يجوز برجلين و اربع نسوة- و انّه لا يثبت بذلك، و ذلك للأصل.

أقول: لا مجال للتمسّك بالأصل بعد ورود تلك الروايات الصريحة و لعلّ تمسّكهم بالأصل كان جل انهم لم يطمئنّوا بحمل الروايات النافية على التقيّة كي يرجّحوا الأخبار المثبتة فلا مناص لهم عن الرجوع الى الأصل و لكن نحن قد ذكرنا انّ الترجيح للأخبار المثبتة فراجع.

شهادة ما دون الأربع

قال المحقّق: و لو شهد ما دون الأربع لم يجب و حدّ كلّ منهم للفرية.

أقول: إذا كان المعتبر في الشهادة بالزنا أربعة رجال أو ما في حكم ذلك بحيث يكمل النصاب المعتبر كامرأتين مع ثلاثة رجال أو أربع نسوة مع رجلين فكلّ من شهد و لم يكن داخلا تحت الضابط- كما إذا شهد ثلاثة رجال فقط فما دون ذلك أو شهد رجل و ستّ نسوة أو ثمان نسوة- فلا يثبت الزنا فلا يقام على المشهود عليه رجم و لا جلد بل يحدّ حينئذ الشاهد أو الشهود حدّ الافتراء و القذف.

و لازم ذلك انه لو شهد بالزنا أربعة لم يكونوا عدولا ثم قامت الشهادة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 190

الصحيحة من العدول عليه فان ذلك لا يوجب سقوط الحدّ عن الأوّلين.

الشهادة الصحيحة من العدول عليه فان ذلك لا يوجب سقوط الحدّ

عن الأوّلين.

الشروط المعتبرة في شاهد الزنا

ثم انّه قد تعرّض المحقّق هنا للشرائط و الأمور المعتبرة في شاهد الزنا فالأوّل منها ان تكون الشهادة بالرؤية و المشاهدة. قال:

و لا بدّ في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة.

أقول: و على هذا فلا يكتفى بالشهادة بدون المشاهدة و ان حصل العلم للشاهد من قول الموثقين أو من إقرار الزاني مثلا عنده بذلك أو من قرائن أخرى و الحاصل انّه لا تقبل الشهادة بالعلم و الحدس مع عدم الرؤية و المشاهدة، و في الجواهر: بلا خلاف معتد به أجده فيه بينهم و لعلّه للاحتياط في الحدود المبنيّة على التخفيف.

و قال الشهيد في اللمعة: و يشترط ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة انتهى. و قال الشهيد الثاني في الرّوضة: فلا يكفي الشهادة بالزنا مطلقا انتهى.

و في المسالك: لمّا كان الزنا قد يطلق على ما دون الجماع فيقال:

زنت العين و زنت الاذن و زنى الفرج، و الجماع يطلق على غير الوطئ لغة و كان الأمر في الحدود سيّما الرجم مبنيّا على الاحتياط التام و يدرء بالشبهة فلا بدّ في قبول الشهادة من التصريح بالمشاهدة لوقوع الفعل على وجه لا ريب فيه بان يشهدوا بمعاينة الإيلاج و يدلّ عليه صحيحة الحلبي. انتهى.

و قال في الرياض- عند كلام المحقّق في النافع: و لا بدّ في الشهادة، من ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة- بعد ان تمسّك بالأخبار: و لأنّ الشهادة إنّما تسمع بما عوين. أو سمع و لا معنى للزنا حقيقة إلّا ذلك فلا تسمع الشهادة به الّا إذا عوين كذلك و ربّما أطلق على غيره من التفخيذ و نحوه فلو لم يصرّح الشهود لم تكن الشهادة نصّا في الموجب للحدّ انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود،

ج 1، ص: 191

أقول: قوله: الّا إذا عوين كذلك، يعني المعاينة و المشاهدة بالنحو المخصوص المذكور في النصوص و في متن كلام المحقّق.

و كلامه هذا يشير إلى انّه يشترط في الشهادة على الزنا أمران أحدهما رؤية العمل و مشاهدته حيث قال: فلا تسمع الشهادة به الّا إذا عوين كذلك، ثانيهما ان تكون الشهادة صريحة فلا يذكر الألفاظ الكنائيّة كما هو صريح آخر كلامه المذكور.

ثم انه يمكن في الخارج تحقّق الشهادة بالإيلاج و الإخراج بدون ان يكون راى ذلك بل اعتمادا على ما سمع و نقل له، فهذه شهادة صريحة مع انّه لو سئل عن انّه هل راى ذلك لأجاب بأنّي ما رأيت و لكن علمت بذلك من طريق كذا، و الحال انّ مقتضى النصوص هو اعتبار التعرّض بأنّه قد رأى ذلك و شاهد لا مجرّد التصريح بالإدخال و الإخراج كي ينتفي احتمال المجاز و الكناية كالتفخيذ و غيره.

و على هذا فلا يكفى مجرّد استعمال اللفظ الصريح بل لا بدّ من ذكر المشاهدة و الرؤية في مقام الشهادة، و النتيجة انّه لا يجوز للشاهد الاقدام على إقامة الشهادة إلّا إذا رءاه و شاهد على الوجه المزبور ثم لا تعتبر شهادته مع ذلك إلّا إذا شهد بلفظ صريح أوّلا و بالمعاينة و المشاهدة ثانيا.

و التحقيق انّ في الشهادة على الزنا ثلاثة أمور مذكورة في كلمات الأصحاب و قد وقع خلط في بعض الكلمات بين هذه الثلاثة:

الأوّل انّه هل تعتبر في الشهادة على الزنا كسائر المبصرات الرؤية و المشاهدة، و في المسموعات السّماع، أو انّه يكفى العلم و لا حاجة الى أزيد من ذلك؟ بل و قد يجعل البحث أوسع من ذلك فيقال: هل تعتبر الرؤية مثلا أو

انّه يكفى العلم بل و الظن و الاستصحاب، فلو قلنا بكفاية العلم فلا حاجة الى إحراز الحاكم انّ الشاهد قد رآه و عاينه و هذا بخلاف ما إذا اعتبرت الرؤية و المعاينة فإنّه على ذلك يشكل الأمر لأنّه يلزم إحراز انّه قد شاهد ذلك و عاينه و لو بالحجة على المشاهدة و المعاينة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 192

الثاني انّه لا بد من كون الشهادة صريحة فلا تقع الشهادة بالألفاظ الكنائية و المجازيّة بدون إقامة القرينة الصارفة لها عن معناها الظاهر.

و لا فرق في هذين الشرطين بين باب الزنا و غيره كالسرقة مثلا.

الثالث ذكر الرؤية و المشاهدة و هذا هو الذي يمتاز به الزنا عن غيره فإنّه يكفي في غير المقام الشهادة بأصل الفعل امّا في باب الزنا فلا بدّ من ذكر المشاهدة و المعاينة.

و الدليل على اعتبار اللفظ الصريح دون الاستعارات و المجازات هو قضيّة ماعز الذي أقرّ على نفسه بالزنا فكان شهادته النسبة إلى عمل نفسه لا غيره و مع ذلك قال له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ا نكتها؟ فقد سئله عن انّ عمله كان هو النيك الذي هو الدخول بلا كلام و صريح فيه؟ و أضاف بعد ذلك قوله: لا تكنّى؟ اى لعلك أردت من الزّنا غير النيك كالتقبيل و الغمز و غير ذلك. فهذا ينادى باعتبار اللفظ الصريح في قبول الشهادة بالزنا.

و امّا ذكر المشاهدة فذلك للنصوص العديدة الدّالة على ذلك و قد أخرجها الشيخ المحدّث العاملي في باب سمّاه: باب انّ الزنا لا يثبت إلّا بأربعة شهدا يشهدون على معاينة الإيلاج:

عن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حدّ الرجم ان يشهد اربع أنّهم

رأوه يدخل و يخرج «1».

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يرجم رجل و لا امرأة حتّى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج «2».

و عن ابى بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: لا يرجم الرجل و المرأة حتّى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع و الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدود الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 193

و عن حريز عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال:. فان شهد له ثلاثة و ابى واحد يجلد الثلاثة و لا تقبل شهادتهم حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل في المكحلة «1».

و صحيح حريز هذا الصريح في المقصود يفيد انّ ذلك شرط القبول في الشهادة على الزنا مطلقا سواء كان حدّه هو الرجم أو الجلد و ان كان غيره من الروايات متعرّضا لخصوص الرجم.

فهذه النصوص تدلّ على اعتبار ذكر الرؤية و المشاهدة.

و لعلّ نظر الشارع الأقدس من اعتبار هذا الشرط في الزنا الى ان لا يثبت في الخارج تحقّق هذا العمل الشنيع و وقوع هذه المعصية الكبيرة بسرعة و سهولة كما يستشمّ ذلك من بعض الشرائط المعتبرة فيه غير ذلك.

و كيف كان فنظر المحقّق في الكتابين: الشرائع و المختصر النافع، في المقام الى ذكر الشرط الأخير لكن شارح الأوّل في المسالك و شارح الثاني في الرياض قد ذكرا في شرح كلامه ما لا يساعد ذلك.

فما ذكره

في المسالك من انّ الزنا قد يطلق على ما دون الجماع لو كان بذلك بصدد شرح عبارة المحقّق فهو بمعزل عنها لانّه بصدد اشتراط ذكر الرؤية و المعاينة و كلام الشهيد الثاني يفيد اعتبار التصريح في الشهادة و عدم قبول الشهادة بالألفاظ غير الصريحة و هذا شي ء و ذاك شي ء آخر، نعم انّه قدّس سرّه قد مال و توجّه بقوله: فلا بدّ في قبول الشهادة.» و قوله: بان يشهدوا بمعاينة الإيلاج، الى ما هو محلّ البحث و الكلام.

و على الجملة فاعتبار المعاينة لأجل النصوص لا من جهة الصراحة فإنّها شرط آخر و أمر مستقلّ.

و هكذا الأمر بالنسبة إلى كلام المحقّق في النافع و ما افاده السيّد صاحب الرياض بشرحه، فان نظر المحقّق من كلامه المذكور آنفا الى اشتراط ذكر المشاهدة في مقام الشهادة كعبارته في الشرائع بعينها، و الحال انّ الرياض

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب حدّ القذف الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 194

علّل بقوله: لأنّ الشهادة إنّما تسمع بما عوين أو سمع، و هذا و ان كان تاما في موضعه و مقامه اى البحث في انّه لا بد في الشهادة في المبصرات من المعاينة و في المسموعات من السماع الّا انّه غير مرتبط بما كان المحقّق بصدده.

و بعبارة اخرى انّ ما افاده المحقّق متعلّق بسماع الشهادة و قبولها و هو مرتبط بالحاكم، و ما ذكره في الرياض متعلّق بوظيفة الشاهد فإنّه يجب عليه ان يكون تحمله للشهادة بالمعاينة، فالمعاينة شرط اقامة الشاهد الشهادة لا القبول منه و الّا لكان اللازم على الحاكم إحراز ذلك [1] و ذكر الرؤية شرط في قبول الحاكم الشهادة منه.

كما انّ ما

ذكره في الرياض أيضا بقوله: «و ربّما أطلق الزنا على غيره من التفخيذ و غيره فلو لم يصرّح الشهود به لم تكن الشهادة نصّا في الموجب للحدّ» أمر غير ما ذكره المحقّق فان هذا شرط التصريح و عدم استعمال الألفاظ المجازيّة و الكنائية و أين هذا من اشتراط ذكر المعاينة و المشاهدة؟

و الحاصل انّ اشتراط الصراحة في الشهادة غير اشتراط ان يكون الشهادة بالرؤية فإنهما شرطان، و شرط الصراحة لا يختصّ بباب الزنا، بخلاف شرط الرؤية فإنه مختصّ بالزنا للنصوص المذكورة فلو صرّح في مقام الشهادة بالإدخال بالنحو المخصوص و لكن كان منشأ ذلك علمه به للسّماع عن غيره أو لقرائن أخرى فإنّه لم تقبل شهادته، و لو رأى ذلك بعينه لكنّه لم يشهد بالمشاهدة و العيان بل شهد بمطلق الزنا و لو صريحا لم تقبل أيضا.

و أورد في الجواهر على المحقّق و صاحب الرياض ما حاصله بتوضيح منّا انّه لا يعتبر في الشهادة ذلك بل يكفى مجرّد العلم، نعم الرؤية و المشاهدة من طرقه، و ما دلّ على اعتبار ذلك فالمقصود ذكر أحد طرق العلم لا لأجل الخصوصيّة و على الجملة فلا يعتبر في الشاهد ان يكون رأى ذلك و لا يعتبر في قبول شهادته ذكر الرؤية.

كما انّه قدّس سرّه في باب الشهادات أفاد عدم الحاجة الى الرؤية في

______________________________

[1] أقول: قد مرّ آنفا ما لا يساعد ذلك فراجع ما افاده دام ظلّه عند وروده في التحقيق.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 195

المبصرات و انّ الضابط الكلّي هو العلم و ذلك لقول اللّٰه تعالى وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1». و إذا حصل العلم فهناك يجوز الشهادة استنادا اليه

و ان لم تكن منشأه الرؤية، و قد أكدّ على ذلك حتّى عدّ قول من اعتبر الاستناد الى الحسّ من غرائب الكلام قال: ضرورة اقتضائه عدم صحّة الشهادة لنا الآن لأمير المؤمنين عليه السّلام بنصب النبي صلّى اللّٰه عليه و آله اماما يوم غدير خم لانّه و أصل إلينا بطرق التواتر و لم نكن حاضرين وقت النصب.

و قد بنى على ذلك في كتاب الحدود و اكتفى بمجرّد العلم و ان لم يكن مستندا الى الحسّ اى البصر.

نعم احتمل هنا ان تكون للزنا و نحوه ممّا يكون التخفيف فيه مطلوبا للشارع خصوصيّة، تحكيما للأدلّة الواردة في المقام على الأدلّة الدّالة على كفاية العلم مطلقا مؤيّدا ذلك بكلام الأصحاب.

لكنّه استدرك ذلك بأنّه الّا ان يدّعى انّ ما ورد في الباب اى روايات رؤية الإيلاج و الإخراج مبنىّ على ما هو الميزان الكلّي من اعتبار الرؤية في المبصرات لا لتعبّد خاص في المقام، قال: فيرد عليه ما قدّمناه في كتاب الشهادات، يعنى انّه على ذلك يرد عليه انّه لا حاجة الى الرؤية و ان كان المشهود به من المبصرات بل المعيار هو العلم.

و لا يخفى عليك انّ ما افاده و كان بصدد إثباته خلاف ظاهر روايات الباب جدّا فان ظهورها الذي لا يقبل الإنكار هو اعتبار نفس الرؤية و المشاهدة فليس ذكر ذلك فيها من باب انّها الغالب في حصول العلم في المبصرات، نعم ما ذكره من كفاية مطلق العلم صحيح بالنسبة إلى سائر الأمور- دون المقام- فكرّر النظر في رواية الحلبي و ابى بصير و حريز و غيرها من الروايات فإنّها تدلّ على اعتبار كون الشهادة بخصوص الرؤية لا بأصل الفعل و هي امّا صحيحة أو معتبرة

و لا معارض لها و هي مفتى بها عندهم فلا وجه لرفع اليد عنها و القول بكفاية مطلق العلم بل القول به طرح لهذه الروايات العديدة بلا وجه، الا ترى انّه لو

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 36.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 196

اعتبرت في الشهادة بالهلال، الرؤية فإنّه لا تصحّ الشهادة بالعلم بل اللازم هو نفس الرؤية و الشهادة بها، و ما نحن فيه من هذا القبيل و المعتبر فيه الشهادة بالطريق لا بذي الطريق.

نعم قد يستشكل بأنّه لو اعتبرت رؤية الإيلاج و الإخراج على النحو المخصوص المذكور في الروايات فوقوع هذا بعيد بل لعلّه لا يتحقّق في الخارج الّا نادرا و ذلك يفضي و يؤدّى الى تعطيل الحدود.

و فيه انّ بعض الروايات يدلّ على الاكتفاء برؤية الجماع و لا تعرّض فيه لرؤية الإيلاج و الإخراج فعن على بن أبي حمزة عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يجب الرجم حتّى يشهد الشهود الأربع انّهم قد رأوه يجامعها «1».

لا يقال: انّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد حمل مثل رواية أبي بصير هذه على الروايات السابقة و ذلك يوجب عدم قبول الشهادة على انّه رأوه يجامعها حتّى يضمّوا الى ذلك: انه كالميل في المكحلة.

لأنّا نقول: لعلّ المقام من قبيل المثبتين الذين لا يعلم وحدة المراد و من المعلوم انّ الشرط في التقييد هو العلم بذلك كما في مثل ان ظاهرت فأعتق رقبة، و ان ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، فإذا لم يتحقّق ذلك فيؤخذ بكليهما و يكتفى برؤية الجماع و الشهادة به خصوصا بلحاظ بُعد رؤية الظرف و المظروف.

ثم انّ من شروط الشهادة بالزنا كما أشرنا إليه هو التصريح لبناء الحدود

على التخفيف و درءها بالشبهة و الاحتياط التام فيها و يدلّ على ذلك قصّة ماعز على ما اوضحناها آنفا و خالف في ذلك في الجواهر قائلًا: أنّك سمعت ما ذكرناه في الإقرار من عدم دليل معتبر على اعتبار النصوصيّة فيه بل و لا الشهادة فيكفي فيهما اللفظ الدّالّ على ذلك وضعا أو عرفا و لا يحتاج إلى زيادة على ذلك بحيث يعلم منه إرادة الأمر المخصوص و لو من قرائن الأحوال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من حدّ الزنا الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 197

ترى انّه نفى اشتراط صراحة الشهادة صريحا و صرّح بكفاية مجرّد كون اللفظ دالّا على المراد بحسب الوضع أو عند العرف فيكفي ما يعلم منه إرادة الأمر المخصوص و لو كان ذلك بمعونة القرائن الحاليّة و لا حاجة الى أزيد من ذلك.

لكنّه ينافي ذكر الرؤية المخصوصة في تلك الروايات، و حملها على انّها من طرق العلم خلاف الظاهر كما تقدّم، فهل ترى من نفسك انّه يمكن التعبير بأصرح من تلك التعابير الواردة في الروايات كالإيلاج، و الإدخال، و الإخراج، و كالميل في المكحلة؟ فالظاهر انّ الاكتفاء بمطلق الدّال وضعا أو عرفا- و ان لم يكن صريحا- في غاية الإشكال.

نعم في الموثق عن ابى جعفر عليه السّلام: إذا قال الشّاهد: انّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحدّ «1».

فقد حكم بوجوب الحدّ بشهادة الشهود انّه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته و الحال انّ هذا اللفظ ليس صريحا بل و لا مجعولا للزنا وضعا أو عرفا و انّما يمكن ان يكون كناية عنه، نظير ما ورد في قصّة ماعز من انّه بعد ان

سئله رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله عن أنّه يدرى ما هو الزنا أم لا قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا.

الّا انّه لا بدّ من طرحه لانّه قاصر عن مقاومة تلك الروايات الّتي هي أقوى سندا و أكثر عددا و لم يعهد من أحد من الأصحاب العمل به.

نعم حكى عن الشيخ قدّس سرّه احتماله بعد تخصيصه الحدّ بالجلد دون الرجم و لكنّه مجرّد احتمال فإنه لم يفت بذلك.

و مثل ما حكى عن الشيخ ما ذكره العلّامة المجلسي رضوان اللّه عليه فإنّه- في مقام الجمع بين اخبار اجتماع الرجلين أو الرجل و المرأة في لحاف واحد التي دلّ بعضها على تمام الحدّ و بعضها الآخر على انقص منه- قال:

و الأظهر في الجمع بين الاخبار مع قطع النظر عن الشهرة ان يؤخذ بالأخبار الدّالة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 10.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 198

على تمام الحدّ بان يقال: لا يشترط في ثبوت الجلد المعاينة كالميل في المكحلة و تحمل الأخبار الدالّة على ذلك على اشتراطه في الرجم كما هو الظاهر من أكثرها و امّا اخبار النقيصة فمحمولة على التقيّة انتهى «1».

لكنّه رحمه اللّٰه كما ترى صرّح بانّ ذلك مع قطع النظر عن الشهرة، و امّا ما ذكره من حمل أخبار النقيصة على التقيّة فقد مرّ انّه لا يصحّ حملها على ذلك.

ثم انّ في بعض الروايات ما يبطل هذه الوجه الذي قد جمع به بين الاخبار و هو معتبرة محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يجلد رجل و لا امرأة حتّى يشهد

عليهما أربعة شهود على الإيلاج و الإخراج [1] فإنّها صريحة في اعتبار معاينة الإيلاج و الإخراج في الجلد.

و يمكن حمل الحدّ في الموثّق الدّال على كفاية اللفظ الكنائي على التعزير و عليه فلا يرد اشكال حتّى يحتاج الى الجمع و التوجيه لعدم ارادة الحدّ المصطلح عليه.

هذا مضافا الى انّه مخالف لما ذهب إليه الأصحاب بل مخالف للإجماع كما في الجواهر، فقد تحصّل انّ المستفاد من الاخبار عدم قبول الشهادة بالزنا الّا مع ذكر رؤيته في الشهادة.

و منه يظهر انّه لا يجوز للشاهد ان يشهد عليه من دون الرؤية لأنّه لو شهد به بلا رؤية لكانت شهادته كذبا.

نعم لو كان المراد من الرؤية هو رؤية الآلتين بالحالة المخصوصة فهي غير متيسّر إلّا في فروض نادرة كما إذا تعمّد أحد لشدة تجرّيه و عدم حيائه في ان يأتي بهذا العمل بمرأى الناس و منظرهم قصدا منه ان يرى منه كلّ الخصوصيّات و الّا فبحسب المتعارف فلا يمكن ذلك و ان كان ربما يظهر من بعض العبارات ذلك.

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من حدّ الزنا الحديث 11، أقول: لكن في نسخة الكافي الجلد 7 الصفحة 184 (لا يرجم) بدل (لا يجلد)

______________________________

(1) مرآت العقول الجلد 23 الصفحة 276.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 199

قال العلّامة المجلسي رضوان اللّٰه عليه بشرح خبر الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام: حدّ الرجم ان يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل و يخرج:

و لا خلاف بين الأصحاب في انّه لا بدّ في شهادة شهود الزنا من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة (ثم قال:) و امّا الإخراج الذي يدلّ عليه بعض الروايات فلم يتعرّض له أكثر المتأخرين فيمكن ان يكون

ذكره مبنيّا على الغالب من كون مشاهدتهما معا، على انّه لا استبعاد في اشتراط مشاهدته أيضا فإنّ هذا الحكم مخالف لسائر الأحكام في الشهادة كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد و بعض القدماء. قال ابن الجنيد على ما حُكي عنه: ليس يصحّ الشهادة بالزنا حتّى يكونوا أربعة عدول و ليس فيهم خصم لأحد الشهود عليهما و يقولوا: أنّا رأيناه يولج ذلك منها و يخرجه كالمرود في المكحلة «1».

لكن فيه عدم إمكان رؤية الموضع بحسب النوع و العادة، و اشتراط ذلك يوجب سدّ باب الشهادة.

فلا بدّ من حمل الاخبار و كلمات العلماء على رؤية المقدّمات الملازمة الحاكية عن الدخول و الخروج بحيث يصدق انّه رآه يدخل و يخرج كالميل في المكحلة و ذلك كما اذا راهما مجردين ضامّى الموضعين الى غير ذلك من المقدمات الملازمة فإنّه في هذه الظروف و الأحوال لا بدّ من ان يواقعها و يزني بها.

و الّا فكيف يحمل الرؤية على ما لا مصداق له في الخارج نوعا؟ [1].

و تدلّ على ما ذكرناه قصّة المغيرة بن شعبة التي رواها الشيخ قدّس سرّه في الخلاف فإنّه استخلف عمر المغيرة على البصرة و كان نازلا في أسفل الدار، و نافع و أبو بكرة و شبل بن معبد و زياد في علوها فهبّت ريح ففتحت باب البيت و رفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة «2».

فإنّه كيف يمكن ان يرى من كان في العلو انّ من كان في السفل يولج

______________________________

[1] و هكذا قال بعض الأعاظم في مباني تكملته الجلد 1 الصفحة 180.

______________________________

(1) مرآت العقول الطبع القديم الجلد 4 الصفحة 166 و الجديد الجلد 23 الصفحة 278.

(2) راجع الخلاف الجلد 3 الصفحة 154.

الدر المنضود في أحكام

الحدود، ج 1، ص: 200

و يخرج مع الخصوصيّات؟ فالحقّ انّه ليس إلّا الشهادة على الزنا بما رواه من الأحوال المناسبة لا رؤية العضوين و سائر الخصوصيّات.

و امّا ما قد يقال من انّه كيف يجمع بين رؤية جماع غيره مع العدالة؟

ففيه انّ المستفاد من الأدلّة عدم حرمة النظر لإقامة الشهادة، و هل ترى من نفسك انّ الآية الكريمة: لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ، جوّزت المعصية؟ فلا بدّ من ان يكون ذلك جائزا.

حول قيد آخر من قيود الشهادة

ثم انّ من جملة ما اعتبره المحقّق قدّس سرّه في الشهادة هو ما ذكره بقوله: من غير عقد و لا ملك و لا شبهة.

و معنى ذلك انّه فعل ذلك عالما بحرمته من دون شك و لا ريبة، و عليه فهذا من قيود الشهادة و لا بدّ من ذكره، كما انّه لا بدّ من ان يكون هذا من الشهادة بالعلم، بخلاف الشهادة على الوطي فإنّه أمر مرئي و لا بدّ في الشهادة به من ذكر قيد الرؤية كما كان تعتبر فيه نفس الرؤية، و لازم ذلك انّه لو شهد برؤية الولوج و لكنه لم يقيّده بقيد: بلا عقد إلخ أو قيّده بقوله: بلا عقد، و لم يذكر انه كان بلا ملك و لا شبهة، لم يحدّ المشهود عليه بل حدّ الشهود، لكنّه استدرك و قال:

و يكفى ان يقولوا لا نعلم بينهما سببا للتحليل.

أقول: و فيه أوّلا انّ بين كلاميه نوع تهافت لانّه اعتبر أوّلا ذكر الشهادة بعدم وجود مبرّر للوطي علما على ما هو ظاهر عبارته و هنا يقول بالاكتفاء بالشهادة بعدم العلم بوجود سبب مبرّر، و من المعلوم انّهما لا يجتمعان، و كان الأنسب أن يقول أوّلا: من غير علم بالعقد أو الملك

أو الشبهة، حتّى تكون بين العبارتين ملائمة.

و ثانيا انّ نفس المطلب غير تامّ و ذلك لانّه كيف يمكن الحكم بإجراء الحدّ مع انّ الشهود يقولون: لا نعلم سببا للتّحليل و الحال انّ معناه: انّه

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 201

لا نعلم بموجب الحدّ و لا نعلم بالزنا.

و لا يخفى انّ سبب التحليل قسمان أحدهما ان يكون من قبيل الزوجية و الملكيّة و تحليل المالك، فمعنى قول الشهود: لا نعلم بينهما سببا للتّحليل، هو انّا لا نعلم الزوجية أو الملك أو تحليل المالك.

ثانيهما ان يكون المراد هو المسقط للحدّ بعد انّ عدم الزوجيّة و الملكيّة و التحليل أمر مفروغ عنه كالشبهة و الإكراه و غير ذلك.

فعلى الأوّل فشهادتهم بعدم العلم بسبب التحليل تؤول الى عدم علمهم بالحرمة أصلا و هذا لا ينفع في الشهادة شيئا و امّا على الثاني فهو الذي حاول صاحب الجواهر حلّ الاشكال به فقال بعد ان أشكل بعدم تحقّق الزنا مع احتمال كونها زوجة: و يمكن إرادته بعد العلم بكونها أجنبيّة عنه لكن لم يعلم الشبهة أو الإكراه أو نحوهما ممّا يسقط به الحدّ انتهى.

يعنى انّ الزنا بالأجنبيّة بعد كون المرأة كذلك حسب الفرض- موجب للحدّ، و المسقط مشكوك فيه و الأصل عدمه.

و فيه أولا انّه خلاف المتبادر من «سبب التحليل» لأنّ وطي الأجنبيّة مع الشبهة محرّمة واقعا و ليس هناك سبب للتحليل غاية الأمر انّه لا عقاب عليه و لا حدّ، و الحال انّ عبارة المحقّق: لا نعلم سببا للتحليل، لا السبب المسقط للحدّ، و الحاصل انّ المسقطات ليست سببا للتحليل.

و ثانيا هب انّه كان المراد ذلك لكن هل يجوز إقامة الشهادة مع عدم العلم بالشبهة أو كون

الزنا عن إكراه؟ أو ليس هذه الموارد من موارد الشبهة و الحدود تدرء بالشبهات؟ و كيف يحدّ من أقيم عليه الشهادة بأنّه وطئ وطئا لم يعلم انّه يوجب الحدّ؟

و على الجملة فالشبهة الموضوعيّة اقتضت عدم جواز الشهادة و عدم اقامة الحدّ.

و على قوله قدّس سرّه، لو شهدوا كذلك لا وجبت اجراء الحدّ و هو

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 202

مشكل جدّا، و مثل عبارته صدرا و ذيلا عبارة العلّامة في القواعد حيث قال: و لا تكفى شهادتهم بالزنا عن قولهم: من غير عقد و لا شبهة عقد بل لا بدّ من ذلك، نعم يكفى ان يقولوا: لا نعلم سبب التحليل.

و فيه ما مرّ من الإشكال لأنّه مع وجود احتمال الإكراه أو الشبهة لا مورد للشهادة و لا لإجراء الحدّ، و في الحقيقة انّ هذه الشهادة مركّبة من الوجدان و الأصل الجاري لنفى الشبهة و الإكراه، و هذا لا ينفع فان المعتبر في الشهادة هو العلم و مآل ما ذكر إلى الشهادة مع الشك، و لا فرق بين هذا و بين ما إذا صرّح الشاهد و قال: انّه زنى و لكنّي لا اعلم انّه كان مكرها أم لا. فكما انّه لا اثر لهذه الشهادة كذلك لا اثر لها بالنحو المبحوث عنه، و على الجملة فما ذُكر غير قابل للقبول و التصديق و ان قاله كثير من الأعلام [1].

و احتمال ان يكون مرادهما و مراد غيرهما من ذلك هو العلم بالعدم نظير قولك: لا نعلم انّه عادل، الذي تريد منه: انى لا أراه عادلا و اعلم انّه غير عادل، مع انّه خلاف الظاهر- حيث انّ الظاهر من قول الشهود: لا نعلم إلخ هو عدم

علمهم لا علمهم بالعدم- يرد عليه انّه لو كان المراد ذلك يكفيه قوله: من غير عقد و لا شبهة و لم يكن مورد لقوله: و يكفي إلخ.

حول كلام من الشهيد الثاني

ثم انّ الشهيد الثاني قال في المسالك في هذا المقام: و انّما تحدّ الشهود إذا لم يشهدوا بالإيلاج على ذلك الوجه، بتقدير ان يكون شهادتهم بالزنا، ثم قال: امّا لو شهدوا بالفعل و لم يتعرّضوا للزنا سمعت شهادتهم و وجب على المشهود عليه التعزير انتهى.

و لم نقف على مراده رحمه اللّٰه من وجوب تعزير المشهود عليه بعد انّ الشهود لم يتعرّضوا للزنا و انّما اقتصروا على الشهادة بأصل الفعل.

______________________________

[1] راجع لهذا البحث شرح الإرشاد للأردبيلي فإنّ فيه ما يؤيّد ما افاده السيد الأستاذ الأكبر دام ظلّه العالي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 203

و يمكن توجيه كلامه بنحو لا يرد عليه اشكال لكنّه موقوف على ذكر مطلب مقدّمة و تمهيدا له.

فنقول: هل المعتبر في الشهادة على مقدّمات الزنا كجلوسه معها مجلس الرجل من زوجته، أيضا أربعة رجال أو انّه يكفى الاثنان؟- بعد انّه لا شك أصلا في اعتبار الأربعة في الشهادة على الزنا نفسه على ما تقدّم- مقتضى قبول شهادة العدلين مطلقا الّا ما خرج بالدليل هو حجيّة قول الاثنين و شهادتهما على مقدّمات الزنا بلا حاجة الى أزيد من ذلك، فان كلّ ما كان غير الزنا مثلا يقتصر فيه على شهادة الاثنين و منه مقدّمات الزنا.

و حينئذ نقول: لعلّ مراده رحمه اللّٰه انّه لو شهد الشهود- سواء كانوا اثنين أو ثلاثة أو أربعة بالفعل اى بالمقدّمات كجلوسه معها على النحو المخصوص و لم يتعرّضوا للزنا أصلا فإنّه يعزّر المشهود عليه على ما فعله، الّا انّه لا

خصوصيّة للأربعة.

نعم هذا الحمل خلاف ظاهر لفظ «الفعل» حيث انّه ظاهر في نفس الفعل المعهود اى الوقاع و الجماع [1].

جلد الشهود لو لم يشهدوا بالمعاينة

قال المحقّق: و لو لم يشهدوا بالمعاينة لم يحدّ المشهود عليه و حدّ الشهود.

أقول: امّا الأوّل فلانّ شرط قبول الشهادة هو ذكر الرؤية و المعاينة و هو مفقود حسب الفرض و لا يجوز ان يسئل الشهود عن أنّهم رأوا ذلك أم لا؟ لانّه تجسّس لإثبات الزنا و هو حرام، و هذا بخلاف قصّة ماعز لأنّه أقرّ بالزنا و كان صلّى اللّٰه عليه و آله بصدد ما يدفع عنه الحدّ.

و امّا الثاني فلانّ الشهود قد أقدموا على القذف فيقام عليهم حدّه

______________________________

[1] يحتمل ان يكون المراد من الفعل هو نفس الوطي الّا انّه يعزّر لعدم تحفّظه عن أعين الناس و عدم الاختفاء به، و ان لم يكن زناءا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 204

الكلام في لزوم اتفاق الشهود في الشهادة.

قال المحقّق: و لا بدّ من تواردهم على الفعل الواحد و الزمان الواحد و المكان الواحد فلو شهد بعض بالمعاينة و بعض لا بها، أو شهد بعض بالزنا في زاوية بيت و بعض في زاوية أخرى أو شهد بعض في يوم الجمعة و بعض في يوم السبت فلا حدّ و يحدّ الشهود للقذف.

أقول: لا شكّ و لا شبهة في انّه لو تعرّض الشهود لذكر الخصوصيّات و اختلفوا في ذلك فإنّه تردّ شهادتهم فلا بدّ من ان تكون شهادتهم متّحدة فعلا و زمانا و مكانا.

و أضاف في المسالك الصفة أيضا فقال: لا ريب في عدم قبول شهادتهم على تقدير الاختلاف في الفعل بالزمان أو المكان أو الصّفة انتهى.

و الوجه في ذلك انّه لو اختلفوا في الخصوصيّات، فلم تقم أربعة شهداء المعتبرة في الشهادة، على الفعل الواحد بل قام على الزنا في هذه الزاوية مثلا شاهدان و على وقوعها في زاوية أخرى

آخران، هذا إذا اختلفوا من جهة المكان، و هكذا الأمر لو اختلفوا من جهة الزمان كما إذا شهد بعض بالزنا في يوم الجمعة و آخر ان به في يوم السّبت، و ان كانت الشهادة محقّقة على أصل الزنا الّا انّها غير كافية بعد عدم تواردهم على فعل واحد.

بل و لو شهد بعض بوقوع الزنا حال كونهما مجرّدين و آخر به حال كونهما من وراء الثوب أو شهد بعض بوقوع الزنا في ثوب أبيض و آخر بوقوعه في ثوب اصفر مثلا فان ذلك غير مقبول على ما هو مقتضى ما ذكره في المسالك من اعتبار اتّحاد الصفة أيضا فهذا لا كلام فيه و لذا قال بعد ما نقلناه من عبارته:

لانّ كلّ واحد من الفعل الواقع على أحد الوجوه غير الفعل الآخر، و لم يقم على الفعل الواحد أربعة شهداء.

و انّما النّزاع و الكلام في انّه هل يعتبر تعرّض الشهود للخصوصيّات أو انّه يكفى الشهادة مطلقة؟

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 205

قال في المسالك: انّ ظاهر المصنّف و العلّامة اشتراط ذلك فلا يكفي إطلاقهم الشهادة على الزنا على الوجه السابق الّا مع تصريحهم باتّحاد الزمان و المكان حتّى لو أطلق بعضهم و قيّد آخرون حدّوا و النصوص خالية من اشتراط ذلك و دالّة على الاكتفاء بالإطلاق و هذا هو الظاهر من كلام المتقدّمين.

ثم نقل كلام الشيخ في النهاية و قال بعد ذلك: و هذا صريح في عدم اعتبار التقييد بالزمان.

ثم نقل عبارة ابن الجنيد، و قال بعد ذلك: و هذا صريح في ذلك و كلام غيرهما قريب من ذلك، و هذا هو المعتمد.

ثم صار بصدد توجيه عبارة المحقّق و قال: و يمكن تنزيل كلام المصنّف

و ما أشبهه على ذلك بحمل عدم القبول على تقدير التعرّض على ذلك و الاختلاف فيه.

أقول: انّ هذا الحمل خلاف الظاهر جدّا بل الظاهر هو لزوم التعرّض و اتحادهم في الخصوصيّات و لعلّ الأقوى ذلك، و ذلك لاحتمال ان يكون نظر بعض الشهود الى وقوع الفعل مع خصوصيّة تكون مغايرة للخصوصيّة التي كانت بنظر الآخر فلم تتحقّق شهادة الأربع على فعل واحد و انّما تتحقّق ذلك مع التعرّض للخصوصيّات و الاتّفاق عليها.

و ما افاده من خلوّ النصوص من اشتراط ذلك.

فيه انّ ذلك غير قادح و لا يوجب القول بعدم اعتبار ذكر هذه القيود و الخصوصيّات و لا دلالة له على صحّة الشهادة و قبولها فان ذكر ذلك في النصوص غير لازم بعد انّ المعتبر بحسبها هو شهادة الأربع على فعل واحد و هو الزنا الشخصي فاذا تعرّضوا للخصوصيّات و اتّفقوا عليها و فيها، يتحقّق موضوع الشهادة و يمكن هناك اجراء الحدّ و امّا إذا أطلقوا فمن الممكن ان يكون شهادة بعض في الواقع على خلاف ما يشهد به بعض آخر.

و غاية ما يمكن ان يقال هو انّ الشهادة المطلقة بلا ذكر فيها عن الزمان و المكان تكون ظاهرة في وحدة الفعل، فليست صريحة في ذلك و قد تقدّم اعتبار

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 206

الصراحة في الشهادة- على خلاف من صاحب الجواهر- فلا يكتفى بها.

و يشهد على ما ذكرناه من انّ خلوّ النصوص عن ذكر ذلك لا يدلّ على عدم اعتباره، خلوّها عن قيد: بلا عقد و لا ملك و لا شبهة، فقد راجعنا الروايات و لم نجد فيها ذكرا عن ذلك و الحال انّهم اعتبروا هذا القيد و لم يكتفوا بظهور

لفظ الزنا في انّه صدر بلا عقد و لا ملك و لا شبهة [1].

و لباب الكلام انّ الملاك في جواز اجراء الحدّ بالشهادة هو الشهادة مع ذكر الخصوصيّات لأنّها الشهادة الخالية عمّا يوجب درء الحدّ فمع التعرّض و الاتّفاق على القيود يحصل ذلك و الّا فلا.

و بعبارة اخرى انّ الشهادة بهذا النحو مصداق للشهادة الموجبة للحدّ و بدون ذلك تحصل الشبهة الدارئة للحد، لاحتمال اختلافهم في القيود لو كانوا يتعرّضون لها و مع الاختلاف كان يحصل التعارض في شهادتهم و لم يتحقّق الشّهادة اللازمة على فعل واحد.

و في الجواهر- بعد عبارة المصنّف المذكورة آنفا- بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال في صورة عدم اتّفاق الأربعة على شي ء من ذلك بل و لا إشكال في صورة عدم اتفاق الأربعة على شي ء واحد كغير المقام من المشهود عليه من البيع و الإجارة و غيرهما.

يعنى انّه لا فرق بين المقام و غيره في هذا المقدار و هو لزوم الاتّفاق في المشهود به مع تمام الخصوصيّات إذا تعرّضوا لذلك، غاية الأمر اعتبار اتّفاق الأربعة في باب الزنا، و الاثنين في مثل البيع و الإجارة.

ثم قال: انّما الكلام في اختصاص المقام عن غيره باعتبار ذكر الشهود الخصوصيّات و الاتفاق عليها مع تعرّض البعض على وجه لا يجزي إطلاق الآخر و لا قوله: لا اعلم به و ربّما شهد للثاني الموثّق.

و لا يخفى انّه قد تعرّض هنا لقسم من موضع البحث و هو انّه هل يعتبر مع ذكر بعض منهم الخصوصيّات ان يتعرّض الآخرون لها أيضا أم لا؟ مع انّ

______________________________

[1] أقول: هذا مضافا الى ما سيأتي من ذكر ذلك في بعض النصوص فانتظر.

الدر المنضود في

أحكام الحدود، ج 1، ص: 207

المستفاد من ظاهر عبارة المحقّق هو اعتبار ذكر الخصوصيّات و انّ على الشهود التعرّض لها أوّلا.

و مراده من الثاني هو فرض قول واحد من الشهود: لا أعلم، في قبال الآخرين المتعرّضين لذكر الخصوصيّات، فان الفرض الأوّل في كلامه هو تعرّض بعض منهم و إطلاق الآخرين، و امّا الموثّق فهو موثّق عمّار و قد نقله باختلاف يسير في الألفاظ، و متنه على ما في الوسائل هذا: عن عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل يشهد عليه ثلاثة رجال انّه قد زنى بفلانة و يشهد الرابع انّه لا يدرى بمن زنى قال: لا يحدّ و لا يرجم «1».

و لعلّه تمسّك به جوابا عمّا قاله في المسالك من خلوّ النصوص، و كأنّه يقول: انّ فيها تعرّضا لذلك غاية الأمر بالنسبة الى بعض فروضه و صوره.

و الظاهر انّه يستفاد من ذلك حكم ما لو تعرّض بعض الشهود للخصوصيّات و سكت الآخرون أيضا و انّه لا تقبل شهادتهم و ذلك لانّ عدم قبول الشهادة في مفروض الرواية ليس لأجل قول الرابع: لا اعلم، بخصوصه و تعبدا مخصوصا بتلك الشهادة، حتّى يتفاوت الحكم بالنسبة الى ما لو أطلق الرابع و لم يتعرّض للخصوصيّات حتّى بقوله: لا اعلم، بل ذلك لمكان عدم حصول أربعة شهداء، المشترك بينه و بين المقام.

و قد ظهر بما ذكرنا انّه لا حاجة في إسراء حكم المثال إلى سائر الأمثال، إلى التمسك بالإجماع المركّب و القول بأنّه يتمّ في غيره بعدم القائل بالفرق بين الأصحاب، كما تمسّك به في الرياض، حتّى يرد عليه ما أورده في الجواهر بقوله:

لا إجماع مركّب تسكن اليه النفس على عدم الاجتزاء بالشهادة على معاينة

الإدخال و الإخراج على وجه الزناء من غير تعرّض للزمان و المكان و لا على ما إذا تعرّض بعد و أطلق الآخر على وجه لم يعلم عدم شهادته بها ثم استنتج بقوله:

فالمتّجه الاقتصار في الموثّق على مورده.

و ذلك لانّ بما ذكرنا يحصل الغناء عن ذلك و هو انّه لا بدّ من تحقّق

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 208

أربعة شهداء على فعل واحد بحيث لا يجرى احتمال تعدّد الواقعة فإذا كانت الشهادة بحيث تحتمل التعدد فلا تنفع في إثبات الحدّ على المشهود عليه، فمن هذا الباب ما إذا تعرّض البعض و قال الباقي: لا اعلم، و منه ما إذا تعرّض بعض و أطلق الباقي، و منه ما إذا لم يتعرّضوا للخصوصيّات أصلا فإنّ الرمز الأصيل و الوحيد في ردّ الشهادة في مورد الرواية هو احتمال تعدّد الواقعة و هو محقّق في غير موردها أيضا. فكما انّه لو شهد اثنان بوقوع الزنا في مكان كذا و شهد آخران بوقوعه في مكان آخر فإنها لا تؤثّر شيئا، كذلك فيما إذا تعرّض بعض و أطلق الباقون مثلا.

و هذا الكلام يأتي في جميع الشهادات و ان كان بينها فرق من جهة العدد المعتبر فيها فاذا شهد شاهدان بوقوع القتل الّا انّ أحدهما قال بانّ زيدا قتل عمرا و قال الآخر: انّ زيدا قتل و لكن لا أدرى أنّه قتل اىّ شخص و لا اعلم انّه كان عمرا مثلا فإنّه لا تقبل هذه الشهادة و لا تؤثّر في استحقاق القصاص فليس لوليّ المقتول الاقتصاص منه لعدم إثبات أنّه قتل عمرا حتى يجوز له ذلك و هكذا

لو كانت شهادتهما من باب المطلق و المقيّد بان شهد أحدهما بأنّه قتل عمرا و قال الثاني: انّه قد قتل رجلا.

نعم في مورد لا يفضي الاختلاف في الخصوصيّات الى احتمال تعدّد المشهود به لا اشكال، و ذلك كما إذا شهد الشهود انّ هذا الرجل قد زنى بهذه المرأة لكنّهم اختلفوا في معرفتها و الجهل لها فبعضهم يعرفها و يسمّيها و بعض لا يعرفها و لا يسميها مثلا فان اختلافهم في المعرفة بها و عدمها و انّه يعرفها بعضهم دون الآخرين غير قادح بعد تعيينهم جميعا شخصها و ذلك لعدم احتمال التعدّد حيث عيّنوا شخصها و زمان الزنا و مكانه.

فقوله عليه السّلام في الرواية: لا يحدّ و لا يرجم إشارة الى عدم تماميّة الشهادة في الواقع و ذلك لاحتمال عدم اتّفاقهم على شي ء واحد.

و بذلك قد ظهر أيضا انّ ما أفاده في الجواهر بعد التمسّك بالموثّق بقوله:

و منه يعلم الوجه في اشتراط توارد الجميع على الخصوصيّة إذا ذكرها بعضهم

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 209

فيختصّ المقام حينئذ بذلك تعبّدا من غير فرق بين الخصوصيّات «1»، لا يخلو عن إشكال فإنّه لو كان المراد عدم قبول الشهادة مع تمامها و كمالها و ذلك للتعبّد بسبب الخبر المزبور- كما انّه الظاهر من التعبد أيضا ذلك حيث انّ حقيقته الحكم بشي ء مع عدمه في الواقع أو بالعكس أو الحكم بكونه من أمر مع عدم كونه منه في الواقع أو بالعكس نظير قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ. وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «2» فإنّه أطلق عليهم الفاسقين مع احتمال صدقهم في الواقع- ففيه انّه غير صحيح لأنّ الشهادة غير تامة على حسب

الفرض و ذلك لاحتمال التعدّد بان يكون شهادة بعضهم بشي ء و الآخرين على شي ء آخر.

نعم لو كان المراد منه انّ الشارع اعتبر الأربعة تعبّدا و لم يحصل ذلك فليس فيه اشكال.

الكلام في ما لو شهد بعض بالإكراه و بعض بالمطاوعة

اشارة

قال المحقّق: و لو شهد بعض انّه أكرهها و بعض بالمطاوعة ففي ثبوت الحدّ على الزاني وجهان أحدهما يثبت للاتّفاق على الزناء الموجب للحدّ على كلا التقديرين، و الآخر لا يثبت لانّ الزناء بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة فكأنّه شهادة على فعلين.

أقول: ذهب الشيخ في المبسوط إلى الأوّل، و اختار في الخلاف، الثاني فقال في الأوّل: إذا شهد اثنان أنّه أكرهها و قال آخرون انّها طاوعته فلا حدّ عليها لأنّ الشهادة لم تكمل و الرجل لا حدّ عليه أيضا و قال بعضهم: انّ عليه الحدّ، و هو الأقوى عندي، لأنّ الشهادة قد كملت في حقّه على الزنا لانّه زان في الحالين و من قال بالأوّل، قال: لأنّ الشهادة لم تكمل على فعل واحد فإنّ الإكراه غير المطاوعة «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 302.

(2) سورة النّور الآية 4.

(3) المبسوط الجلد 8 الصفحة 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 210

و قال في الثاني: إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا بامرأة فشهد اثنان أنّه أكرهها و آخران انّها طاوعته قال الشافعي: انّه لا يجب عليه الحدّ و هو الأقوى عندي، و قال أبو حنيفة: عليه الحدّ و به قال أبو العبّاس. دليلنا انّ الأصل برأيه الذمّة، و إيجاب الحدّ يحتاج الى دليل و أيضا الشهادة لم تكمل بفعل واحد و انّما هي شهادة على فعلين لانّ الزنا طوعا غير الزنا كُرها «1».

و حاصل الاستدلال على استقرار الحدّ عليه- كما هو مختاره في المبسوط-

هو تمام الشهادة و كما لها بالنسبة إلى زناه لأنّ المرأة سواء كانت مكرهة في زناها أو مطاوعة فإنّ الرجل قد زنى بها فيجب عليه الحدّ لتحقّق الشهادة المعتبرة بالنسبة اليه.

و قد مال الى ذلك صاحب الجواهر فإنّه بعد ان نقل الاستدلال على وجوب الحدّ بالاتّفاق على الزنا الموجب للحدّ على كلا التقديرين قال:

و الاختلاف انّما هو في قول الشهود لا في فعله «2».

و فيه انّ منشأ الاختلاف في القول اختلاف المقول و لو لا اختلاف المقول لاتّحد القول، فاذا قال بعضهم: انّه قد زنى مكرها لها و قال آخرون: انّه قد زنى بها و هي قد طاوعته فالاختلاف انّما هي في قسمي الزنا المختلفين و ذلك لانّ زنا المكره قسم و زنا غير المكره قسم آخر، و الشاهد على ذلك انّ الأوّل موجب للقتل و الثاني للحدّ جلدا أو رجما و حينئذ فلم يتحقّق أربعة شهود على فعل واحد فان هذا الزنا فرد خاص و الآخر فرد آخر منه غير الأوّل، فيقال زنا اكراهى وزنا مطاوعى فهما موضوعان متباينان و لهما حكمان مختلفان لا تعلق لأحدهما بالآخر و هذا نظير تردّد القاتل بين هذا و ذاك الذي لا يمكن الاقتصاص هناك. و على الجملة فلا يجوز اجراء الحدّ على الفعل المردّد.

قال الشهيد الثاني: إذا شهد بعض الأربعة على رجل بأنّه زنى بفلانة مكرها لها في ذلك الزنا و شهد الباقون بأنّه زنى بها مطاوعة له فيه فلا حدّ على

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود مسئلة 24.

(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 330.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 211

المرأة قطعا لعدم ثبوت المقتضى لحدّها و هو الزنا مطاوعة و اختلف قولا الشيخ في الرجل

فقال في الخلاف: لا حدّ عليه و تحدّ الشهود لأنّها شهادة على فعلين فان الزنا بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة و هي كشهادة الزوايا، و قال في المبسوط: يحدّ الرجل لثبوت الزنا على كلّ واحد من التقديرين المشهود بهما و لانّ الاختلاف انّما هو في أقوال الشهود لا في فعله و هذا مختار ابن الجنيد و ابن إدريس، و تردّد المصنّف مقتصرا على نقل القولين و كذلك العلّامة في الإرشاد و التحرير، و رجّح في القواعد و المختلف الأوّل و كذلك الشهيد في الشرح و لعلّه أوجه و يمنع ثبوت الزنا على كلّ واحد من التقديرين لانّه لم يشهد به على كلّ تقدير العدد المعتبر فهو جار مجرى تغاير الوقتين و المكانين المتّفق على انّه لا يثبت على تقديره انتهى «1».

و ان أورد عليه في الجواهر بقوله: و فيه وضوح الفرق بينهما ضرورة اقتضاء الاختلاف تعدّد الفعل بخلافه هنا المفروض اتفاق الجميع على اتّحاد الزمان و المكان و انّما اختلفوا في حال المزني بها و الزاني، الذي لا يقتضي تعدّد الفعل فيمكن اطّلاع من شهد بالمطاوعة على كون الإكراه الظاهر صوريّا نعم لو لم يتعرّضا للزمان و قلنا بكفايته و اختلفا في الإكراه و المطاوعة على وجه لا يمكن الجمع بينهما الّا بتعدّد الفعل اتّجه حينئذ عدم القبول فتأمّل جيّدا انتهى «2».

لكن فيه تأمّل و اشكال و ذلك لأنّه إذا كان السواد و البياض ضدّين فلا محالة يكون الأسود و الا بيض أيضا ضدّين و كذلك إذا كان الإكراه و المطاوعة ضدّين فلا محالة الفعل الصادر من الإكراه و الصادر من المطاوعة أيضا ضدّان و لا يجتمعان، و ليس المراد من كونهما قسمين انّ الواقع

في الخارج فعلان و قسمان فإنّه لا شكّ في انّ الفعل واحد و انّما تردّد امره بين ان يكون من هذا أو من ذاك و قد شهد بعض الشهود على الأوّل و بعض على الثاني و بعبارة أخرى

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 427.

(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 302.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 212

لا نعلم انّ الواقع في الخارج من إفراد هذا القسم أو من إفراد القسم الأخر فعدد الشهود في كلّ من الفردين ناقص، و اتّفاق الشهود انّما كان على الجامع و أمر كلّي لا على أمر شخصي الذي هو الموجب للحدّ.

ثمّ انّه قد يقال انّ الوجه في عدم إثبات الزنا أمر آخر- لا عدم شهادتهم على أمر واحد- و ذلك لانّ من شهد منهم على مطاوعة المرأة فقد قذفها و رماها بالزنا فيجري عليه حكم القذف و يكون فاسقا فلا تقبل شهادته.

و فيه انّه مع فرض وحدة الفعل فقد كملت شهود الزنا و يثبت ذلك، و معه فالشهادة تؤثّر في أمرين أحدهما إثبات حدّ الزنا على الزاني، ثانيهما نفى حدّ القذف كما في كلّ مورد يؤخذ بشهادة الشهود الذين شهدوا علىّ الزنا، و الّا تكون الشهادة قذفا، و على الجملة فمع وحدة الفعل ليس هناك قذف و انّما يتحقّق هو فيما كان الفعل بالمآل متعدّدا، و بعبارة اخرى انّه مع كمال الشهود لا تدخل الشهادة تحت عنوان القذف بل اللازم عليه هو ترتيب آثار الزنا المشهود به.

ثم انّ العلّامة في القواعد ذكر الوجهين في المسئلة: ثبوت الحدّ على المشهود عليه لكمال الشهادة على الزنا و كون اختلافهم في فعلها لا في فعله، و ثبوت الحدّ على الشهود، مستدلا

بتغاير الفعلين ثم قال: و هو أوجه و لا حدّ عليها إجماعا ثمّ ان أوجبنا الحدّ بشهادتهم لم يحدّ الشهود و الّا حدّوا و يحتمل ان يحدّ شهود المطاوعة، لأنّهما قد قذفا المرأة بالزنا و لم تكمل شهادتهم عليها دون شاهدي الإكراه لأنّهما لم يقذفا و قد كملت شهادتهم و انّما انتفى عنه الحدّ للشبهة انتهى.

أقول: يمكن ان يورد عليه بأنّه بعد البناء على إيجاب الحدّ بشهادتهم و إثبات الزنا بذلك لا وجه لحدّ الشهود مطلقا فكيف احتمل ان يحدّ شهود المطاوعة، و بعبارة اخرى امّا ان نقول بأنّ الشهادة قد كملت و على هذا فلا وجه لحدّ الشهود بل يحدّ المشهود عليه لا غير، و امّا ان نقول بعدم ذلك لكون بعضهم قاذفا و فاسقا فيلزم حدّ الشهود دون المشهود عليه لانّه لم تستكمل الشهادة.

و على الجملة فلو تحقّق انّ الشهادة كانت على فعلين كما استوجهه

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 213

العلامة قدّس سرّه بنفسه فلم يبق الّا حدّ الشهود و لا مجال لانتفاء الحدّ عنهم و ان قلنا بعدم التعدّد كما هو المفروض و المبنى في كلامه- حيث قال: ان أوجبنا إلخ- فلا بدّ من اجراء الحدّ على المشهود عليه و لا شبهة كي ينتفي الحدّ بعد فرض إيجاب الحدّ و ثبوته [1].

و في الجواهر بعد لفظ الشبهة الوارد في كلام العلامة المذكور آنفا: اى لا لعدم الثبوت، ثم قال قدّس سرّه: و فيه انّ الشهادة بالمطاوعة أعمّ من القذف لاحتمال الشبهة فيها و ان كان هو زانيا.

يعنى انّه و ان شهد شاهد المطاوعة بمطاوعتها له الّا انّ مجرّد ذلك لا يلازم قذفها بالزنا و ذلك لإمكان مطاوعتها زعما منها

انّ ذلك يحلّ لها، هذا.

أقول: و فيه انّ هذا الاشكال و ان كان يصحّ و يأتي على مذهب من يعتبر التصريح في الشهادة امّا على مذهب من يكتفى بلفظ ظاهر في المراد كما أكدّ عليه صاحب الجواهر آنفا فلا، فإنّه إذا قال بعض انّها كانت مكرهة على الزنا و شهد الباقون انّها قد طاوعته في ذلك، فان ظاهر هذا انّها قد زنت و كانت زانية لا انّه اشتبه عليها الأمر، فيجب عليها الحدّ.

هذا مع انّه فرق بين قبول الشهادة و باب القذف حيث انّه لا حاجة في القذف الى الصراحة بل يكفى قول: يا بن الزانية أو أنت زان و أمثال ذلك كما ترى كلماتهم في القذف، و الحاصل انّه يكفى في القذف مجرّد النسبة على ما هو ظاهر إطلاق الأدلّة و الكلمات من غير توقّف على ادّعاء الرؤية أو استعمال لفظ صريح في ذلك بل يكفى اللفظ الظاهر في الزنا الحقيقي.

اختلاف الشهود في قميص الزاني

قال في القواعد: لو شهد اثنان بأنّه زنى و عليه قميص أبيض و اثنان أنّ

______________________________

[1] أقول: و في دفتر مذكّراته دام ظلّه بعد نقل كلام القواعد: أقول: مع اعترافه بتغاير الفعلين فكيف يقال: و قد كملت شهادتهم عليه الّا ان يكون المقصود على القول الآخر و لكن عليه لا ينفى الحدّ انتهى هذا لكن لا يخفى انّ توجّه الاشكال على العلامة في المقام محلّ تأمل و اشكال فراجع كلام العلامة ثانيا ان شئت.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 214

عليه قميصا أسود ففي القبول نظر.

و في الجواهر: و فيه انّه لا مانع من اجتماع الخصوصيّتين فلا تعدّد للفعل.

أقول: انّه و ان كان لا مانع من اجتماعهما لكنّ العبارة ظاهرة في انحصار

القميص كما لا يخفى.

إذا شهد بعض فلا يرتقب إتمام البيّنة بل يحدّ الشهود

قال المحقّق: و لو أقام الشهادة بعض في وقت حدّوا للقذف و لم يرتقب إتمام البيّنة لأنّه لا تأخير في حدّ.

و في الجواهر بعد ذلك: بلا خلاف محقّق أجده فيه الّا ما يحكّى عن جامع ابن سعيد و هو شاذّ [1].

و قال العلّامة في القواعد- عند عدّ شرائط ثبوت الزنا بالبيّنة-: الثالث اتّفاقهم على الحضور للإقامة دفعة فلو حضر ثلاثة و شهدوا حدّوا للفرية و لم يرتقب إتمام الشهادة لأنّه لا تأخير في حدّ نعم ينبغي للحاكم الاحتياط بتفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع و ليس لازما و لو تفرّقوا في الحضور ثم اجتمعوا في مجلس الحكم على الإقامة فالأقرب حدّهم للفرية انتهى.

أقول: ظاهر عبارة المحقّق المذكورة آنفا هو اشتراط اجتماع الشهود حين الشهادة بخلاف كلام العلامة فإنّ الظاهر منه اعتبار اجتماعهم حين الحضور، و ان أمكن ان يكون مراده ما هو الظاهر من كلام المحقّق، غاية الأمر أنّه أضاف اجتماعهم وقت الحضور أيضا و لذا قال في الجواهر انّه قد بالغ الفاضل في القواعد و ولده في الشرح فاعتبر حضورهم قبل الشهادة للإقامة. إلخ.

و كيف كان فعلى ما هو ظاهر العبارات، لو حضر بعضهم و شهد ثم بلا أيّ تأخير شهد الباقون فإنّه يكتفى بذلك عند المحقّق دون العلّامة لأنّهم لم يحضروا

______________________________

[1] قال ابن سعيد في جامع الشرائع الصفحة 548: و ان شهد ثلاثة في وقت ثمّ تمّ العدد في وقت آخر ثبت الزنا، و روى: لا نظرة فيه و يحدّون و يدرء الحدود بالشبهات.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 215

جميعا و معا و ان كانوا مجتمعين على الشهادة بعد انّ من المسلّم عدم اعتبار أداءهم الشهادة

دفعة واحدة و معا.

و قد وافقه في ذلك ولده فخر الدين فقال في شرح كلام والده المذكور آنفا: وجه القرب انّ اجتماعهم على الحضور شرط في ثبوت الحدّ على المشهود عليه و انتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط و كلّما لم يوجب شهادة الزنا الحدّ أوجبت حدّ القذف، و يحتمل عدم وجوب الحدّ و يمنع اشتراط الحضور دفعة و كونه وقع في حضرة النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله على هذه الحالة لا يوجب اشتراطه بل جاز ان يكون اتفاقا.

ثم قال: و الأقرب عندي الأوّل لأنّه حدّ مبنىّ على التخفيف انتهى «1» و لا يخفى انّه لم يقم دليل واضح على مختار العلّامة أعلى الهّٰا مقامه.

و هنا قول ثالث ذهب اليه الشيخ قدّس سرّه في الخلاف، قال: إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس و شهادتهم متفرّقين أحوط و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: ان كانوا شهدوا في مجلس واحد ثبت الحدّ بشهادتهم و ان كانوا شهدوا في مجالس فهم قذفة يحدّون و المجلس عنده مجلس الحكم فان جلس بكرة و لم يقم إلى العشيّ فهو مجلس واحد فان شهد اثنان فيه بكرة و آخران عشيّة ثبت الحدّ، و لو جلس لحظة و انصرف و عاد فهما مجلسان.

ترى تصريحه بأنّه يثبت الحكم بتكامل الشهود سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس متعدّدة و الظاهر من المجالس المتعدّدة هو تعدّد المجالس حقيقة بأن يشهد بعضهم في هذا اليوم مثلا و بعضهم في يوم آخر لا ان يشهد كلّ من الشهود في بيت فإنّه شي ء آخر ذكره بقوله: و شهادتهم مفترقين أحوط، و على هذا فلا

فرق بين اجتماعهم في الحضور و عدمه.

و كيف كان فقد استدلّ على ما ذكره بقوله: دليلنا كلّ ظاهر ورد بأنّه إذا شهد أربعة شهود وجب الحدّ، يتناول هذا الموضوع فإنّه لم يفصّل و أيضا قوله

______________________________

(1) إيضاح الفوائد الجلد 4 الصفحة 476- 475.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 216

تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جلدة، و لم يفصّل، و أيضا فإذا شهد واحد أوّلا لم يخل من أحد أمرين امّا ان يكون شاهدا أو قاذفا فبطل ان يكون قاذفا لانّه لو كان قاذفا لم يصر شاهدا بإضافة شهادة غيره اليه فاذا ثبت انّه ليس بقاذف ثبت انّه يكون شاهدا و إذا كان شاهدا لم يكن قاذفا بتأخّر شهادة غيره من مجلس الى مجلس آخر انتهى «1».

أقول: انّ مقتضى إطلاقات الأدلّة كتابا و سنّة هو الاكتفاء في الحكم بالزنا بأربعة شهداء مطلقا سواء كان حضورهم في المجلس دفعيّا أو بالتدريج، و بلا فرق بين كونهم معا حاضرين و مجتمعين في المجلس و عدمه و ذلك لصدق شهادة أربعة شهداء، كما انّ مقتضى هذا الإطلاق هو القول بأنّه لا فرق في إقامتهم الشهادة متعاقبا و بدون اىّ تأخير أو معه، غاية الأمر انّا قد خرجنا عن هذا الإطلاق بسبب الروايات مثل قوله صلوات اللّٰه عليه بعد ان شهد ثلاثة: أين الرابع؟ [1] كما انّا قد نخرج بسبب الروايات عمّا افاده الشيخ من عدم الفرق بين وحدة المجلس و تعدّده فان مقتضى بعض الاخبار هو اعتبار وحدة المجلس.

ثم انّ المحقّق الأردبيلي عند تعرضه في شرح الإرشاد لقول العلّامة:

و لو سبق أحدهم بالإقامة حدّ للقذف و لم يرتقب إتمام الشهادة.

قال: إذا

حضر بعض الشهود مجلس الحكم و شهد بالزنا قبل الباقي يجب حدّ الشاهد الذي أقام و لا ينتظر باقي الشهود و إتمام الشهادة و عدمها. فحضور الشهود كلّهم مجلس الحاكم و اجتماعهم فيه قبل الشهادة سواء دخلوا مجتمعين أو متفرّقين شرط لسماع شهادتهم و اقامة شهادتهم و ثبوت الحدّ بها على المشهود عليه و سقوطه عنهم فلا يجوز قبل الاجتماع و لا ينفع نعم يجوز التفرّق في الإقامة بل قالوا يستحبّ التفرقة بين الشهود بعد اجتماعهم حال الإقامة فيفرّق بعد الاجتماع و يستشهد واحدا بعد واحد كما قالوا باستحباب ذلك في سائر الأحكام لكن مع الريبة و هنا مطلقا للاحتياط و التخفيف، و دليل حدّ

______________________________

[1] سيأتي نقل الخبر بكامله.

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 الصفحة 153 المسئلة 31.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 217

الشاهد السابق من غير انتظار الباقي هو انّه صدق عليه انّه افترى و رمى بالزنا و لم يأت بأربعة شهداء و انّه كاذب فيحدّ بالفعل للفرية إذ لا تأخير لحدّ على ما ثبت بالرواية بل بالإجماع و يدلّ عليه أيضا رواية نعيم بن إبراهيم عن عباد البصري قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام. و رواية النوفلي عن السكوني عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن على عليه السّلام في ثلاث شهدوا.

ثم قال: و قد ترى سندهما كأنّه انجبر بالشهرة و فيه ما مرّ مرارا.

أقول: انّ من المسلّم عندهم انّ الروايتين ضعيفتان لكنّهم يقولون بانجبار الضعف بالعمل نعم للأردبيلي رحمه اللّٰه في انجبار ضعف الخبر بالشهرة تأمّل و اشكال.

ثم قال: و قد بالغ في القواعد في ذلك حيث قال باشتراط اجتماعهم في الحضور مجلس الحكم فلو تفرّقوا بالحضور حدّوا و

هو بعيد و كذا الأوّل.

فهنا قد استبعد كلام العلّامة أوّلا و عطف عليه في ذلك القول الأوّل الذي هو في الحقيقة قول الشرائع أيضا- فهو أيضا عنده بعيد- و علّل ذلك بقوله:

لانّ ثبوت الحدّ بعد غير معلوم حتّى يقال: و لا تأخير للحدّ فان الشاهد قد يكمل شهادته بالباقي و قد يكون اعتمادا على ذلك شهد، فحدّه قبل شهادة الباقي و معلوميّة حالهم- خصوصا مع العلم بوجود الباقي و انّه سيجي ء عن قريب و تسهّل- محلّ التأمل، و لانّه يصدق بعد شهادة الباقي انّه اتى بأربعة شهداء فلا حدّ عليه بل لا يبعد الصدق قبله و ان كان على سبيل المجاز و بالجملة إبطال هذه الشهادة و حدّ الشهود بمجرّد السبق مشكل مع التخفيف في الحدود، و الدرء بالشبهات، بل ينبغي ان يحمل على الوجه المتعارف في ذلك فان كمل الشاهد المسقط و الّا حدّوا.

ثم قال: و كأنّه لذلك قال الشيخ في الخلاف بعدم اشتراط اتّحاد المجلس لانّه قال: إذا تكاملت. أحوط، و تأويل المختلف و حمله على تفرّقهم بعد اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة نظرا الى انّ ذلك هو المذهب عندنا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 218

بعيد الّا ان يثبت الإجماع و هو بعيد لخلاف الشيخ المتقدّم على الظاهر نعم ان شهد البعض و نكل البعض حدّ الشاهد للفرية و عدم الإتيان بالأربعة و لحسنة محمد بن قيس.

و قد أيّد ما ذهب اليه من كفاية الأربعة و ان كان قد وقع تراخ بالنسبة الى بعض منهم، بكلام الشيخ في الخلاف و هو عدم اشتراط اتّحاد المجلس- و قد مرّ منا نقل كلام الشيخ فراجع- و استبعد ما ذكره العلّامة في المختلف تأويلا

لكلام الشيخ من التفرّق بعد الاجتماع لإقامة الشهادة، و عليه فلا يكون نظر الشيخ من تعدّد المجالس تفرّق الشهود في إقامة الشهادة بعد اجتماعهم معا بل المراد هو حصول التراخي في الشهادات مستقلّا.

و على ذلك فلم يبق في إثبات اعتبار تتابع الشهادات و حدّ الشهود لو وقع بينها تراخ، سوى الروايات على ما هو المبنى من الجبر و الّا فأدلّة حجّية الشهادة شاملة لما إذا تتابعت الشهادات أو بالتراخي و حصول الفصل بينهما و النتيجة انّه لو وقعت الشهادات كلّ واحدة عقيب الأخرى حتّى كملت فهو و الّا فيحدّ الشهود خلافا للشيخ حيث جوّز تعدّد المجالس.

و امّا كلام العلّامة في المختلف فهو هذا: قال الشيخ في الخلاف: إذا تكاملت شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو مجالس و شهادتهم متفرّقين أحوط. و قال ابن حمزة: و انّما يقبل البيّنة مع ثبوت العدالة بستّة شروط: قيامها في مجلس واحد، و المعتمد ما قاله الشيخ للعموم و لاستحباب تفريق الشهود، و ان قصد ابن حمزة اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة صحّ كلامه لانّه المذهب عندنا و قال سلّار: كلّ حدود الزنا على اختلافه لا يثبت إلّا بشهادة أربعة رجال على الوجه الذي ذكرناه في مجلس واحد انتهى كلامه [1].

______________________________

[1] مختلف الشيعة الصفحة 764. أقول لعلّ التنزيل المزبور يستفاد من انّ العلّامة أولا نقل كلام الشيخ ثم كلام ابن حمزة المخالف له النّاطق باعتبار قيام الشهود في مجلس واحد، ثم جعل المعتمد كلام الشيخ و بذلك ردّ كلام ابن حمزة ثم صدّق كلام ابن حمزة إذا كان مقصوده اجتماعهم لإقامة الشهادة دفعة و صحّح كلامه على هذا الفرض و لازم ذلك انّه على هذا

يكون ابن حمزة موافقا للشيخ فيعلم انّ الشيخ يقول بذلك بنظر العلّامة حيث انّ قول الشيخ هو المعتمد عنده.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 219

أقول: و فيه انّ ذلك لا يساعده دليل الشيخ و ذلك لانّه علّل ما ذكره بانّ الشاهد الأوّل امّا ان يكون قاذفا أو شاهدا لكنّه ليس بقاذف و ذلك لانّه لو كان قاذفا كان لا ينفع ضمّ شهود أخر إليه لكونه فاسقا مع انّه لو ضمّت إليه الثلاثة لقبلت و حكم بالحدّ على المشهود عليه فاذا ثبت انّه ليس بقاذف بل هو شاهد فاذا لا يضرّه تأخير سائر الشهود من مجلس الى مجلس آخر هذا و كانّ الشيخ لم يعمل بالرواية الدّالة على اعتبار حضور الشهود كلّهم عند إقامة الشهادة كي تتحقق الشهادات متعاقبة.

هذا و لكن الإنصاف انّه يمكن استفادة اعتبار اجتماعهم قبل مقام الشهادة من كلام الشيخ و ذلك لمكان قوله: و شهادتهم متفرّقين أحوط.

بيان ذلك انّ الاحتياط جار فيما أمكن ما يقابله أيضا حتّى يكون الأوّل احتياطا و ما يقابله خلاف الاحتياط، و فيما نحن فيه يكون تفريق الشهود أحوط، إذا أمكن التفريق و الاجتماع كلاهما و ذلك لا يتحقّق الّا بان يكون الشهود حاضرين عند إقامة الشهادة حتّى يفرق الحاكم بينهم في أداءها، و امّا إذا لم يكن بعضهم حاضرين فهو أمر قهري و لا يصدق عليه انّه احتياط، فمن ذلك يمكن ان يستفاد انّ مراد الشيخ أيضا اعتبار حضورهم عند الإقامة جميعا الذي يعبّر عنه بالمجلس الواحد عرفا غاية الأمر انّه يقول بجواز إقامتهم الشهادة و أداءها في هذه الحال و في حال افتراق كلّ منهم عن الباقين و قد أضاف انّ الثاني هو المستحبّ

لئلا يطّلع أحدهم على ما شهد به الآخر، و اللاحق على ما شهد به السابق، فيتلّقى منه الشهادة.

و ربّما يؤيّد ذلك انّ ابن إدريس عبّر في السرائر بذلك اى مجلس واحد أو مجالس- فإنّه قال: إذا تكامل شهود الزنا فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو في مجالس و لا يعتبر حضور الشهود لأداء الشهادة في وقت واحد الّا ههنا إلخ «1»- مع انّه قال قبل ذلك: و لا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلّا إذا حضروا في وقت واحد فان شهد بعضهم و قال: الآن يجي ء

______________________________

(1) السرائر الطبع الجديد الجلد 3 الصفحة 434.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 220

الباقون جلد حدّ المفتري لأنّه ليس في ذلك تأخير انتهى [1].

وجه التأييد و بيانه انّه عبّر في المقام بالمجلس أو المجالس و الحال انّه اعتبر قبل ذلك و في كلامه السابق، الحضور في وقت واحد، فمن هذا يعلم انّ المراد من المجلس أو المجالس هو تفريق الحاكم بين الشهود و عدمه عند الشهادة، بعد انّه يعتبر حضورهم جميعا قبل ذلك.

و بالجملة فعلى هذا فالشيخ أيضا موافق للمشهور و لذا قال في الجواهر:

و حينئذ لا خلاف في المسئلة الّا من ابن سعيد الذي قد سمعت شذوذه انتهى.

استدلّ المشهور بروايات منها رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علىّ عليه السّلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علىّ عليه السّلام أين الرابع؟

قالوا: الآن يجي ء فقال علىّ عليه السّلام: حدّوهم فليس في الحدود نظر ساعة «1».

و منها ما رواه عباد البصري قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا و قالوا: الآن نأتي بالرابع قال: يجلدون حدّ القاذف

ثمانين جلدة كلّ رجل منهم «2».

و لو استشكل في الأولى باحتمال كونها قضيّة في واقعة و لعلّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعلم بانّ الرابع لا يأتي أو يأتي بعد مضىّ مدّة فلذا حكم بحدّ الشهود، فإنّ الرواية الثانية لا يجرى فيها هذا الاحتمال لانّ السؤال فيها قد وقع عن أمر كلّي.

______________________________

[1] السرائر الجلد 3 الصفحة 431 أقول: و لا يخفى انّ عبارة الجواهر في الطبع الجديد مغلوطة محرّفة، و الصحيح هو عبارته في الطبعة القديمة و إليك متنها في الجديد: و ربّما أيّد الحمل المزبور بأنّه عبّر في السرائر انّه قال قبلها. إلخ و امّا متن القديم فهذا: و ربّما أيد الحمل المزبور بأنّه عبّر به في السرائر مع انّه قال قبلها إلخ و قد أوجب تحريف النسخة الجديدة أن يستشكل على ابن إدريس بأنّه ليس في ما سبق من كلام الشيخ هذا الكلام، ثم يوجّه باحتمال انّه ربّما كان في الخلاف الذي كانّ عند ابن إدريس فلا تغفل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 221

فقد استفيد من الاخبار اعتبار حضورهم و اجتماعهم قبل الشهادة و كذا اعتبار تتابع شهاداتهم و عدم فصل فيها.

و الإنصاف عدم استفادة الأوّل منها و انّه لا دلالة لها على عدم قبول الشهادة إذا لم يكن الرابع مثلا حاضرا الّا انّه قد حضر بمجرّد ان تمّت شهادة الثالث و شهد بما شهد به الأّولون و من قبله.

فهل ترى من نفسك انّ في قصّة قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام- رواية السكوني- لو كان

الرابع يدخل مجلسه و بمجرّة قوله عليه السّلام: أين الرابع؟ يجيب: ها انا حاضر، فهل كان الامام يردّ شهادته و لم يقبل منه؟

كلّا.

فتحصّل انّه قد استثنى من حجيّة الشهادة ما إذا أدّوها بتراخ و انفصال كما إذا شهد بعضهم و لم يكن الباقي حاضرا و بعد مضىّ زمان دخل و شهد فان هذه الشهادة تكون مردودة.

أربعة فروع في المقام

اشارة

ثم انّ هنا فروعا تناسب المقام نتعرّض لها تبعا لصاحب الجواهر و ان لم يذكرها المحقّق قدّس سرّهما.

الفرع الأوّل

لو شهد بعض و ابى الآخر بعد الحضور لها حدّ الشاهد للقذف كما صرّح به غير واحد نافيا للخلاف فيه.

أقول: المفروض انّ الشهود قد حضروا و اجتمعوا لإقامة الشهادة و قد أدّاها بعضهم الّا انّه أبي من أداءها الآخرون فهنا لا خلاف في عدم ثبوت الحدّ على المشهود عليه لعدم ثبوت الزنا كما انّه لا خلاف في عدم حدّ الناكل عن الشهادة، و انّما الكلام في حدّ من أقامها و عدمه و قد وقع الخلاف في ذلك بين العامّة، و امّا الخاصّة فذهبوا الى وجوب الحدّ عليه للقذف و لا خلاف بينهم

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 222

في ذلك الّا عن العلّامة أعلى اللّٰه مقامه و ادّعى الشيخ الإجماع على ثبوت الحدّ، و نفى الآخرون الخلاف فيه.

و قد استدلّ على ذلك بأمور.

أحدها ما مرّ من ادّعاء الإجماع و عدم الخلاف فيه.

ثانيها صحيحة محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا أكون أوّل الشهود الأربعة في الزنا أخشى ان ينكل بعضهم فأجلد «1».

ثالثها فحوى الخبرين المذكورين آنفا- خبر السكوني و خبر عباد البصري- فإنّه إذا وجب حدّ ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا مع عدم حضور الآخر فهم اولى بالحدّ إذا كان الرابع حاضرا و ابى عن إقامة الشهادة لأنّه يأتي في الأوّل احتمال انّ الرابع لم يستطع من الحضور و الّا فلو كان متمكّنا منه لحضر، و ادّى الشهادة، و الحاصل انّه قد عرض له مانع عن الحضور، فاحتمال كذب الشهود هناك ضعيف، بخلاف الثاني حيث انّ الرابع

مثلا على حسب الفرض حاضر و مع ذلك فلا يشهد و هذا ممّا يقوّى احتمال كذب مقيمي الشهادة فكأنّه بابائه يكذّبهم فيها.

رابعها قصّة المغيرة مع عدم إنكار أحد فيها، و قد تمسّك بهذا، الشيخ قدّس سرّه بعد ان تمسّك بإجماع الفرقة و اخبارهم.

قال في الخلاف: إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنا فشهد واحد أو ثلاثة و لم يشهد الرابع لم يثبت على المشهود عليه بالزنا لأنّ الشهادة ما تكاملت بلا خلاف و من لم يشهد لا شي ء عليه أيضا بلا خلاف و من شهد فعليه الحدّ، حدّ القذف و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي في أحد قوليه في القديم و الجديد و قال في الشهادات: لا يجب الحدّ و هي المشهورة بالقولين و الأوّل أظهر في الآية و الثاني أقيس.

ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا ففيه إجماع الصحابة روى

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من حدّ القذف الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 223

ذلك عن علىّ و عمر، و لا مخالف لهما امّا عليّ ع فروى انّ أربعة أتوه ليشهدوا على رجل بالزنا فصرّح ثلاثة و قال الرابع: رأيتهما تحت ثوب، فان كان ذلك زنا فهو ذلك، و امّا عمر فالقصّة مشهورة و هو انّه استخلف المغيرة بن شعبة على البصرة و كان نازلا في أسفل الدار، و نافع و أبو بكرة و شبل بن معبد و زياد في علوها فهبّت ريح ففتحت باب البيت و رفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة فلمّا أصبحوا تقدّم المغيرة ليصلّي فقال له أبو بكرة: تنح عن مصلّانا فبلغ ذلك عمر فكتب ان يرفعوا اليه و كتب الى

المغيرة: قد يحدث عنك بما ان كان صدقا فلو كنت متّ من قبله لكان خيرا لك فاشخصوا إلى المدينة فشهد نافع و أبو بكرة و شبل بن معبد فقال عمر: أؤدي المغيرة الأربعة، فجاء زياد ليشهد فقال عمر:

هذا رجل لا يشهد الّا بالحق إن شاء اللّٰه فقال: امّا بالزنا فلا اشهد و لكنّي رأيت أمرا قبيحا فقال عمر: اللّٰه أكبر و جلد الثلاثة فلمّا جلد أبو بكرة فقال: اشهد انّ المغيرة زنا فهمّ عمر بجلده فقال له علىّ عليه السّلام: ان جلدته فارجم صاحبك يعني المغيرة.

فموضع الدلالة انّ هذه قصّة ظهرت و اشتهرت و لم ينكر ذلك أحد.

و استدلّ من قال بعدم الحدّ على من شهد بأمور.

منها ما حكاه الشيخ قدّس سرّه في الخلاف فإنّه بعد ما نقلناه من عبارته و كلامه قال: و من قال: لا حدّ عليهم استدلّ بقول تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً، فأخبر أنّ القاذف من إذا لم يأت بأربعة شهداء حُدّ، و هذا ليس منهم فإنّه لا يحدّ إذا اتى بأقلّ منهم و هو إذا شهد معه ثلاثة فكلّ من خرج من قذفه بأقلّ من أربعة شهود لم يكن قاذفا انتهى «1».

و منها ما تمسك به العلامة أعلى اللّٰه مقامه- و قد مرّ انّه قدّس سرّه قائل بعدم الحد- فإنّه في المختلف عنون المسئلة و ذكر أوّلا كلام الشيخ في الخلاف المذكور آنفا ثم قال: و قال الشيخ في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا انّ

______________________________

(1) انظر الخلاف كتاب الحدود المسئلة 32.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 224

عليهم الحدّ، و على ما يحكمون أصحابنا في قصّة المغيرة، لا حدّ عليهم و

الشيخ نقل قصّة المغيرة في الخلاف و جعله دليلا بعد استدلاله بإجماع الفرقة. و قول الشيخ في المبسوط مشكل، و ابن الجنيد قال: لو شهد ثلاثة و تأخّر الرابع الى تصرّم مجلس الحكم أو قدر ساعة صاروا كلّهم بمعنى القذفة.

ثمّ تعرّض لكلام من صاحب الشامل و نقل عنه انّه قال: إذا لم يتمّ عدد الشهود كأن شهد ثلاثة أو شهد واحد فهل يكون قذفة يجب عليهم القذف؟ فيه قولان أحدهما و هو المنصوص المشهور انّهم يحدّون و به قال مالك و أبو حنيفة، و الثاني انّهم لا يحدّون لأنّه أضاف الزنا اليه بلفظ الشهادة عند الحاكم فلم يجب عليه الحدّ كما لو شهد الأربعة ثم رجع واحد منهم، فلم يحدّ الباقين.

قال قدّس سرّه: و هذا القول عندي لا يخلو من قوّة و الّا لأدّى ذلك الى امتناع الشهود عن إقامتها لأنّ تجويز ان يترك أحدهم الشهادة يقتضي تجويز إيقاع الحدّ عليه فيمتنع من أدائها، و لأنّ أصحابنا نصّوا على انّه لو شهد أربعة فردّت شهادة واحد منهم بأمر خفي لا يقف عليه الّا الآحاد يقام على المردود الشهادة الحدّ دون الثلاثة لأنّهم غير مفرّطين في إقامتها فإنّ أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حدّ و ما ذكرناه من الأمور الباطنة «1».

أقول: و الإنصاف انّ ما أورده على القول بحدّ الشهود، وارد لا محيص عنه فان من احتمل نكول واحد من الشهود يحتمل لا محالة أن يحدّ هو بنفسه، و لا يقدم على إقامة الشهادة طبعا و الحال هذه، و قلّ جدّا من يقدم عليها و لا يبالي بإجراء الحدّ عليه مع نكول بعض.

و لا يمكن الذّبّ عن هذا الاشكال

بعدم الاقدام على الشهادة بدون العلم بتكميل الشهادة و عدم نكول بعض الشهود.

و ذلك لانّه لو لم يكونوا يقولون بوجوب الحدّ على الشهود مع نكول البعض مطلقا حتّى و لو حصل لهم العلم بعدم تخلّف الباقين لكان ذلك حسنا

______________________________

(1) مختلف الشيعة الصفحة 756.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 225

و امّا مع حكمهم بوجوب الحدّ على الشهود مع نكول بعض منهم و ان كانوا عالمين بذلك فلا.

و على الجملة فهذه عويصة في الباب، فكيف يمكن الحكم بوجوب الحدّ على من اقام الشهادة مع إباء واحد منهم بعد ذلك، و الحكم بوجوب أداء الشهادة و حرمة كتمانها و انّ من يكتمها فإنّه آثم قلبه «1»؟ و معلوم انّ الحكم بحدّ الشهود المطمئنين بعدم تخلف واحد منهم عن الأداء، أكبر ذريعة الى عدم إقدام أحد على الشهادة.

فلو أمكن الاعتراض على الشهود فيما إذا شهدوا مع عدم حضور الرابع بأنّه لماذا اقدمتم على الشهادة و قد رأيتم انّ رابعكم لم يحضر، فلا يمكن هذا الاعتراض عليهم في المقام لانّ الشهود كلّهم حاضرون، و المقدم على الشهادة كان مطمئنا بإقدام الباقي عليها أيضا، و الحاصل انّ الحكم بحدّ الشهود هنا مخالف بظاهره للقواعد الشرعيّة الثابتة.

و بعبارة اخرى انّ الثلاثة الذين أقدموا على إقامة الشهادة مع حضور الرابع و تهيئة لذلك قد أقدموا عليها إقامة لأمر اللّٰه و اطاعة لواجبه تعالى و انقيادا لنهيه عن الإباء بقوله تعالى وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «2» غاية الأمر انّ الرابع قد عصى و خان أو خاف من أداء الشهادة أو لم يقمها لأغراض دنيويّة فما هو تقصيرهم حتّى يحدّوا؟ و كيف يرضى الفقيه ان يحكم بحدّ من أراد

اطاعة ربّه؟

و على هذا فالمتّجه هو قول العلّامة أعلى اللّٰه مقامه و لا مناص عن الذهاب اليه، و حمل الاخبار حتّى صحيحة قيس المذكورة آنفا على ما إذا لم يكن هناك اطمينان بتمام الشهادة و قيام الباقي بها، و الّا فتنافي حكم العقل، فإنّهم إذا أقدموا على الشهادة اطمينانا بقيام الباقي أيضا فهم معذورون عقلا و كيف لا يكون العذر المقبول عند العقل مقبولا عند الشرع؟ نعم لو لم

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 283.

(2) سورة البقرة الآية 283.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 226

يكونوا مطمئنين بقيام الباقي فلا إشكال في الحكم بالحدّ لأنّهم مقصّرون.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 226

أضف ال بذلك كلّه انّه ما الفرق بين المقام و بين من تردّ شهادته بأمر خفي حيث لم يحدّ الباقون هناك و يحكم بحدّ الباقين في المقام و كذلك اىّ فرق بين ما إذا رجع بعضهم عن شهادته حيث يحكمون بان لا حدّ عليهم، و بين المقام الذي حكموا فيه بوجوب الحدّ عليهم؟

و قد ظهر ممّا ذكرناه انّ ما أورده صاحب الجواهر على العلامة- بقوله:

فما عن المختلف من عدم الحدّ لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح معارضا للدليل الشرعي واضح الضعف انتهى- ليس في محلّه و ذلك لانّه ليس وجها اعتباريا بل هو حكم العقل الصريح.

الفرع الثاني

و لو شهدوا و كانوا فسّاقا كلّا أو بعضا حدّوا، ذكره في الجواهر، ثمّ نقل عن الخلاف و المبسوط و السرائر و الجامع و التحرير التفصيل بين ما إذا كان ردّ الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى

و الفسق فيجب حدّ الجميع و ما إذا كان لمعنى خفي فإنّه يحدّ مردود الشهادة دون الباقين لأنهم غير مفرّطين.

قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنا فردّت شهادة واحد منهم فان ردّت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنّه يجب على الأربعة حدّ القاذف و ان ردّت بأمر خفيّ لا يقف عليه الّا آحادهم فإنّه يقام على المردود الشهادة الحدّ، و الثلاثة لا يقام عليهم الحدّ. دليلنا انّ الأصل برأيه الذمّة و لا دليل على انّه يجب على هؤلاء الحدّ و أيضا فإنهم غير مفرّطين في إقامة الشهادة فإنّ أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حدّ و يفارق إذا كان الردّ بأمر ظاهر لانّ التفريط كان منهم فلهذا حدّوا «1».

و قال في المبسوط: ان شهد الأربعة لكن ردّت شهادة واحد منهم لم يخل من أحد أمرين امّا ان يردّ بأمر ظاهر أو خفيّ فإن ردّت بأمر ظاهر مثل ان كان

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود المسئلة 33.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 227

مملوكا أو امرأة أو كافرا أو ظاهر الفسق فان حكم المردود شهادته قال قوم: يجب عليه الحدّ و قال آخرون: لا يجب و كذلك اختلفوا في الثلاثة إذ لا فصل بين ان لا يشهد الرابع و بين ان تردّ شهادته بأمر ظاهر لا يخفى على الثلاثة و الأقوى عندي انّ عليهم الحدّ و ان كان الردّ بأمر خفّي قبل ان يبحث الحاكم عن حاله فوقف على باطن يردّ به الشهادة فالمردود الشهادة قال قوم: لا حدّ عليه و هو الأقوى و الثلاثة قال قوم لا حدّ عليهم أيضا و هو الأقوى عندي و

فيهم من قال: عليهم الحدّ، لانّ نقصان العدالة كنقصان العدد و الأوّل أقوى لأنّهم غير مفرطين في إقامتها فإنّ أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حدّ و يفارق هذا إذا كان الردّ بأمر ظاهر لانّ التفريط كان منهم فلهذا حدّوا عند من قال بذلك على ما اخترناه فبان الفصل بينهما «1».

و أنت ترى انّ بين مختاره في الخلاف و مختاره في المبسوط فرقا فإنّه في الأوّل اختار انّ مردود الشهادة في الأمر الخفيّ يحدّ دون الثلاثة الأخر فإنّهم لا يحدّون بخلاف المبسوط فان مختاره فيه انّ مردود الشهادة أيضا لا يحدّ كما انّ الثلاثة لا يحدّون فليس مختاره في الكتابين واحدا على ما هو الظاهر من عبارة الجواهر.

و يرد على مختاره في المبسوط انه و ان كان غير المردود ليس مفرطا بلا اشكال فيه و امّا المردود فإنّه مفرط فلم لا يحدّ هو و الحال انّه قد فرّط و قصّر لانّه قد أقدم على الشهادة مع العلم بأنّه لا يجوز للفاسق ذلك؟

اللهم الّا ان يكون نظر الشيخ أيضا الى ما إذا لم يكن مردود الشهادة مقصّرا بان لا يرى عمله الذي يأتي به فسقا موضوعا أو حكما.

لكن يرد عليه انّه على ذلك فهو ليس بفاسق لعدم تقصيره.

لا يقال: لعلّ المراد هو ما إذا أقدم على الشهادة زاعما جواز الاقدام عليها مع علمه بفسقه في الخفاء [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد و قد تفضّل بالجواب عنه بما في المتن.

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 228

لانّه يقال: فعلى هذا كان اللازم التفصيل في الحكم بعدم تقصيره و الحال انّه قد أطلق في ذلك.

و ممّا ذكرناه

يعلم ما في الخلاف من إطلاق حدّ المردود إذا كان الردّ بأمر ظاهر، فإنه لو لم يعلم بانّ شهادته مردودة فليس بمفرط.

الفرع الثالث

لو شهدوا و كانوا مستورين اى مجهولي الحال كلا أو بعضا فلا شكّ في عدم الحدّ على المشهود عليه لأنّ إثبات الحدّ موقوف على شهادة العدول و هي مشكوكة في المقام لانّه من قبيل الشبهة المصداقية للعادل و امّا الشهود ففي القواعد: لا حدّ للشبهة.

بيان ذلك انّه ربّما كانوا في الواقع عدولا و ربّما كانوا فسّاقا فان من لم تثبت عدالته و لا فسقه يجري في حقّه الاحتمالان فيشك في استحقاقه الحدّ و في جواز ذلك عليه، و الحدود تدرء بالشبهات.

و أورد عليه في الجواهر بخبر ابى بصير عن الصادق عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدّلوا قال: يضربون الحدّ «1».

أقول: لو كان المراد من عدم تعديلهم مجرّد عدم شهود يعدّلهم مع جهل الحال و احتمال كونهم عادلين أو فاسقين فكلام العلّامة لا يلائم الرواية و يردّ بها عليه، و امّا لو كان المراد من انّهم ليسوا عادلين- كون هذا التعبير رمزا الى- فسقهم فلا منافاة أصلا لأنّه لا شك في إجراء الحدّ على الشهود الفاسقين في المقام و لذا قال بعد اشكاله عليه بهذا الخبر: و يمكن حمله على ظهور الفسق انتهى.

ثم انّ هؤلاء الشهود تارة قد أقدموا على الشهادة علما منهم بعدم قبول شهادتهم و عدم اثر لها في إثبات المشهود به حيث انّهم يعلمون انّهم لا يعدّلون فحينئذ يصحّ ان يحدوا و ذلك لتفريطهم و الحال هذه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ القذف الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 229

و

امّا إذا كانوا يرون أنفسهم عادلين و زعموا انّ الناس أيضا يعتقدون فيهم العدالة و يرونهم متّصفين بها فاقدموا على ذلك فمقتضى القاعدة عدم حدّ عليهم لكونهم غير مفرطين.

نعم هنا بحث و هو انّه إذا كان الشاهد يرى نفسه فاسقا و يراه الناس عادلا فهل يجب عليه إقامة الشهادة احقاقا للحقّ أم لا؟

الظّاهر هو الوجوب، و لا يضرّ عدم عدالته، و لا يجب عليه إعلان غيره بفسقه كما انّه لا يجب على من يرى نفسه فاسقا ان يعلن المؤتمين به بفسقه، و تصح صلاة من اقتدى بإمام يراه عادلا و ان انكشف بعد ذلك كونه فاسقا بل و كافرا و على الجملة فالظاهر انّه يكفى للحاكم، المصحّح الفعلي في حكمه و ان لم يكن بحسب الواقع محقّقا و ليس مثل باب الطلاق الذي لو بان فسق الشاهدين يكشف بطلان الطلاق، كما سيتّضح ذلك من بعض الفروع القادمة.

«الفرع الرابع»

لو رجعوا عن الشهادة كلا أو بعضا قبل الحكم فعليهم اجمع [1] الحدّ الّا ان يعفو المقذوف و ذلك لأنهم قد قذفوا فيجب حدّهم و لا يثبت الزنا حتّى يحدّ المشهود عليه لعدم تحقّق الشهادة المعتبرة، و رجوع الشاهد عمّا شهد به أوّلا يوجب ان لا يبقى اطمينان بما قاله أوّلا فلم يبق لقوله كشف عن الواقع و يزول الاطمئنان بخبره فالشهادة مع الرجوع عنها مساوقة لعدم الشهادة و الحاصل انّ الاختلال في الشهادة يوجب ان لا يثبت الزنا.

نعم هنا كلام بالنسبة إلى الشهود و هو انّه لو قال الراجع: انّى قد كذبت في الشهادة فهو يحدّ بلا كلام لإقراره بنسبة الزنا الى الغير عمدا و كذبا، و امّا لو ادّعى الخطأ في ذلك كما إذا راى عمرا

فزعم انّه زيد الذي رآه و عاينه و هو يزني، و شهد بانّ هذا قد زنى ثم ظهر له انّ الزاني كان غيره فلا وجه هنا لحدّه أصلا لأنّه قد أخطأ و قد رفع عن الأمّة الخطإ، هذا كلّه فيما إذا رجعوا قبل

______________________________

[1] أقول: يرد هنا ما أورده دام ظلّه من قبل ذلك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 230

الحكم.

و امّا إذا رجعوا بعد الحكم ففي الجواهر انّه يختصّ الراجع بالحدّ أخذا بإقراره.

و فيه انّه لا يصحّ ذلك على إطلاقه لأنّه لو كان ذلك خطأ فلا وجه لحدّه لانّ المخطى ليس بمفرط و قد مرّ مرارا انّ ميزان الحدّ كونه مفرطا و لا عقوبة على المخطئ مطلقا دنيويّة أو أخرويّة.

و امّا ثبوت الدية في القتل خطأ فهو جبران و تدارك لدم المسلم و ليس هو من باب العقوبة، فلا بدّ من التقييد بما إذا كان قد تعمّد في الشهادة كذبا. هذا.

لكن قال الشيخ فالخلاف: إذا شهد أربعة ثمّ رجع واحد منهم فلا حدّ على المشهود عليه بلا خلاف و على الراجع الحدّ أيضا بلا خلاف و امّا الثلاثة فلا حدّ عليهم، و للشافعي فيه قولان، المنصوص عليه مثل ما قلناه. و قال بعض أصحابه هذا أيضا على قولين. و قال أبو حنيفة: عليهم الحدّ. دليلنا قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ. و هذا اتى بأربعة شهداء و رجوع واحد منهم لا يؤثّر فيما ثبت. و أيضا الأصل برأيه الذّمة. فمن أوجب عليهم الحدّ فعليه الدلالة «1».

أقول: يمكن ان يقال: لما ذا لا يجب الحدّ على المشهود عليه إذا كان رجوع واحد منهم بعد الحكم، بعد ان حكم قدّس سرّه

بأنّ الثلاثة لا حدّ عليهم؟

و قوله: و رجوع واحد منهم لا يؤثّر فيما ثبت، لا يخلو عن شي ء لأنّه إذا كان المطلب ثابتا بحيث انّ رجوع واحد منهم لا يؤثّر فيه فلما ذا لا يحدّ المشهود عليه [1]؟

______________________________

[1] يمكن ان يقال: انّ المقام نظير ما تقدّم في مسئلة شهادة البعض بالطوع و بعض آخر بالمطاوعة حيث قال العلّامة هناك بأنّه يثبت الزنا بحسب الشهادة الّا انّ الشبهة تمنع عن اجراء الحدّ و قد ذكرت ذلك في مجلس الدرس لكن سيّدنا الأستاد كان يرى هناك أيضا التّنافي بين الثبوت و بين الشبهة.

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسئلة 34.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 231

كما انّه يرد عليه في الحكم بوجوب الحدّ على الراجع، بانّ هذا بإطلاقه لا يتمّ فإنّه ربما لا يكون مقصّرا في رجوعه.

ثم انّه قد يقال بانّ حدّ القذف حقّ للغير و من حقوق الناس جعله الشارع على القاذف للمتّهم جبرانا لما أتلف القاذف منه من شرفه وجاهة و مروئته فهو نظير مال الغير الذي من أتلفه يكون ضامنا بلا تفرق بين المفرّط و غيره و المتعمّد و المخطى و كما يجب على المتلف تدارك ما أتلفه المتلف و ان كان ذلك عن غير تعمّد كذلك يجب الحدّ على القاذف إذا طالبه المقذوف بذلك و ان كان ذلك عن غير تقصير و تفريط. و على هذا فكيف يقال بأنّه لا حدّ على الشهود لأنّهم غير مفرّطين، كما ذكر في المقام و كما عن الشيخ في الخلاف و المبسوط بالنسبة إلى الشهود فيما ردّت شهادة أحدهم لمعنى خفيّ، و عنه في المبسوط بالنسبة إلى مردود الشهادة أيضا و كما عن العلّامة في

المختلف بالنسبة إلى الشهود الذين شهد ثلاثة من الأربعة و ابى الرابع، على ما تقدّم، الى غير ذلك من الفروع و المسائل.

و فيه الفرق بين حدّ القذف و باب الضمانات و الحقوق الماليّة فإنّ الضمانات من قبيل التدارك للمال الذي أتلفه المتلف و لذا لا فرق فيه بين ما إذا تعمّد في الإتلاف أو أخطأ أو انه أتلف في النوم فالمال يقابل بالمال و يتدارك به و هذا بخلاف الحدّ فإنه ليس من الحقوق الماليّة يبدل بإزائها المال حتّى يكون على المتلف بل هو عقوبة من اللّٰه تعالى على القاذف نظير عقاب الزنا لكنّه بعدله و حكمته جعلها بيد المقذوف و موكولة بإرادته تداركا لما وقع عليه من الهتك و نقصان الوجاهة و الاحترام لقذفه بين الناس. فقرر سبحانه على الذي هتك عرض المسلم بالقذف ان يهتك عرضه بإجراء الحدّ عليه و جعل امره بيده فله الاستيفاء و العفو بمقتضى كونه من حقوق الناس، و العقوبة فرع التعمّد فلا عقوبة مع عدم التفريط.

و امّا عدم تصريحهم في المقام بانّ حدّ القذف منوط بمطالبة المقذوف فأمره سهل لانّ ذلك موكول الى محلّه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 232

البحث في الشهادة بالزنا المتقادم

قال المحقّق قدّس سرّه: و لا يقدح تقادم الزنا في الشهادة، و في بعض الاخبار: ان زاد عن ستّة أشهر لم يسمع و هو مطرح.

أقول: لا فرق في إثبات الزنا بأربعة شهود و اجراء الحدّ على المشهود عليه بين ان يشهدوا بوقوع الزنا حديثا أو فيما سبق من الأزمان فلو شهدوا بانّ فلانا قد زنى قبل سنتين مثلا فإنّه يثبت أيضا و لا يقدح في ذلك مضىّ زمان عليه.

نعم نقل المحقّق انّ في بعض الاخبار انّه

ان زاد عن ستّة أشهر لم يسمع، لكن لم يذكر هو و لا غيره هذه الرواية و لا أين هي؟ و الحاصل انّا لم نجدها في الروايات، و قد حكم هو كغيره بأنّها مطرحة [1] و ذلك لموافقتها

______________________________

[1] فأفتوا بعدم الفرق بين الحديث منه و المتقادم. قال الشيخ في المبسوط الجلد 8 الصفحة 13 إذا شهد أربعة بالزنا قبلت شهادتهم سواء تقادم الزنا أو لم يتقادم و فيه خلاف، و رُوي في بعض أخبارنا انّهم ان شهدوا بعد ستّة أشهر لم يسمع و ان كان لأقلّ قبلت. انتهى.

و قال في مسائل خلافه الجلد 3 كتاب الحدود المسئلة 45 إذا شهد أربعة بالزنا قبلت شهادتهم سواء تقادم الزنا أو لم يتقادم و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة و أصحابه: إذا شهدوا بزنا قديم لم تقبل شهادتهم و قال أبو يوسف: جهدنا بأبي حنيفة ان يوقّت في التقادم شيئا فأبى. و حكى الحسن بن زياد و محمّد عن أبي حنيفة انّهم إذا شهدوا بعد سنة لم تجز و قال أبو يوسف و محمّد: إذا شهدوا بعد شهرين من حين المعاينة لما يجز و في الجملة إذا لم يقيموها عقيب تحمّلها لم تقبل. دليلنا قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ و أيضا قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً. و لم يفرّق بين الفور و التراخي دلّ على انّهم إذا أتوا بالشهود لم يجب عليهم الحدّ و إذا لم يجب عليهم الحدّ وجب الحدّ بشهادتهم لأنّ أحدا لا يفرّق. انتهى.

و قال العلّامة في القواعد: و لا يقدح تقادم الزنا في الشهادة انتهى.

و قال

في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 225: عند شرح العبارة المذكورة: ما لم يظهر توبته، للأصل و العمومات خلافا لأبي حنيفة، و في المبسوط: و روى في بعض أخبارنا انّهم ان شهد و أبعد سنّة أشهر لم يسمع و ان كان لأقلّ قبلت انتهى.

و في اللمعة و الروضة: و لا يقدح تقادم الزنا المشهود به في صحّة الشهادة للأصل، و ما روى في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 233

لمذهب بعض العامّة، أو انّها تحمل على ما لو ظهر منه التوبة كما تدلّ على ذلك أو تومي اليه مرسلة جميل، فعن ابن ابى عمير عن جميل بن درّاج عن رجل عن أحدهما عليهما السّلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتّى تاب و صلح فقال: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ. قال محمد بن ابى عمير: قلت: فان كان امرا قريبا لم يقم؟ قال: لو كان خمسة أشهر أو أقلّ و قد ظهر منه أمر جميل لم تقم عليه الحدود [1].

قال العلّامة المجلسي قدّس سرّه: قوله: لو كان خمسة أشهر، لعلّه على سبيل المثال، و لم أر قائلا بالتفصيل سوى ما يظهر من المصنّف انتهى «2».

ثم انّ الشهيد الثاني استدلّ في إثبات عدم قدح التقادم بأصالة البقاء و قال- بشرح عبارة المحقق-: إذا ثبت موجب الحدّ لم يسقط بتقادم عهده لأصالة البقاء إلخ.

و لكن صاحب الجواهر عند شرح كلام المحقّق تمسك بإطلاق الأدلّة، و لعلّك تقول: ما وجه انّ الأوّل تمسّك بالأصل دون الإطلاق و الثاني بالعكس تعلّق بالإطلاق دون الأصل؟

و نحن نقول: الحقّ انّ كلّا منهما صحيح لانّ كلّ

واحد منهما دليل في مورده فان التمسك بالإطلاق يكون في قبال من ادّعى انصراف الأدلّة إلى الزناء القريب المشهود عليه دون البعيد كالشهادة بزناه بمدة كثيرة مثل عشر سنين قبل ذلك، فيقال في دفعه بانّ الأدلّة مطلقة و تشمل كلّ فرد من إفراد الزنا في أيّ

______________________________

بعض الاخبار من انّه متى زاد عن ستّة أشهر لا يسمع، شاذّ. راجع الجلد 2 الصفحة 331.

و قال العلّامة في التحرير الصفحة 221: و لا يقدح تقادم الزنا في الشهادة فلو شهدوا بزنا قديم وجب الحدّ و كذا الإقرار بالقديم يوجب الحدّ.

و قال في الإرشاد: و لو شهدوا بزنا قديم سمعت انتهى.

و استدلّ له الأردبيلي قدّس سرّه في الشرح بعموم الأدلّة و عدم مخصّص بزمان قريب.

[1] الكافي الجلد 7 الصفحة 250 و التهذيب الجلد 10 الصفحة 122 و رواها في الوسائل الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود، الحديث 3 لكن فيها: فان كان امرءا غريبا لم تقم.

______________________________

(2) مرآت العقول الجلد 23 الصفحة 389.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 234

زمان قد وقع، و الحاصل انّ إطلاق الأدلّة لا تفرّق بين الموارد و لا انصراف في البين.

و امّا أصالة البقاء فهي متعلّقة بما إذا شك في سقوط الحدّ بمرور الزمان و مضيّه سواء كان بالشك الحكمي كما تقدم أو بالشك الموضوعي بان احتمل انّه قد تاب عن فعله فلا مورد لإجراء الحدّ عليه، فحينئذ يؤخذ باستصحاب بقاء الحدّ و هذا الاستصحاب تعليقي.

بيانه انّ في مورد الزاني كان حكم تعليقي و هو انّه لو أقيم عليه البيّنة أي الأربعة شهود لحدّ، لكن حيث انّه قد تقادم عهده يحتمل انّه قد سقط حدّه شرعا بذلك فيستصحب هذا الحكم و يقال

الآن أيضا: هذا لو أقيمت عليه أربعة شهود لحدّ، و كذا لو احتملنا انّه تاب في خلال هذه المدّة فارتفع عنه الحدّ فإنّه يقال: هذا كان بحيث لو أقيمت عليه أربعة شهود يحدّ فالآن أيضا كذلك و على الجملة فالزنا بنفسه بدون قيام أربعة شهود مثلا لا يوجب الحدّ- فالحكم إذا تعلّق بموضوع فما دام لم يدلّ دليل على ارتفاعه يحكم ببقائه و مجرّد سبق الزمان و تقادم العهد لا يقدح في الشهادة فتقبل و ان كان قد مضى على الفعل زمان طويل [1].

______________________________

[1] أقول: و يناسب هنا نقل كلام العامّة أيضا، قال في الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 72: و إذ اشهد الشهود بحدّ متقادم لم يمنعهم من إقامته بعدهم من الامام الحاكم. اختلف فيه الفقهاء، الحنفيّة قالوا: انّه لا تقبل شهادتهم في هذه الحالة لوجود شبهة التقادم في أداء الشهادة لأنّ الأصل عندهم انّ الحدود الخالصة للّٰه تعالى تبطل بالتقادم، لانّ الشاهد مخيّر بين حسبتين إحداهما أداء الشهادة، و ثانيتهما الستر على المسلم فالتأخير في أداء الشهادة لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لوجود ضغينة هيّجتهم أو لعداوة حرّكتهم بعد السكوت، فيتّهمون في شهادتهم إلّا إذا وجد عذر لهم، امّا إذا كان التأخير لغير سبب يصير الشاهد فاسقا، فتردّ شهادته لتيقّننا بالمانع، المالكيّة و الشافعيّة و الحنابلة قالوا انّ الشهادة في الزنا و في حدّ القذف و شرب الخمر تسمع بعد مضىّ زمان طويل من الواقعة و ذلك لانّ الحدّ بعد الشهادة أصبح حقّا و لم يثبت لنا ما يبطله و قد يكون عندهم عذر منعهم من أداء الشهادة في وقت وقوع الفاحشة بانّ الفتنة قائمة لم تخمد الى ذلك

الوقت الذي يقام الحدّ فيه فيعذرون في تأخيرهم انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 235

عدم اعتبار كون المشهود به واحدا

قال المحقّق: و تقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد.

أقول: لا يشترط في قبول شهادة الأربع ان تكون شهادتهم على مورد واحد و بعبارة أخرى لا يعتبر فيه كون المشهود عليه واحدا بل هي مقبولة و ان كانت على اثنين أو أزيد.

و استدلّ على ذلك أولا بإطلاقات أدلّة الشهادة فإنها شاملة لكلا الموردين و ثانيا بخصوص خبر عبد اللّٰه بن جذاعة قال: سألته عن أربعة نفر شهدوا على رجلين و امرأتين بالزنا قال: يرجمون «1».

ثم لو شكّ في اشتراط ذلك فالأصل عدمه فمجرّد عدم الدليل كاف في الحكم بالجواز كما لا يخفى.

حول تفريق الشهود

قال المحقّق: و من الاحتياط تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع و ليس بلازم.

و الظاهر انّ هذا الاحتياط جار بالنسبة إلى حكم الحاكم و متعلّق به و ذلك لانّه مع الاجتماع في أداء الشهادة بحيث يسمع بعضهم كلام بعض و شهادة الباقي، يحتمل كثيرا ان يشهد الأوّل كذبا و على خلاف الواقع ثم يقفو أثره الباقون و يتّبعونه في الكذب و إبداء ما هو خلاف الواقع بخلاف ما إذا فرّق بينهم و استشهد من الأول في غياب الباقين ثم يحضر الثاني و يستشهد منه و هكذا فإنّ الثاني مثلا حيث لم يسمع شهادة الأوّل يزعم انّه قد اتى بما هو الواقع و الحقّ، فهو أيضا يصدق في شهادته و يبدي ما هو الحقّ و الواقع نوعا خصوصا إذا كان ذلك بصورة قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام- حيث انّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 236

فرّق بين الشهود و لمّا شهد الأوّل قال عليه السّلام: اللّٰه أكبر «1»- فإنّ

باقي الشهود إذا سمعوا التكبير مثلا يزعمون جدّا انّ الأوّل شهد بصدق القضيّة، و على الجملة فاداء الشهادة في هذه الظروف و الأحوال أبعد عن الكذب و التهمة و عن ان يتلقى بعضهم من بعض و أقرب الى الصدق و الحقيقة من ان يشهد الشهود متكافئين جنبا بجنب.

و لذا قال صاحب الجواهر- عقيب قول المحقّق: بعد الاجتماع-:

جميعا في المجلس فيفرّقوا و يستنطق كلّ واحد منهم بعد واحد استظهارا في الحدود المبنيّة على التخفيف و تدرأ بالشبهة، و عقيب قوله: و ليس بلازم قال:

للأصل و إطلاق الأدلّة.

و المقصود انّه يدقّق النظر في الأمر كي لا يقع في إجراء حدّ الزنا على من لم يكن بحسب الواقع زانيا و لو فرّق بين الشهود لبان ما كان، و اتّضح نوعا الواقع و الحقيقة، و ان شهادتهم كانت صدقا و عدلا أو توطئة و خيانة.

أقول: الظاهر انّه لا احتياط في المقام و ذلك لانّه كما انّ في عدم تفريقهم خوف الوقوع في إجراء حدّ الزنا على غير الزاني كذلك في تفريقهم خوف اجراء الحدّ على الشهود لانّه ربما يتفاوت و يختلف شهاداتهم و يوجب ذلك حدّ القذف بالنسبة إلى أربعة أشخاص، و اىّ احتياط في عدم الوقوع في جلد أحد مع الوقوع في جلد أربعة اشخاص؟ فالأمر دائر بين المحذورين [1].

هذا مضافا الى انّه لو كان المورد من موارد الاحتياط لكان يلزم هذا الاحتياط لانّه من قبل الاحتياط في الدماء و الاعراض و الحال انّه قدّس سرّه قال: و ليس بلازم، فهذا يكشف عن عدم كون المورد من موارد الاحتياط.

______________________________

[1] أقول: انّ الأمر في الحقيقة مردّد بين الحدّ للقذف الذي هو الجلد قطعا لا غير و هو ثمانون جلدة

و بين حدّ الزنا الذي قد يكون مائة جلدة و قد يكون الرجم أو الجلد و الرجم و قد يكون هو القتل و ما افاده دام ظلّه لو كان تاما في الفرض الأوّل فإنّه لا يتم في الفروض الأخيرة حيث انّ حدّ الزاني فيها أشدّ و أعظم، و الجلد- و ان كان بالنسبة إلى الأربعة- لا يقاوم القتل أو الرجم.

______________________________

(1) بحار الأنوار طبع بيروت جلد 40 الصفحة 260.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 237

و حينئذ لم يبق شي ء سوى فعل المعصوم و صدوره عن الامام عليه السّلام و هو يدلّ على جواز ذلك لا محالة و ان لم يكن الفعل دليلا على الوجوب.

ثم قال في الجواهر: و لذا كان المستحبّ للشهود ترك إقامتها سترا على المؤمن إلّا إذا اقتضى ذلك فسادا.

أقول: لو تعلّق هذه الجملة بقوله من قبل: «و ليس بلازم للأصل و الإطلاقات» كما هو مقتضى ظاهر الكلام و قربها منه و عدم الفاصلة بين الجملتين فلا يلتئم الكلام أصلا لعدم ربط بين الكلامين كي يعلّل أحدهما بالآخر و يترتّب أحدهما على الآخر، فلم يبق الّا ان تتعلق هذه الجملة بما سبق من انّ الاحتياط يقتضي تفريق الشهود في الأداء حتّى يستنطق كلّ واحد منهم بعد واحد و في غياب منه فيستظهر في الحدود و يتّضح الأمر جدّا و يعلم انّه لم يكن هناك تواطئ و توطئة، و على هذا فكأنّه قيل: ينبغي الاستظهار حتّى لا يقع حدّ الزنا بسهولة و سرعة بل تختلف الشهادات ببركة التفريق فلا يقع هذا الحدّ و لذا يستحبّ ترك إقامة الشهادة أيضا.

و بتعبير آخر: فكما انّه يستحبّ ترك إقامة الشهادة للستر على المؤمن كذلك ينبغي تفريق

الشهود كي لا يفتضح المؤمن و لا يجرى عليه حدّ الزنا، لاحتمال انتهائه إلى اختلافهم في الشهادة و عدم ثبوت حدّ الزنا.

لكن لا يخفى انّ نفس هذا الكلام «اى استحباب ترك الإقامة» محلّ التأمّل و الاشكال و ذلك لانّ إقامة الشهادة واجبة من باب اقامة الدين و احياء معالم الشريعة و النهى عن المنكر، فلا يجوز تركها إذا لم يترتب عليها فساد، لأنّها امّا واجبة عينا إذا انحصر من يقوم بالشهادة بهذه الشهود أو كفائيا إذا كان هناك من يقوم بها و على اىّ حال فلا يصحّ الحكم باستحباب تركها.

ان قلت أ و ليس قوله رحمه اللّٰه: الّا إذا اقتضى ذلك فسادا، جوابا عن هذا الإشكال؟ فإنه قال باستحباب ذلك بشرط عدم لزوم فساد و الّا فهي واجبة [1].

______________________________

[1] أورده هذا العبد و أجاب دام ظلّه بما قرّرناه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 238

نقول: انّ المراد من هذا الفساد هو الفساد بوقوع الفتنة و اثارة الاختلافات و بروزها و اراقة الدماء و ما أشبه ذلك لا ما يقع فيه الإنسان من ترك الوظيفة و تبعات ترك الواجب معنى و عند اللّٰه سبحانه.

و لعلّ كلامه يحمل على ما إذا لم تكن إقامة الشهادة واجبة عليه و ذلك لإقامة الآخرين، فاذا كان قد حضر شهود لأداء الشهادة فلا داعي هناك له إلى الشهادة و كشف سرّ المؤمن و إيضاح قبائحه [1].

بحث عن الإقرار بمناسبة المقام

ثم لا يخفى انّ هنا امرا أعظم من استحباب ترك إقامة الشهادة- الذي ذكره- و هو انّه يستحب للمؤمن الذي اقترف المعصية ان يستر ما فعله و اتى به من المعصية و لا يكشف عن ذلك بإقراره انّه قد عصى اللّٰه، و كما انّ

التجاهر بالمعصية أشدّ إثما و أعظم ذنبا من مجرّد الإتيان بها و ذلك لمزيد هتك العبد بذلك بالنسبة إلى ساحة المولى الجليل سبحانه و تعالى، كذلك ذكر إتيانه بالمعصية أيضا يزداد إثما لعلّة نفسها و حينئذ لو كان إظهار ذلك و ذكره لأجل إقامة الحدّ عليه فلا حرمة و الّا فهو حرام، و عند ما كان لإجراء الحدّ فالأحسن ترك ذكره، و الالتجاء إلى التوبة بينه و بين اللّٰه تعالى، كيلا يفتضح بين الناس.

و المستفاد من اخبار كثيرة هو انّ لتطهيره طريقين أحدهما التوبة في الخفاء و فيما بينه و بين اللّٰه تعالى، ثانيهما إقراره عند الإمام أو نائبه حتّى يحدّ، و الثاني أولى من الأوّل.

و يدلّ على ذلك ما ورد في قصّة ماعز المذكورة سابقا حيث كان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يلقّنه المعاذير كي لا يقرّ بالمعصية، و قوله صلوات اللّٰه عليه: لو سترته بثوبك كان خيرا لك، و ما رواه في الوسائل في

______________________________

[1] أقول: و قال المحقّق في كتاب القضاء: لا بأس بتفريق الشهود و يستحبّ في من لا قوّة عنده، و قال أيضا: و يكره للحاكم ان يعنّت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر و الأديان القويّة مثل ان يفرّق بينهم لأنّ في ذلك غضاضة لهم و يستحبّ ذلك في موضع الريبة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 239

قصّة رجل كان قد أقرّ عند النبي أربع مرّات و فرّ من الحفيرة عند ما أحسّ الم الحجارة لكن الناس أدركوه و قتلوه حيث قال النبي (ص): هلّا تركتموه، ثم قال: لو استتر ثم تاب كان خيرا له «1».

و في مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد عن أمير

المؤمنين عليه السّلام في حديث الزاني الذي أقرّ أربع مرّات، انّه قال عليه السّلام لقنبر: احتفظ به ثم غضب و قال: ما أقبح بالرجل منكم ان يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رءوس الملأ ا فلا تاب في بيته؟ فو اللّٰه لتوبته فيما بينه و بين اللّٰه أفضل من إقامتي عليه الحد «2».

انظر الى أهميّة المطلب ترى التصريح بانّ توبته فيما بينه و بين اللّٰه أفضل من إقامتي إلخ فنسب اقامة الحدّ الى نفسه، فالتوبة أفضل من اجراء الحدّ عليه بمباشرة الإمام أمير المؤمنين بمقتضى هذه الرواية الشريفة.

و في رواية الأصبغ بن نباته في رجل اتى أمير المؤمنين عليه السّلام و قال:

يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهرني فأعرض عنه بوجهه ثم قال له:

اجلس. فقال: أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة ان يستر على نفسه كما ستر اللّٰه عليه فقام الرجل فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهرني فقال: و ما دعاك الى ما قلت؟ قال: طلب الطهارة، قال: و أيّ طهارة أفضل من التوبة «3».

و على الجملة فهذه الروايات و أشباهها تدلّ جدّا على أفضليّة التوبة سرّا من الإقرار بالمعصية و التمكين للحدّ و ترغّب الى الستر و عدم إظهار المعصية.

الشهادة بالزنا شهادة الحسبة

ثم لا يخفى انّ حدّ الزنا حيث كان من حقوق اللّٰه تعالى فلذا يجوز ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حدّ الزنا الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 240

يقدم الشاهد على الشهادة به من دون ان يطالب منه ذلك، فتكون الشهادة به شهادة الحسبة

التي لا حاجة فيها الى مدّع يدّعى هذا المطلب بل قد يجب فيما يتوقّف تركه بذلك.

و المراد من الحسبة هو الأمور التي لا بدّ من إقامتها و حفظها و الاهتمام بأمرها، و الشارع لا يرضى بتركها و إهمالها، فيجب على كلّ من قدر على ذلك من المكلّفين اقامة ذلك نهيا عن المنكر، و ما مرّ من استحباب تركها، لعلّه فيما كان بقدر الكفاية موجودا.

تصديق المشهود عليه أو تكذيبه

قال المحقّق: و لا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه و لا بتكذيبه.

أقول: مذهب الأصحاب انّه لا اثر لتصديق المشهود عليه كما لا اثر لتكذيبه سواء كان مرّة أو مرّات.

و امّا العامّة فاختلفوا في الفرض الأوّل أي تصديق المشهود عليه، فذهب أبو حنيفة إلى انّه لو صدّقهم لخرج عن باب الشهادة و دخل تحت باب الإقرار و يترتّب عليه أحكامه بناء على انّه يحتاج الى الشاهد لغير المقرّ و امّا المقرّ فلا، و عليه فلو أقرّ مرّة أو مرّتين أو ثلاث مرّات فلا اثر له و امّا إذا أقرّ أربع مرّات فإنّه يحدّ حدّ الزنا.

قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد عليه اربع شهود بالزنا فكذّبهم أقيم عليه الحدّ بلا خلاف و ان صدّقهم أقيم عليه الحد و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يقام عليه الحدّ لانّه يسقط حكم الشهادة مع الاعتراف، و بالاعتراف دفعة واحدة لا يقام عليه الحدّ. دليلنا عموم الأخبار التي وردت في وجوب اقامة الحدّ إذا قامت عليه البيّنة و لم يفصّلوا.

أقول: و ما ذكره المخالف انّما يتمّ على مذهبه و ممشاه من التمسّك بالاستحسانات العقلية و الاعتبارات الذهنيّة فإنّه يقول: يؤخذ بشهادة الشهود إذا كان المجرم أو المتّهم منكرا و امّا إذا كان هو بنفسه

يقرّ بالمعصية فهناك لا مورد

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 241

للبيّنة و حينئذ يجرى عليه أحكام الإقرار مرّة أو مرّات، و امّا على مذهب العدلية فمقتضى الأدلة هو وجوب الحدّ و لو كان ما ذكره تامّا فيما إذا أقرّ أربع مرّات فإنّه لا يتمّ فيما لم يتمّ الأربع بل هناك يؤخذ بقول الشهود و شهادتهم.

نعم لا تسقط بتكذيبه حتّى على قول أبي حنيفة.

حكم التوبة قبل قيام البيّنة و بعده

قال المحقّق: و من تاب قبل قيام البيّنة سقط عند الحدّ و لو تاب بعد قيامها لم يسقط حدّا كان أو رجما.

و في كشف اللثام الاتفاق على السقوط فيما تاب قبل قيام البيّنة، للشبهة، و في الرياض بعد قول المصنّف: و يسقط لو كانت قبلها رجما كان أو غيره: بلا خلاف أجده و به صرّح بعض الطائفة، و بالوفاق بعض الأجلّة و هو الحجّة انتهى و في الجواهر بعد الفرض الأوّل: بلا خلاف أجده.

و قد استدل على ذلك بأمور أحدها ما مرّ من الكشف فقد علّل السقوط بقوله: للشبهة.

و المقصود الشك في وجوب الحدّ و عدم ثبوت ذلك لانّه مع عدم قيام البيّنة لا يثبت الحدّ لا انّه ثابت و يسقط بالشبهة و انّما يثبت إذا قامت البيّنة فلو قامت البيّنة و ثبت الزنا قبل التوبة وجب الحدّ و امّا إذا قامت بعد التوبة فنشك في وجوبه فيستصحب عدمه و هذا بخلاف ما إذا قامت البيّنة و ثبت الزنا فإنه يشك في سقوط ما وجب و الأصل عدمه فان مقتضى الاستصحاب بقاء ما ثبت فالشبهة محقّقة في التوبة قبل الثبوت و بعد الثبوت لكن الأصل فيهما مختلفان و تحصّل انّ الشبهة في مورد التوبة قبل البيّنة ترجع الى عدم

ثبوت الحدّ من رأس و إذا قامت البيّنة يشكّ في سقوطه و الأصل عدمه.

ثانيها الأولويّة فإذا كان التائب من الذنب كمن لا ذنب له فلا عقوبة عليه في الآخرة- كما هو مقتضى الآيات و الروايات الكثيرة الواردة في التوبة- فالعقاب الدنيوي أولى بالسقوط و قد تمسّك بها الشهيد الثاني قدّس سرّه في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 242

المسالك قائلًا: أمّا سقوطه بتوبته قبل قيام البيّنة فلانّ التوبة تسقط الذنب و عقوبة الآخرة فعقوبة الدنيا اولى انتهى و كذا صاحب الرياض حيث قال: و لسقوط عقوبة الآخرة بالتوبة فالدنيا اولى.

و فيه انّ الأولويّة لو كانت تنهض دليلا للسّقوط فلم لا تدلّ على السقوط في التوبة بعد الثبوت فإنّه لا فرق فيها بين قبل الثبوت و بعده مع انّهم فرّقوا بينهما و لا يقولون بسقوط الحد لو تاب بعد البيّنة.

ثالثها الأخبار الواردة في المقامين المتعيّن التمسك بها.

ففي مرسل جميل بن درّاج عن رجل عن أحدهما عليهما السّلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم بذلك منه و لم يؤخذ حتّى تاب و صلح؟ فقال: إذا صلح و عرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحدّ، قال ابن ابى عمير: قلت: فان كان امرا قريبا لم يقم؟ قال: لو كان خمسة أشهر أو أقلّ منه و قد ظهر أمر جميل لم يقم عليه الحدود «1».

قال العلّامة المجلسي: مرسل كالصحيح بسنديه و يدلّ على انّه يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته و هو موضع وفاق «2».

أقول: لا شكّ في إرسال الخبر الّا انّ المرسل هو جميل، و مراسيل جميل في حكم المسانيد. هذا مضافا الى أنّه معمول به فلم نعثر على مخالف لا من

القدماء و لا من المتأخّرين، و عمل الأصحاب جابر لضعف الخبر على ما هو المبنى و ان خالف فيه بعض العلماء، و من المعلوم انّ السؤال كلّى لا شخصي، و على ذلك فكلّ من تاب قبل قيام البيّنة فلا يحدّ.

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل أقيمت عليه البيّنة بأنّه زنى ثم هرب قبل ان يضرب قال: ان تاب فما عليه شي ء و ان وقع في يد

______________________________

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 250 و التهذيب الجلد 10 الصفحة 122 الحديث 107، و رواه في الوسائل الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود الحديث 3 لكن بلفظ امرءا غريبا، و قد مرّ ذلك.

(2) مرآت العقول الجلد 23 الصفحة 389.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 243

الإمام أقام عليه الحدّ و ان علم مكانه بعث اليه «1».

و الظاهر انّ المراد منه انّ هذا الرجل الذي أقيمت عليه البيّنة و هرب تارة يكون قد تاب قبل ذلك و اخرى لم يتب حتّى وقع في يد الإمام فالأوّل لا شي ء عليه و امّا الآخر الذي وقع في يد الامام بدون التوبة فهو يحدّ سواء تاب بعد ذلك أم لا.

و يستفاد ذلك أيضا من اخبار باب الإقرار بالزنا كخبر رجل اتى النبي و قال: طهّرني. و قول رسول اللّٰه (ص): لو استتر ثم تاب كان خيرا له «2» و قد نقلناه آنفا، و خبر أصبغ المذكورة آنفا أيضا و فيه: أ يعجز أحد كم إذا قارف هذه السيئة ان يستر على نفسه كما ستر اللّٰه عليه، و فيه أيضا فقال: و ما دعاك الى ما قلت؟ قال: طلب الطهارة قال: و أيّ طهارة أفضل

من التوبة «3»؟

تدل هذه الروايات صريحة على انّ التوبة فيما بينه و بين اللّٰه تعالى أفضل من الإقرار عند الحاكم، و انّ ما يترتّب عليه من الطهارة فهو يترتّب على التوبة.

و كيف كان فيستفاد من الاخبار ان التوبة قبل وصول الأمر إلى الحاكم و قيام البيّنة تسقط الحد بخلاف ما إذا كانت بعد قيام البيّنة فإنّها لا توجب سقوطه.

ثم انّه ذهب بعض الأصحاب كالمفيد و الحلبيّين- ابن زهرة و أبو الصلاح- قدّس اللّٰه أسرارهم الى انّ الحاكم مخيّر بين الإقامة و عدمها فيما إذا تاب بعد قيام البيّنة لا انّه يتعيّن عليه الحد.

قال المفيد: و من زنا و تاب قبل ان تقوم الشهادة عليه بالزنا درأت عنه التوبة الحدّ فان تاب بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك له و لأهل الإسلام فان لم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حدّ الزنا الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من مقدّمات الحدود الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 244

يتب لم يجز العفو عنه الحدّ بحال انتهى «1».

و قال السيّد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية: و إذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البيّنة عليه و ظهرت توبته و صلاحه سقط الحد منه. و ان تاب بعد ثبوت الزنا عليه فللإمام العفو منه «2».

و قال أبو الصلاح الحلبي: فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البيّنة عليه و ظهرت توبته و حمدت طريقته سقط عنه الحدّ، و ان تاب بعد قيام البيّنة فالإمام العادل مخيّر

بين العفو و الإقامة و ليس ذلك لغيره إلّا باذنه، و توبة المرء سرّا أفضل من إقراره ليحدّ «3».

و هم قدّس سرّهم لم يتعرّضوا لدليل على ما ذهبوا اليه و اختاروه، نعم قد استدلّ لهم بأمور أوّلها أصالة البراءة.

ثانيها انّ الحدّ لم يثبت في الذّمة بمجرّد قيام البيّنة حتّى يستصحب ذلك بعد التوبة المسبوقة بالبيّنة [1].

ثالثها ظاهر خبر ابى بصير المتقدّم آنفا بناء على انّ المراد من قوله: ان تاب. هو التوبة عند الهرب أو بعده، و ان قوله: و ان وقع، بمعنى الوقوع قبل التوبة.

رابعها أولويّة سقوط عقاب الدنيا من عقاب الآخرة بالتوبة.

و يرد على الأوّل انّه لا مجال للأصل مع وجود الدليل على وجوب الحدّ إذا تاب بعد إقامة البيّنة و قد رأيت دلالة الاخبار على ذلك فالأصل مقطوعة بهذه الاخبار المعمول بها، و لو شك فيه بعد ذلك فالاستصحاب يقتضي بقاءه. هذا مضافا الى أنّه لو جرت أصالة البراءة لكان اللازم هو الحكم بسقوط الحدّ، فمن أين يستفاد التخيير؟

______________________________

[1] أقول: فقد كان من أدلة المثبتين ذلك قال في المسالك: و امّا عدم سقوط بتوبته بعد إقامة البيّنة فلثبوته في ذمّته فيستصحب.

______________________________

(1) المقنعة الطبعة القديمة الصفحة 123 و الحديثة الصفحة 777.

(2) الجوامع الفقهية الصفحة 622.

(3) الكافي الصفحة 407.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 245

و يرد على الثاني انّ المستفاد من الاخبار هو وجوب الحدّ بمجرّد قيام البيّنة و ان التوبة مسقطة للحدّ لا انّه يكشف بها عن انّه لم يكن حدّ من أوّل الأمر و قد عبّر عن التوبة في بعض الاخبار بالممحاة [1] الدّالة على انّها تمحو ما ثبت، و على هذا فعلى الحاكم اجراء الحدّ الى ان يعلم و

يقطع بزوال الحدّ و رفعه، و بعبارة أخرى يستصحب الوجوب ما لم يدلّ دليل على سقوطه بالتوبة.

نعم لو كانت التوبة دافعة لا رافعة و مسقطة لصحّ القول بانّا لا نعلم تعلّق الحدّ على من يتوب في علم اللّٰه تعالى فلم يبق مورد لاستصحابه و ذلك لانّ الإفراد قسمان من جعل له الحدّ، و من لم يجعل له ذلك، و الحدّ مجعول لمن لا يتوب فاذا شكّ في انّ هذا ممّن جعل له أو ممّن لم يجعل له ذلك فالأصل عدمه فليس الحاكم ملزما بإجراء الحدّ لجريان البراءة.

هذا مضافا الى انّ مقتضى عدم ثبوته في الذّمة ان لا يكون حدّ الآن أصلا فمن أين يقال بالتخيير؟

و يرد على الثالث بقصوره سندا و دلالة، و بمعارضته بما يدلّ على عدم السقوط.

و على الأولويّة بأنّها لا تثبت ذلك لأنّها لا تعارض الأدلّة الدّالة على عدم السقوط، هذا مضافا الى ان عقاب الآخرة مرفوع قطعا فلو كانت أولويّة لاقتضت سقوط الحدّ لا التخيير بينه و بين إقامته.

الكلام في أقسام الحدّ

قال المحقّق: النظر الثاني في الحدّ و فيه مقامان الأوّل في أقسامه و هي قتل أو رجم أو جلد و جزّ و تغريب.

أقول: انّ العبارة غير وافية بالمراد لانّه قد يجتمع الجلد مع الرجم و قد

______________________________

[1] ففي أمالي شيخنا الطوسي قدّس سرّه الجلد 1 الصفحة 86 عن الشعبي قال: سمعت علىّ بن ابى طالب عليه السّلام يقول: العجب عمّن يقنط و معه الممحاة فقيل له: و ما الممحاة؟ قال:

الاستغفار.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 246

يجمع مع مع القتل كما انّ الجلد قد يكون هو بوحدة غير مقرون بالجزّ أو التغريب و قد يكون الضرب بالسيف ثم الحبس الى ان

يتوب على القول بذلك كما انّه قد يكون القتل وحده بلا جلد و قد يكون الرجم كذلك.

حد الزاني بالمحارم

و كيف كان فقال

امّا القتل فيجب على من زنى بذات محرم كالأمّ و البنت و شبههما.

أقول: و ليس المراد من الامّ خصوصها بل الامّ و ان علت و هكذا البنت فالمراد: هي و ان نزلت الى غير ذلك من المحارم كالأخت الابى أو الأمّي أو كليهما و العمّة و الخالة و ان علتا و بنت الأخ و بنت الأخت و ان نزلتا.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص الدّالة على ذلك في الجملة.

و قال شيخ الطائفة في المبسوط: إذا ابتاع رجل ذات محرم له كالأخت و الخالة و العمّة من نسب أو رضاع أو الأم و البنت من الرضاع فإنّه يحرم عليه وطيها فان خالف و وطئ مع العلم بالتحريم وجب عليه القتل عندنا و كذلك إذا وطئ ذات محرم له و ان لم يشترها سواء كان محصنا أو غير محصن و قال قوم:

عليه الحدّ و قال آخرون: لا حدّ عليه لانّه وطئ مملوكته فلم يجب عليه الحدّ كما لو كانت زوجته أو أمته خالصا انتهى «1».

قوله قدّس سرّه: و قال قوم إلخ لا بدّ من ان يكون هذا القوم من العامّة.

و يمكن ان يستدلّ لذلك بروايات كرواية جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: الرجل يأتي ذات محرم أين يضرب بالسيف؟ قال:

رقبتة «2».

و عنه أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: أين يضرب هذه الضربة؟

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 8.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب

حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 247

يعنى من اتى ذات محرم قال: تضرب عنقه «أو قال: رقبته» «1».

و عن جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: أين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ أين هذه الضربة؟ قال: تضرب عنقه. أو قال:

تضرب رقبته «2».

و الظاهر من ضرب العنق أو الرقبة هو قطعه عرفا مثل ما ورد في القرآن الكريم فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ «3» فلذا استفاد العلماء رضوان اللّٰه عليهم انّ المراد القتل، و حكموا به و أرسلوه إرسال المسلّمات، مع عدم التعبير فيها بالقتل أصلا و انّما المذكور فيها الضرب بالسيف أو ضرب الرقبة أو ضرب العنق.

و امّا احتمال إرادة أنّه يضرب مجرّد الضرب في ناحية عنقه دون سائر المواضع فهو بعيد كما انّ المراد من «أين» في سؤال الراوي هو الموضع من بدن الزاني أو رأسه و ليس المراد منه السؤال عن المكان، و على هذا فقد أجاب الإمام عليه السّلام سؤال الراوي كما بيّن حكم اللّٰه تعالى الذي هو القتل، فان المستفاد من ضرب العنق هو قطع الرقبة و الفصل بين الرأس و البدن.

نعم، عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن ابن بكير عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: الرجل يأتي ذات محرم؟

قال: يضرب بالسيف قال ابن بكير: حدّثني حريز عن بكير بذلك «4». و ظاهر هذا هو مجرّد الضرب بالسيف مطلقا كما انّه قد ورد في بعض الاخبار التعبير بالضرب بالسيف أخذت منه ما أخذت، مثل ما رواه أبو أيّوب قال: سمعت ابن بكير بن أعين يروى عن أحدهما عليهما السّلام قال: من

زنى بذات محرم حتّى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت و ان كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت، قيل له فمن يضربهما و ليس لهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(3) سورة محمّد «صلّى اللّٰه عليه و آله» الآية 4.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 248

خصم؟ قال: ذاك على الإمام إذا رفعا اليه «1».

و ما رواه عبد اللّٰه بن بكير عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: من اتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت «2».

و هذه الروايات و ان لم تدل على تعيين القتل لكن بضميمة ما ورد في تفسير «ضرب ضربه بالسيف أخذ السيف ما أخذ» بالقتل، في حدّ اللواط و نكاح البهائم، يحمل التعبير الوارد فيها أيضا على القتل.

امّا الأوّل فهو ما رواه سليمان بن هلال عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يفعل بالرجل قال: فقال: ان كان دون الثقب فالجلد و ان كان ثقب أقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف ضربة أخذ السيف منه ما أخذ، فقلت له: هو القتل؟

قال: ذاك «3».

و امّا الثاني فهو ما رواه سليمان بن هلال أيضا قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي البهيمة قال: فقال: يقام قائماً ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال: فقلت: هو القتل؟

قال: هو ذاك «4».

فان الظاهر انّ مرجع الضمير في كلتيهما هو الضرب بالسيف، و قد فهم الراوي منه

القتل و سئل الإمام في ذلك و قرّره عليه الصلاة و السّلام و صدّقه في ذلك اى انّ المراد من الضرب بالسيف هو القتل.

هذا مضافا الى انّ الضرب بالسيف الوارد في هذا القسم من الروايات، إذا كان على العنق كما هو مقتضى تقييد هذه بالروايات المقيّدة المتقدّمة فهو ملازم نوعا للقتل كما هو المعهود من حال مجرى حدود الحكّام، و قد نقل و حكى من عاين وقعة قتل الرجل المظلوم اليزدي زائر بيت اللّٰه الحرام، بحكم القاضي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من حدّ الزنا الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ اللواط الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 2 من أبواب نكاح البهائم الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 249

السعودى [1] عليه ما عليه انّه ضربه الحدّاد ضربة طار منها رأسه و سقط على الأرض.

و هنا خبر نبويّ صريح في الحكم بقتل من زنى بذات محرم و هو: من وقع على ذات محرم فاقتلوه [2].

و على الجملة فقد تحقّق انّ حكم الزاني بالمحارم هو القتل.

نعم هنا روايتان تعارضان ما دلّ على وجوب القتل من الروايات المتقدّمة إحديهما رواية محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران عمّن ذكره عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل وقع على أخته؟ قال يضرب ضربة بالسيف، قلت: فإنّه يخلص؟ قال: يحبس ابدا حتّى يموت «1».

و الأخرى رواية عامر بن السمط عن علىّ بن الحسين عليهما السّلام في الرجل يقع على أخته قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فان عاش خلّد في السجن حتّى يموت

«2».

فإنهما صريحتان في انّه لو لم يمت من الضربة فإنّه يخلّد في السجن الى ان يموت، إلّا أنهما ضعيفتان سندا و لم يعمل بهما كما قال العلّامة المجلسي قدّس سرّه عند ذكر رواية ابن مهران: ضعيف و لم أر قائلا بها بل المقطوع به في كلامهم هو القتل «3».

و بعد سقوط هاتين تبقى الأخبار الدّالة على وجوب القتل المعمول بها عندهم و يعمل بهما.

ثم انّ هنا رواية أخرى في حدّ الزاني بذات محرم و هي لا تساعد شيئا

______________________________

[1] و قد قتلوه في سنة 362. ه بين الصفا و المروة مظلوما لفرية شانئة عليه. راجع الغدير الجلد 2 الصفحة 316.

[2] راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 237 و المستدرك الجلد 2 الصفحة 225. أقول: قال السيّد ابن زهرة في الغنية: يحتجّ على المخالف بما رووه من قوله (ع): من وقع على ذات محرم فاقتلوه، و لم يفصل، ثم قال: و ليس لهم ان يحملوا ذلك على المستحلّ لانّه تخصيص بغير دليل و لانّه لو أراد ذلك لم يكن لتخصيص ذوات الأرحام فائدة. و روى المخالف أيضا انّ رجلا تزوّج امرأة أبيه قال أبو بردة فأمر النبي ص ان اقتله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 10.

(3) مرآة العقول الجلد 23 الصفحة 280.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 250

من الروايات السابقة و هي رواية أبي بصير عن عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني الّا انّه أعظم ذنبا «1».

فان الظاهر منها انّ الزاني بذات محرم كالزاني بغيرها بلا فرق بينهما و

انّه لا خصوصيّة للزنا بذات محرم- و نتيجة ذلك انّه لو كان الزاني بذات محرم محصنا يرجم و الّا فإنّه يجلد- و انّما التفاوت بين الزنا بذات محرم و الزنا بغيره هو زيادة الذنب المحقّق بالزنا بذات محرم، و حيث انّ هذه المعتبرة مخالفة للروايات المتقدمة الدّالة على القتل فلذا ذهب الشيخ قدّس سرّه الى التخيير بين القتل و بين الرجم جمعا بينهما [1].

و فيه انّ هذا الحمل مشكل و هو خلاف ظاهر الرواية جدّا كما لا يخفى و العمدة انّها مطرحة غير معمول بها [2].

ثم انّه بان ممّا ذكرنا في المقام انّ الواجب و المعتبر هو قتله بضرب العنق بالسيف فلا يجوز قتله بغير السيف كالخنق أو بالرصاص و غير ذلك كما لا يجوز مطلق قتله بالسيف بان يضرب بالسيف على غير رقبته مثل ان يضرب به في بطنه أو على وسطه و غير ذلك، و ذلك لما مرّ من دلالة الروايات على خصوص ضرب الرّقبة.

فالقول بانّ المناط في ذلك كلّه هو القتل من غير دخل للخصوصيّات

______________________________

[1] قال قدّس سرّه في التهذيب الجلد 10 الصفحة 23: فأمّا ما رواه محمّد بن على. عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا زنى الرجل.، فلا ينافي ما قدّمناه من الاخبار من انّه يجب عليه ضربة بالسيف لأنّه إذا كان الغرض بالضربة قتله و فيما يجب على الزاني الرجم و هو يأتي على النفس فالإمام مخيّر بين ان يضربه بالسيف أو يرجمه.

[2] أقول: و يرد عليه أيضا بالنسبة إلى الجلد فان حدّ الزاني الوارد في المعتبرة أعمّ من الرجم و الجلد فكيف يجمع بينها و بين الاخبار المتقدّمة من هذه الجهة؟

و يمكن ان

يكون المراد من هذا الخبر انّ الزنا بذات محرم مساو للزنا بغيرها أوّلا فيجب الجلد ثم ازداد عظما و إثما لأجل المحرميّة فيجب القتل و على هذا فلا منافاة بينه و بين سائر الاخبار لانّه يجب الجلد لكونه زنا و القتل لخصوصيّة زائدة أي كونه بذات محرم فتأمّل فإنّه غير مفتى به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 251

اجتهاد في مقابل الظاهر.

و امّا النبوي المتقدّم آنفا: من وقع على ذات محرم فاقتلوه، فهو و ان كان ظاهرا في تجويز مطلق القتل الّا انّى لم أجد في كلمات الأصحاب من تمسك به و اعتمد عليه و استند اليه فيشكل جبره بمجرّد الوفاق في القتل- و ان قال صاحب الجواهر بأنّه منجبر- و حينئذ فيشكل رفع اليد عمّا ورد في روايات متعدّدة من اعتبار ضرب العنق.

اللّهم الّا ان يستظهر انّ الملاك هو القتل بأيّ صورة و لا خصوصيّة لضرب العنق لكنّه مشكل عندنا [1].

و امّا انّه هل يعتبر كون قتله بضربة واحدة؟ فالظاهر انّه لا خصوصيّة لها بعد انّ الحكم هو القتل، و على هذا فلو لم يقتل بالأولى فإنّه يقتل بالثانية و هكذا.

و هل الحكم جار في مطلق الزاني بالمحارم و ان كان محصنا أو انّه يختصّ بالزاني غير المحصن و امّا المحصن فله حكمه أي الرجم؟.

أقول: انّ نسبة أدلّة الإحصان و أدلّة الزنا بذات محرم، العموم من وجه و لا إشكال في مادّتي الافتراق اى زنا المحصن بغير ذات محرم و الزنا بذات محرم بلا إحصان فإنّ الحكم في الأوّل هو الرجم و في الثاني هو القتل، و انّما يشكل الأمر في

المجمع أي الزاني بذات محرم و هو محصن، و مقتضى القاعدة الأصولية و ان كان هو التخيير في أخذ هذا أو ذاك لكنّهم رضوان اللّٰه عليهم أجمعين رجّحوا جانب أدلّة الزنا بذات المحرم و حكموا بالقتل و على هذا فلا فرق في ذلك بين كونه محصنا أو غير محصن- كما لا فرق بين المسلم و غيره و لا بين الحرّ و العبد.

و لعلّ ذلك لأجل ما ربّما يظهر من أدلّة الزنا بذات محرم من انّ لسانها آبية عن التخصيص بخلاف أدلّة الإحصان فإنّها ليس بهذه المثابة.

و هل يجب مع القتل الجلد أيضا- كما قد يقال بالجمع بين الجلد

______________________________

[1] أقول: يبدو في الذهن قريبا ان ذكر السيف لكونه آلة متداولة للقتل آنذاك و الضرب به على العنق أسهل طريق في قتله به.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 252

و الرجم في المحصن- أو انه يقتصر على مجرّد القتل؟

أقول: انّ لنا عامّا و خاصّين امّا العامّ فهو قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ «1» فإنّه ظاهر في انّ حكم كلّ زان أو زانية هو الجلد.

و امّا الخاصّان فأحدهما انّ الزاني بذات محرم يجب قتله، ثانيهما انّ الزاني المحصن يرجم، و لا شكّ في انّ النسبة بين العام و كلّ واحد من هذين هو العموم المطلق فإنّ الزاني أعم من المحصن و غيره كما و انّه أعم من الزاني بالمحرم و غيره و مقتضى ذلك، الحكم بأنّ الزاني يجلد إلّا إذا كان قد زنى بذات محرم مثلا فإنّه يقتل و قد ذهب اليه المشهور.

و خالف في ذلك ابن إدريس رحمه اللّٰه فإنّه قال: فامّا من يجب عليه القتل على كلّ حال

سواء كان محصنا أو غير محصن حرّا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان أو شابا فهو كلّ من وطئ ذات محرم له امّا أو ابنة أو أختا أو بنتيهما أو بنت أخيه أو عمّته أو خالته فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال بعد جلده حدّ الزاني لأنّه لا دليل على سقوطه عنه لقوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و لا منافاة بين جلده و بين قتله بعد الجلد، و ليس إطلاق قول أصحابنا: يجب عليه القتل على كلّ حال، دليلا على رفع حدّ الزنا عنه انتهى [1].

و فيه انّه و ان كان الجمع بينهما ممكنا و محتملا عقلا الّا انّ الحكم

______________________________

[1] السرائر الطبع الجديد الجلد 3 الصفحة 437 أقول: و قد افتى بما ذهب اليه ابن إدريس بعض آخر كالشهيدين و الأردبيلي ففي الروضة مزجا: و يجمع له أي للزاني في هذه الصور الثلاث- الزاني بالمحرم، و الذمّي بالمسلمة و الزاني مكرها للمرأة- بين الجلد ثم القتل على الأقوى جمعا بين الأدلّة فإنّ الآية دلّت على جلد مطلق الزاني و الروايات دلّت على قتل من ذكر، و لا منافاة بينهما فيجب الجمع انتهى راجع الصفحة 332 من الجلد 2.

و قال الأردبيلي رحمه اللّٰه: و لمّا أمكن الجمع بين الجلد و ضرب العنق يفعل، عملا بالدليلين انتهى.

______________________________

(1) سورة النور الآية 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 253

بخصوص القتل في الزاني بالمحرم هو مقتضى الجمع بين العامّ و الخاص سواء كان الخاص و دليل الاستثناء هو الاخبار أو انّه الإجماع- كما عبّر هو بإطلاق قول أصحابنا، حيث انّه لا يعمل بأخبار الآحاد- فان معنى هذا

الخاص انّ حكم الزاني و ان كان هو الجلد الّا انّه يستثني من ذلك قسم خاصّ من الزناة و هو الزاني بذات محرم، و على الجملة فظاهر الاخبار و كلمات الأصحاب هو التنويع و التقسيم كالحاضر و المسافر و القصر في الأوّل و الإتمام في الثاني.

و ما ذكره يصح لو لم تكن الأدلة ظاهرة في التنويع و اختصاص كلّ موضوع بحكم، و الحال انّ الاخبار ظاهرة جدا في ذلك و إليك بعضها:

عن ابي بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الرجم حدّ اللّٰه الأكبر، و الجلد حدّ اللّٰه الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد «1».

و عن يونس عن سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الحرّ و الحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مأة جلدة فأمّا المحصن و المحصنة فعليهما الرجم [1].

ترى انّ صريح الاولى و ظاهر الثانية هو انّ الزاني غير المحصن يجلد و المحصن يرجم لا غير كما انّه يستفاد من قوله عليه السّلام في الرواية الأولى:

حدّ اللّٰه الأكبر و حدّ اللّٰه الأصغر، إنّ الحدّين لا يجتمعان في مورد واحد و عمل واحد و انّه لا يحدّ المرتكب للزنا حدّين لصدور زنا واحد عنه [2].

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3، أقول: و في نهج البلاغة خطبة 127: و قد علمتم انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله رجم الزاني المحصن. و جلد الزاني غير المحصن.

[2] أقول: قال العلامة في القواعد بعد ذكره ان القتل حدّ أربعة.: و لا يعتبر في هؤلاء الإحصان و لا الشيخوخيّة بل يقتل كلّ منهم حرّا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان

أو شابا و يقتصر على قتله بالسيف. انتهى.

و قال فخر الدين في شرحه: افتى المصنف بقتلهم من غير اشتراط أمر زائد على الزنا أو من غير أمر زائد على القتل و هو قول الشيخ في النهاية و المفيد و ابن البرّاج و ابى الصلاح، و قال ابن إدريس: «نقل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 254

و قد ظهر انّ ما أفاده رحمه اللّٰه بقوله: و ليس إطلاق قول أصحابنا: يجب عليه القتل على كلّ حال، دليلا على رفع حدّ الزنا عنه، ليس تاما فان ظاهرهم كظاهر الاخبار هو وجوب خصوص الرجم بلا ضمّ الجلد اليه.

هذا هو مقتضى القاعدة و الّا فلو دلّ الدليل في مورد على الجمع بينهما كما في زنا الشيخ و الشيخة فإنّه يجمع بينهما.

لا يقال: انّ الروايات الواردة في ب 15 من مقدّمات الحدود تدلّ على انّه يجمع بين الجلد و الحدّ [1].

لأنّا نقول: انّها واردة في الأسباب المختلفة و ليس هنا الّا سبب واحد لما ذكرنا من انّ المقام من قبيل الحاضر و المسافر.

هذا كله بالنسبة إلى العام و الخاصّين.

و امّا نسبة الخاصين أحدهما إلى الآخر فهي العموم من وجه، و ذلك لانّه يقال: من زنى بذات محرم يقتل سواء كان محصنا أو غير محصن، و من زنى محصنا يرجم سواء كان قد زنى بذات محرم أم لا و لا اشكال كما تقدّم في مادّتي الافتراق فإنّه يقتل الزاني بذات محرم و هو غير محصن كما انّه يرجم الزاني محصنا بغير ذات محرم، و انّما النزاع في مادّة الاجتماع فمقتضى دليل الإحصان رجمه كما انّ مقتضى دليل الزنا

بذات محرم هو قتله و حيث انّ المقتضى لكلّ من الرجم و القتل موجود فالمقام من قبيل المتزاحمين نظير من رأى غريقين و لا يقدر على إنقاذ كليهما و انّما يتمكن من إنقاذ واحد منهما- فإنّه لو كان متمكّنا من إنقاذ كليهما كان يجب ذلك- فدليل وجوب إنقاذ الغريق و الأمر به لم يخصّص بالنسبة إلى أحدهما لكنه لا يتمكّن الّا من إنقاذ واحد

______________________________

هنا كلام السرائر الى ان قال:» و الأقوى عندي اختيار والدي المصنف انتهى و في الرياض بعد المناقشة في دعوى عدم المنافاة بين الأدلّة قال: بعد ما عرفت من ورود أدلّة القتل في مقام الحاجة الموجب للدلالة على عدم حدّ آخر و الّا للزم تأخير البيان عنها و هو غير جائز بلا شبهة و لعلّة لذا اختار المشهور القتل خاصّة كما صرّح به بعض الأجلّة الى ان قال: فاذا الشهور لا يخلو عن قوة سيّما و انّ الحدود تدرء بالشبه انتهى.

[1] أورده هذا العبد و أجاب أدام اللّٰه بقاه بما في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 255

منهما و العقل يحكم في هذا المقام بإتيان واحد من الأمرين فإن كان ترجيح فيأتي بذي المرجح كما إذا كان في المثال أحدهما عالما و الآخر ليس بعالم و الّا فهو مخيّر بينهما ففي المثال ينقذ واحدا أيّهما شاء هذا أو ذاك، و كذا الحكم في المقام، و حيث انّ دليل الرجم و القتل تامّ، و المقتضى موجود الّا انّه لا يمكن الجمع بينهما عقلا فيحكم بتخييره بينهما فله ان يرجمه أخذا بدليل الرجم، أو يقتله تمسكا بدليل القتل، لكن المشهور بل قاطبة الأصحاب حكموا بالقتل و لم أعثر- كما مرّ- الى

الآن على من قال بالرجم هنا و الحاصل انّ الترجيح لدليل القتل للإجماع على ذلك.

و قد ذكر لتقديم القتل عندهم وجهان أحدهما انّ أدلّة القتل ناظرة إلى إثبات خصوصيّة في الزنا بذاته محرم فيرفع اليد بها عن إطلاق ما دلّ على ثبوت الرجم.

ثانيهما انّ الروايات الدّالة على انّ الزاني بذات محرم يقتل بالسيف، أظهر من الروايات الدالة على ان الزاني محصنا يرجم نظرا الى انّ الاولى بالعموم و دلالة هذه بالإطلاق و من المعلوم انّ دلالة العموم وضعيّ و دلالة الإطلاق ليست كذلك بل هي بالمقدّمات فتقدّم أدلة القتل على أدلّة الرجم في مورد الاجتماع.

و كلاهما محلّ الإشكال امّا الأوّل فلانّه لا فرق بينهما من جهة الخصوصيّة فكما انّ في الزنا بذات محرم خصوصيّة أوجبت القتل كذلك في الزنا محصنا أيضا خصوصيّة أوجبت الرجم و لا تفاوت بينهما أصلا.

و امّا الثاني فلعدم الفرق بينهما و عدم أظهريّة لأدلّة القتل فاذا كان قوله (ع): من وقع أو من زنى بذات محرم دالّا على العموم فقوله (ع): المحصن يرجم أيضا يدلّ على العموم فان معناه بعد كون الالف و اللام للاستغراق هو انّ كلّ محصن يرجم بل و كذلك لو كان حرف التعريف للجنس و كما انّ للزاني بذات محرم إفراد و مصاديق كذلك الزاني المحصن.

و امّا النبوي (ص): من وقع على ذات محرم فاقتلوه، ففيه أولا انّهم لم يتمسّكوا به و ثانيا انّ النسبة بينه و بين أدلّة الرجم أيضا عموم من وجه و الكلام

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 256

هو الكلام.

نعم لو قيل بانّ الميزان هو افناء هذا الشخص بلا خصوصيّة للقتل بالسيف فهناك لا معارضة، لصحّ الحكم بالتخيير شرعا بين قتله

أو رجمه، و امّا بعد البناء على خصوصيّة القتل بالسيف تعبّدا كخصوصية رجم المحصن فهما متزاحمان و العقل بحكم بالتخيير عند عدم مرّجح في البين.

الكلام في إلحاق السببي من المحارم بالنسبي

ثم انّه هل تلحق المحرّمات سببا بالمحرّمات نسبا في إيجاب الزنا بهن القتل، أم لا؟ ظاهر الشرائع و المختصر النافع هو اختصاص الحكم بالنسبي، و قد ذهب اليه المشهور أيضا و عليه فلا يشمل الحكم المحرّمات بالسبب كأمّ الزوجة و بنتها، و خالف في ذلك بعض الأصحاب.

و غير خاف انّ البحث ليس لغويّا و لا الاختلاف في المسئلة اللغويّة و ذلك لعدم خفاء أصلا في معنى المحرم و وضوح انّ معناه من يحرم نكاحه و هذا المعنى يعمّ السببي أيضا بل و الرضاعي، فلا حاجة الى ذكر قول اللغويّين و انّما البحث في انصرافه في الأدلّة إلى خصوص من يحرم نكاحه بالسبب بحيث لا يتبادر منه الّا ذلك- مع انّ اللفظ بإطلاقه يشمل غيرها- و عدم انصرافه، و قد ادّعى ذلك بعض العلماء.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: و المتبادر من ذات المحرم النسبيّة، ثم قال: و يمكن شمولها للسببيّة و قد تقدّم في بابه انّ المحرم من يحرم نكاحه مؤبّدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة و حينئذ فلا يقتصر على امرأة الأب بل يتعدّى الى غيرها من المحرّمات السببيّة و الرضاعيّة انتهى «1».

فمع دعواه تبادر الخصوص قوّى و استظهر العموم و عدم فرق بين النسبي و السببيّ و الرضاعي.

و قال كاشف اللثام: لمّا كان التّهجم على الدماء مشكلا قصر الحكم

______________________________

(1) مسالك الافهام الجلد 2 الصفحة 427.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 257

على ذات محرم نسبا لا سببا أو رضاعا الّا ما سيأتي في امرأة الأب وفاقا للمحقّق

و بنى إدريس و زهرة و حمزة بناء على انّه المتبادر الى الفهم و لا نصّ و لا إجماع على غيرها، و في المبسوط و الخلاف و الجامع إلحاق الرضاع بالنسب دون السبب الّا امرأة الأب «1» فهو قد ادّعى تبادر خصوص النسبي و قصر الحكم عليه.

و قال صاحب الرياض- بعد ذكر المحرمات بالنسب و الحكم بانّ الزنا بهنّ يوجب القتل، و الاستدلال بالإجماع و النصوص-: و امّا غير هن من المحارم بالمصاهرة كبنت الزوجة و أمّها فكغيرهنّ من الأجانب على ما يظهر من الفتاوى، و النصوص خالية من تخصيص النسبي بل الحكم فيها معلّق على ذات محرم مطلقا لكن سند أكثرها ضعيفة، و الحسن منها قاصر عن الصحّة، و الصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجّم على النفوس المحترمة سيّما مع عدم صراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة بناء على عدم انصراف ذات محرم بحكم التبادر الى السببيّات بل المتبادر منها النسبيّات خاصّة [1].

و هو قد اعترف أوّلا بشمول اللفظ للسببيّ و الرضاعيّ لكنه استشكل في ذلك، و نحن نقول انّ الحكم قد تعلّق بذات محرم ففي بعض الروايات:

من وقع على ذات محرم كذا، و مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون الملاك في الحكم بالقتل هو وقوع الزنا بذات محرم، و بعبارة اخرى انّ الحكم معلّل في الحقيقة و كأنّه قيل: يجب قتل هذا الزاني لكون زناه زناء بذات محرم فان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعليّة و على هذا فالروايات شاملة لكلّ من انطبق

______________________________

[1] و مثله الأردبيلي فإنّه قال في الشرح: العمل بظاهر الروايات يقتضي التعميم و لكن سند أكثرها غير صحيح و مبني الحدود على التخفيف و السقوط

للشبهة، و فتوى الأكثر على خلاف ذلك على ما يظهر من تقييد الأكثر بالنسب و التردّد في غيره أو السكوت مع ذكر امرأة الأب كما في المتن فتأمل انتهى. و قال العلّامة في الإرشاد: القتل، و يجب على الزاني بالمحرمات نسبا كالأمّ و بامرأة الأب انتهى.

______________________________

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 218.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 258

عليه هذا العنوان بلا فرق بين النسبي و السببيّ، و امّا ما ذكره بعد اعترافه بإطلاق الأدلّة و شمولها للسببىّ أيضا، من ضعف سند الروايات الواردة في الباب و عدم صحّة سندها إلّا رواية واحدة و لا يجسر بمثلها على التهجّم على النفوس، و كذا تبادر النسبيّات، فهو غير تام و ذلك لانّه لو كانت الرواية حجّة قابلة للاعتماد عليها و العمل بها فلا بدّ من الأخذ بها مطلقا بلا فرق بين المقامين.

و بذلك ظهر الجواب عمّا ذكره في كشف اللثام أيضا و ذلك لانّ الحكم بالإلحاق مع الدليل ليس من باب التهجّم على الدماء فلو لم يكن لنا دليل على الإلحاق لصحّ ما ذكره، و امّا إذا كان هناك دليل يدلّ على المطلوب فلا، و قد علمت انّ الروايات تدلّ بظاهرها على الإلحاق.

و امّا بالنسبة إلى التبادر فنقول: انّ المتبادر من: الزنا بذات محرم يوجب القتل، سواء ألقيت بالعربيّة أو بالفارسيّة هو الزنا الصادر ممّن كان محرما و بالنسبة إلى المحرم اى من يحرم نكاحه و لا انصراف في البين و لا تبادر، و على الجملة فالمتفاهم العرفي من مثل قوله عليه السّلام: من وقع بذات محرم، و أمثال ذلك هو الإطلاق و الشمول، و ان كان قوله عليه السّلام في بعض الروايات كرواية ابن

مهران: رجل وقع على أخته إلخ منصرفا إلى الأخت النسبي، و من ذلك يعلم انّ ما ذكره في الجواهر في أثناء كلامه دفاعا عن الرياض من انّ المنساق من ذات محرم هو النسبي، في محلّ المنع، فان رفع اليد عن العام الظاهر في العموم بادعاء التبادر المختلف فيه في خصوص المقام، في غاية الإشكال [1] الّا ان يكون إجماع على اختصاص الحكم بالنسبي.

و امّا كون النسبي هو المتيقّن من ذات محرم فيؤخذ به دون السببي.

______________________________

[1] أقول: و قال الفيض الكاشاني في المفاتيح الجلد 2 الصفحة 70: و كذا (يقتل) إذا زنى بذات محرم بلا خلاف للنصوص المستفيضة. و خصّه جماعة بالنسبيّات لأنهنّ المتبادر، و الأظهر شموله للسببيّات و في التبادر منع انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 259

ففيه انّ القدر المتيقّن إذا كان متعلقا بمقام التخاطب لكان يجب الأخذ به و امّا إذا لم يكن كذلك فهو لا يضرّ بالأخذ بالإطلاق.

لا يقال: انّ إطلاق الروايات و ان كان شاملا للنسبىّ و السببيّ الّا انّ ذهاب المشهور الى اختصاص الحكم بالأوّل يحملنا على الأخذ بقول المشهور دون غيره كما قد يتمسّك بفهم الأصحاب في بعض الموارد الأخر [1].

لأنّه يقال يشكل رفع اليد عن العموم بمجرّد فهم الأصحاب بعد انّه الظاهر.

و امّا القول بإلحاق خصوص السببي المذكور في الآية الكريمة دون غيره [2] فهو بلا دليل و لم يقل به أحد، و انّما ذكر بعض السببيّات في الآية من باب المثال و اراءة المصداق، غاية الأمر انّ للزاني بزوجة الأب حكما خاصّا و هو الرجم.

لا يقال: انّه لا أقلّ من كون المقام من موارد الشبهة لعدم إفتاء الأكثر بالإلحاق، و الحدود تدرء بالشبهات [3].

لأنّا نقول:

لا شبهة بعد الاستظهار من الأدلّة.

فتحصّل انّه لا يتمّ القول بالانصراف، بل لا فرق بينهما في الحكم.

الّا انّ المشهور القول بعدم القتل هنا و لعلّه أشير إليهم من النواحي العالية.

______________________________

[1] أورده هذا العبد و تفضّل دام عمره بالجواب بما ذكرناه

[2] أورده بعض زملائنا و الآية هو قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ. وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. سورة النساء- 27.

[3] أورده هذا العبد و قد أجاب دام ظله بما في المتن و لكن لم اقتنع كاملا فإنّه لا شكّ في عدم إفتاء المشهور بالإلحاق و هذا يوجب الشبهة في الحكم به و قد رأيت بعد ذلك انّ الأردبيلي قدّس سرّه أيضا ذكر ذلك فراجع ما ذكرناه عنه في بعض الهوامش السابقة كما انّ السيّد الخوانساري قدّس سرّه أيضا أورد ذلك فإنّه بعد نقل رواية إسماعيل بن ابي زياد الدالة على رجم الزاني بامرأة أبيه قال: و يقع الاشكال من جهة عدم صحّة السند و فتوى الأكثر على الخلاف و تدرء الحدود بالشبهات.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 260

و الإنصاف انّه يشكل الأمر بذلك فلو أريد الاحتياط ففي مورد الإحصان يدور الأمر بين الرجم- لانّه محصن و المشهور قائلون بالانصراف- و بين القتل- على ما ذكرناه من عدمه- و الاحتياط في اختيار الأخفّ زجرا و هو القتل و امّا في غير مورد الإحصان فالدوران بين القتل و الجلد و يؤخذ بالأخفّ اى الجلد.

و هل الحكم جار في النسبيّ الشرعيّ خاصّة أو انّه جار في النسبيّ مطلقا

و ان لم يكن شرعيّا كما إذا كان من زنا؟

قال في الجواهر: نعم قد يقال باختصاص ذلك بالنسب الشرعيّ أمّا المحرم من الزنا فلا يثبت له فيها الحدّ المزبور للأصل و غيره، و لم يحضرني الآن نصّ لأصحابنا فيه.

أقول: الوجه في عدم الشمول هو انّ الشارع قد نفى النسبة و حكم بعدم التوارث بين الولد و الوالدين و عليه فهذه الأمومة غير معتبرة شرعا و انّما المعتبر الأمومة الشرعية الحقيقيّة لا العرفيّة.

و لكن الظاهر انّ الأمر ليس كذلك فانّا إذا علمنا انّه لا يجوز لولد الزنا نكاح امّه فلا محالة تكون امّه هذه محرّمة النكاح عليه و حينئذ يجري الدليل العامّ و هو انّ الزنا بذات محرم يوجب القتل و بعبارة اخرى انّ أمّ ولد الزنا أمّ، و الزّاني بالأمّ يقتل، و ذلك لانّ الأمّ هو من ولدت الطفل و ليس له اصطلاح خاص غير ذلك.

و على الجملة فالشارع و ان كان قد نفى الأمومة في بعض الأحكام كالتوارث لكن الأمومة الحقيقيّة و هي الولادة، ثابتة محقّقة، و الإرث خارج بالنص الخاص و حيث انّ الأمومة و الولادة الحقيقيّة موضوع لترتّب القتل على الزنا هناك فلا محالة يقتل الزاني بالأمّ الزنائي و لا انصراف للّام عنها و ان فرضنا انصراف ذات محرم عن السببي لأنّ هذه محرم نسبا و هي أمّ واقعا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 261

المحرّمات الرضاعية

و هل الحكم في المحرّمات بالرضاع أيضا هو القتل كالمحرّمات بالنسب أم لا؟ قد الحق بعض الأصحاب كالشيخ في الخلاف و المبسوط و ابن سعيد في الجامع، الرضاع بالنسب [1] و خالف فيه الآخرون.

و قد يتمسّك و يستدلّ للاوّل بالخبر الشريف: الرضاع لحمة كلحمة النسب

[2] و اللحمة بالفارسيّة يعنى تار و پود و رشته، فاللحمة المحقّقة بالرضاع كاللحمة الحاصلة بالنسب، و وجه الشبه واضح فان النسب يؤثر في التكوين و الإيجاد، و الرضاع في النموّ و التربية، و كما انّ الولد النسبي قد تكوّن و خلق من الأب و الامّ، كذلك الولد الرضاعي قد نما و شبّ بلبن أمّه الرضاعيّ.

و قد يستشكل في ذلك بعدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر المقامات كالإرث و الولاية و غيرها، فان الولد الرضاعي لا يرث امّه و لا العكس و كذا لا ولاية لأبي المرتضع، في حين انّ للوالد الحقيقي الولاية على ولده، و ذلك يدلّ على انّ لحمة الرضاع كلحمة النسب في خصوص النكاح.

و فيه انّ الظاهر من الخبر هو افادة حكم عام و المستفاد منه انّ

______________________________

[1] راجع الخلاف كتاب الحدود المسئلة 29 و المبسوط كتاب الحدود- ج 8- الصفحة 9، و الجامع الصفحة 549 قال الأخير: من زنى بذات محرم كالأمّ و البنت و الأخت نسبا أو رضاعا أو عقد عليها و وطئها و هو يعرفها قتل و كذلك ان اشتراها فوطئها فإن زنا بأخته فضرب بالسيف ضربة فلم يمت فروى انّه يحبس ابدا انتهى.

و يستفاد من كلامه انّه قد جمع بين الروايات بأنّ الزاني بالمحرمات يقتل إلّا الزاني بالأخت فإنّه يضرب بالسيف فان قتل فهو و الّا فإنّه يحبس الى ان يموت و لعلّه وجه حسن للجمع لأنّ رواية الحبس بعد الضرب واردة في الأخت و قد ذكرت ذلك للسيد الأستاد الأكبر لكنّه دام ظله أجاب بأنّه لم يقل به أحد و يرجّح طرح الرواية على حملها على ما لم يقل به أحد.

[2] الميزان الجلد 4 الصفحة 301،

الجواهر الجلد 29 الصفحة 310 لكنّي لم أجدها في الوسائل و لا في مستدركه، و في تذييلات الجواهر: لم نعثر على هذه الرواية مع التتبّع التامّ في مظانّها إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 262

الرضاع كالنسب في تمام الأحكام، نعم قد يخرج عن العام بدليل خاص، و على هذا فيجري عليه كلّ أحكام الولد النسبي، منها انّه لا يجوز النكاح و منها انّه لو ابتاع الولد الرضاعي أباه عن رضاع لانْعتق عليه كالولد النسبي و هكذا، فالخارج كالإرث و الولاية قد خرج بالدليل، و مقتضى هذا ان يكون حدّ الزنا بالمحرمات بالرضاع هو حدّه بالمحرمات بالنسب و هو القتل.

و يؤيّد ذلك ما ورد من انّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب «1» بضمّ الروايات الدالة على انّ الزنا بذات محرم يوجب القتل.

نعم لو كان هناك إجماع على عدم الحاقة به فلا كلام لنا في مقابل الإجماع.

الذميّ إذا زنى بمسلمة يقتل

و ممّن حدّه القتل، هو الذميّ الذي فجر بامرأة مسلمة.

قال المحقّق: و الذمّي إذا زنى بمسلمة.

أقول: و لا فرق في ذلك بين كونها مطاوعة أو مكرهة بل الحكم كذلك في مطلق الكافر و ان لم يكن ذميّا. و لا خلاف في ذلك قال في الجواهر: بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكىّ منها مستفيض.

قال الصدوق قدّس سرّه: و الذميّ إذا زنى بمسلة قتل «2».

و قال الشيخ الطوسي: فامّا من وجب عليه القتل على كلّ حال سواء كان محصنا أو غير محصن. فهو كلّ من وطئ ذات محرم له. و كذلك الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الصفحة 280 الحديث 1 و 3 و

4.

(2) الهداية الصفحة 76.

(3) النهاية الصفحة 692.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 263

و قال الشيخ المفيد: إذا فجر ذميّ بمسلمة كان حدّه القتل «1».

و قال أيضا: إذا زنى الذميّ بالمسلمة ضربت عنقه «2».

و قال ابن إدريس في السرائر: فامّا من يجب عليه القتل على كل حال. فهو كلّ من وطئ ذات محرم. و كذلك الذميّ إذا زنى بامرأة مسلمة فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال «3».

و قال السيّد المرتضى: و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ الذميّ إذا زنى بالمسلمة ضربت عنقه «4».

و قال سلّار: و يقتل الذميّ إذا زنى بمسلمة على كلّ حال «5».

و قال ابن زهرة: و منهم من يجب عليه القتل حرّا كان أو عبدا محصنا أو غير محصن على كلّ حال و هو من زنى بذات محرم له و وطئها مع العقد عليها و العلم برحمها منه أو زنى بامرأة أبيه أو غصب امرأة على نفسه أو زنى و هو ذميّ بمسلمة. و في زنا الذمي بالمسلمة خرق للذمّة و من خرق الذمّة فهو مباح القتل بلا خلاف. «6».

و قال ابن حمزة: امّا الزناة فضربان أحدهما يستوي فيه الإحصان و فقده، و الآخر لا يستويان، فما يستويان فيه يكون موجبه القتل و هو في خمسة مواضع: الزنا بزوجة الأب و بجاريته التي وطئها و قهر المرأة على فرجها.

و زنا الذميّ بالمسلم و وطئ كلّ ذات محرم مع العلم بأنّها ذات محرم بعقد كان أو بابتياع «7».

الى غير ذلك من كلماتهم في المقام.

______________________________

(1) المقنعة الصفحة 783.

(2) المقنعة الصفحة 778.

(3) السرائر الجلد 3 الصفحة 439.

(4) الانتصار الصفحة 261.

(5) المراسم الصفحة 251.

(6) راجع الجوامع الفقهية كتاب الغنية الصفحة 622.

(7) الوسيلة الصفحة

410

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 264

و تدلّ على ذلك مضافا الى الإجماع الذي تقدّم ذكره رواية حنان بن سدير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال:

يقتل [1].

نعم هنا بحث و هو انّه هل الحكم كذلك أيضا حتّى فيما إذا تاب و أسلم بعد ان زنى بالمسلمة أو أنّه إذا أسلم يرفع عنه هذا الحكم؟

احتمل بعض الأصحاب سقوط الحدّ عنه بذلك لكن المشهور خلافه.

و رواية حنان بن سدير مطلقة تشمل ما إذا أسلم بعد ان فجر و ما إذا لم يسلم و ان كان الظاهر منها هو فرض عدم إسلامه و الّا لكان يذكر ذلك.

قال الشيخ المفيد بعد ان حكم بقتل الذمي الذي فجر بمسلمة: فإن أسلم عند اقامة الحدّ عليه قبل إسلامه و امضى فيه الحدّ يضرب عنقه و لم يمنع إظهاره الإسلام من قتله، فان كان قد أسلم فيما بيّنه و بين اللّٰه عزّ و جلّ «1»

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 36 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1، أقول: قال في جامع الرواة الجلد 1 الصفحة 284: حنان بن سدير الصيرفي واقفي ثقة انتهى. و قال المحقّق الأردبيلي في مجمع البرهان: و لا يضرّ القول في حنان.

ثم أقول: قد استدل أيضا يكون ذلك خروجا عن الذمة، قال في الانتصار: و الوجه في صحّة قولنا زائدا على إجماع الطائفة ان هذا الفعل من الذمي خرق للذمة و امتهان للإسلام و جرأة على اهله و لا خلاف في انّ من خرق الذّمة كان مباح الدم، ثم قال: فان قيل: كيف يقتل من لم يكن قاتلا؟

قلنا كما نقتله مع الإحصان و ليس بقاتل و يقتل المرتد و

ليس بقاتل و بعد فاذا جاز ان يتغلّظ في الشريعة حكم زنا المحصن حتّى يلحق بأخذ النفس، ما المنكر من ان يتغلظ أيضا زنا الذمّي بالمسلمة حتّى يلحق بوجوب تناول النفس انتهى.

و قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي الصفحة 406: و ان كان «الزاني ذميا» بمسلمة حرّة أو امة صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة حيّة أو ميتة قتل لخروجه عن حرمة الذمّة إلخ.

و في كشف اللثام: لخروجه بذلك عن الذّمة و اجترائه على الإسلام و هتكه حرمته.

______________________________

(1) المقنعة الصفحة 783.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 265

و قال الشيخ بعد العبارة المتقدّمة عنه: فإن أسلم الذميّ لم يسقط بذلك عنه الحدّ بالقتل و وجب قتله على كلّ حال «1».

و قال ابن إدريس: فإن أسلم الذمّيّ ما يسقط بذلك عنه الحدّ بالقتل و وجب قتله على كلّ حال «2» و قال العلّامة و لو أسلم الذمّي الزاني بالمسلمة قتل أيضا [1].

فهؤلاء الافذاذ كلّهم متّفقون على انّ إسلامه بعد زناه لا يوجب سقوط الحدّ عنه.

نعم في عبارة المفيد قيد زائد على غيره و هو إسلامه عند اقامة الحدّ عليه، بخلاف عبارات الآخرين فإنّها مطلقة في عدم سقوط الحدّ بإسلام الذميّ بعد ان زنى بمسلمة.

و من هذا يظهر ما في كشف اللثام في هذا المقام من عدّ المقنعة في رديف النهاية و السرائر و التحرير، من التسامح و ذلك لانّه قد قيّد في المقنعة إسلامه بما إذا كان عند اقامة الحدّ عليه.

و الذي يستدلّ به على ذلك أمور ذكرها في كشف اللثام قال: و ان أسلم الذمي بعد ذلك فهل يسقط منه القتل؟ في المقنعة و النهاية و السرائر و التحرير: لا، استصحابا و عملا بالعموم

و لخبر جعفر بن رزق اللّٰه.

أقول: امّا الاستصحاب فهو لا يجري إلّا بعد ثبوت الزنا يعنى انّه إذا أسلم بعد ان ثبت عليه الزنا فهناك لو شكّ في بقاء حكم القتل عليه فإنه يستصحب ذلك بخلاف ما إذا أسلم قبل ذلك فإنّه حينئذ يجري استصحاب عدم الوجوب لانّ الشك حينئذ في ثبوت القتل عليه دون سقوطه.

______________________________

[1] التحرير الجلد 2 الصفحة 222. أقول: و قال أبو الصلاح في الكافي الصفحة 406: فإن أسلم قبل إسلامه و أجريت عليه أحكامه و لم يدرأ ذلك عنه الحدّ.

و قال ابن سعيد في جامعه الصفحة 549 عند عدّه من يقتل من الزناة: و كذلك الكافر إذا زنى بمسلمة فإن أسلم لم يسقط عنه ذلك

______________________________

(1) النهاية الصفحة 692.

(2) السرائر الجلد 3 الصفحة 439 و 440.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 266

و امّا العموم فالمراد به عموم مثل موثّق حنان بن سدير.

و فيه انّه محكوم برواية جبّ الإسلام، و بعبارة اخرى انّ دليل الجبّ يمنع العموم.

و امّا خبر جعفر فهو هذا:. عن جعفر بن رزق اللّٰه قال: قدّم الى المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود و قال بعضهم يفعل به كذا و كذا فأمر المتوكّل بالكتاب الى ابي الحسن الثالث عليه السّلام و سؤاله عن ذلك فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن عليه السّلام:

يضرب حتّى يموت فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك و قالوا يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنّه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجي ء به السّنة فكتب: انّ فقهاء

المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجي ء به سنّة و لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟ فكتب عليه السّلام:

بسم اللّٰه الرّحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ. قال: فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات «1».

و هي تدلّ على انّ التوبة بعد رفع الأمر إلى الحاكم و ثبوت الزنا لديه لا تنفع في رفع الحدّ و قد استشهد عليه السّلام لذلك بالآية الكريمة، و يستفاد منه انّ البأس- الذي إذا عاينه الإنسان لا ينفعه الندم- أعم من العقوبة الأخرويّة التي هي العذاب فتشمل الدنيويّة أيضا و هي الحدّ و ذلك لمكان تطبيقه عليه السّلام الآية الكريمة على الحدّ فهذه سنة اللّٰه تعالى التي أجراها في الأمم الماضين فلم يك ينفع توبتهم في رفع العذاب و العقوبة.

و شبيه هذه الآية في المؤدّى و المضمون، الآية الشريفة الواردة في هلاك فرعون و ردّ توبته و هي قوله تعالى:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 36 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2، و الآية: سورة غافر- 84.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 267

وَ جٰاوَزْنٰا بِبَنِي إِسْرٰائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّٰى إِذٰا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قٰالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [1].

و خبر جعفر و ان كان ضعيفا- لعدم ثبوت وثاقته- لكنه منجبر بعمل الأصحاب الّا انّ المستفاد و الظاهر منه هو إسلامه عند

تحتّم الحد عليه فرارا عنه.

و مقتضى ذلك هو التفصيل بين التوبة قبل ثبوت الحدّ عليه، و التوبة بعده في رفع الحدّ، فتقبل في الأوّل دون الثاني خلافا لما فهم المشهور و ذهبوا اليه من الإطلاق و عدم فائدة في إسلامه بعد ان زنى، سواء كان قبل الثبوت و الحكم أو بعد ذلك.

و قد ظهر بما ذكرناه انّ تفصيل المقنعة مستفاد من هذه الرواية فإنّ الظاهر منها انّ النصراني المذكور لمّا راى العذاب اى الحدّ الذي هو القتل، أسلم و قد حكم الامام عليه السّلام بأنّ إسلامه لا يفيد في رفع العذاب عنه و على هذا فلو أسلم و تاب بعد فجوره و قبل ان يثبت ذلك فإنّه يرفع عنه القتل.

و هنا وجه ثالث احتمله في كشف اللثام قائلًا: و يحتمل السقوط لجبّ الإسلام ما قبله، و الاحتياط في الدّماء، و حينئذ يسقط عنه الحدّ رأسا و لا ينقل الى الجلد للأصل انتهى.

و هو ظاهر في انّ الإسلام يوجب رفع الحدّ عنه مطلقا سواء كان قبل إثبات الحدّ عليه أم بعده.

و قد استدلّ على ذلك بجبّ الاسلام ما سلف و الاحتياط في الدماء.

______________________________

[1] سورة يونس الآية 89 و 90، أقول: و نظيرها أيضا في المضمون قوله تعالى فَلَوْ لٰا كٰانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهٰا إِيمٰانُهٰا إِلّٰا قَوْمَ يُونُسَ لَمّٰا آمَنُوا كَشَفْنٰا عَنْهُمْ عَذٰابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ مَتَّعْنٰاهُمْ إِلىٰ حِينٍ. سورة يونس- 97.

ثم إنّي أوردت بأنّه لا كليّة لعدم نفع الايمان بعد رؤية البأس و ذلك لتحصيصه في قصّة قوم يونس فأجاب دام ظله بأنّه هناك كان مقدّمة العذاب و آثاره لا نفسه.

[2] حديث الجبّ رواه في كنز العمّال الجلد 1 الصفحة 17 و 20، و

الجامع الصغير للسيوطي الجلد 1 الصفحة 160 و مسند أحمد بن حنبل الجلد 4 الصفحة 199 و 205، و أسد الغابة الجلد 5 الصفحة 54 و قد رواه القميّ في تفسيره 5 الجلد 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 268

و قد يقال بانّ حديث الجبّ ليس مرويّ عن طرق العامّة.

و أجيب عن ذلك بانّ المشهور من العامّة و الخاصّة قد عملوا به فيما لا دليل على خلافه.

نعم يرد على الاستدلال به ما مرّ من حكومة موثق ابن سدير و خبر جعفر بن رزق اللّٰه، على ذلك، فالإسلام يجبّ ما قبله الّا فيما إذا زنى الذمي بالمسلمة فإنّ إسلامه و ان كان مقبولا و هو يحسب مسلما الّا انّ الحدّ اى القتل لا يسقط عنه.

و هنا وجه رابع يظهر من صاحب الجواهر و هو التفصيل بين الإسلام حقيقة و الإسلام لفظا و صوريا تخلّصا و فرارا عن القتل، فيقبل إسلامه و يؤثّر في الأوّل سواء كان قبل إثبات الحدّ أو بعده، و لا يؤثّر مطلقا في الفرض الثاني.

و فيه انّه مخالف لما هو السيرة القطعيّة من معاملة النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بالنسبة إلى المنافقين الذين كانوا يبطنون الكفر و يظهرون الإسلام فإنّه صلوات اللّٰه عليه لم يكن يؤاخذهم بعد اظهارهم الإسلام بما فعلوه و أتوا به قبل اظهارهم الإسلام مع كونهم في الحقيقة كفّارا و انّما أظهروا الإسلام حفظا لنفوسهم و حقنا لدمائهم [1] قد صرّح اللّٰه تعالى بذلك و أخبر النبيّ بكذبهم بقوله إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «1» و على الجملة فلازم ما ذكره عدم جبّ

إسلام المنافقين ما فعلوه في حال الكفر، و هو كما تراه فإنهم كانوا يقبلون إسلامهم و لم يؤاخذوهم بما فعلوا قبل الإسلام.

و قد ظهر من تلك الأبحاث انّه لا يبعد القول بالتفصيل بين إسلامه قبل قيام البيّنة و إثبات الحدّ عليه، و إسلامه بعد ذلك، فيدفع الحدّ في الأوّل دون

______________________________

[1] في دعاء الامام زين العابدين عليه السّلام: اللّهم انّ قوما آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دمائهم فأدركوا ما أمّلوا و انّا آمنا بألسنتنا و قلوبنا لتعفو عنّا إلخ.

______________________________

(1) سورة المنافقون الآية 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 269

الثاني، و ان كان إسلامه يقبل في كلا الحالين.

ثم انّه قد يقال بعدم تطابق رواية جعفر مع ما هو المذكور في الكلمات و عبارات الفقهاء، و ذلك لأنّهم يقولون بأنّ الذمي إذا فجر بامرأة مسلمة يقتل في حين انّ المذكور المصرّح به في صدر الرواية انّ أبا الحسن الثالث عليه السّلام كتب: يضرب حتّى يموت. كما انّ في ذيلها: فأمر به المتوكل فضرب حتّى مات، و الضرب حتّى يموت أمر غير القتل و فوقه و هو قتل مخصوص غير مطلقة.

و يمكن ان يكون حكمه هذا، لتشديد المعصية فيكون حكمه كقتل الصبر [1].

و فيه انّ هذا التعبير محمول على ما هو الوارد في نظائر المقام من الروايات التي ورد فيها انّه يضرب بالسيف، أو يضرب عنقه، و على هذا فالمراد من ضربه حتّى يموت انّه يضرب بالسيف الّا انّه لو لم يمت و لم يقتل بالضربة الأولى فإنّه لا يكتفى بها بل يضرب ثانيا و ثالثا الى ان يقتل، و يبعد جدّا ان يكون المراد ضربه بالعصا و غيره الى ان يموت.

ان قلت: انّ المستند في كلمات

القدماء غيره في كلمات المتأخّرين و ذلك لانّ المذكور في كلمات المتأخرين غالبا هو التمسك بالروايات كموثّق ابن سدير و خبر جعفر و إذا كان الأمر كذلك أمكن إسراء الحكم من الذميّ إلى مطلق الكفّار، و هذا بخلاف القدماء فترى السيد المرتضى لم يتمسك بالرواية أصلا بل استدلّ بخروج الذمي عن الذمة و هكذا الحلبي فراجع الانتصار و الكافي، و على هذا فيشكل الأمر في التعدّي إلى سائر الكفّار بل يقتصر على خصوص الذميّ بلحاظ التعليل و الاستدلال [2].

نقول: لا بأس باسراء الحكم و ان كان تمسك القدماء بخصوص هذا التعليل، و ذلك لانّ قصارى الكلام انّه بخروجه عن الذّمّة بزناه بالمسلمة قد أدرج في الكافر الحربي، بل لعلّ ذلك بنفسه يشعر بكون الحكم ذلك في

______________________________

[1] أورده هذا العبد و تكرّم دام ظلّه بالجواب بما في المتن

[2] أورده هذا العبد و أجاب دام بقائه بما قرّرناه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 270

مطلق الكفّار، أمّا الحربي فبنفسه و امّا الذّمّيّ فلصيرورته حربيا بواسطة خروجه عن الذمة حيث انّه زنى بالمسلمة، هذا مضافا الى انّه يمكن ادعاء الأولوية كما ادّعى ذلك.

الكلام في من زنى بامرأة مكرها لها

قال المحقّق: و كذا من زنى بامرأة مكرها لها.

أقول: ممّن حدّه القتل من الزناة هو من زنى بامرأة مكرها لها.

و في كشف اللثام: إجماعا كما في الانتصار و الغنية.

و في المسالك: بلا خلاف.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص المعتبرة. انتهى.

و امّا النصوص و الاخبار الواردة في المقام الدالة على المقصود فمنها صحيح بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها، قال: يقتل محصنا كان أو غير محصن «1».

و

منها صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في رجل غصب امرأة نفسها قال: يقتل «2».

و منها خبره الآخر قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل يغصب المرأة نفسها، قال: يقتل «3».

نعم هنا روايات لا تلائم تلك الروايات لانّ لسانها هو انّه يضرب السيف، بلغت منه ما بلغت، أو، مات منها أو عاش.

ففي خبر زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في رجل غصب امرأة فرجها قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 271

و عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش «1».

و من المعلوم انّ ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت كما هو تعبير خبر زرارة و ضربة بالسيف مات منها أو عاش، الواردة في خبر ابى بصير، غير القتل المذكور في الروايات المتقدّمة.

و الذي يسهّل الخطب هو انّ صاحب الجواهر قال: انّى لم أجد عاملا بهما فوجب طرحهما في مقابل ما عرفت أو حملهما على ما لا ينافي ذلك انتهى «2».

و امّا احتمال ان يكون المكابرة في نفسها في معتبرة أبي بصير بمعنى المجادلة في قتلها، فهو خلاف الظاهر جدّا.

هذا مضافا الى اشتمال القسم الأوّل على صحيحتين و عدم اشتمال القسم الأخير على رواية صحيحة. [3]

عدم اعتبار الإحصان في المواضع المذكورة

قال المحقّق: و لا يعتبر في هذه

المواضع الإحصان بل يقتل على كلّ حال، شيخا كان أو شابا و يتساوى فيه الحرّ و العبد و المسلم و الكافر.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما اعترف به بعض الأجلّة بل قد سمعت التصريح بالأوّل في نصوص المكرهة و لا قائل بالفرق، على انّه لو سلّم التعارض بين إطلاق الأدلّة هنا و بين غيرها من وجه فلا ريب في انّ

______________________________

[1] فان في سلسلة سند رواية زرارة علىّ بن حديد و حكى المامقاني عن القسم الثاني من الخلاصة انّه قال: ضعّفه شيخنا في كتاب الاستبصار و التهذيب و قال بأنّه لا يعوّل على ما ينفرد به، و عن الكشي انّه فطحي، راجع رجال المامقاني الجلد 2 الصفحة 275. و امّا رواية أبي بصير فقد عبّر عنها سيّدنا الأستاذ الأكبر دام ظلّه كبعض أجلّاء العصر بالمعتبرة الّا انّ المجلسي قدّس سرّه صرّح بكونها صحيحة فراجع مرّات العقول الجلد 23 الصفحة 288.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.

(2) جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 316.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 272

الترجيح لما هنا و لو لفتوى الأصحاب انتهى أقول: امّا التصريح بعدم الفرق بين الإحصان و عدمه في النصوص، ففي صحيح العجلي في خصوص رجل اغتصب امرأة فرجها، صرّح بأنّه يقتل سواء كان محصنا أو غير محصن، فراجع.

و هذا هو الذي استظهرناه قبل ذلك و قلنا انّ ظاهر الأدلّة هو التنويع و التقسيم، فاذا كان الزاني زانيا بذات محرم أو ذميّا زنى بالمسلمة أو زنى مكرها للمرأة فحكمه القتل بلا فرق بين ان يكون محصنا أو غيره و بين ان يكون شيخا أو شابا و

بين ان يكون حرّا أو عبدا و بين ان يكون مسلما أو كافرا.

خلافا لا بن إدريس حيث قال بأنّه إذا كان أحد الموارد الثلاثة مجمعا لعنوانين يحكم فيه بحكم كلّ من العنوانين إذا أمكن الجمع بينهما جمعا للأدلّة.

فلو كان غير محصن فإنّه يجلد ثم يقتل و لو كان محصنا يجلد أولا ثمّ يرجم فان القتل يحصل بالرجم و غيره فلو رجم الزاني محصنا الذي هو من مصاديق المسائل الثلاثة فقد عمل فيه بالقتل أيضا لأنّ الرجم هو القتل باشدّ صوره و أشقّ أنواعه [1].

و فيه انّه يصحّ ذلك لو لم يفهم من دليل القتل سوى مجرّد إزهاق الروح امّا لو استفيد منه خصوص القتل بالسيف كما هو الظاهر منه فلا مجال لهذا الكلام و لا يجمع بينهما أصلا لأنّ القتل بالسيف شي ء و الرّجم شي ء آخر.

و امّا كون فتوى الأصحاب بالقتل مرجّحا لو سلّم التعارض بين إطلاق الأدلّة هنا و بين غيرها من وجه.

فنقول: لو كان ذلك مرجّحا كما في باب السند فهو و الّا فالحكم هو

______________________________

[1] أقول: إليك نصّ كلامه: و الذي يجب تحصيله في هذا القسم و هو الذي يجب عليه القتل على كلّ حال ان يقال: ان كان محصنا فيجب عليه الجلد أوّلا ثم الرجم فيحصل امتثال الأمر في الحدّين معا و لا يسقط واحد منهما، و يحصل أيضا المبتغى الذي هو القتل لأجل عموم أقوال أصحابنا و اخبارهم لأنّ الرجم يأتي على القتل و يحصل الأمر بحدّ الرجم و ان كان غير محصن فيجب الجلد لانّه زان ثم القتل بغير الرجم فيلحظ ذلك، راجع السرائر الصفحة 438 الجلد 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 273

التخير، و المسلّم هو

الأخذ بذلك عند التعارض السّنديّ لا الدلاليّ.

اللهمّ الّا ان يقرّر المقام بأنّه نظير باب التعيين و التخيير فإنّ الأخذ بمقتضى دليل القتل الذي افتى به المشهور لا ينافي التخيير لأنّه أحد طرفيه بخلاف الأخذ بدليل الإحصان و الرجم فإنّه لا يطمئن إليه بعد ذهاب المشهور الى خلافه، و العقل يحكم بترجيح أحد الطرفين إذا كانت الحال كذلك.

الزناء بامرأة الأب

اشارة

قال المحقّق: و كذا قيل في الزناء بامرأة أبيه.

أقول: يستفاد من العبارة انّه قدّس سرّه غير جازم بذلك حيث انّه نسبه الى القيل.

و كيف كان فالقائل به هو الشيخ و الحلبي و ابن زهرة و ابن إدريس و ابن حمزة و ابن البرّاج و ابن سعيد، على ما في الجواهر، و قال: بل نسبه بعض الى كثير و آخر إلى الشهرة بل عن الغنية الإجماع عليه و هو الحجّة بعد خبر السكوني.

و يظهر من كلامه انّ الزنا بامرأة الأب ليس كالزنا في الموارد الثلاثة السابقة لأنّه رحمه اللّٰه ذكر في كلّ واحد منها انّ الإجماع بقسميه عليه، و لم يذكر ذلك في المقام، و انّما اقتصر على ذكر الإجماع المنقول.

و امّا خبر السكوني فهو خبر إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه رفع اليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه و كان غير محصن «1».

و قد قيل بأنّه منجبر «2» كما قد عبّر عنه بالمعتبرة [1].

نعم هنا اشكال و هو انّ هذا الخبر صريح في كون حدّه هو الرجم في

______________________________

[1] و قال في مباني التكملة الجلد 1 الصفحة 192: تدلّ على ذلك معتبرة إسماعيل بن زياد عن جعفر إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث

9.

(2) راجع جواهر الكلام الجلد 41 الصفحة 316.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 274

حال انّهم قد حكموا فيه بالقتل كما انّ مقتضى تعبير المحقّق: و كذا قيل إلخ هو انّ الحكم في هذا المورد أيضا هو الحكم في المسائل المتقدّمة أي القتل، فكيف يلتئم الحكم بالقتل استنادا الى خبر صريح في الرجم، مع التصريح بأنّه كان غير محصن، الظاهر جدّا في انّ الحكم كذلك إذا كان محصنا بالأولويّة حيث لا يجرى الحكم بالقتل الذي هو الأسهل في مورد الإحصان، و على هذا فحكمه في كلتا الصورتين هو الرجم مع انّهم قالوا بالقتل.

و يمكن الذبّ عنه بأنّ الرواية قضيّة في واقعة و لا نعلم حقيقة الحال.

و على الجملة فيشكل انجبار الخبر بفتوى المشهور مع هذا الاختلاف في المؤدّى.

و قد صرّح غير واحد من العلماء بأنّه لا فرق في المقام أيضا- كالمسائل الثلاثة الماضية- بين المحصن و غيره و لا بين الحرّ و العبد و لا بين الكافر و المسلم، و قد استفيد الأوّل من نفس الخبر، و امّا الجهات الأخر فأورد عليها في الجواهر بأنّه ان كان إجماع على عدم الفرق من الجهات المزبورة فذاك و الّا فلا يخلو من اشكال، و علّل ذلك بقوله: إذ لم نظفر فيه هنا بنصّ مطلق بالخصوص.

و فيه انّه و ان صحّ ما ذكره من عدم رواية مطلقة تدلّ على عدم الفرق بين ما إذا كان حرّا أو عبدا و غير ذلك من الجهات الّا انّ خبر السكوني بنفسه كاف في ذلك.

بيانه انّ الامام أبا جعفر عليه السّلام نقل و حكى ذلك عن أمير المؤمنين عليه السّلام في مقام بيان الحكم و لم يكن بصدد نقل واقعة تاريخيّة

عنه عليه السّلام و لا إشكال في انّ الرجل الذي رفع الى أمير المؤمنين امّا انّه كان حرا أو عبدا و امّا انّه كان شيخا أو شابا و هكذا لانّه شخص واحد و القضيّة واقعة شخصيّة فلو كان لواحدة من الخصوصيّات دخل في الحكم بحيث كان الحكم مختصّا بالحرّ دون العبد أو بالشيخ دون الشاب مثلا لكان اللازم ذكره و الّا كان مخلّا بالمقصود أو لم يكن تترتّب على ذكره ما ذكره و نقل هذا المطلب فائدة لانّه كان في حكم ان يقال: انّ أمير المؤمنين عليه السّلام قد رجم شخصا، و من المعلوم انّه لا فائدة في ذكر ذلك، فيفهم انّه لا مدخليّة لهذا الحيثيّات أصلا و انّ تمام الموضوع

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 275

هو الزنا بامرأة الأب و انّ هذا حكمه بلا دخالة قيد فيه.

و امّا التعرّض لخصوص عدم كونه محصنا فلعلّه لأجل رفع توهم انّ رجمه كان لأجل كونه محصنا.

و الحاصل انّه لا حاجة الى الإجماع في فهم تلك الأمور لأنّه يفهم ذلك من نفس الخبر.

ثم انّه هل يلحق بزوجة الأب في هذا الحكم أمته أو موطوئته بالملك أم لا؟

فيه اشكال. و قال ابن حمزة عند ذكر أقسام الزنا الموجبة للقتل: و الزنا بزوجة الأب و بجاريته التي وطأها إلخ «1» فقد الحق جارية الأب بزوجته و ساوي بينهما في الحكم.

و لا يخلو عن اشكال و لذا نسب في الرياض القول به الى الشذوذ.

و استوجهه في كشف اللثام بشمول لفظ «امرأته» الوارد في خبر السكوني لها.

و فيه انّ استفادة ذلك من الخبر مشكل جدّا و ذلك لعدم تعلّق لامرأة الأب بجاريته حتّى تشملها.

نعم لو كان الإلحاق من باب

انّ جارية الأب من المحارم، و الحكم شامل لمطلق المحارم فهو حسن، كما انّه لا بأس بالقول بشمول امرأة الأب لامرأته الحرّة و الأمة، و ذلك لمكان إطلاق اللفظة اى زوجة الأب.

ثم انّه قد الحق بعض كابن إدريس امرأة الابن أيضا، فلو زنى بامرأة ابنه وجب قتله.

و لا دليل على ذلك الّا ان يقال بإلغاء الخصوصيّة عن امرأة الأب التي حكموا فيها بوجوب القتل أو يقال كما في الجواهر: لعلّه لإدراجه إيّاها في المحارم.

و ان كان يرد عليه انّه لا وجه لإدراج امرأة الابن في المحارم بعد ان قالوا باختصاص الحكم بالمحارم النسبية دون السببيّة.

______________________________

(1) الوسيلة الصفحة 410.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 276

نعم على ما ذكرناه و قرّرناه من تعميم المحارم لكلّ واحد منهما لا يرد عليه اشكال.

تذنيب و تنبيه

بعد ان ثبت انّ الزاني بذات محرم يقتل، فهل الحكم في الزانية أيضا كذلك بان تقتل إذا زنت بذي محرم أم لا؟

الظاهر ذلك فحدّ المرأة الزانية بذي محرم القتل، كالزاني بذات محرم بعينه، و ذلك لوحدة الملاك.

ثم انّه قد بقي بعض الموارد الذي يكون حدّ الزنا فيه القتل لم يذكره هنا و يذكر في مناسباته، و منه من أقدم على الزنا ثلاث مرّات أو أربع فإنّه بعد حدّه مرّتين أو ثلاث مرّات يقتل.

و هل يقتصر على القتل في المواضع المزبورة؟

الكلام هنا في انّه بعد كون الحكم في المواضع الأربعة المتقدّمة هو القتل فهل يكتفى بذلك أو انّه لا بد من الجلد أوّلا ثم القتل في غير المحصن مثلا؟

قال المحقّق: و هل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل نعم، و قيل يجلد ثم يقتل ان لم يكن محصنا و يجلد ثم يرجم ان كان محصنا عملا بمقتضى الدليلين و الأوّل أظهر.

أقول: اختار المشهور و كذا المحقّق، الأوّل، و خالف ابن إدريس [1] فإنّه ذهب الى انّه لو كان محصنا يجلد أوّلا ثم يرجم و الّا فيجلد ثم يقتل و قد مرّ كلامه فراجع.

و الدليل على ذلك هو الجمع بين الدليلين فإنّ الآية الكريمة تدلّ على لزوم جلد الزاني و الزانية مأة جلدة و هي بعمومها أو إطلاقها شاملة لمطلق من

______________________________

[1] أقول: و وافقه الشهيدان أيضا إلّا انهما قالا باعتبار الجلد أوّلا ثم القتل مطلقا بلا فرق بين المحصن و غيره.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 277

زنى، و مقتضى الاخبار هو قتل من زنى بالمحارم مثلا و رجم من زنى و هو محصن، و على هذا فيجب جلد الزاني أوّلا ثم رجمه ان كان محصنا، و قتله ان كان من مصاديق

المسائل المبحوث عنها آنفا.

و الجواب عنه انّ الظاهر من الأدلّة الدالة على القتل في الموارد الأربعة- أي الزاني بالمحارم و الذمي الزاني بالمسلمة و المكره و الزاني بزوجة الأب- هو انّ هذا الموارد قد خرجت عن قول اللّٰه تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و انّ الحد فيها هو القتل، و قد مرّ انّ مقتضى الأدلّة هو التنويع و التقسيم كالحاضر و المسافر و لذا قال المحقّق: و الأوّل أظهر.

و قد أيّد في كشف اللثام قول ابن إدريس بقول الصادق عليه السّلام في خبر ابى بصير: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني الّا انّه أعظم ذنبا «1».

و فيه انّ كونه أعظم ذنبا لا يلازم كونه أشدّ حدّا، و ظاهر ما مرّ من الروايات المعتبرة كون الحدّ فيه واحدا، و هذه الرّواية لا تصلح لمعارضتها، و على هذا فلا جلد في تلك الموارد بل الحكم هو القتل وحده فلا جلد كما انه القتل بالسيف دون الرجم.

غاية الأمر انّ مقتضى الخبر الوارد في الزنا بزوجة الأب هو الرجم و مقتضى خبر جعفر في زنا النصراني بالمسلمة أنّه يضرب حتّى يموت مع انّ المشهور أفتوا بالقتل، و قد تقدّم البحث عنهما.

و قال صاحب الجواهر بالنسبة إليهما: فينبغي الاقتصار عليهما فيهما انتهى و كأنّه يقول: يجب قتلهما لكن بالصورة المذكورة في الروايتين.

و يمكن ان يكون مراده انّه لو قلنا بغير القتل فإنّه يقتصر على الموردين.

و لكن الظاهر انّه رحمه اللّٰه مائل إلى الإفتاء بذلك في الموردين و انّه قد القى ذلك مبرزا لنظره الشريف.

و لا يخفى انّ الاحتياط في المسئلة مع قول المشهور كما انّ الاحتياط في

______________________________

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة

218 و راجع للرواية الوسائل الجلد 18 الباب 19 من حدّ الزنا الحديث 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 278

مورد اجتماع الإحصان و هذه العناوين يقتضي الحكم بالقتل، لانّ الرجم أشدّ منه و في غير مورد الإحصان هو القتل وحده دون الجلد و القتل.

الكلام حول الرجم

قال المحقّق: و امّا الرجم فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة فإن كان شيخا أو شيخة جلد ثم رجم و ان كان شابا ففيه روايتان إحداهما يرجم لا غير و الأخرى يجمع له بين الحدّين و هو أشبه.

أقول: بعد الفراغ عن حدّ القتل في الزنا فالآن يبحث في الرجم، و هنا مباحث أحدها انّه هل هنا رجم أم لا و بعبارة أخرى هل يجب رجم المحصن أم لا؟ ثانيها انّه هل يجمع بين الرجم و الجلد أم لا؟ ثالثها انّه هل هناك تفصيل بين الشيخ و الشيخة و الشابّ و الشابّة أو انّه لا فرق بين الموارد؟ رابعها في ان الشيخ و الشيخة بعنوانهما يرجمان إذا زنيا و ان لم يكونا محصنين أم لا؟

امّا الأوّل فلا كلام و لا نزاع فيه بل اتّفق الكلّ على انّه إذا زنى البالغ العاقل المحصن ببالغة عاقلة فإنهما يرجمان، و كذلك إذا زنت بالغة عاقلة محصنة ببالغ عاقل، بل إجماع المسلمين على ذلك و لم يخالف فيه الّا الخوارج [1] فإنهم

______________________________

[1] أقول: و كذا بعض المعتزلة، قال الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 58: أمّا حدّ الزنا فقد فرّقت الشريعة فيه بين الذي تزوّج و الذي لم يتزوّج فشدّدت العقوبة على الأوّل.

و قال في الصفحة 69: تحت عنوان مبحث رأى الخوارج و المعتزلة: و لم يخالف في هذا

الحد الّا بعض المعتزلة و الخوارج فإنّهم قالوا: انّ عقوبة الرجم كانت موجودة في صدر الإسلام ثم نسخت بقوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ فالزانيان يستحقان الجلد مطلقا سواء كانا محصنين أولا و لكن دليلهم هذا لا يتمّ إلّا إذا ثبت انّ النبي ص لم يرجم أحدا بعد نزول هذا الآية. و لكن الجمهور قالوا: انّ رسول اللّٰه ص قد رجم بعد نزول هذه الآية بدليل انّ أبا هريرة حضر الرجم و هو لم يسلم الّا بعد سنة سبع، و سورة النور نزلت سنة ستّ أو خمس و قد رجم الخلفاء الراشدون بعد النبي ص و صرّحوا بانّ الرجم حدّ و قد نازع هؤلاء بأنّ الكتاب لا يصحّ نسخه بالسنّة و أجيب بأنّ السنة المشهورة تخصّص الكتاب بلا خلاف و هنا خصّصت السنة، الزاني، بغير المحصن انتهى.

ثم نقل في ذيل الصفحة: عدم الرجم عن الخوارج و بعض المعتزلة كالنظام و أصحابه ثم قال: و لا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 279

أنكروا حكم الرجم رأسا مستدلّين على ذلك بعدم ذكر عنه في الكتاب و لا في سنّة متواترة.

و في الجواهر: بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه و المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 279

قال الشيخ في المسئلة الاولى من كتاب الحدود من الخلاف: يجب على الثّيّب الرجم و به قال جميع الفقهاء و حكى عن الخوارج انّهم قالوا: لا رجم في شرعنا لانّه ليس في ظاهر القرآن و لا في

السّنّة المتواترة. دليلنا إجماع الفرقة و أيضا روى عبادة بن الصّامت انّ النبي (ص) قال: خذوا عنّى قد جعل اللّٰه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيّب بالثيّب جلد مأة و الرجم، و زنى ماعز فرجمه رسول اللّٰه (ص) و رجم العامريّة و عليه إجماع الصحابة و روى عن نافع عن ابن عمر، انّ النبي (ص) رجم يهوديّين زنيا و روى عن عمر انّه قال: لو لا أنني أخشى ان يقال: زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في

______________________________

مستند لهم الّا انّه لم يذكر في القرآن الكريم. ثم قال: و هذا باطل فان الرجم قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها، و أيضا هو ثابت بنصّ القرآن لحديث عمر بن الخطّاب عند الجماعة انّه قال: كان ممّا انزل اللّٰه على رسول اللّٰه ص آية الرجم فقرأناها و حفظناها و وعيناها و رجم رسول اللّٰه ص و رجمنا بعده، و نسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم.

و هنا تعرّض لحديث و هو: انّ فيما انزل اللّٰه من القرآن: الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة. ثم نقل روايات تدلّ على وجوب رجم المحصن.

و منها قول رسول اللّٰه ص: خذوا عنّى قد جعل اللّٰه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مأة و تغريب عام و الثيب بالثيب جلد مأة و الرجم.

و قال في آخر البحث: و قد أجمعت الأمّة على وجوب حدّ الرجم على الزاني المحصن و قال في ذيل الصفحة 59: اتّفق الأئمة على انّ من كملت فيه شروط الإحصان ثم زنا بامرأة قد كملت فيها شروط الإحصان. فهما زانيان محصنان يجب على كلّ واحد منهما الرجم حتّى يموت، و

هنا استدلّ بحديث الشيخ و الشيخة المذكور آنفا. و قال: حديث متّفق عليه، و بروايات اخرى و بانّ النبي ص رجم ماعزا و رجم الغامديّة و غيرهما و لانّ الخلفاء الراشدين أقاموا حدّ الرجم بالإجماع من غير نكير من واحد منهم فحدّ الرجم ثابت بالأحاديث المتواترة و فعل الرسول ص و إجماع الأمّة و ثابت بالكتاب على رأى من يقول انّ حديث الرجم كان آية من القرآن ثم نسخت و بقي حكمها انتهى أقول: راجع لاستدلالات الخوارج آيات الأحكام للكاظمي 4- 193.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 280

حاشية المصحف: الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالا من اللّٰه، و روى انّ عليّا جلد سراقة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة و قال: جلدتهما بكتاب اللّٰه و رجمتها بسنّة رسول اللّٰه فقد ثبت ذلك بالسنة و إجماع الصحابة انتهى.

فالرجم بالنسبة إلى المحصن أمر مفروغ عنه و لا يحتاج الى البحث- و سيمرّ عليك بعض النصوص الدالة على ذلك- و امّا الثاني أي الجمع بين الجلد و الرجم، فنقول: هل يجمع بينهما في المحصن مطلقا، أو لا يجمع بينهما أصلا و انّما يرجم فقط، أو يفصّل بين الشيخ و الشيخة و الشابّ و الشابّة فيجمع بينهما في الأوّل و لكن يرجم فقط في الثاني؟

لا خلاف معتدّ به بيننا في انّ الشيخ و الشيخة إذا زنيا و كانا محصنين فإنّه يجمع في حدّهما بين الجلد و الرجم بل هو أمر مفروغ عنه بيننا و انّما نقل عن ابن ابى عقيل انّه قد أطلق الرّجم في المحصن من دون ذكر للجلد لكنّه كما في الجواهر غير معلوم المخالفة و ذلك لانّه لم يصرّح بعدم الجلد كي

يعدّ مخالفا في المسئلة و ليس في البين إلّا إطلاق كلامه، و على الجملة فالإجماع بقسميه قائم على الجمع بينهما في خصوص الشيخ و الشيخة و قد علم انّ المقامين ليسا محلّ الخلاف و الكلام، فنحن نصرف النظر عن البحث فيهما و يبقى البحث في المقام الثالث و الرابع. و استفادة الحكم فيهما منوط بصرف العنان الى الروايات و الاستظهار منها و هي مختلفة جدا.

و تنقيح البحث يقتضي تفكيك فروع أصل المسئلة و التعرض لكلّ منها على حدة فنقول هنا فروع و مسائل الأوّل في حكم الشيخ و الشيخة إذا زنيا و كانا محصنين الثاني إذا زنيا و لم يكونا محصنين الثالث الشاب و الشابة إذا زنيا و كانا محصنين الثاني إذا زنيا و لم يكونا محصنين الثالث الشاب و الشابة إذا زنيا و كانا محصنين الرابع إذا زنيا و كانا غير محصنين.

امّا الأوّل أي الشيخ و الشيخة إذا زينا و كانا محصنين فالحكم فيهما هو الرجم مع الجلد، قال الشيخ قدّس سرّه في النهاية: أمّا القسم الثاني و هو من

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 281

يجب عليه الحدّ ثم الرجم فهو الشيخ و الشيخة إذا زنيا و كانا محصنين فإنّه كان على كلّ واحد منهما مأة جلدة ثم الرجم يقدّم الجلد عليه ثم بعده الرجم إلخ.

و قال في الخلاف في المسئلة الثانية من الحدود: المحصن إذا كان شيخا أو شيخة فعليهما الجلد و الرجم و ان كانا شابّين فعليهما الرجم بلا جلد و قال داود و أهل الظاهر: عليهما الجلد و الرجم و لم يفصّلوا و به قال جماعة من أصحابنا- الصحابة- و قال جميع الفقهاء: ليس عليهما الّا الرجم دون

الجلد.

دليلنا قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و لم يفصّل.

و روى عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله خذوا عنّى قد جعل اللّٰه لهنّ سبيلا البكر بالبكر جلد مأة و تغريب عام و الثيّب بالثيّب جلد مأة ثم الرجم و فيه إجماع الصحابة و روى انّ عليّا عليه السّلام جلد سراجة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة فقيل له: تحدّها حدّين؟ فقال: حددتها بكتاب اللّٰه و رجمتها بسنّة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله انتهى و قد علّق عليه فقيه عصره السيّد البروجردي قدّس اللّٰه روحه بما هذا عين كلامه: قوله: دليلنا قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي إلخ لا دلالة فيه على الرجم و لا على التفصيل المذكور، و كذا لا يدلّ خبر عبادة على التفصيل بل على ما حكاه من جماعة من أصحابنا و كذا جلد علىّ عليه الصلاة و السّلام سراجة و رجمها كما لا يخفى و امّا إجماع الصحابة فلم نتحقّقه بعد، حسين. انتهى أقول: انّ ما أورد طاب ثراه على الشيخ من انّ الآية لا دلالة فيها على الرجم، غير وارد عليه، و ذلك لانّ الشيخ لم يتمسّك بها لإثبات الرجم بها فان من المعلوم عدم تعرّض الآية له أصلا و انّما أراد هو إثبات الجلد و الرجم كليهما للشيخ و الشيخة المحصنين فاستدلّ بالآية الكريمة لإثبات الجلد فإنّها لم تفصّل بين الشيخ و الشاب فباطلاقها تشمل المحصن و المحصنة و الشيخ و الشّاب، و اعتمد في إثبات الرجم على الإجماع و الروايات، كما انّه رحمه اللّٰه قد تعرّض في المسئلة الاولى لإثبات الرجم، فراجع ما تقدّم من كلامه، و

على هذا فلا يرد عليه اشكال من هذه الجهة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 282

نعم يمكن ان يورد عليه في مورد الشابّ و الشابّة فيقال: لم لا يجب الجمع بين الجلد و الرجم فيهما، مع انّ مقتضى الجمع بين الآية و الروايات هو الجمع بين الحكمين فيهما إذا كانا محصنين- كما انّه يرد هذا الاشكال على صاحب الجواهر أيضا- و على الجملة فيمكن ان يطالب بالدليل على نفى الجلد في الشاب مع انّ الآية تشمله.

و يمكن ان يكون دليله في نفى الجلد في الشاب الروايات النّافية للجلد فيه.

و ممّا ذكرنا يظهر عدم ورود ما أورده قدّس سرّه أيضا على الشيخ من عدم دلالة الآية على التفصيل، و ذلك لانّه لم يقصد من ذكر الآية دلالتها على التفصيل حتّى يرد عليه انّها لا تدلّ على ذلك.

ثم انّ هنا كلاما آخر و هو انّ ما افاده الشيخ قدّس سرّه من الجمع بين الجلد و الرجم في مورد الشيخ و الشيخة مع الإحصان هو عين ما كان يقول به ابن إدريس في باب الزنا بذات محرم فإنّه قال كما تقدّم بوجوب الجلد ثم القتل لاقتضاء الجمع بين الآية و الروايات ذلك، و الحال انّه قد ردّ كلامه هناك بانّ ظاهر الأدلّة هو التنويع و التقسيم.

و امّا الثاني و هو حكم الشيخ و الشيخة إذا زنيا و كانا غير محصنين فهل يجب رجمهما حتّى تكون للشيخوخة خصوصيّة توجب الرجم نظير خصوصيّة الإحصان و انّما يتفارقان في انّ مع الإحصان يجب الجلد أيضا دون الشيخوخة، أو انّه يختصّ ذلك بما إذا كانا محصنين، فمع عدم الإحصان لا رجم بل يكون الشيخ و الشيخة مع عدم الإحصان كسائر الزناة

و حدّهما هو الجلد خاصّة؟

اختلفت الروايات بظاهرها في هذا المقام، فبعضها يدلّ على وجوب الرجم و بعضها على عدم ذلك.

و الأوّل: على قسمين قسم اقتصر فيه على الرجم و قسم تعرّض للجلد أيضا أي جمع بين الجلد و الرجم.

ففي رواية عبد اللّٰه بن طلحة عن ابى عبد اللّٰه: إذا زنى الشيخ و العجوز

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 283

جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما «1».

و ظاهرها بمقتضى التعليل الوارد فيها انّ السبب في وجوب الجلد و الرجم هو عقوبتهما.

و في صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: في الشيخ و الشيخة جلد مأة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مأة و نفى سنة «2».

و في رواية عبد الرحمن عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان علىّ عليه السّلام يضرب الشيخ و الشيخة مأة و يرجمهما و يرجم المحصن و المحصنة و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «3».

و في رواية عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الرجم في القرآن قول اللّٰه عزّ و جلّ: إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشهوة «4».

و في رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: في القرآن رجم؟ «قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة فإنّهما قضيا الشّهوة «5».

فمقتضى الأخيرتين هو وجوب الرجم فقط بخلاف الروايات المتقدمة عليهما فإنها صريحة في الجمع بين الجلد و الرجم.

و لا يخفى انّ روايتي عبد اللّٰه بن سنان و سليمان بن خالد ظاهرتان في وقوع التحريف في القرآن الكريم، و لكن الأقوى و المستظهر عندنا عدم تحريف فيه حتّى بالنقيصة، خصوصا و

انّ هذه العبارة المذكورة فيهما بعنوان القرآن لا تلائم آياته الكريمة التي قد آنسنا بها. هذا مع انّ الأصل في هذا الكلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 12.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 18.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 284

عمر بن الخطاب [1].

و كيف كان فهذه الروايات تدل على وجوب الرجم في الشيخ و الشيخة مطلقا و ان لم يكونا محصنين غاية الأمر دلالة أكثرها على ضمّ الجلد أيضا.

و امّا الثاني فهي رواية محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مأة و قضى للمحصن الرجم و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مأة و نفى سنة في غير مصرهما و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «1».

و هنا قد اقتصر على ذكر خصوص الجلد على ما هو الحال في سائر الزناة. و يمكن الجمع بينهما بأخذ المتيقّن من الروايات بان يقال: القدر المسلّم من رجم الشيخ و الشيخة- لو كان هناك رجم عليهما كما هو صريح الروايات المتقدّمة- هو المحصن منهما، كما انّ المتيقّن من نفى الرجم عنهما- لو نفى ذلك عنهما كما هو ظاهر رواية ابن قيس- هو غير المحصن منهما فيجمع بين القسمين من الاخبار بانّ الشيخ و الشيخة إذا زنيا فان كانا محصنين فان عليهما

الرجم، أو الرّجم و الجلد، و امّا إذا كانا غير محصنين فعليهما الجلد فقط.

لكن لا يخفى انّ الجمع كذلك ليس جمعا عرفيّا.

و لذا قال الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل بعد ذكر خبر محمّد بن قيس:

أقول: خصّ الشيخ و الشيخة بما إذا لم يكونا محصنين لما مضى و يأتي.

أقول: يمكن ان يقرّر المطلب بأنّه لمّا كان رجم الشيخ و الشيخة مع الإحصان امرا مفروغا عنه فإنّه قد قام الإجماع على ذلك، فلا بدّ من كون المراد من قضاء أمير المؤمنين بالجلد فيهما- على ما هو صريح رواية ابن قيس- قضائه عند ما لم يكونا محصنين فلا تنافي ما دلّ على الرجم.

و هذا الجمع عرفي لأنّه من باب حمل العامّ على الخاصّ، و النتيجة انّ الشيخ و الشيخة يجلدان إلّا إذا كانا محصنين فإنّه يجب رجمهما.

______________________________

[1] راجع بعض ما قدّمناه من التذييلات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 285

و يمكن ان يقرّر بانّ المحصن يرجم بإجماع المسلمين سواء كان شيخا أو شيخة أو شابّا أو شابّة و على هذا فرواية محمّد بن قيس الدّالة بظاهرها على جلد الشيخ و الشيخة خلاف الإجماع فلذا تخصّص بسبب الإجماع، بغير المحصن، فهما يجلدان إذا كانا غير محصنين و بعبارة أخرى يجلدان إلّا إذا كانا محصنين فإنّه يجب رجمهما.

لكن التخصيص لا يخلو عن كلام و ذلك لانّ تقديم الخاصّ على العامّ انّما يكون من باب ظهور الخاص الأقوى أي أظهريّته من العام بلحاظ خصوص الخاص و نفس العام، و امّا إذا حصل التقييد من الخارج فهذا لا ينافي ظهور العامّ و لا يفيد في تخصيصه لانّ ظهور العام

بعد محفوظ بحاله و لا يحصل خلل فيه فلا يصحّ ان يقال انّ ما دلّ على رجم الشيخ و الشيخة مطلقا محصنين كانا أو غير محصنين يخصّص و يقيّد بسبب الإجماع- القائم على رجم الشيخ المحصن- بما إذا كانا محصنين فيقيّد العامّ الدال على جلدهما بما إذا كانا غير محصنين، و على الجملة فالقول بانّ الشيخ و الشيخة المحصنين حكمهما الرجم علما منّا بذلك من الخارج بالإجماع مثلا لا ينفع في تخصيص العموم.

نعم يمكن الجمع بينهما بان يقال: انّ لرواية محمّد بن قيس دلالتين دلالة اثباتية و دلالة سلبيّة أمّا الأولى فهي دلالتها على وجوب الجلد، و لا تعارض بينهما و بين روايات الرجم و امّا الأخرى فهي دلالتها على نفى الرجم، و من هذه الجهة يحصل التعارض بينهما الّا انّ الرواية ليست بحجّة من هذه الجهة و الحيث، لانّه يؤل الى مخالفة الإجماع في بعض الفروع و هو ما إذا كانا محصنين فإنّ الإجماع قائم على وجوب الرجم هناك. و إذا سقط دلالتها السلبيّة عن الحجيّة و الاعتبار فلم يبق للرواية إلّا حيث إثبات الجلد و قد مرّ آنفا انّ وجوب الجلد و إثباته لا ينافي وجوب الرجم بدليل آخر، و على هذا فشأن رواية ابن قيس شأن الآية الكريمة التي قد يستظهر منها انّ مطلق الزاني يجلد و لا تعرّض فيها للرجم، فبذلك يرتفع التعارض بين القسمين.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 286

نعم يبقى تعارض آخر أشرنا إليه آنفا و هو التعارض بين الروايات الدالّة على الرجم بوحدة و الروايات الدّالة على الجمع بين الجلد و الرجم، فترى رواية ابن سنان المتقدّمة تقول: إذا زنى الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة «1»

و رواية سليمان بن خالد تقول: الشيخ و الشيخة فارجموهما البتّة «2» في حين انّ رواية الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام: في الشيخ و الشيخة جلد مأة و الرجم «3» صريحة في الجمع بينهما، و مثلها روايات اخرى بهذا المضمون، فيتعارض هذان القسمان في خصوص الجلد بعد اتفاقهما في اعتبار الرجم فيرجع الى عموم الآية الكريمة الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، الدالة على وجوب جلد الزاني.

و قد يقال بانّ المقام من باب النص و الظاهر فان ما دلّ على الرجم وحده و هو الروايتان الذكورتان آنفا قد تعرض لذكر الرجم و لا تعرض فيه لذكر الجلد أيضا و هذا بخلاف رواية الحلبي و نظائرها الدالة على وجوب الجمع بين الجلد و الرجم فإنها صريحة في اعتبار كلا الأمرين فيقدّم النصّ على الظاهر [1].

هذه غاية ما يمكن ان يقال في تقريب الجمع بين روايات الشيخ و الشيخة، و قد تحصّل انّ مقتضى الجمع هو اقامة الجلد و الرجم كليهما في موردهما و على هذا فالشيخوخة خصوصيّة توجب الجلد و الرجم كخصوصيّة الإحصان على قول من قال بوجوب الجلد و الرجم في المحصن و المحصنة.

هذا لكنّي بعد التتّبع التامّ و الفحص البالغ لم أجد من قال بأنّ الزاني إذا كان شيخا أو شيخة يرجم و ان لم يكن محصنا حتّى ان السيد المرتضى قدّس سرّه لم يذكر الشيخ و الشيخة في الانتصار، و ليس في كلامه ذكر عنهما، و انّما

______________________________

[1] ذكره هذا العبد يوم 20 رجب المرجب سنة 1406 (ه).

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب

حدّ الزنا الحديث 18.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 287

ذكر المحصن و المحصنة، و على هذا فالروايات الدّالة على وجوب الجمع بين الجلد و الرجم في الشيخ و الشيخة و ان لم يكونا محصنين متروكة لم يعمل بها الأصحاب و هذا أمر يوجب و هنها فهي مطروحة لا يؤخذ بها ان لم يكن حملها على المحصن و المحصنة، و النتيجة انّ الشيخ غير المحصن كالشاب كذلك يقتصر على جلده و لا يرجم. هذا تمام الكلام في المسئلة الثانية.

و امّا الثالث و هو زنا الشابّ و الشابّة إذا كانا محصنين فقال المحقّق:

و ان كان شابا ففيه روايتان إحديهما يرجم لا غير، و الأخرى يجمع له بين الحدّين و هو أشبه.

أقول: فمن الروايات الدّالة على الرجم وحده رواية عبد اللّٰه بن طلحة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا ثم رجما عقوبة لهما و إذا زنى النصف من الرجال رُجم و لم يجلد إذا كان قد أحصن و إذا زنى الشابّ الحدث السنّ جلد و نفى سنة من مصره «1».

و منها رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الرجم حدّ اللّٰه الأكبر و الجلد حدّ اللّٰه الأصغر فإذا زنى الرجل المحصن رجم و لم يجلد «2».

و منها رواية سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الحرّ و الحرّة إذا زينا جلد كلّ واحد منهما مأة جلدة فأمّا المحصن و المحصنة فعليهما الرجم «3».

و منها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: المحصن يرجم و الذي قد أملك و لم يدخل بها فجلد

مأة و نفى سنة «4».

و منها ما عن الأصبغ بن بناته قال: اتى عمر بخمسة نفر أخذوا في الزنا فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ و كان أمير المؤمنين عليه السّلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم قال: فأقم أنت الحدّ عليهم فقدّم واحدا منهم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 288

فضرب عنقه و قدّم الآخر فرجمه و قدّم الثالث فضربه الحدّ و قدّم الرابع فضربه نصف الحدّ و قدّم الخامس فغرّره فتحيّر عمر و تعجّب الناس من فعله فقال عمر: يا أبا الحسن خمسة نفر في قضيّة واحدة أقمت عليهم خمسة حدود ليس شي ء منها يشبه الآخر فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: امّا الأوّل فكان ذميّا فخرج عن ذمّته لم يكن له حدّ الّا السيف و امّا الثاني فرجل محصن كان حدّه الرجم و امّا الثالث فغير محصن حدّه الجلد و امّا الرابع فعبد ضربناه نصف الحدّ و امّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله «1».

و امّا الروايات الدّالة على الجمع بين الجلد و الرجم فمنها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام في المحصن و المحصنة جلد مأة ثم الرجم «2».

و منها صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام في المحصن و المحصنة جلد مأة ثم الرجم «3».

و منها ما عن زرارة أيضا عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

قضى علىّ عليه السّلام في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّا فأمر بها فجلدها مأة جلدة ثم رجمت و كانت (كان) أوّل من رجمها «4».

و ظاهر هذه عدم كون المرأة شيخة كما انّ ما تقدّم عليها مطلق يشمل الشاب و الشابة لعدم ذكر عن الشيخ و الشيخة فيه.

و في صحيح الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام، الى ان قال: الّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه الّا ان يشهد عليه أربعة شهداء فاذا شهدوا ضربه الحدّ مأة جلدة ثم يرجمه «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 16.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حدّ الزنا الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حدّ الزنا الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حدّ الزنا الحديث 13.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من حدّ الزنا الحديث 15.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 289

و في المرسل الوارد في قصّة شراحة الهمدانية انّ عليّا عليه السّلام جلدها يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة و قال: حددتها بكتاب اللّٰه و رجمتها بسنّة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله.

و يستفاد من الرواية الأخيرة التي كأنّها تفسّر الآية الكريمة الواردة في جلد الزناة، انّ للآية إطلاقا يشمل كلّ زان و انّها لا تختصّ بغير المحصن.

و إذا حصل التعارض بين الطائفتين من الاخبار فإن كان هناك ترجيح فيؤخذ بذات الترجيح و الّا فالتخيير، و قد ادّعى المحقّق انّ الترجيح للطائفة الأخيرة و ذلك لكونها أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و من جملة المرجّحات هو كون هذه الروايات أصحّ سندا من الطائفة

الأولى ففي المسالك بعد ذكر رواية طلحة و ابن سنان التصريح بضعف الرواية و في الجواهر- بعد كلام المحقّق المذكور آنفا-: بقصور الخبرين سندا عن التخصيص.

و منها انّها أقوى دلالة، قال في المسالك: و الرواية مع ضعف سندها لا تدلّ على حكم الشاب إذا كان محصنا فلا ينافي غيرها ممّا دلّ على العموم.

و منها انّ الشهرة على وفق الطائفة الأخرى الدالة على لزوم الجمع، و على هذا فيحكم بالجمع بين الجلد و الرجم و من المعلوم انّ الروايات الدالة على الرجم تثبت ذلك و لا تنفى الجلد و هذا غير مناف لإثبات الجلد بدليل آخر و لو دلّ بعضها كرواية أبي بصير و رواية أصبغ بن نباته على الرجم وحده فهو محمول على التقية أو غير ذلك و ان كان التعليل الوارد في مثل رواية أبي بصير لا يلائم التقيّة.

و امّا الفرع الرابع فهو ما إذا زنى الشاب غير المحصن و حكمه الجلد بلا خلاف و هو المتيقن ممّا دلّ على وجوب جلد الزاني و الزانية من الآية الكريمة و الروايات الشريفة، فهو شامل له قطعا و الّا فأيّ مورد يكون تحت هذا الحكم لو لم يكن الشاب و الشابة غير المحصنين مشمولا له؟ هذا مضافا الى روايات عديدة تدلّ على ذلك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 290

فتحصّل من جميع هذه الأبحاث انّ حكم الشيخ و الشيخة المحصنين هو الجلد مع الرجم، و غير المحصن منهما هو الجلد وحده، و ان كان مقتضى الجمع بين الاخبار هو الجمع بين الجلد و الرجم، الّا انّ الأصحاب لم يقولوا بذلك، و امّا الشاب و الشابة المحصنان فهما يجلدان و يرجمان و غير المحصن منهما يجلد

فقط و لا يرجم. و اتّضح انّه قد يجمع بين الحدّين الجلد و الرجم و ذلك فيما إذا كان الزاني محصنا، نعم في بعض الاخبار ما ربّما يستظهر منه انّه لا يجمع بينهما أصلا.

فعن علىّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى عن يونس عن ابان عن ابى العبّاس عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رجم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و لم يجلد، و ذكروا انّ عليّا عليه السّلام رجم بالكوفة و جلد فأنكر ذلك أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و قال: ما نعرف هذا، اى لم يحدّ رجلا حدّين جلد و رجم في ذنب واحد «1».

قوله: اى لم يحدّ إلخ من تفسير يونس لقوله عليه السّلام: ما نعرف هذا، و صريح ضبط الكافي و التهذيب و الاستبصار ذلك فان فيها: قال يونس: اى لم يحدّ إلخ.

و قد نسبه الشيخ قدّس سرّه الى الغلط في تفسيره هذا، و حمل هو كلام الامام (ع) على واحد من وجهين و زاد في الوسائل وجها ثالثا.

قال الشيخ قدّس سرّه: الذي ذكره يونس ليس في ظاهر الخبر و لا فيه ما يدلّ عليه بل الذي فيه انّه قال: ما نعرف هذا، و يحتمل ان يكون انّما أراد: ما نعرف انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله رجم و لم يجلد لانّه قد تقدّم ذكر حكمين من السائل أحدهما عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و الآخر عن أمير المؤمنين عليه السّلام و ليس بان يصرف قوله: ما نعرف هذا، إلى أحدهما بأولى من ان نصرفه الى الآخر و إذا احتمل ذلك لم يناف ما قدّمناه من الاخبار، ثم لو كان صريحا بأنّه قال:

ما نعرف هذا من أفعال أمير المؤمنين عليه السّلام لم يناف

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 291

ما ذكرناه لانّه يجوز ان يكون أمير المؤمنين عليه السّلام ما فعل ذلك لانّه لم يتّفق في زمانه من وجب عليه الجلد و الرجم معا «1».

و قال في الوسائل: و يحتمل الحمل على التقيّة انتهى.

و لا يخفى انّ المستفاد من كلام الشيخ هو انّ كلام الامام عليه السّلام في هذا الحديث ليس إلّا جملة: ما نعرف هذا.

و هو خلاف الظاهر فان ظاهر جملة: رجم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و لم يجلد، هو انّها من كلام الامام عليه السّلام.

الكلام في زنا البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة

قال المحقّق: و لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم.

و في المسالك: هذا مذهب الشيخ و جماعة من المتأخرين و مستندهم صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام.

و لا يخفى ان الصحيحة واردة في خصوص عكس المسئلة و هو زنا غير البالغ بالبالغة. و وجه الاستدلال بها مع كونها كذلك هو الأخذ بالفحوى.

و التحقيق انّ ما تمسّكوا به أو يمكن ان يتمسّك به في المقام أمور:

1: أصالة البراءة.

2: نقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة و لذا لا يحدّ قاذفها.

3: نقص اللّذة فيه، فلا تجب العقوبة فيه بما يجب في الكامل.

4: فحوى نفى الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبيّ كما سيبحث فيه ان شاء اللّٰه تعالى.

5: عموم التعليل الوارد في خبر ابى بصير الآتي ذكره.

6: درء الحدود بالشبهات.

7: انصراف الأدلّة عنه.

______________________________

(1) التهذيب الجلد 10 الصفحة 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 292

8: مرسلة السرائر.

9: عدم القول بالفصل.

و

لا يخفى انّ شيئا من المذكورات لا يصلح لرفع اليد عن الأدلّة الدالّة على وجوب رجم الزاني المحصن، أو الجمع بين جلده و رجمه و أكثرها أمور اعتباريّة لا تنفع في استنباط الأحكام.

فنقول في دفع هذه الوجوه: أمّا الأصل فإنّه لا مجال له مع وجود الدليل الشرعي و صدق الموضوع و هو زنا المحصن الموجب للرجم.

و امّا نقص حرمة الصغيرة و المجنونة، ففيه انّ العقوبة ليست منوطة بكمال الاحترام بل هي حدّ هذا العمل.

و امّا نقص اللّذة ففيه أوّلا انّه غير مسموع في المجنونة بل الأمر كذلك في الصغيرة فلعلّ اللذة تكون أزيد و أكثر في بعض الموارد منها. و ثانيا انّ كثرة اللذة و قلّتها ليست مناطا للحكم الإلهي، و أنت ترى انّ الشيخ إذا زنى محصنا فإنّه يجلد و يرجم و الحال انّ اللّذة في خصوصه قليلة إذا قيست بالنسبة إلى الشابّ، و هل يمكن ان يقال إذا كان الزاني في ظروف لا يلتذّ فيها بزناه مطلقا فلا حدّ له؟ و على الجملة فالعقاب و هو الحدّ مترتّب على الزنا و لا عبرة بكمال اللذة و نقصانها.

و امّا الفحوى فالظاهر انّه لا فحوى في المقام و سيوافيك البحث في ذلك إن شاء اللّٰه تعالى، و كذلك الأمر بالنسبة إلى التعليل.

و امّا درء الحدّ بالشبهة ففيه انّه لا شبهة بعد استظهار المطلب من الأدلّة.

و امّا الانصراف فيمكن ان يورد عليه بأنّه لو كان، فهو بدويّ و ثانيا انّه على ذلك يشكّ في أصل الحدّ أيضا و يلزم ان لا يقام عليه حدّ أصلا لا ان ينتفي عنه خصوص الرجم كما هو المدّعى الّا ان يدّعى الإجماع على وجوب الجلد.

و الإنصاف انّ احتمال الانصراف أقرب

الى الذهن من سائر الوجوه و ان لم أقف على من ادّعاه، لكن يمكن القول به أو احتماله في الآية الكريمة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 293

و الروايات الشريفة من الزنا بغير البالغ أو بالمجنونة و ذلك لندرة وقوعه و شذوذه، و الأدلّة محمولة على المتعارف و على ذلك فلا حدّ عليه و لا أقلّ من ان يشكّ في ذلك.

و امّا المرسلة فنقول: لا بدّ لنا من المراجعة الى الاخبار المناسبة للمقام كي يتّضح حال كلّ ماله تعلّق بالأخبار أيضا كالتعليل و الفحوى فنقول:

عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال: يجلد الغلام دون الحدّ و تجلد المرأة الحدّ كاملا قيل فان كانت محصنة؟ قال: لا ترجم لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك و لو كان مدركا رجمت «1».

و هي و ان كانت صحيحة ظاهرا [1] الّا انّها كما مرّ واردة في عكس المسئلة لانّ المفروض فيها هو زناء غير البالغ بالبالغة في حين انّ مفروض المقام هو زناء البالغ بالصغيرة مثلا.

نعم قد علّل عدم رجم البالغة بانّ ناكحها ليس بمدرك اى ليس ببالغ و يمكن ان يستفاد منه انّه لو زنى البالغ بغير البالغة أيضا لا يرجم البالغ لأنّ المنكوحة ليست بمدركة، و بعبارة أخرى مجرّد عدم كون واحد من طرفي الزنا غير مكلّف موجب لرفع الرجم من الطرف الآخر.

لكن هذا مشكل جدّا فان ظاهر قوله: لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك، هو انّه علّة مختصّة بالناكح يعنى انّه علّة في خصوص مورده و هو ما إذا كان الناكح غير مدرك، و أين هو من محلّ النزاع و هو كون المنكوحة

غير مدركة بعد ما نعلم انّ الناكح غير المنكوح و مباين له، خصوصا لو لوحظ انّ زنا البالغ بالصبيّة مقرون باللّذة له بخلاف زنا الصغير بالكبيرة حيث انّه تقلّ و تنقص اللّذة جدّا.

و العمدة انّ الظاهر من الخبر اختصاص العلّة بمورده فهو بعينه نظير أن

______________________________

[1] قال في المسالك الجلد 2 الصفحة 428: و قد عرفت مرارا حال ابى بصير و اشتراكه و انّ صحّة روايته اضافيّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 294

يقال: لو قتل صغير أحدا فإنّه لا يقتل لانّه غير مدرك، حيث انّه لا يدلّ على انه إذا قتل رجل صغيرا أيضا لا يقتل الرجل، و من المعلوم انه لا دلالة له على ذلك.

نعم لو كان يقول في مقام التعليل: لاقتران الزنا بعدم الإدراك لكان يحسن إسراء الحكم، لانّه كان نظير لا تشرب الخمر لانّه مسكر، و هذا بخلاف التعليل الوارد في الرواية، الظاهر في الاختصاص، و انّ العلّة هو عدم مدركيّة الناكح، فلا عموم للتعليل كي يتمسّك به في المقام.

و قد ظهر انّه لا أولويّة أيضا بأن يقال: إذا كان زنا الصغير بالكبيرة يوجب رفع حكم الرجم عن الكبيرة فلو كان الزاني كبيرا و الزانية صغيرة فأولى بعدم رجم الكبير، و لا يعلم من أين هذه الأولوية؟ بل لعلّ الأمر بعكس ذلك.

و عن ابن بكير عن ابى مريم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة و فجر بامرأة أيّ شي ء يصنع بهما؟

قال: يضرب الغلام دون الحدّ و يقام على المرأة الحدّ، قلت: جارية لم تبلغ وجدت

مع رجل يفجر بها؟ قال: تضرب الجارية دون الحدّ و يقام على الرجل الحدّ «1».

و هذه الرواية متضمّنة لفرعين ثانيهما هو الفرع المبحوث عنه في المقام فنقول في شرحها: قوله: يقام على المرأة الحدّ، يمكن ان يكون المراد هو مجرّد الجلد بان يكون اللام للعهد المذكور في الغلام، فتضرب المرأة أقلّ من الحدّ و يضرب الرجل تمام هذا الحدّ فلا محالة يكون المراد هو الجلد.

و يمكن ان يكون المراد انّه يقام عليها حدّها المناسب لها المجعول عليها من الجلد ان كانت غير محصنة و الجلد و الرجم ان كانت محصنة كما لعلّه يومي الى هذا، العدول عن لفظة يضرب الى يقام، و على هذا تكون الرواية معارضة لرواية أبي بصير حيث انّها نفت الرجم عن المرأة.

و لكن مقتضى القاعدة ان يقال: انّ هذه الرواية و ان كانت مطلقة لكنّها تقيّد بصحيحة أبي بصير الصريحة في عدم الرجم فليس الّا الحدّ. هذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 295

بالنسبة إلى الفرض الأوّل.

و امّا الفرض الثاني في هذه الموثّقة و هو فجور رجل بجارية غير بالغة فقد حكم الامام عليه السّلام فيه بأنّه تضرب الجارية دون الحدّ و يقام على الرجل الحدّ و هذا و ان كان هو فرضنا الّا انّ مراده من قوله: يقام على الرجل الحدّ غير واضح لانّه ربّما يبدو في الذهن انّ المراد منه هو الحدّ المناسب بحاله المجعول له من الجلد في غير المحصن، و الجلد و الرجم فيه و ان كان يحتمل أيضا ان يكون المراد منه هو خصوص الجلد.

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى

بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل وقع على صبيّة ما عليه؟ قال: الحدّ «1».

و الكلام هنا هو الكلام فيما مضى.

و سألته عن صبيّ وقع على امرأة قال: تجلد المرأة و ليس على الصبي شي ء «2».

و في الوسائل: هذا محمول على غير المميّز أو على نفى الحدّ دون التعزير انتهى.

و كيف كان فقد علمت انّه لم تكن في هذه الروايات رواية واردة في المقام صريحة في عدم الرجم نعم بالنسبة إلى عكس المسئلة قد صُرّح في بعضها بعدم الرجم و الاقتصار على مجرّد الجلد.

و إذا لم يحصل الاطمئنان بعدم الرجم في رجل زنى بالصغيرة أو المجنونة فلا محالة نرجع إلى أدلّة الزنا و نقول: لو لم يكن محصنا فمقتضى الآية و الاخبار هو الجلد و ان كان محصنا فهو يجلد و يرجم على ما مضى، لعدم وجود ما يصلح ان يكون مخصّصا لروايات الزنا و حكم الإحصان.

و امّا مرسلة السرائر فهذه: قد روى انّ زنا الرجل بصبيّة لم تبلغ و لا مثلها قد بلغ لم يكن عليه أكثر من الجلد و ليس عليه رجم. و كذلك المرأة إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 296

زنت بصبيّ لم يبلغ لم يكن عليها رجم و كان عليها جلد مأة. و روى انّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصنا و كان عليه جلد مأة و ليس على المجنونة شي ء بحال، لا جلد و لا رجم و لا تعزير «1».

و من المعلوم انّه كان لا يعمل بأخبار

الآحاد، و لا يعلم انّه نقل هذه الرواية المرسلة مفتيا بها أو انّه اتى بها لمجرّد نقل الرواية، و على هذا لا بدّ من العمل بمقتضى قاعدة الإحصان لعدم اعتبار المرسلة.

نعم قال في الرياض: إرسالها مجبور بالشهرة الظاهرة و المحكيّة. ثم قال:

و لو لا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجّة مستقلّة فالمشهور لعلّه لا يخلو عن قوّة لقوّة ما مرّ من الحجّة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه من علل اعتباريّة، و لو تنزّلنا عن قوّتها فلا ريب في ايراثها الشبهة الدارئة للحدود اتّفاقا فتوى و رواية انتهى «2».

و بذلك يرتفع الرجم و يبقى الجلد بمقتضى الآية و الروايات الدّالة على انّ الزنا يوجب الجلد قطعا.

لكن يرد عليه انّ الشهرة محلّ الكلام و أوّل البحث بل في الجواهر ما يفيد إنكارها فإذا لم يتحقّق ذلك فلا محالة يؤخذ بالعمومات و الإطلاقات و لا مجال للشبهة في قبالها كما انّه في موارد الظهورات لا شكّ في وجود احتمال الخلاف و مع ذلك فلا يعتنى به بل يؤخذ بالظاهر و يطرح احتمال الخلاف، و على الجملة فالشبهة في مقابل الحجّة الشرعية لا توجب درء الحدّ و الّا فما من عام أو مطلق أو ظاهر الّا و يحتمل خلافه مع انّه لا يعتنى به فتحصّل انّه ان كان محصنا يجلد و يرجم و الّا يجلد فقط و لا يرجم.

و امّا دعوى عدم القول بالفصل بين المسئلة الآتية و مسئلتنا هذه- بتقريب انّ كلّ من قال بعدم الرجم في المرأة البالغة إذا زنى بها صغير فقد قال بعدمه في الرجل الذي زنى بالصغيرة و هو محصن و من قال بثبوته فيها قال بثبوته هنا-

______________________________

(1) السرائر الجلد 3

الصفحة 443 و 444.

(2) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 471.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 297

فقد أجاب عنها في الجواهر بأنّه لا محصّل لها على وجه ترجع الى مدرك معتدّ به فان ثبوت الإجماع بذلك كما ترى انتهى و ذلك لانّه على ذلك ففي كلّ من المسئلتين قولان و لا إجماع، فيرجع الى الروايات الدّالة على حكم الإحصان بعد صدق الزنا على الزنا بالصغيرة مثلا أيضا.

ثم لا يخفى انّه لم يكن في هذه الروايات ذكر عن زنا العاقل بالمجنونة لكنّ العلماء رضوان اللّٰه عليهم جعلوا الزنا بالمجنونة رديفا للزنا بغير البالغة.

نعم في مرسلة السرائر: و روى انّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصنا و كان عليه جلد مأة «1».

الكلام في زناء الطفل مع المرأة

هذا كلّه حكم زناء البالغ مع غير البالغة و امّا عكس ذلك اى ما إذا زنى غير البالغ مع البالغة ف

قال المحقّق.

و كذا المرأة لو زنى بها طفل.

يعنى انّ المرأة لا ترجم ان كانت محصنة، و ما ذكره هنا تامّ، و ذلك لصراحة صحيحة أبي بصير في ذلك و بها تخصّص الأخبار الدّالة على رجم المحصن و المحصنة.

و بهذه الصحيحة يعلم انّ الحدّ في موثّقة ابن بكير الناطقة بوجوب اجراء الحدّ على المرأة يراد به غير الرجم، و على الجملة فالفارق بين الفرعين هو النص فإنّ رواية أبي بصير [1] صريحة في المقام بعدم الرجم، على خلاف الأدلة الدالّة

______________________________

[1] قال العلّامة المجلسي قدّس سرّه في مرآت العقول بشرح خبر ابى بصير: صحيح و يدلّ على انّه لو زنى غير البالغ بالمحصنة لا ترجم، و ذهب اليه الشيخ و جماعة من المتأخرين، و ذهب جامعة منهم ابن الجنيد

و أبو الصلاح و ابن إدريس و هو ظاهر المفيد الى وجوب الحدّ على الكامل منهما كملا بالرجم ان كان محصنا لورود الروايات بإطلاق حدّ البالغ منهما و هو محمول على الحدّ المعهود عليه بحسب حاله من الإحصان و غيره و كذا الكلام فيمن وطأها المجنون.

______________________________

(1) السرائر الجلد 3 الصفحة 444.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 298

على انّ زنا المحصن و المحصنة يوجب الرجم.

الكلام في ما إذا زنى المجنون

قال المحقّق: و في ثبوته في طرف المجنون تردّد و المرويّ انّه يثبت و خالف في ذلك كثير.

أقول: انّ ما تقدّم كان حكم الطرف البالغ العاقل فهنا يبحث في الطرف الآخر اعنى المجنون مثلا إذا زنى و انّه هل يقام عليه الحدّ أم لا؟ و قد وقع الخلاف في ذلك، فذهب جماعة إلى وجوب الحدّ عليه مطلقا و ان كان محصنا فيرجم و أنكره الكثيرون.

و استدلّ الأوّلون بخبر ابان بن تغلب عن الصادق عليه السّلام: إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ و ان كان محصنا رجم. قلت: فما الفرق بين المجنون أو المعتوه و المجنونة و المعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى و الرجل يأتي و انّما يأتي إذا عقل كيف تأتي اللذة، و انّما المرأة تستكره و يفعل بها و هي لا تعقل ما يفعل بها «1».

و في الجواهر: المشهور عدم الحدّ عليه حتّى الجلد للأصل.

أقول: الحقّ هو ما ذهب اليه المشهور و امّا التمسّك بالأصل فهو غير صحيح لأنّ الأصل يجري فيما يمكن، و هنا لا يمكن أصلا فإنّ من المعلوم انّ العقل شرط عقلي في التكليف و بدونه يكون لغوا فاذا كان الإنسان لا يتعقّل شيئا و لا يدركه فهو ليس بمكلّف حتّى يجب عليه الحدّ

لعدم ترتّب اثر عليه أصلا و الحال هذه، بل الأمر كذلك في التعزير، فما ورد في بعض الروايات من ضربه و تأديبه فهو لتخويفه كي لا يرتكب العمل المعزّر عليه فان المجنون يتخوّف من عوامله كثيرا و لو فرض عدم فهمه لذلك أيضا فلا مجال للتعزير أيضا.

و على الجملة فلو كان هناك تعبّد خاصّ فهو، بان يكون بحيث يضرب قربة الى اللّٰه؟! و الّا فلا وجه لحده أصلا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 21 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 299

و قد ظهر بذلك انّ مثل خبر ابان يشكل العمل به جدّا كما انّ فهم المراد منه أيضا أمر مشكل لانّ الرجل إذا كان يأتى عند ما عقل فلذا يحدّ فهذا جار في طرف المرأة أيضا لأنّ تهيئها لذلك يتحقّق إذا عقلت فلا فرق بينهما و على هذا فلا بدّ من حمل الرواية على ما لا يناقض القاعدة العقليّة بأن يكون المراد أن الرجل كان ناقص العقل لا مجنونا محضا فكان حال العمل عاقلا و الّا فلو كان مجنونا محضا- كما انه قد يكون المجنون كذلك و يصدر منه الأفعال حتّى الزنا من غير توجّه و ارادة- فيكون كالحيوانات بل أسوأ حالا منها فلا وجه لحدّه أصلا و لذا لم يعمل المشهور بهذه الرواية لأنّه لا يمكن الالتزام بصدور ما يخالف الحكمة من الحكيم، فكيف يوجّه الحكيم التكليف الى المجنون الذي لا يعقل شيئا؟ و على الجملة فلا بدّ امّا من حملها إن أمكن و الّا فطرحها.

و بعضهم حملوها على مجنون يتعقّل المقدار الذي يكون مصحّحا للتّكليف [1] لكنّه غير تامّ لانّه على هذا فالمجنونة أيضا لو كانت

كذلك فإنّها تحدّ بلا فرق بينهما، و امّا وجه استفادة الراوي و استظهاره الفرق بين المذكر و المؤنّث فلعلّه هو انّه كان قد سمع من الخارج انّ الامام عليه السّلام تعرّض للحكم الأنثى و انّه لا يجرى عليها الحدّ و بعد ما سمع انّ المجنون إذا زنى جلد و ان كان محصنا رجم، بدا له السؤال عن الفرق بينهما.

و يمكن ان يكون نظر الراوي من السؤال الى نفس هذا الكلام بان يكون مراده الاستفهام عن عدم تعرّض الامام عليه السّلام للمجنونة و المعتوهة مع تعرّضه عليه السّلام للمجنون و المعتوه و كأنّه يقول لم لا تذكر هذا الحكم في المجنونة و المعتوهة أيضا؟

الكلام فيمن حدّه مع الجلد، الجزّ و التغريب

قال المحقّق: و امّا الجلد و التغريب فيجبان على الذكر غير المحصن

______________________________

[1] أو على من يعتوره الجنون أدوارا و قد زنى في حال تعقله هذا مضافا الى ضعف طريق الرواية فراجع المسالك و الجواهر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 300

فيجلد مأة و يجزّ رأسه و يغرّب عن مصره عاما مملّكا أو غير مملّك.

أقول: إذا كان الزاني حرّا مذكّرا غير محصن فإنّه يجمع في حدّه بين الجلد و حلق رأسه و نفيه عن بلده عاما فيعاقب بالعقوبات الثلاث بلا فرق بين ان يكون مملّكا أو غير مملّك.

امّا الحكم الأوّل أي الجلد فلا خلاف و لا اشكال فيه و قد مرّ انّ حكم الزاني غير المحصن هو الجلد و يدلّ عليه مضافا الى إجماع المسلمين و عدم الخلاف فيه الكتاب و السنّة و قد علمت دلالة الآية: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، و الروايات الكثيرة على انّ حدّه هو الجلد.

و امّا الثاني أي جزّ الرأس يعني قرض شعر

رأسه بالمقراض أو حلقه فقد نسب الى جمع من القدماء و ان لم يتعرّض غير واحد منهم لذلك.

و مستندهم في ذلك روايتان إحديهما معتبرة حنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام و انا اسمع عن البكر يفجر و قد تزوّج ففجر قبل ان يدخل بأهله فقال: يضرب مأة و يجزّ شعره و ينفى من المصر حولا و يفرّق بينه و بين اهله «1».

و الأخرى رواية على بن جعفر- و قد يعبّر عنها بالصحيحة- عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة و لم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحدّ و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين اهله و ينفى سنة [1].

و قد عبّر في الأولى بالجزّ و في الثّانية بالحلق، و لعلّ المقصود من الجزّ

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8.

أقول: و في المسالك: رواية عبد اللّٰه بن بكير طلحة عن الصادق عليه السّلام إذا زنى الشابّ الحدث السن جلد و حلق رأسه و نفى عن مصره إلخ.

و في شرح الإرشاد للأردبيلي: و نقل في شرح الشرائع في خبر عبد اللّٰه بن طلحة: و حلق رأسه بعد الجلد و قبل النفي، و ما رأيته في الأصول و لا في الفروع و هو اعلم انتهى، أقول خبر طلحة الباب 1 الحديث 11.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 301

المذكور في الاولى هو الحلق المذكور في الثانية. و يمكن ان يكون المقصود هو التخيير بينهما.

و كيف كان فلا شكّ انّ المراد من الشعر المذكور في رواية حنان

هو شعر الرأس كما صرّح بذلك في رواية علي بن جعفر فان هذا هو المنصرف اليه من جزّ الشعر و حلقه و المتبادر منه، فلا يكفى غيره كحلق اللحية و غيرها.

قال في الرياض: و ظاهر إطلاق الجزّ فيه و ان شمل جزّ شعر اللحية و نحوها الّا انّ المتبادر منه جزّ شعر الرأس منه فينبغي تقييده به سيّما مع التصريح به في الخبر الأول- يعني خبر على بن جعفر.

و هل يعتبر حلق تمام الرأس أو موضع خاص منه أو يكفي حلق بعضه مطلقا؟ ظاهر المقنعة و المراسم و الوسيلة تخصيص ذلك بشعر الناصية.

و قد تمسّك لذلك بالأصل أي أصالة البراءة من الزائد و ممّن تمسّك به صاحب الجواهر قال: و لعلّه لأصالة البراءة من الزائد و زيادة اختصاصها بالشناعة لكن ينافيه ظاهر الخبرين المزبورين اللذين هما الأصل في الحكم.

أقول: لا مجال لأصالة البراءة أصلا بعد انّ الظاهر من حلق الرأس هو حلق تمامه، فان كان هناك انصراف إلى الناصية- لاحترامها الخاص، و أهمّيّته الخاصّة بحيث إذا أخذ بناصية أحد فهو مسلوب القدرة و عاجز عن المقاومة كما يومي الى ذلك ما ورد في الدعاء الشريف: اللّهم انّ هذا عبدك ناصيته بيدك [1] و غير ذلك فيحلق خصوصها لمزيد الشناعة، أو انّ جزّ خصوص الناصية كان يستعمل في الأمم بعنوان التوهين و التشهير عند ما يريدون عقوبة أحد، أو انّ ذلك هو المتيقّن منه- فهو و الّا فلا بدّ من الأخذ بالظاهر و هو حلق الجميع و لا وجه للاكتفاء بحلق الناصية و الظاهر انّه لا انصراف في البين.

ثمّ انّ الروايتين كلتيهما واردتان في خصوص من تزوّج و لم يدخل بها، فهو

______________________________

[1] قد يقرء هذا

في الصلاة على الميّت كما سمعنا ذلك عن سيّدنا الأستاد في الصلاة على الأموات لكن لم نجده في الكتب نعم في دعاء ليلة الجمعة و يومها انَا عبدك و ابن أمتك و في قبضتك و ناصيتي بيدك راجع المفاتيح الصفحة 32 و في دعاء كميل: يا من بيده ناصيتي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 302

إذا زنى من غير إحصان يجزّ شعره، و حيث انّ بينه و بين من لم يتزوّج أصلا فرقا واضحا و ذلك لانّ من تزوّج و عقد على امرأة و لم يدخل بها يمكنه في كلّ آن ان يتمتّع بها و يدفع بذلك شهوته في حين انّ من لم يعقد على امرأة لا يتيسّر له ذلك فربّما يكون عقوبة الزنا في حقّه أقلّ و أسهل فلذا لا يحصل القطع بتنقيح المناط حتّى يحكم بذلك في كلّ زان غير محصن سواء أملك أم لا و خصوصا انّ الحدود تدرء بالشبهات.

لكن المحقّق و جماعة عمّموا الحكم لكلّ زان غير محصن و ان لم يكن مملّكا و نسبه في المسالك الى أكثر المتأخرين، و في الجواهر بعد عبارة المحقّق المذكورة آنفا قال: مملّكا كان أو غير مملّك وفاقا لظاهر المحكىّ عن العمّاني و الإسكافي و الحلبي و صريح المحكىّ عن المبسوط و الخلاف و السرائر إلخ.

و امّا الحكم الثالث أعني النّفي عن البلد و إخراجه منه ففي وجوبه و استحبابه كلام، و ذلك لاستشمام الاستحباب من بعض الروايات. لكنّ المشهور هو الحكم بالوجوب بل المستفاد من بعض العبائر الإجماع على ذلك بل صرّح بذلك في الخلاف و إليك عبارته: البكر عبارة عن غير المحصن فاذا زنى البكر جلد مأة و غرّب عاما كلّ

واحد منهما حدّ، ان كان ذكرا، و ان كان أنثى لم يكن عليها تغريب و به قال مالك و قال قوم: هما سواء ذهب إليه الأوزاعي و الثوري و ابن ابى ليلى و أحمد و الشافعي، و قال أبو حنيفة: الحدّ هو الجلد فقط، و التغريب ليس بحدّ و انّما هو تعزير الى اجتهاد الامام و ليس بمقدّر، فان رأى الحبس فعل و ان رأى التغريب الى بلد آخر فعل من غير تقدير، و سواء كان ذكرا أو أنثى، دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا الأصل برأيه الذمّة في المرأة فمن أوجب عليها التغريب فعليه الدليل، و الجلد لا خلاف انّه عليها- الى ان قال:- و امّا الدليل على انهما حدّان ظاهر الاخبار و ان النبي (ص) فعل ذلك و أمر به فمن حمل ذلك على التعزير أو جعله الى اجتهاد الامام فعليه الدليل

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 303

و هو إجماع الصحابة [1].

ثم انّه لمّا كان مستند العلماء هو الروايات فلا بدّ من المراجعة إليها و الاستظهار منها.

فنقول: انّها بواحد من الاعتبارات على قسمين: قسم منها وارد في فعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم و الخلفاء و الامام أمير المؤمنين عليه السّلام و ناطق بأنّهم قد نفوا الزاني من البلد و لم يكن في هذا القسم تعرّض لكونه مملّكا أو غير مملّك و لا فيه ذكر عن ذلك.

نعم لمّا لم يتعرّض ناقل القضيّة في هذه الاخبار عن انّ الزاني الذي نُفى عن بلده كان مملّكا أو، لا، فلعلّ ترك الاستفصال فيها يفيد العموم. قال الشيخ قدّس سرّه في الخلاف:

روى عن ابن عمر انّ النبيّ صلّى اللّٰه عليه

و آله جلد و غرّب، و انّ أبا بكر جلد و غرّب و انّ عمر جلد و غرّب. و روى عن علىّ عليه الصلاة و السّلام

______________________________

[1] الخلاف كتاب الحدود المسئلة 3، و قال الكاظميّ في مسالك الافهام الجلد 4 الصفحة 194:

و هل يجب الجمع بنى الجلد و التغريب في حدّ غير المحصن؟ أثبته أصحابنا و الشافعية. و أنكره الحنفيّة زاعمين انّ التغريب مفوّض إلى رأى الامام قالوا و روى عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم):

البكر بالكبر جلد مأة و تغريب عام و كذا ما روى عن الصحابة انّهم جلدوا و نفوا، منسوخ أو محمول على وجه التعزير و التأديب لا الوجوب و احتجّوا على ذلك بانّ إيجاب التغريب يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد و ذلك لانّ إيجاب الجلد ترتّب على الزنا بالفاء التي هي للجزاء و معنى الجزاء كونه كافيا في ذلك فإيجاب شي ء آخر غير الجلد يقتضي نسخ كونه كافيا و لانّ التغريب لو كان مشروعا لوجب على النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم توقيف الصحابة عليه عند تلاوة هذه الآية و لو فعل لاشتهر مع انّ أبا هريرة روى انّه صلّى اللّٰه عليه و آله قال في الأمة: إذا زنت فاجلدها فان زنت فاجلدها فان زنت فبعها و لم يذكر التغريب.

و الجواب انّ إيجاب الجلد في الآية لا ينافي إيجاب التغريب و عدمه بل يحصل مع كلّ منهما فلا إشعار في الآية بأحد القسمين الّا انّ عدم التغريب لمّا كان موافقا للبراءة الأصلية كان إيجابه بخبر الواحد لا يزيل الّا محض البراءة فلا يلزم نسخ القرآن به. و قول النحاة انّما سمّى الجزاء جزاء لانّه كاف في الشرط،

فلا يصحّ حجّة في الأحكام، و لا استبعاد في عدم اشتهار بعض الأحكام كأكثر المخصّصات، و الاخبار الواردة في نفى التغريب معارضة بأخبار أخر دلّت على ثبوته و بالجملة فقول الحنفيّة ضعيف انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 304

و عثمان انّها فعلا ذلك. و روى عن ابيّ و ابن مسعود مثل ذلك فغرّب أبو بكر و عمر الى الشام، و عثمان الى مصر، و علي عليه الصلاة و السّلام الى الروم و لا مخالف لهم، و ما روى من عمر انّه قال: و اللّٰه ما غرّبت بعدها ابدا، و روى عن علىّ عليه الصلاة و السّلام انّه قال: التغريب فتنة، الوجه فيه انّ عمر نفى شارب الخمر فلحق بالرّوم فلهذا حلف، و قول عليّ عليه الصلاة و السّلام، أراد انّ نفى عمر فتنة و هذا الذي حكيناه «1».

الى غير ذلك من الاخبار الدّالة على ذلك.

و امّا القسم الآخر فهي الروايات الواردة عن النبيّ و الأئمة عليهم السّلام المصرّحة بأنّه حدّ له.

ففي النبوي (ص): البكر بالبكر جلد مأة و تغريب عام، و الثّيب بالثّيب جلد مأة ثم الرجم «2».

و التقسيم بحسب هذا الخبر ثنائي فإن كانت للزاني زوجة و قد دخل بها فهو ثيّب و الّا فهو بكر سواء عقد على امرأة أم لا فاذا زنى فإنّه يُنفي عن بلده و يغرّب، و على الجملة فالبكر هنا هو من لا يجامع.

و في خبر عبد اللّٰه بن طلحة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام:. و إذا زنى الشاب الحدث السن جلد و نفى سنة من مصره «3».

و هو أيضا كذلك يدلّ على انّ الشاب الحدث السن إذا زنى ينفى عن بلده سواء كان له زوجة

أم لا غاية الأمر انّه قد خرج منه المحصن بدليله فإنّه يرجم و لا مورد للنفي مع الرجم فيبقى غيره تحت العنوان.

و عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام انّ محمّد بن ابى بكر كتب الى علىّ عليه السّلام في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة و النصرانيّة فكتب عليه السّلام اليه: ان كان محصنا فارجمه و ان كان بكرا فاجلده مأة جلدة ثم انفه و امّا

______________________________

(1) الخلاف الجلد 3 كتاب الحدود المسئلة 3.

(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 222.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 11.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 305

اليهودية فابعث بها الى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «1».

ترى تثنية التقسيم فامّا هو محصن فيرجم و امّا انّه بكر فيجلد و ينفى الّا انّه قد خرج الشيخ و الشيخة المحصنان بدليلهما فإنّهما يجلدان و يرجمان و على الجملة فالبكر هنا في مقابل المحصن فيشمل ما إذا لم يتزوّج و لم يدخل بها و عن مثنّى الحنّاط عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحدّ قال: ينفى من الأرض الى بلدة يكون فيها سنة «2».

فهذه الأخبار ناطقة بوجوب النفي و انّه مثل الجلد حدّ للزاني غير المحصن نعم في خبر سماعة قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا زنى الرجل ينبغي للإمام ان ينفيه من الأرض التي جلد فيها الى غيرها فإنّما على الامام ان يخرجه من المصر الذي جلد فيه «3».

و التعبير بلفظ (ينبغي) الظاهر في الاستحباب يوجب نقص ظهور الأوامر الواردة في الروايات الأخر في الوجوب، هذا مضافا الى نقل الشيخ الصدوق الرواية بلفظ ليس ينبغي [4]

الّا انّ في مفاد الخبر على فرض عدم لفظة (ليس) نوعا من الإجمال- لعدم الملائمة بين الصدر و الذيل- نعم لو كانت الرواية مشتملة عليها كما هو مقتضى نقل الفقيه فالمعنى ظاهر و ذلك لانّ المراد من الأرض على هذا بقرينة تقابلها للمصر هو المملكة الإسلامية و كأنّه قال: لا ينبغي للإمام ان يخرجه من أرض الإسلام و مملكة المسلمين الى خارجها و انّما عليه ان يخرجه من البلدة التي جلد فيها، و عليه فلا إبهام و لا إجمال في البين و تساعد سائر الاخبار.

و لسماعة خبر آخر غير مشتمل على هذا الذيل و هو: عن ابى عبد اللّٰه

______________________________

[1] راجع من لا يحضره الفقيه الجلد 4 الصفحة 25، و في الوافي الجلد 2 الصفحة 45 من أبواب الحدود: في الفقيه فليس ينبغي للإمام، و هو الأظهر و على التقديرين لا يخلو من إبهام و إجمال انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من حدّ الزنا، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حدّ الزنا الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 306

عليه السّلام قال: إذا زنى الرجل يجلد و ينبغي للإمام ان ينفيه من الأرض التي جلد فيها الى غيرها سنة «1».

و كيف كان فالأخبار الدالة على الوجوب كثيرة عددا و معمول بها عند المشهور و على هذا فالزانى إذا لم يكن محصنا يجب مضافا الى جلده، نفيه عن بلده و تغريبه الى بلد آخر.

و امّا ما ورد من حلف عمر باللّٰه سبحانه على عدم التغريب بعدها ابدا ففيه- مضافا الى ما مرّ عن الشيخ قدّس سرّه- انّه قد

نقل انّ عمر نفاه من بلده لأنه شرب الخبر «2» و من المعلوم انّ حدّ شرب الخمر هو جلد ثمانين و ليس على شارب الخمر التغريب، و لمّا اعترض عليه في ارتكابه ما يخالف حكم الشرع حلف باللّٰه ان لا يغرّب بعد ذلك ابدا و الى ذلك يشير الامام عليه السّلام في قوله:

انّ نفى عمر فتنة.

و هذه الاخبار تدلّ بإطلاقها على تغريب مطلق الزاني غير المحصن في حال تدلّ روايات اخرى على اختصاص ذلك بالبكر مثلا.

ففي رواية محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة أن يجلدا مأة و قضى للمحصن الرجم و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مأة و نفى سنة في غير مصرهما و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «3».

ترى انّه عليه السّلام قد خصّ النفي بالبكر و البكرة، و قد فسّر ذلك بمن تزوّج و لم يدخل بها.

نعم قد يبحث في انّ هذا التفسير من الامام عليه السّلام أو من الراوي و لكنّ الظاهر هو الأوّل.

و الظاهر من نقل الإمام أبي جعفر عليه السّلام و حكايته عن أمير المؤمنين

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

(2) صرّح به في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 307

عليه السّلام هو الاختصاص و انه صلوات اللّٰه عليه نفى خصوص هذا الفرد و الّا فكان يقول: نفى الزاني غير المحصن.

و في رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: المحصن يرجم و الذي قد أملك

و لم يدخل بها فجلد مأة و نفى سنة «1».

و هنا جعل المحصن مقابلا المملك و على هذا يكون التقسيم ثلاثيا و يبقى غير المحصن الذي لم يتزوّج أصلا و لا بدّ ان يكون حكمه هو ما ذكر في الآية الشريفة من وجوب الجلد.

و في رواية زرارة أيضا عن ابى جعفر عليه السّلام قال: الذي لم يحصن يجلد مأة و لا ينفى و الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مأة و ينفى «2».

و هذه الروايات تصلح للتقييد و خصوصا الأخيرة منها حيث نفى فيها النفي عمّن لم يحصن و انّما خصّت النفي بمن تزوّج و لم يدخل بها و على هذا فالمحصن يرجم و غير المحصن إذا كان قد تزوّج و لم يدخل بها يجلد، و ينفى و إذا لم يتزوّج أصلا فإنّه يجلد بلا نفى.

و التحقيق انّ ههنا أخبارا مطلقة غير مقيّدة بمن تزوّج و لم يدخل بها و هي واردة بالسنة مختلفة.

فمنها ما ورد بعنوان: إذا زنى الرجل، أو الشاب كرواية سماعة و رواية عبد اللّٰه بن طلحة المذكورتين آنفا.

و منها ما ورد بعنوان البكر كرواية الحلبي عن الصادق عليه السّلام:

و البكر و البكرة جلد مأة و نفى سنة «3» و مثله رواية عبد الرحمن عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان علىّ عليه السّلام يضرب الشيخ و الشيخة مأة و يرجمهما و يرجم المحصن و المحصنة، و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا،

الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 12.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 308

و منها ما ورد بلفظ الزاني كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الزاني إذا زنى أ ينفى؟ قال: فقال: نعم من التي جلد فيها الى غيرها «1».

لكن في قبالها روايات ذكر فيها: من تزوّج و لم يدخل بها، و هي على أقسام فمنها ما ورد بلفظ الإثبات و ذلك كرواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام: و الذي قد أملك و لم يدخل بها فجلد مأة و نفى سنة «2».

و منها ما تضمّن النفي و الإثبات كقوله عليه السّلام في رواية زرارة الأخرى: الذي لم يحصن يجلد مأة جلدة و لا ينفى و الذي قد أملك و لم يدخل بها يجلد مأة و ينفى «3» «فتأمّل».

و منها ما دلّ على بيان المورد الصالح لان يدلّ على عدم جريان الحكم في غيره و ذلك كرواية محمّد بن قيس التي مرّ نقلها.

هذه مجموعة الأخبار الدّالة على التقييد، و الكلام هنا في انّه هل تصلح هذه الروايات لتقييد المطلقات أم لا و الّا فلا شكّ في كون المطلقات دليلا على العموم و انّ النفي جار في غير المحصن سواء كان قد تزوّج أم لا، فلو استشكل في دلالة المقيّدات يؤخذ بالإطلاقات بلا كلام، و الظاهر عدم خلوّ ما يؤتى للتقييد عن الإشكال.

أمّا رواية محمّد بن قيس ففيها إشكالات عديدة منها ما ذكره في الجواهر و من قبله صاحب الرياض فيه من ضعف دلالتها و ذلك لاحتمال كون التعريف من غير الامام و عدم العلم بكونه منه عليه السّلام حتّى يؤخذ به.

و منها

ضعفها و عدم الجابر لها فإنّه و ان ادّعى بعض عليه الشهرة و اختاره العلّامة في المختلف و ولده في الإيضاح و أبو العباس في المقتصر [1] إلّا

______________________________

[1] راجع المختلف الصفحة 757 و إيضاح الفوائد الجلد 4 الصفحة 479 و المقتصر الصفحة 401 و نسب هو الى القاضي و ابن حمزة و الصدوق و ظاهر المفيد و تلميذه، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 309

انّها موهونة بعدم تحقّق الشهرة، هذا مضافا الى دعوى الشهرة على خلاف ذلك أيضا و ممّن ادّعاها الشهيد الثاني في المسالك، و الى رجوع الشيخ قدّس سرّه- عمّا ذكره في النهاية من الاختصاص- في كتابيه: الخلاف و المبسوط الى القول بشمول الحكم لغير المحصن مطلقا و قد ذكر ذلك صاحب الرياض أيضا.

و منها ما أورده هو و صاحب الجواهر من اشتمالها على نفى البكرة أيضا مع انّهم لا يقولون به و هو خلاف المشهور بل قد ادّعى الإجماع على عدم نفى المرأة.

و منها ما أورده بعض الأعاظم رضوان اللّٰه عليه من انّ معنى البكر و البكرة معلوم عند الناس و معروف لدى العرف و هو الذي يذكر في كتاب النكاح حيثما يقولون بولاية الأب و الجدّ بالنسبة إلى الباكرة يعنى من لم تتزوّج و امّا تقييدهما بمن تزوّج و لم يدخل بها فهو لا يخلو عن رجوعه الى تقييد الموضوع أو الى تعيينه فان رجع الى تقييده فلا كلام، بان يكون المراد انّ

حكم اللّٰه تعالى بالنفي الوارد على البكر يراد به فرد خاص منه و هو من تزوج و لم يدخل بها، و ان رجع الى تعيينه فيشكل من جهة أنّه إثبات الموضوع بخبر واحد مع انّه لا بدّ في الموضوعات من البيّنة و لا يكتفى بالواحد «1».

و هذه الإشكالات و ان فرض إمكان الذبّ عنها أو بعضها بان يقال بالنسبة إلى الإشكال الأوّل مثلا بانّ الظاهر كون التفسير من الامام، على ما ذكرنا من قبل، و بالنسبة إلى الإشكال الثالث مثلا اى تضمّن الرواية لنفى البكرة الذي لا يقول به العلماء، بأنّه لا بأس باشتمال رواية على جملتين كانت واحدة منهما غير معمول بها و انّه لا يقدح في العمل بالأخرى،- و ان كان يرد عليه بانّ هذا يتمّ فيما إذا كانت هناك جملتان مستقلتان كذلك و امّا مثل المقام الذي ليس من هذا القبيل بل ذكر الحكمان بإنشاء واحد فلا.

الّا انّ لنا اشكالا آخر لا مخلص منه، و هذا الاشكال المهمّ في المقام هو

______________________________

(1) راجع جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 31.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 310

انّ رواية محمّد بن قيس الدّالة على وجوب نفى البكر المفسّر بمن تزوّج بالنسبة إلى الروايات الناطقة بنفي كلّ زان- الّا ما خرج بالدليل كالمحصن- يكونان من قبيل المثبتين، و شرط التقييد في المثبتين هو العلم بوحدة المطلوب فاذا ورد مثلا: أعتق رقبة و ورد أيضا أعتق رقبة مؤمنة فما لم يعلم بانّ المطلوب من كلا الدليلين واحد، بل احتمل ان يكون كلّ واحد مطلوبا في حدّ نفسه لا يمكن التقييد. فاذا علم ذلك فهناك يقيّد و في المقام لا علم بذلك بل من المحتمل القريب

ان يكون من تزوّج و لم يدخل بها محكوما بالنفي و كذا من لم يتزوّج أصلا و هو غير محصن، فكيف نقول باختصاص الحكم بمن تزوّج و الحال هذه؟

و على هذا فيقال بانّ الحكم حكم العام أو المطلق و انّما ذكر خصوص من تزوّج و لم يدخل بها- في بعض الروايات- لأنّه أحد افراده و لئلا يتخيّل انّه صار محصنا بذلك و خارجا عن الحكم، فالحكم حكم الزاني غير المحصن مطلقا.

هذا مضافا الى إشكالات أخرى في الروايات الدالة على التخصيص فإنّ رواية محمد بن قيس و ان عبّر عنها في الجواهر بالحسنة مثلا فإنّها محلّ الخلاف و قال بعض بضعفها و ذلك لانّ محمّد بن قيس مشترك، و التمسك برواية كان سندها مختلفا فيه مشكل خصوصا بلحاظ انّ الروايات الناطقة بالنفي في مطلق الزاني غير المحصن أكثر عددا و قد افتى بها أكثر العلماء.

كما انّ رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام: المحصن يرجم و الذي قد أملك و لم يدخل بها فجلد مائة و نفى سنة [1] المذكور فيها النكاح مع عدم الدخول فالظاهر عندي انّ اختصاص من أملك و لم يدخل بها بالذكر من باب دفع توهّم انّ من تزوّج و لم يدخل بها يكون محصنا، بل الإحصان موقوف على الدخول، لا لخصوصيّة لمن تزوّج و لم يدخل بها، كما انّ روايته الأخرى عن ابي جعفر عليه السّلام «1» لم يثبت كونها متضمّنة لكلمة «لا» حتّى تدلّ على

______________________________

[1] قد تقدّم نقلها آنفا فراجع.

______________________________

(1) الحديث 7 و قد مرّ آنفا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 311

الخصوص و لعلّه يكون الصحيح: الذي لم يحصن يجلد مأة و ينفى كما قال في الوافي

بعد نقلها: بيان: في التهذيب: و ينفى في الموضعين بدون لا، و التي قد املكت على المؤنث، و في الاستبصار مثل ما في الكافي [1].

و لذا ترى انّ صاحب الرياض لم يطمئن بتخصيص الروايات برواية محمّد بن قيس و رواية زرارة قال: و قصور سند الثاني [2] و تضمّن الأوّل نفى البكرة مع انّهم لا يقولون به بل ادّعى في الخلاف الإجماع على خلافه كما يأتي يمنع عن العمل بهما مع ضعف دلالة الأوّل باحتمال كون التعريف من غير الامام و لا جابر لهذه القوادح عدا الشهرة المحكيّة في السرائر و هي موهونة بعدم المعلومية مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها و منهم شيخنا في المسالك كما عرفته، و يزيد و هنا رجوع الشيخ عمّا يوافقها الى القول الأوّل- أي تغريب مطلق غير المحصن- في كتابيه المبسوط و الخلاف سيّما و ان في الثاني ادّعى الإجماع، فالقول الأوّل لا يخلو عن قوّة.

ثم قال: و ان كانت المسئلة لا يخلو بعد عن شبهة و لعلّه لذا انّ الفاضل في الإرشاد و القواعد و الفاضل المقداد في التنقيح و الصيمري في شرح الشرائع ظاهرهم التردّد حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين.

ثم قال: و به تحصل الشبهة الدارئة و بموجبه يتقوّى القول الثاني في المسئلة سيّما و ان ظاهر الغنية انّ عليه إجماع الإماميّة انتهى «1».

و قد تبعه في ذلك صاحب الجواهر أيضا حيث قال: و هو في محلّه.

و نحن نقول: انّهما و ان أجادا في القول بعدم الحصول على ما يصلح

______________________________

[1] الوافي الجلد 2 كتاب الحدود الصفحة 38 أقول: لكن لفظة «لا» موجودة في التهذيب الموجود عندي.

[2] أقول: الوجه في ذلك

انّ من جملة رجال سنده موسى بن بكر و هو واقفي كما صرّح به في جامع الرواة.

______________________________

(1) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 472.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 312

لكونه مخصّصا الّا انّ الذي تمسّكا به من الشبهة الدارئة ليس في محلّه و ذلك لانّه لا شبهة مع وجود المطلقات الدّالة على وجوب النفي لكلّ زان غير محصن فلا بدّ من التمسك بها بعد عدم ما يصلح لكونه مخصّصا.

و قد ظهر بما حقّقنا انّ ما افاده المحقّق «بقوله

و قيل يخصّ التغريب بمن أملك و لم يدخل، (ثم قال): و هو مبني على انّ البكر ما هو و الأشبه انّه عبارة عن غير المحصن و ان لم يكن مملكا.»

ليس بوجيه فإنّه إذا كان الموضوع في النفي و التغريب قد جي ء به بعناوين متعدّدة فكيف يبتني البحث على فهم معنى البكر الذي هو أحد تلك العناوين؟ مضافا الى عدم خفاء في معنى البكر أصلا فإنّه هو الذي لم يدخل و البكرة هي التي لم يدخل بها ففي الرواية عند التعبير عن كونها بكرا لم تزن:

انّ عليها خاتما من اللّٰه، فلا إجمال في البين، و يبقى انّ لنا هذه الاخبار و مقتضى عموم الموضوع في كثير منها هو تعميم الحكم بالنسبة الى كلّ زان- غاية الأمر خروج المحصن بالدليل- و الأخذ بالخاص مشكل جدا بعد انّ أكثر الروايات الواردة في المقام دالّ على العموم و الإطلاق، و أكثر العلماء قائلون بذلك، و ما دلّ على الخصوص كرواية محمّد بن قيس لم يكن كما عرفت من حيث السند و الدلالة بحيث تطمئن إليها النّفس- و ان عبّر عنها في الجواهر بالحسنة و اعتمد عليها بعض أيضا- و

لا يعتمد على رواية رماها بعض بالضعف كما ترى تصريح المسالك باشتراك محمد بن قيس الذي هو في سلسلة رواتها.

فتحصّل انّ الأظهر و الأقوى بحسب الاجتهاد هو ما ذكره المحقّق قدّس سرّه من التعميم و انّ كلّ زان غير محصن يجب عليه ان ينفى من بلده كما يجب ان يجلد مأة جلدة بلا فرق بين من تزوّج و لم يدخل بها أو لم يتزوّج أصلا.

الكلام في انّه من أين ينفى

اشارة

بعد ان ثبت و تحقّق وجوب النفي تصل النوبة إلى البحث في انّه من أين ينفى فهل الملاك هو وطنه أو بلد الزنا أو بلد الجلد؟

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 313

اختلفت الروايات في التعبير عن هذا الموضوع كما انّ بعضها مطلق لا تعرّض فيه لذلك بل يقول بالنحو الكلّي ينفى سنة كما في رواية الحلبي:

و البكر و البكرة جلد مأة و نفى سنة «1» و في رواية زرارة: فجلد مأة و نفى سنة «2» و مثلها روايته الأخرى و فيها: و ينفى «3» و في رواية على بن جعفر عن أخيه: ينفى سنة «4»، و في بعضها: من بلدة الى بلدة كرواية الحلبي عن الصادق عليه السّلام «5» و ليس المراد منها، واضحا فهل المقصود وطنه أو غير ذلك؟

و على الجملة ففي بعضها: من مصره، أو: من المصر، أو: من مصرهما، ففي خبر عبد اللّٰه بن طلحة: و نفى سنة عن مصره «6» و في خبر حنان:

و ينفى من المصر حولا «7» و في خبر محمّد بن قيس: و نفى سنة في غير مصرهما «8» و هذه الاخبار ظاهرة في كون الملاك نفس الوطن و ان لم يكن هو بلد الزنا و الجلد.

و في بعض منها: ينفى

من الأرض الى بلدة يكون فيها سنة كرواية مثنّى الحنّاط عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام «9».

و في بعضها انّ أمير المؤمنين نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «10» و غير معلوم انّ الزنا و الجلد أو واحد منهما وقع في الكوفة أم لا.

و منها ما هو صريح في بلد الجلد و ذلك كرواية سماعة: ينبغي للإمام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 11.

(7) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

(8) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

(9) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(10) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 314

ان ينفيه من الأرض التي جلد فيها الى غيرها فإنّما على الامام ان يخرجه من المصر الذي جلد فيه «1».

و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الزاني إذا زنى أ ينفى؟ قال: فقال: نعم من التي جلد فيها الى غيرها سنة «2».

فما نصنع إذا مع هذا الاختلاف في التعابير و الروايات؟ و ما هو الحكم؟ ذهب الشيخ الى انّ المعيار هو بلد الزنا و إليك

نصّ كلامه:

و النفي واجب عندنا و ليس بمستحب و قال بعضهم هو مستحب موكول الى اختيار الحاكم ان راى نفى و ان راى حبس و حدّ التغريب ان يخرجه من بلده أو قريته الى بلد آخر و ليس ذلك بمحدود بل على حسب ما يراه الامام و قال قوم ينفيه الى موضع يقصر فيه الصلاة حتّى يكون في حكم المسافر عن البلد فان كان الزاني غريبا نفاه الى بلد آخر غير الذي زنى فيه [1].

و اختار صاحب الجواهر التغريب عن مصره الذي هو وطنه، و لم يبيّن قدّس سرّه انّه كذلك مع وقوع الزنا أو الجلد فيه أولا.

لكنّه عند توجيه كلام الشيخ أيضا قال: و لعلّه الظاهر من خبر مثنّى الحنّاط.

أقول خبر مثنّى الحنّاط هذا: عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحدّ، قال ينفى من الأرض الى بلدة يكون فيها سنة «3».

و هذا الخبر بظاهره دالّ على لزوم نفيه من بلد الجلد لا بلد الزنا و ذلك لانّ الألف و اللام في (الأرض) للعهد، و المراد الأرض التي جلد فيها الحدّ و قد علمت انّ روايات عديدة تدلّ على انّه ينفى من الأرض التي جلد فيها [3].

______________________________

[1] المبسوط الجلد 8 الصفحة 3 و قد وافقه الأردبيلي أيضا فقال: الثامن التغريب الإخراج عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر لا عن تحت حكومة قاضي تلك البلد انتهى.

[2] ما افاده دام ظله اشكالا على الجواهر لعلّه لا يخلو عن كلام و ذلك لانّ استظهار الجواهر من قول

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا الحديث

2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 315

و كيف كان فنحن نقول: اللازم مراعاة كلّ هذه العناوين المذكورة في الروايات عند نفى الزاني و تغريبه.

توضيح ذلك يتوقّف على ذكر مقدّمتين إحديهما انّه ليس للنفي خصوصيّة أصلا بل النفي و الإخراج ملحوظان مقدّمة و انّما العناية التامّة للشارع قد تعلّقت على عدم كون الزاني هنا فهو المقصود و ذو المقدّمة و بعبارة اخرى انّ الهدف الأصيل و المقصد الوحيد هو ان لا يكون الزاني في المكان المذكور في الروايات.

ثانيتهما انّه لا يستفاد من كلّ من الروايات الحصر و نفى المكان المذكور في الرواية الأخرى و انّما المستفاد من كلّ هذه الروايات إخراجه من البلد المذكور فيها بلا تعرّض لنفى غيره.

و حينئذ نقول: انّه لا تنافي بين هذه الروايات أصلا كي يحتمل الحكم بالتخيير أو نحكم باعتبار خصوص بلد الجلد أو بلده الذي هو وطنه كما

______________________________

الشيخ بكون الملاك هو بلد الزنا لا يكون من رواية الحنّاط على نقل الوسائل المطابق لنقل الكافي بل انّما هو منها على نقل الشيخ في التهذيب فان هذه الرواية المنقولة في الكافي بل انّما هو من منها على نقل الشيخ في التهذيب فان هذه الرواية المنقولة في الكافي و التهذيب و قد نقلها الوسائل وفقا للكافي فراجع و امّا هي على نقل التهذيب الجلد 10 الصفحة 197: عن مثنى الحناط عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الزاني إذا جلد الحدّ؟ قال: ينفى من الأرض التي يأتيه الى بلدة تكون فيها سنة، و غير خفّي انّ الظاهر منها هو انّ المراد من «من يأتيه» أي يأتي

الزنا، قال المحدّث الكاشاني في الوافي الجلد 1 الصفحة 25 من الحدود: بيان: في التهذيب: من الأرض التي يأتيه أي يأتي الزنا انتهى فلذا احتمل في كشف اللثام عود الضمير الى الامام و قال بعد نقل الخبر على ما ذكرناه: فان الظاهر انّ يأتيه بمعنى يأتي الزنا و يحتمل: يأتي الإمام فيكون النفي من ارض الجلد الى مصر آخر كما مرّ في خبري حنان و محمّد بن قيس و كما قال الصادق عليه السّلام في حسن الحلبي. و في خبر سماعة: إذا زنى الرجل. و انّما على الامام ان يخرجه من المصر الذي جلد فيه، و هذا الخبر نصّ في النفي من بلد الجلد و كذا خبر ابى بصير:. نعم من التي جلد فيها الى غيرها.

و على ما ذكرنا يترتّب قول الجواهر: و ربّما احتمل بعد ان يأتي الإمام، فيكون النفي من ارض الجلد الى مصر آخر انتهى. فان هذا ناظر الى كلام كاشف اللثام و على ما افاده دام ظلّه لا معنى لهذه الجملة في الجواهر أصلا. و قد أوردت ذلك عليه دام ظلّه في يوم 11 شعبان لمعظم 1406.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 316

اختاره صاحب الجواهر مصرّحا انّ مصره هو وطنه، أو بلد وقوع الزنا كما اختاره شيخ الطائفة فان المواجهة مع الروايات بهذا النحو فرع التنافي بينها و عدم إمكان اجتماعها مع انّ بينها كمال الملائمة و يجمع بينها بلا اشكال و حينئذ يجب على الحاكم ان ينفيه من وطنه و من بلد زناه و من بلد جلده فتارة تجتمع و تتحدّ تلك العناوين اى الوطن و بلد الزنا و بلد الجلد فالأمر سهل و لا كلام، و اخرى

تفترق العناوين فيكون بلد وطنه غير بلد زناه و هو غير بلد جلده و هناك يخرج و ينفى من كلّ هذه البلاد الى بلد آخر أيّاما كان و على الجملة فالّلازم ان لا يكون هو لا في وطنه و لا في بلد قد زنى فيه و لا ما جلد فيه.

و هل الحكم مختصّ بالمصر و البلد أو انه يجرى في القرية أيضا؟

الظاهر انه لا فرق بينهما و لا خصوصيّة لعنوان البلد و المصر و لذا قال الشيخ الطوسي قدّس سرّه في المبسوط في كلامه المتقدّم: و حدّ التغريب ان يخرجه من بلده أو قريته الى بلد آخر.

ثم انّه هل يجرى الحكم في الفلاة أيضا أم لا؟

الظاهر انّه يجرى هناك أيضا فلو كان الزاني من أهل البادية و ساكنا في الفلاة و يعيش في البراري فإنّه ينفي من مكانه الى موضع آخر فلو لم يكن ساكنا فيها يجب منعه من دخول بلده الى سنة [1].

و قال الفاضل الأصبهاني: لو زنى في فلاة لم يكن عليه نفى الّا ان يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر.

ثم قال: و المصلحة في النفي يحتمل ان يكون مجرّد الإهانة و العقوبة و ان يكون التبعيد عن المزني بها و مكان الفتنة و بحسب ذلك يختلف الرأي في

______________________________

[1] قال المامقاني رحمة اللّٰه عليه في مناهج المتّقين الصفحة 498: أمّا الجلد و التغريب فيجبان على الذكر غير المحصن إذا عقد على امرأة و لم يدخل بها و كذا الجزّ فيجلد حينئذ مأة و يجزّ رأسه و ينفى من المصر الذي جلد فيه سنة، و القرية كالمصر في ثبوت النّفي عنه و كذا الفلاة على الأظهر الأقرب سيّما إذا كان من سكّانها

و لا جزّ و لا تغريب على الأنثى و لا على مطلق غير المحصن من الذكور انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 317

التغريب من بلد الجلد و احتمل جواز التغريب الى بلد الزنا.

و في الجواهر: قد يقال: انّ الظاهر كون المصلحة في التغريب الإهانة و العقوبة فلا يختلف الحال و ربّما احتمل كونها التبعيد من المزنيّ بها و مكان الفتنة و هو بعيد فيكفي حينئذ التغريب من بلد الجلد بناء على القول به الى بلد الزناء انتهى.

أقول: انّ المصالح و الحكم الكامنة كالاعتبارات لا تصحّ ان تكون دليلا على الحكم و موجبا لصرف الأدلّة و هذا الذي ذكر من النفي إلى بلد الزنا بعيد بحسب الأدلّة، بل الظاهر منها ما ذكرناه من مراعاة جميع العناوين، و نفيه عن بلد الزنا و بلد جلده و عن موطنه.

قال كاشف اللثام أيضا: و ان كان الإمام في سفر معه جماعة فجلد رجلا منهم للزنا و هو بكر احتمل وجوب نفيه من القافلة انتهى «1».

أقول: انّ احتمال نفيه عن القافلة بعيد و لذا قد أورد عليه في الجواهر بأنّه خلاف ظاهر النصوص المزبورة.

فالّلازم بمقتضى الاستظهار من الروايات هو منعه عن بلده و وطنه مدّة سنة و امّا مكان الزنا و الجلد فيفارق منه قهرا.

ثم انّه قد يورد على ما ذكرناه في مقام الجمع بين الاخبار في المقام- من انّ الغرض الأصيل هو عدم كونه في تلك الأماكن و انّ النفي و الإخراج مقدّمة لذلك- بانّ لازم ذلك هو عدم وجوب نفيه إذا خرج هو بنفسه عقيب زناه.

و نحن نقول: انّا نلتزم بذلك و لا بأس به، و من البعيد جدّا ان يقال انّه إذا خرج هو بنفسه

يلزم ان يُعاد حتّى يخرجه الحاكم من البلد [1].

______________________________

[1] أقول: لا بعد في ذلك بعد انّ المفروض كون التغريب حدّا فان الحدّ لا بدّ ان يكون بنظر الحاكم.

______________________________

(1) كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 318

فروع تتعلّق بالمقام

اشارة

ثم انّ في نفى الزاني عن بلده فروعا أخر فتعرّض لها تتميما للبحث و إكمالا للفائدة.

منها انّه بعد ان تحقّق وجوب النفي فالى أين ينفى؟

الى بلد الإسلام أو بلد الشرك أو يختار الحاكم في ذلك فله نفيه الى اىّ واحد منهما قد شاء؟

أقول: في صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة «1».

و لكن في خبر بكير بن أعين عن ابى جعفر عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا نفى أحدا من أهل الإسلام نفاه إلى أقرب بلد من أهل الشرك إلى الإسلام فنظر في ذلك فكانت الديلم أقرب أهل الشرك إلى الإسلام «2».

و مقتضى هذا الخبر هو النفي إلى خارج أرض الإسلام مع مراعاة كونه قريبا إلى أرض الإسلام.

و قد مرّ ان عليّا عليه السّلام غرّب الى روم فراجع و الحال انّ ارض روم لم تكن في زمن الامام صلوات اللّٰه عليه، أرض الإسلام.

نعم في الوسائل بعد نقل خبر بكير: الظاهر انّ النفي هنا للمحارب.

انتهى.

و ما قد يقال من انّ هذا خلاف ظاهر لفظ (كان) الظاهر في الدوام و الاستمرار و لفظ: إذا نفى، كذلك و لفظ: أحدا، الدّال على العموم [1].

ففيه انّه يمكن ان يجاب عنه- بناء على ما ذكره الوسائل- بأنّ دأبه عليه السّلام في نفى المحارب مطلقا كان دائما على نفيه إلى أقرب بلد من أهل

______________________________

[1] أورده هذا العبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 319

الشرك.

لكن الرواية في نفيه عليه السّلام الى بلاد الشرك ليست منحصرة في هذه و قد

مرّ نقل بعضها عن الخلاف، و الظاهر هو صدق النفي و التغريب فيكتفى بصدق هذين العنوانين سواء كان الى بلاد الإسلام أو الى ديار الكفر بحسب ما تقتضيه المصلحة، و ما ذكره في الوسائل فهو خلاف ظاهر الرواية.

و على هذا فلا بدّ من ان يكون قوله عليه السّلام في رواية سماعة: ليس ينبغي للإمام ان ينفيه من الأرض التي جلد فيها الى غيرها فإنّما على الإمام إلخ «1» محمولا على الكراهة أو غير ذلك من الوجوه غير المنافية للتخيير و الإناطة بالمصلحة.

و ان كان مقتضى القاعدة هو الاقتصار على بلاد الإسلام و عدم نفيه الى بلاد الكفر الّا بدليل قاطع و ذلك لانّه من مصاديق التعرّب بعد الهجرة و هو حرام بلا كلام.

و امّا ما ذكره الأردبيلي قدّس سرّه من عدم جواز نفيه الى بلد يخرج عن تحت حكومة هذا القاضي قائلًا: الثامن التغريب الإخراج عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر لا عن تحت حكومة قاضي تلك البلدة انتهى، فلم يظهر له وجه أصلا و مقتضى كلامه انّه لو كان في جنب البلد بلد آخر له قاضٍ مستقل فإنّه لا يجوز إخراجه إلى ذاك البلد، و هو مشكل، و ليس في الروايات و لا في الكلمات ممّا ذكره عين و لا اثر.

و منها ما هو الحدّ المعتبر في البعد من البلد؟

الظاهر عدم ورود تحديد له في الاخبار سوى ما حكى عن الفقه الرضوي عليه السّلام: حدّ التغريب خمسون فرسخا، و من المعلوم انّ فقه الرضا بنفسه لا يصلح للإفتاء به و لم نعثر على من قيّد النفي بذلك. و أظنّ انى رأيت في رواية انّه ينفى إلى موضع يقصر فيه الصلاة [1].

______________________________

[1] أقول: لم أعثر إلى الآن على هذا الخبر نعم

ورد ذلك في كلمات الشيخ ففي المبسوط الجلد 8

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من حدّ الزنا الحديث 4 لكن بنقل التهذيب على ما تقدّم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 320

لا يقال: انّه و ان لم يرد دليل صريح صحيح يدلّ على اعتبار خمسين فرسخا الّا انّ ما حكى من نفى الامام علىّ عليه السّلام بحسب الموارد و المصاديق كان الى مواضع لا تقصر عن ذلك فإنّه عليه السّلام قد نفى إلى البصرة مثلا و معلوم انّ المسافة بينها و بين الكوفة أزيد من خمسين فرسخا و هكذا ما نقل من نفيه الى الروم و غير ذلك [1].

لانّه يقال: انّه مجرّد ذلك لا يدلّ على الاختصاص و اعتبار هذا الحدّ لانّه مجرّد العمل و لعلّه عليه السّلام راى مصالح في ذلك.

أضف الى ذلك ما نقل من انّ عمر نفى الى فدك و هو و ان لم يكن بنفسه دليلا الّا انّه دليل بضمّ انّه كان ذلك بمرأى و منظر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و الظاهر كفاية مطلق التغريب و صدق كونه غريبا و مجرّد نفيه الى بلد آخر أيّاما شاء، و ذلك بمقتضى لفظ التغريب و النفي و إطلاقهما، و عدم ما يصلح للتقييد و التحديد.

و منها انّه يجب نفيه الى اىّ مدّة؟

نقول: مقتضى الاخبار الكثير الواردة في هذا الباب انّ مدّة نفيه التي يجب منعه فيها عن دخول البلد سنة كاملة، و هذه الاخبار بعضها بلفظ حول و بعضها بلفظ عام و بعضها بلفظ سنة.

فمن الأوّل خبر حنان، ففيه: يضرب مأة و يجزّ شعره و ينفى من المصر حولا و يفرّق بينه و بين اهله «1».

و من الثاني النبويّ صلّى اللّٰه عليه و آله: البكر بالبكر

جلد مأة و تغريب عام.

______________________________

الصفحة 3 من كتاب الحدود: و حدّ التغريب ان يخرجه من بلده أو قريته الى بلد آخر و ليس ذلك بمحدود بل على حسب ما يراه الامام. و قال قوم: ينفيه الى موضع يقصر فيه الصلاة حتّى يكون في حكم المسافر عن البلد إلخ.

[1] من هذا العبد و قد تفضّل سيّدنا الأستاذ الأفخم دام ظلّه بما هو مذكور في المتن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18، الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 321

و من الثالث الحديث 2 و 6 و 9 و 11 و 12 من الباب الأوّل من حدّ الزنا و الحديث 8 من الباب 7 و الحديث 4 و 5 من الباب 24 و قد طفحت بذلك كلمات العلماء، و مرّ كلام الشيخ في الخلاف آنفا فراجع.

و قال الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان: التاسع مدّة التغريب سنة لا أزيد انتهى.

و منها انّ المراد من السنة و العام هو الهلالي منهما

دون الشمسي فإنّ الأحكام الواردة من الشرع في الشهور و السّنة فهي محمولة على القمريّة كالحج و الصوم و الأشهر الحرم و سنة التكليف و غير ذلك. قال اللّٰه تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ مِنْهٰا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [1] الى غير ذلك من الآيات الكريمة.

نعم استثنى خصوص باب الخمس حيث انهم قد قالوا- و يستفاد من بعض الاخبار أيضا- انّ الزارع يجعل مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع و وصولها بيده و هو عند تصفية الغلّة.

و على الجملة فالملاك هو السنة القمريّة، و لذا قيد الشّهيد الثاني في الروضة، العام- المذكور في عبارة الشهيد في المقام- بقوله: هلاليا.

و منها انّه

لو غرّب و نفى لكنّه في أثناء الحول و قبل ان ينقضي العام، فرّ من منفاة و رجع عن محلّ النفي فامّا ان يرجع الى بلده و امّا الى بلد آخر فعلى الأوّل يجب على الحاكم نفيه ثانيا من بلده، فان ذلك مقتضى وجوب كونه منفيّا عن البلد و خارجا عنه مدّة حول.

______________________________

[1] سورة التوبة الآية 36. أقول: و من هذا القبيل قوله تعالى شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. البقرة الآية 185.

و قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ. البقرة الآية 194.

و قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ. البقرة، الآية 197.

و قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ. البقرة الآية 217.

و قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرٰامَ. المائدة، الآية 2.

و قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ سورة التوبة الآية 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 322

قال الشهيد الثاني في الروضة: ان رجع الى ما غرّب منه قبل اكماله أعيد.

و امّا على الثاني أي ما إذا فرّ و راح الى بلد آخر فهناك لا يجب بحسب الظاهر إخراجه عنه و إرجاعه إلى المنفي و ذلك لانّ المستظهر من الأدلّة هو عدم كونه في بلده، و ما كان على الحاكم فهو إخراجه و امّا تعيين الموضع الذي ينفى إليه فليس بيد الحاكم، نعم لا يجوز له ان يخرج الى بلاد الكفر كما تقدّم الإشارة الى ذلك قريبا.

و منها انه هل اللازم بعد ما أعيد إلى منفاة هو الاستئناف

أو انّه يكفى البناء على ما مضى من نفيه؟

الظاهر هو الثاني كما قال في الروضة بعد عبارته السابقة: بانيا على ما سبق و ان طال

الفصل.

و منها انه هل يعتبر في هذه المدّة أي السنة الكاملة

، التوالي أو لا يعتبر فيها ذلك؟

ظاهر الأدلّة الناطقة بوجوب نفيه سنة هو السنة متوالية و على هذا فلا يجوز له ان يقيم مدّة في المنفي و مدة في بلده مثلا هذا هو حكم المقام من حيث هو و ذلك لا ينافي البناء على ما مضى في الفرع السابق [1].

و منها انّه هل يجوز له ان يخرج من المنفي إلى بلد آخر

بعد مفروغيّة عدم جواز الخروج الى بلده ما لم يقض الحول؟

الظاهر بحسب ما تقدّم من انّ اختيار النفي وحده بيد الحاكم دون اختيار موضعه- فإنّه بيد الزاني- هو الجواز.

و منها انّه إذا نفى الزاني عن بلده

و لكنّه قد زنى في منفاة أيضا فما يصنع هناك؟ مقتضى وجوب نفى الزاني عن بلد الزنا هو إخراجه من هذه الأرض أيضا، و على ما تقدّم منّا لو كان وطنه و بلد جلده غير بلد زناه يجب ان يطرد عنهما أيضا فإن كان بعد مضىّ الحول و انقضائه يجب نفيه حولا آخر،

______________________________

[1] لعلّ الثمرة تظهر في انّه لا يجوز له في ابتداء الأمر ان يقبل النّفي منفضلا و غير متتابع فتأمّل.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 323

و امّا إذا كان قد زنى في أثناء الحول كما إذا انقضى منه ستّة أشهر فقط فزنى ثانيا فإنّه يخرج من هذا البلد الى بلد آخر، و هل تتداخل السنتان حينئذ بأن ينفى من هذا البلد و يمنع من الدخول فيه حولا فقط أو انّه يجب إكمال السنة الأولى أوّلا ثم يبدء في سنة أخرى لزناه الثاني؟

يمكن ان يقال بالأوّل و ذلك لانّه بعد ان نفاه الحاكم ثانيا ففي المنفي يصدق انّه قد اخرج عن البلد الأوّل كما يصدق انّه قد اخرج من البلد الثاني الذي زنى فيه ثانيا فيكتفى بمضيّ سنة بعد ذلك خصوصا انّ مبني الحدود على درءها بالشبهات.

هذا لكنّ التحقيق خلاف ذلك فإنّ أثر الزنا هو نفى الزاني عن البلد و إذا لم يتمّ الحول الأوّل و قد زنى مرّة أخرى فإنّه يتمّ و يكمل الحول الأوّل ثم يشرع في الثاني فإنّ كلّ سبب يوجب و يطلب مسبّبا مستقلا، و التداخل يحتاج الى الدليل.

نعم

حيث انّه قد زنى هنا يجب ان يخرج من هذا المكان حتّى بالنسبة الى ما بقي من الحول الأوّل و على هذا فبحسب الظاهر لا مانع مع انقضاء ما بقي من العام الأول ان ينفى إلى بلد قد زنى فيه أوّلا إذا لم يكن وطنه و كذا بالنسبة إلى بلد الجلد، و على الجملة فيمنع من وطنه على اىّ حال، و امّا بالنسبة إلى الزنا الثاني فإنّه يمنع عن بلد الزنا و الجلد الفعليّين.

و منها انّه إذا كان في نفيه فساد له في المنفي أو لعائلته في البلد فما يصنع هناك؟

أقول: انّه من باب الأهمّ و المهمّ و تزاحمهما فيلاحظ الأهمّ، و لا وجه لسقوط النفي من رأس، فإذا راى الحاكم انّه يمكن حدوث قتل و قتال و اثارة الفتن بين الطوائف و القبائل مثلا بسبب نفيه عن البلد فإنّه يتوقّف الحكم بنفيه الى ان يرتفع المانع و يزول المحذور و تيسّر نفيه كما انّ الأمر كذلك في الحدّ بنفسه و لذا ترى انّه يؤخّر حدّ المرأة الزانية إذا كانت حاملا، و الحدّ قد يؤخّر لعل و أسباب لكنّه لا يسقط، و على الجملة فمقتضى القاعدة هو كونه عليه،

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 324

و مقتضى حكم العقل تقديم جانب الأمر الأهمّ لا انّه وردت به رواية، و هكذا لو منع من نفيه مانع آخر فإنّه ينتظر زواله و لا يرفع النفي عنه فينتظر زواله فينفى بعده و ان طالت المدّة.

و منها انه هل مؤنته و مخارجه في تلك المدّة على نفسه

حتّى يشتغل في منفاة بعمله و حرفته و يديم تجارته و صنعته أو انّها على الامام و في بيت مال المسلمين؟

مقتضى القاعدة انّه لو كان له مال فلا وجه لأداء مخارجه و

مصارفه عن بيت المال، فهي على نفسه بمقتضى تمكّنه و يساره و انّه بنفسه و بسوء اختياره صار سببا لوقوعه في هذا الابتلاء، بل لعلّ الأمر كذلك لو لم يكن له مال بالفعل الّا انّ له صنعة و حرفة يمكن له الاكتساب بهما و بعمله فإنّه يكلّف بذلك و يكون مؤنته على نفسه و في حاصل عمله و كسبه، كما انّ مخارج عائلته و مؤنتهم أيضا يجب عليه لو أمكن و تيسّر له بواحد من الوجهين و لو لم يتمكّن من أداء مؤنتهم و مصارفهم فإنّه يؤخّر نفيه الى رفع المانع عنه.

و امّا لو لم يكن له مال و لا له شغل و عمل يتمكن به من ادارة معاشه فان رزقه و مؤنته على الامام و يدفع اليه من بيت المال.

هذا إذا كان هناك بيت مال أمكن التوفّر منه عليه و الّا فلو لم يكن كذلك فمؤنته على المسلمين و حينئذ يمكن أداءها من الزكوات و الصدقات و أموال الفقراء و سهامهم. و هذا البحث جار بالنسبة إلى المحبوسين و المسجونين أيضا.

بقي في المقام أمران

ثم انّه قد بقي في المقام أمران لا بدّ من التعرّض لهما.

أحدهما انّه هل تعتبر مراعاة الترتيب بين الأمور الثلاثة و العقوبات المذكورة أو انّه لا ترييب في البين و انّما اللازم الإتيان بهذه الأمور كيف اتّفق؟

الظاهر هو وجوب تقديم الجلد و الجزّ على النفي و ذلك لانّه تقديمهما فقد أسرع في إيقاع حدّ اللّٰه تعالى، و ذلك لعدم افتقارهما الى وقت كثير بخلاف

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 325

ما لو أخرا الى ما بعد النفي فإنّه بمقتضى احتياج النفي إلى زمان زائد فقد لزم تأخيرهما و هو تأخير حدّ

اللّٰه تعالى، و على ذلك فتقديم الجلد و الجزّ على النفي بمقتضى القاعدة. هذا و امّا بينهما فالظاهر انّه لا ترتيب.

ثانيهما انّ من المعضلات المتعلّقة بهذه الأبحاث ما ورد في بعض اخبارها من التفريق بينهما اى بين الزاني و اهله و هو حكم آخر غير الأحكام الثلاثة المذكورة في كلام المحقق التي كنّا بصدد إثباتها و هو عقوبة من عقوبات هذا الزاني، فإنّ من كانت له زوجة يمكنه ان يتمتّع و يلتذّ بها كلّ حين و مع ذلك فقد ارتكب الزنا فان عقوبته و كفّارته ان يفرّق بينه و بين حليلته فتكون العقوبة متجانسة للجرم الذي قد اتى به، نظير انّ من أفطر في شهر رمضان فان عليه بدل كلّ يوم صوم ستّين يوما.

لا يقال انّ المراد منه هو التفريق بينه و بين اهله بالسفر و التغريب فيكون قوله عليه السّلام في خبر حنان: و يفرّق بينه و بين اهله عطفا تفسيريا لنفيه عن المصر كما ان قوله عليه السّلام في رواية علىّ بن جعفر: ينفى سنة عطف تفسير لقوله: يفرّق بينه و بين أهله.

لأنّا نقول: انّ المراد بالأهل هنا ليس هو العائلة و الأقرباء بل المراد هو الزوجة و ذلك بقرينة ذكر الأهل و ارادة الزوجة منه في صدر رواية حنان حيث قال: ففجر قبل ان يدخل بأهله.

هذا هو مقتضى الخبرين و امّا انّه هل افتى العلماء بذلك أم لا فهو كلام آخر.

و التحقيق انّ هنا جهات من الاشكال منها الإجمال في لفظ التفريق و منها الإجمال في لفظ الأهل و منها الذي يقوّى الاشكال جدّا هو أني مع الفحص البالغ التامّ و صرف أوقات كثيرة في ذلك لم أجد أحدا من المتقدّمين و

المتأخرين و المعاصرين قد تعرّض لذلك و ان كانوا قد نقلوا الأخبار المتضمّنة له لكنّهم في مقام الإفتاء لم يتعرضوا لذلك لا نفيا و لا إثباتا بل سكتوا عنه و مضوا.

و امّا وجه الإجمال في لفظ الأهل فلاحتمال ان يكون المراد منه خصوص

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 326

الحليلة كما انّه يحتمل ان يكون المراد هو مطلق الأهل و العشيرة، نعم الأخصّ مراد على اىّ حال فإنّ الأخصّ داخل في الأعم.

و امّا بالنسبة إلى التفريق فلانّه من المحتمل ان يكون المراد هو فسخ النكاح و إبطاله و ان يكون المراد هو وجوب الطّلاق كما انّ من المحتمل ان يكون المراد هو مجرّد التفريق بينهما بان لا يكون الزاني في مصاحبة اهله، و على الأوّلين يكون المراد من الأهل هو الزوجة و على الأخير يلائم إرادة الزوجة كما أنّه يلائم إرادة الأعم.

و الذي يبدو في الذهن ان يكون المراد من الأهل هو الزوجة و من التفريق افتراقه و انقطاعه عنها و عدم كونها في مصاحبته في السفر- و ان أمكن ان يكون المراد من التفريق ما تقدّم، و من الأهل مطلق اقار به و عشيرته و خواصّه و منهم زوجته- و كيف كان فيشترط ان لا يخرج إلى المنفي مع زوجته و في مصاحبتها فان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ذلك و هو عقوبة له على ارتكاب الزنا.

و لعلّ وجه عدم تعرّض العلماء لذلك اكتفاءهم بذكر النفي عن ذكر ذلك و استغناءهم بذلك عنه فان نفى الزاني عن البلد خصوصا بمناسبة كونه زانيا قد ارتكب الفحشاء و انّ النفي عقوبة له على هذا العمل الشنيع هو خروجه عن اهله و حرمانه عن مصاحبتهم

و عدم كونه معهم، و ذهابه الى مكان لا يصاحبهم، و لو كان يجوز له ان يذهب بهم معه لذكروا ذلك طبعا و تعرّضوا له لكنّهم لم يذكروه لأنهم لم يروا حاجة الى ذكر ذلك بعد انّ النفي عقوبة له على فعله و هو يقتضي ذهابه وحده و متفرّدا، خصوصا بمناسبة الحكم و الموضوع التي توجب ان يكون محروما عن الالتذاذات المباحة المتعلّقة بالنساء.

و امّا رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام في المرأة إذا زنت قبل ان يدخل بها قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث كان من قبلها «1» فأمرها أسهل و ذلك لانّه لا ذكر فيها عن الزوج.

قوله: زنت قبل ان يدخل بها يحتمل ثبوتا ان يكون انّها قد تزوّجت و لم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 327

يدخل بها و انّها لم تتزوّج أصلا، و لعلّ المراد في المقام هو الثاني و يكون المراد من التفريق بينهما، التفريق بينهما و بين الزاني كي لا يكونان في معرض ذلك ثانيا بعد حصول ترابط بينهما.

لا يقال: انّ قوله: و لا صداق لها يوجب ظهور الخبر في المتزوّجة التي لم يدخل بها و ينقص من ظهوره في من لم تتزوّج أصلا.

لأنّا نقول: عدم صداق لها لا يوجب ذلك لانّ الجملة المزبورة ناظرة الى ما ورد في الروايات من انّ من اغتصب فرجا بحرام و إكراه امرأة على الزنا فعليه مهر مثلها، فهذه الروايات تقول انّه لا مهر لها على الزاني و ذلك لانّ المرأة قد زنت و ابتدأت بالزنا فلا حقّ لها في المهر حيث

كان الحدث اى الزنا من ناحيتها و لا مهر لبغيّ أصلا.

و امّا ارادة التفريق بين الزوج و الزوجة ففيه مضافا الى عدم ذكر عن الزوج فيها فلعلّ الحكم بوجوب التفريق و بطلان العقد أو وجوب طلاق الزوجة إذا زنت بعد العقد عليها، و عدم وجوب المهر لها خلاف الضرورة.

و امّا رواية رفاعة على نقل الصدوق قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزني قبل ان يدخل بأهله أ يرجم؟ قال: لا، قلت هل يفرّق بينهما إذا زنى قبل ان يدخل بها؟ قال: لا «1» فهي معارضة لما هو صريح في لزوم التفريق- خبر حنان و رواية علىّ بن جعفر.

و قد تقدّم انّ العلماء لم يتعرّضوا لهذا الحكم أصلا، نعم للمحدّث الكاشاني في المقام كلام في وجه الجمع بين الاخبار و امّا الإفتاء بما أفاده رحمه اللّٰه فلم يظهر منه ذلك [1].

______________________________

[1] أقول انّ المحدث المزبور قدّس سرّه قد عنون في الوافي الجلد 2 كتاب النكاح الصفحة 25 بابا سمّاه باب زنا أحد الزوجين قبل الدخول. و روى هناك عن التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: قرأت في كتاب عليّ عليه السّلام انّ الرجل إذا تزوّج المرأة فزنى من قبل ان يدخل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 328

الكلام في النفي و الجزّ بالنسبة إلى المرأة

قال المحقّق: و امّا المرأة فعليها الجلد مأة و لا تغريب عليها و لا جزّ.

و في الجواهر بعد ذلك: بلا خلاف معتدّ به أجده بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه في الظاهر في الثاني و عن الخلاف و الغنية و ظاهر المبسوط الإجماع عليه في الأوّل.

و

قال الشيخ في المبسوط بعد ان حكم بوجوب الجلد مأة و النفي سنة في الرجل: و لا نفى عندنا على المرأة و فيهم من قال: يجب عليها النفي أيضا انتهى.

و قال في الخلاف: إذا زنى البكر جلد مأة و غرّب عاما كلّ ذلك حدّ ان كان ذكرا، و ان كان أنثى لم يكن عليها تغريب و به قال مالك و قال قوم:

هما سواء ذهب إليه الأوزاعي و الثوري و ابن ابى ليلى و أحمد و الشافعي. ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا الأصل برأيه الذمّة في المرأة فمن أوجب عليها التغريب فعليه الدليل انتهى.

ثم انّه يدلّ على ذلك أمور أحدها و هو العمدة، الإجماع.

ثانيها الأصل، و قد تمسّك به الشيخ.

ثالثها و قد تمسّك هو به أيضا قوله تعالى:

______________________________

بها لم تحلّ له لانّه زان و يفرّق بينهما و يعطيها نصف الصداق. ثم نقل صحيح على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام المذكورة آنفا ثم رواية فضل بن يونس الدالة على التفريق بين الزوجين بزناها و لا صداق لها ثم رواية السكوني- التي مرّ نقلها- ثمّ قال: بيان: قال الصدوق طاب ثراه في كتاب علل الشرائع بعد إيراد حديث طلحة: و الذي افتى به و اعتمد عليه في هذا الباب ما حدّثني به محمّد بن الحسن. عن رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزني قبل ان يدخل بأهله أ يرجم؟ قال: لا قلت: يفرّق بينهما إذا زنى قبل ان يدخل بها؟ قال: لا. و زاد فيه ابن ابى عمير و لا يحصن بالأمة. أقول: التوفيق بين الخبرين يقتضي ان يحمل حديث طلحة و ما في معناه على ما إذا

شهر بالزنا كما مرّ في الباب السابق و حديث رفاعة على ما إذا لم يشتهر انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 329

فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ «1» تقريب الاستدلال به، انّه لو كانت المرأة الحرّة يجب عليها التغريب لكان على الأمة نصفها و قد أجمعنا على انّه لا تغريب على الأمة لقوله عليه السّلام: إذا زنت امة أحدكم فليجلدها، فكان هذا كلّ الواجب.

قوله: لكان على الأمة نصفها، يعني ستة أشهر مثلا.

و هنا أمور اعتبارية قد تمسك بها بعض و زاد في الاستدلال.

منها انّه لو غرّبت فامّا مع محرم لها أو زوج وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ* «2» أولا، و لا يجوز لقوله (ع) لا يحلّ لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم.

و منها انّ الشهوة غالبة فيهنّ و الغالب ان انزجارهن و احترازهن عن الزنا لاستحيائهن من الأقارب و وجود الحفاظ لهنّ من الرجال، و بالتغريب يخرجن من أيدي الحفاظ و يقلّ حياؤهن لبعدهنّ من اقاربهن و معارفهن و ربّما اشتدّ فقرهن و يصير مجموع ذلك سببا لانفتاح باب هذه الفاحشة العظيمة عليهنّ.

و منها انّه ربما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب و المعارف.

و لا يخفى ان هذه الأدلّة ليست بحيث يتمسك بها و يعتمد عليها في إثبات الحكم الشرعي إذا كان في قبالها دليل متين على اعتبار النفي فيهنّ.

أمّا الأصل فحاله معلوم لانّه دليل حيث لا دليل، و امّا الآية فيمكن الخروج عن ظاهرها في مورد بالدليل و امّا هذه الأمور فأمور اعتبارية و وجوه استحسانية لا يتمسك بها الّا توجيها للحكم الثابت لا في إثبات أصل الحكم.

نعم لو تحقّق الإجماع فهو الدليل الذي لا مفرّ عنه، و لعلّه

محقّق، فان الخلاف في المسئلة غير معتدّ به لانّه لم يخالف الّا واحد أو اثنان و هما حسن بن ابى عقيل و ابن الجنيد [1] و هو لا يقدح في الإجماع.

______________________________

[1] أقول: و الصّدوق أيضا فإنّه قال في المقنع الصفحة 145: و البكر و البكرة إذا زنيا جلدا مأة جلدة ثم ينفيان سنة الى غير مصرهما انتهى. و تردّد فيه الشهيد الثاني فقال في المسالك: و لكنّ القول بالثبوت هو الأقرب انتهى. نعم انه قد وافق المشهور في الروضة فإليك عبارته مزجا: و لا جزّ على المرأة و لا تغريب بل يجلد مأة لا غير لأصالة البراءة و ادّعى الشيخ عليه الإجماع و كأنّه لم يعتدّ

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 25.

(2) سورة الأنعام الآية 164، سورة الإسراء- 15، سورة فاطر- 18، سورة زمر- 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 330

ثم انّه يدلّ على وجوب النفي فيها أيضا عدّة من الروايات.

منها صحيحة محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام. و قضى في البكر و البكرة إذا زنيا جلد مأة و نفى سنة في غير مصرهما و هما اللذان قد أملكا و لم يدخل بها «1».

و منها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: في الشيخ و الشيخة جلد مأة و الرجم، و البكر و البكرة جلد مأة و نفى سنة «2».

و منها صحيحة عبد الرحمن عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان على عليه السّلام يضرب الشيخ و الشيخة و يرجمهما و يرجم المحصن و المحصنة و يجلد البكر و البكرة و ينفيهما سنة «3».

فان ظاهر هذه الاخبار نفيه عن مصره و نفيها أيضا عن

مصرها.

و اختار ذلك بعض أجلّاء العصر و زاد الاستدلال له بالروايات الواردة في نفى الرجم و التغريب عن المرأة المجنونة و المستكرهة معلّلة بأنّها لا تملك أمرها، فإنها تدلّ بالوضوح على انّها لو كانت مالكة لأمرها لكان عليها رجم و نفى «4».

لكن لا يخفى انّ الروايات المذكورة ليست معمولا بها بل قد اعرض عنها المشهور، و الرواية إذا كانت كذلك تسقط عن حدّ الاعتبار، و ان كان هناك أيضا بحث مبنائي فذهب بعض إلى انّه لا وجه لرفع اليد عن الرواية المعتبرة بسبب أعراض المشهور عنها، لكن المبنى المعروف المحقّق عند كثير و عندنا هو سقوطها بذلك عن الاعتبار و قد اشتهر انّه كلّما ازدادت صحّة ازدادت و هنا

______________________________

بخلاف ابن ابى عقيل حيث اثبت التغريب عليهما للأخبار السابقة، و المشهور اولى بحال المرأة و صيانتها و منعها من الإتيان بمثل ما فعلت. و قد مال الى هذا القول بعض الأعاظم قائلًا: لا موجب لرفع اليد عمّا دلت عليه الروايات الصحيحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 13.

(4) راجع تكملة المنهاج الجلد 1 الصفحة 201.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 331

باعراض المشهور، و كلّما ازدادت ضعفا ازدادت قوّة بعملهم و ذلك لانّ بناؤهم على العمل بالروايات، فاذا كانت الرواية في متناول أيديهم و لم يحتمل في حقّهم عدم وصولها إليهم و مع ذلك لم يعملوا بها فان ذلك كاشف عن شي ء فيها، و قد خفي علينا، و يقلّ الاطمئنان بها [1].

ثم انّه كما لا

تغريب على المرأة كذلك لا يجزّ رأسها بل الأمر في جزّها أصعب، و ذلك لورود تلك الروايات الدّالة على النفي رجلا كان أو امرأة، في حين انّه لم يرد رواية تدلّ على وجوب حلق رأس الزانية، فإنّ ما تعرّض لذكر الجزّ روايتان و كلتاهما واردتان في الزاني دون الزانية حيث انّ السؤال فيهما عن بكر، أو رجل قد تزوّج و قد زنى أو فجر قبل ان يدخل بها و هما رواية حنان و رواية علىّ بن جعفر «1» و لذا قال المحقّق:

و امّا المرأة فعليها الجلد مأة و لا تغريب عليها و لا جزّ.

الكلام في حدّ المملوك

هذا كلّه بالنسبة إلى الحرّ و امّا إذا كان الزاني مملوكا ف

قال المحقّق: و المملوك يجلد خمسين محصنا كان أو غير محصن ذكرا كان أو أنثى.

أقول: و سواء كان مسلما أو نصرانيا كما سترى ذلك في الروايات فليس عليه الجزّ و لا التغريب و انّما يجلد خاصّة نصف حدّ الحرّ.

______________________________

[1] أقول: هذا مضافا الى إشكال آخر في الرواية و هو ما ذكره في كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 219 بقوله: خلافا للحسن لما مرّ من حسن محمّد بن قيس و ليس نصّا في نفيها لجوازه ان يراد انّه عليه السّلام قضى فيما إذا زنى ببكر بجلد مأة و نفى سنة الى غير مصرهما اى المصر الذي زنيا فيه و هو ليس صريحا في نفيهما فيجوز اختصاصه به انتهى و تبعه في الرياض ج 2 الصفحة 472 فقال: مضافا الى ما قيل عليه «الصحيح» من انّه ليس صريحا في تغريبها لجواز ان يراد انه (ع) قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة بجلد مأة و نفى سنة الى غير مصرهما اى المصر

الذي زنيا فيه و هو ليس صريحا في تغريبها فيجوز اختصاصه به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7 و 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 332

و في الجواهر بعد عبارة المصنف: شيخا أو شابا بكرا أو غير بكر بلا خلاف أجده فيه بل الظاهر الإجماع عليه للآية و قول الباقر عليه السّلام إلخ.

أقول: يدلّ على انّ العبد يجلد خمسين- و لا شي ء آخر عليه- الكتاب و السنّة.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 332

امّا الكتاب فقوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ وَ لٰا مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ فَإِذٰا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفٰاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ مِنَ الْعَذٰابِ ذٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

قوله تعالى نِصْفُ مٰا عَلَى الْمُحْصَنٰاتِ يشير الى الجلد المذكور في الآية الكريمة: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ.

و قد يقال: كيف يستدلّ بالآية على انّ على المملوك خمسين جلدة مع انّ على المحصنات الرجم؟ و بعبارة اخرى انّ حدّ المحصنات ليس هو الجلد حتّى ينتصف في الأمة و انّما ترجم المحصنة إذا زنت فكيف نقول بأنّه إذا زنت الأمة فحدّها نصف حدّ الحرّة و هو خمسون التي هي نصف المائة.

و فيه انّ المراد من المحصنات في ذيل الآية هو المراد

من المحصنات المذكورة في صدر الآية، و لا شك انّه ليس المراد منها في الصدر، المتزوّجات و ذوات البعل لانّ ذات البعل لا تتزوّج ثانيا فالمراد منها في الصدر هو الحرّات فيقول سبحانه إذا لم يتمكن أحد منكم بسبب العوز المالى و الفقر الاقتصادى من ان يتزوّج الحرّة المؤمنة فهو ينكح من المملوكات المؤمنات، و من المعلوم انّ الحرّة الزانية تجلد مأة جلدة الّا ان تكون ذات بعل و حينئذ يتمّ ان يقال انّ الأمة تجلد خمسين و هي نصف حدّ الحرّة فالمراد من العذاب هو الجلد و امّا الرجم فلا يتصوّر له نصف.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 25.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 333

و امّا الاخبار: فمنها عن سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: قيل له: فان زنى و هو مكاتب و لم يؤدّ شيئا من مكاتبته؟ قال: هو حقّ اللّٰه يطرح عنه من الحدّ خمسين جلدة و يضرب خمسين «1».

و منها عن بريد العجلي عن ابى عبد اللّٰه «ابى جعفر» عليه السّلام في الأمة تزني، قال: تجلد نصف الحدّ كان لها زوج أو لم يكن لها زوج «2».

و منها عن الحسن بن السريّ عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا زنى العبد و الأمة و هما محصنان فليس عليهما الرجم انّما عليهما الضرب خمسين نصف الحدّ «3».

و منها عن عاصم بن حميد عمّن ذكره عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مملوك طلّق امرأته تطليقتين ثم جامعها بعد فأمر رجلا يضربهما و يفرّق بينهما يجلد كلّ واحد منهما خمسين جلدة «4».

و في هذه الرواية حكم بالجلد و التفريق بينهما اى بين

الزاني و الزانية و لعلّ الحكمة فيه ان لا يكونان معا فلا يقعان في الزنا ثانيا و مرّة أخرى، و يمكن ان يكون المراد من التفريق بينهما حرمة نكاحها عليه فان الأمة إذا طلّقت تطليقتين تكون كالحرّة التي طلّقت ثلاث طلقات فتحرم هي عليه بدون المحلّل، و مقتضى هذه الرواية على الاحتمال الثاني هو حرمتها مؤبّدا عليه بزناه بها و لكنّ العلماء لا يفتون بذلك فان الموجب للحرمة ابدا هو الزنا بالمرأة في العدّة الرجعيّة فإنّها كذات البعل بخلاف البائنة فلا يوجب الزنا في عدّة البائن الحرمة الأبديّة.

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في العبيد إذا زنى أحدهم ان يجلد خمسين جلدة و ان كان مسلما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 334

أو كافرا أو نصرانيا و لا يرجم و لا ينفى «1».

و هنا قد صرّح بعدم الرجم و النفي على العبيد.

و عن بريد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا زنى العبد جُلد خمسين فان عاد ضُرب خمسين فان عاد ضرب خمسين الى ثمان مرّات فان زنى ثماني مرّات قتل و ادّعى الامام قيمته الى مواليه من بيت المال «2».

و التعبير في الخبرين الأخيرين و كذا في بعض ما سلف و ان كان بالعبد لكنّ الظاهر عدم خصوصيّة له، فالأمة أيضا كذلك فلا

رجم على الأمة و لا نفى و انّما عليها الجلد خمسين جلدة [1].

و إذا استظهرنا عدم النفي و الجزّ في الحرّة فالأمة اولى بذلك و لا أقلّ من كون الأمة كالحرّة في هذه الجهة.

و في رواية عبيد بن زرارة أو بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: امة زنت؟ قال: تجلد خمسين جلدة، قلت: فإنّها عادت؟ قال: تجلد خمسين، قلت فيجب عليها الرجم في شي ء من الحالات؟ قال: إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم قلت: كيف صار في ثماني مرّات؟ فقال: لانّ الحرّ إذا زنى اربع مرّات و أقيم عليه الحدّ قتل. فاذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة قلت: و ما العلّة في ذلك؟ قال: لانّ اللّٰه عزّ و جلّ رحمها ان يجمع

______________________________

[1] و في آيات الأحكام للكاظمي ج 4 الصفحة 193 عند البحث عن آية جلد الزاني. و هذا العموم مخصوص بالإجماع و الاخبار بالحرّ و الحرّة غير المحصنين، فلو كان عبدا أو امة ينصّف عليهما الحدّ كما اقتضاه قوله: فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب، و قال بعض الظاهرية:

عموم قوله: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي، يقتضي وجوب المائة على العبد و الأمة الّا انّه ورد النّص بالتّنصيف في حقّ الأمة فلو قسنا العبد عليه لزمنا تخصيص عموم الكتاب بالقياس، و منهم من قال: الأمة إذا تزوّجت فعليها خمسون لقوله: فإذا أحصنّ «اى تزوّجن» فان أتين بفاحشة مبيّنة فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب فاذا لم تتزوّج فعليها المائة للعموم و اتّفاق العلماء على خلاف هذين القولين يردّهما انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من

أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 335

عليها ربق الرق و حدّ الحرّ قال: ثم قال: و على امام المسلمين ان يدفع ثمنه الى مواليه من سهم الرقاب «1».

و امّا التصريح بأنّها ترجم في التاسعة مع اقتصاء التعليل القتل في الثامنة فيمكن ان يكون ذلك لمزيد الترحّم على الارقّاء و العبيد في قبال الأحرار.

و كيف كان فهي أيضا دالّة على المقصود و المطلوب، فالمستفاد من هذه الروايات مضافا الى الآية الكريمة هو انّ حدّ المملوك و المملوكة نصف حدّ الحرّ و الحرّة فيضربان خمسين جلدة و لا شي ء سوى ذلك عليهما و لذا

قال المحقّق: و لا جزّ على أحدهما و لا تغريب

انتهى و خالف الشافعي في ذلك فقال بانّ المملوك أيضا ينفى إذا زنى و مدّة نفيه ستّة أشهر [1].

و أنت قد علمت التصريح بعدم النفي في العبيد في رواية محمّد بن قيس و غيرها. هذا مضافا الى ما فيه من الإضرار بالسيّد و تفويت المنفعة عليه.

و امّا الجزّ فما ورد فيه روايتان، و هما واردتان في الرجل و لعلّ المنصرف منه هو الحرّ لا مطلقا.

هذا كلّه في العبد المحض سواء لم يقع عليه عقد الكتابة أصلا أو وقع لكنّه لم يؤدّ شيئا أصلا أو وقع و ادّى لكنّه كان من المكاتب المشروط الذي لا يؤثّر أداء بعض المال في عتقه شيئا.

و امّا العبد المبعّض فلم يتعرّض له المحقّق قدّس سرّه نعم تعرّض له صاحب الجواهر رضوان اللّٰه عليه فقال: و يحدّ المبعّض حدّ الأحرار بنسبة ما عتق فيحدّ من انعتق نصفه خمسة و سبعين.

و قد وردت في ذلك أخبار شريفة أوردها صاحب الوسائل في باب تحت

______________________________

[1] أقول:

قال الشيخ في حدود الخلاف المسئلة 4: لا نفى على العبد و لا على الأمة و به قال مالك و أحمد، و للشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه و الثاني انّ عليهما النفي، و كم النفي؟ له فيه قولان أحدهما سنة مثل الحرّ و الآخر نصف السنة. دليلنا انّ الأصل براءة الذمة، و شغلها يحتاج الى دليل.

و روى عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله انّه قال: إذا زنت امة أحدكم فليجلدها فان زنت فليجلدها، و لم يذكر التغريب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 336

عنوان: باب انّ المملوك إذا تحرّر بعضه ثم زنى فعليه حدّ الحرّ بقدر الحريّة و حدّ الرّق بقدر الرقيّة.

فعن الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في المكاتب قال: يجلد في الحدّ بقدر ما أعتق منه «1».

و عن حريز عن محمّد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: يجلد المكاتب على قدر ما أعتق منه. و ذكر انّه يجلد ببعض السوط و لا يجلد به كلّه «2».

أقول: و لعلّ المراد منه انّه امّا ان يضرب من أعتق نصفه مثلا خمسين جلدة و امّا ان يضرب مأة ببعض السوط.

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حدّ الحرّة و ما لم تقبض فيكون فيه حدّ الأمة. و قال في مكاتبة زنت و قد أعتق منها ثلاثة أرباع و بقي الرابع جلدت ثلاثة أرباع الحدّ حساب الحرّة على مأة فذلك خمس و سبعون جلدة و ربعها حساب خمسين

من الأمة اثنى عشر سوطا و نصف فذلك سبعة و ثمانون جلدة و نصف و ابى ان يرجمها و ان ينفيها قبل ان يبيّن عتقها «3».

و عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام مثله الّا انّه قال: يؤخذ السوط من نصفه فيضرب به و كذلك الأقلّ و الأكثر «4».

الى غير ذلك من الروايات الدّالة على انّه يعتبر شقصه الحرّ و هو المعيار بالنسبة إلى المائة التي هي حدّ الحرّ الخالص، و يعتبر شقصه من الرّق بالنسبة إلى الخمسين التي هي حدّ العبد الخالص فمن كان نصفه حرّا و نصفه عبدا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 337

فبالنسبة إلى نصفه الحرّ يجب خمسون و بالنسبة إلى نصفه الآخر يجب خمسة و عشرون فيجب خمسة و سبعون.

نعم في رواية ما يخالف ذلك و هي رواية سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم انّ العبد اتى حدّا من حدود اللّٰه. قال: ان كان العبد حيث أعتق نصفه قوّم ليغرم الذي أعتقه نصف قيمته فنصفه حرّ يضرب نصف حدّ الحرّ و يضرب نصف حدّ العبد و ان لم يكن قوّم فهو بعد يضرب حدّ العبد [1].

لكن ربّما يتّضح المراد منها بذكر ما قالوه في باب العتق عند البحث عن السراية حيث قالوا من أعتق شقصا من عبده

أو أمته و ان قلّ الجزء سرى العتق فيه و عتق كلّه. و لو كان له في هذا المملوك شريك بالسوية مثلا قوّم على معتق النصف موسرا بان كان مالكا لما زاد عن مستثنيات الدين فاذا قوّم عليه سهم شريكه و تعهّد بالأداء فإنه يعتق سهمه و سهم شريكه، و لو كان معسرا فان العبد يسعى بنفسه في باقي قيمته و يؤدّى قيمة سهم الشريك و يصير حرّا بأجمعه.

و على هذا فلو كان موسرا و قوّم نصيب الشريك ليغرمه له المعتق فإنّه يصحّ عتق المعتق بالنسبة إلى سهمه فعلا و إذا أدّى قيمة سهم الشريك يصير كلّه حرّا و حينئذ فلو زنى بعد تحقّق عتق نصفه أعني إذا أعتق سهمه و قوّم سهم الشريك ليدفع اليه و قد ارتكب هذا العبد الزنا في الأثناء أي قبل ان يدفع قيمة سهم الشريك فهنا يضرب العبد نصف حدّ الحرّ و يضرب نصف حدّ العبد، و امّا إذا كان قد أعتق سهم نفسه و لم يقوّم سهم شريكه لانّه لا يريد أداء قيمته

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 33 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6، قال في الوافي: بناء هذا الحكم على انّ بالتقويم يتمّ عتق النّصف و بأداء القيمة يتمّ عتق الكلّ، و هذا الأصل غير مستقيم كما تبيّن في أبواب العتق انتهى. و عن بعض الحواشي على الفقيه: لعلّ التقويم كناية عن صحّة العتق اى لم يقصد المعتق الإضرار بالشريك ليبطل العتق حيث لم يقصد القربة بل قصدها و رضي بتقويم حصّة الشريك عليه لكن لم يقوّم عليه لمانع فبقي النصف في الرق فيكون المعنى: ان كان عتق نصفه صحيحا فكذا و الّا فهو عبد.

انتهى راجع تذييلات المقنع الصفحة 147.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 338

اليه فهناك يبطل عتق سهم نفسه أيضا و على هذا فلو زنى العبد و الحال هذه فهو عبد خالص فيضرب حدّ العبد و هو خمسون جلدة و ذلك لعدم وقوع العتق أصلا.

و في خبر عبّاد بن كثير البصري عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام في المكاتبين إذا فجرا يضربان من الحدّ بقدر ما أدّيا من مكاتبتهما حدّ الحرّ و يضربان الباقي حدّ المملوك «1».

و عن محمّد بن محمد المفيد في الإرشاد قال: روت العامّة و الخاصّة أنّ مكاتبة زنت على عهد عثمان قد عتق منها ثلاثة أرباع فسأل عثمان أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يجلد منها بحساب الحرّية و يجلد منها بحساب الرّق و سأل زيد بن ثابت فقال: يجلد بحساب الرّق و قد أعتق ثلاثة أرباعها؟ و هلّا جلدتها بحساب الحرّية فإنّها أكثر؟ فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرّية فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: أجل ذلك واجب فأفحم زيد و خالف عثمان أمير المؤمنين عليه السّلام [1].

و يستفاد من كلام زيد انّ كون حدّ الرق على نصف من الحرّ كان امرا مفروغا عنه عند الصحابة، و انّما الاختلاف في النظر و الفتوى كان فيما إذا عتق منه شي ء و بقي الباقي.

و قوله عليه السّلام: أجل ذلك واجب، جواب لقياس استعمله زيد.

قتل الزاني في الثالثة أو الرابعة.

قال المحقّق: و لو تكرّر من الحرّ الزناء فأقيم عليه الحدّ مرّتين قتل في الثالثة و قيل في الرابعة و هو أولى

أقول: الكلام هنا في من زنى و أقيم عليه الحدّ ثم زنى ثانيا و أقيم عليه الحدّ ثم زنى ثالثا فهنا ثلاثة أقوال، أحدها:

انه يقتل في الثالثة و هذا هو

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 الحديث 9 أقول: و في إرشاد المفيد الصفحة 102 في آخر الخبر: و لم يصغ الى ما قال بعد ظهور الحجّة عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من أبواب حدّ الزّنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 339

الذي اختاره المحقّق و هو قول الصدوقين و ابن إدريس بل هو أظهر الأقوال على ما في المسالك.

ثانيها: انّه يقتل في الرابعة بعد ثلاثة حدود و اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط، و كذا المفيد و السيد المرتضى و الاتباع و العلّامة، و هو الاولى عند المحقّق.

ثالثها: و هو أغرب الأقوال: انّه يقتل في الخامسة و قد ذكره الشيخ قدّس سرّه في الخلاف فقال: إذا جلد الزاني الحرّ البكر اربع مرّات قتل في الخامسة و كذلك في القذف يقتل في الخامسة و العبد يقتل في الثامنة، و قد روى انّ الحرّ يقتل في الرابعة و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا عليه الحدّ بالغا ما بلغ، دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم «1».

و هذا القول مرمىّ بالشذوذ و الندرة [1] و لعلّ الاخبار و الإجماع الذين ادعاهما كان بالنسبة إلى أصل المطلب اى القتل فإنّ العامّة لا يقولون بالقتل في الزنا و ان بلغ ما بلغ و مهما تكرّر، و لا شكّ في دلالة الاخبار على القتل في الجملة كما انّ الإجماع أيضا قائم على ذلك،- و الّا فلم نعثر على خبر يدلّ على انّ الزاني يقتل في الخامسة كما و انّا لم نجد قائلًا. بذلك غيره قدّس سرّه.

و استدلّ للقول الأول بصحيحة يونس عن ابى الحسن الماضي عليه السّلام

قال: أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة «2».

و استدلّ للقول الثاني أي قتله في الرابعة بعد ان أقيم عليه الحدّ ثلاث مرّات برواية أبي بصير الموثّقة قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة يعني جلد ثلاث مرّات «3» رواها المشايخ الثلاثة.

______________________________

[1] قال في الرياض: و امّا القول بقتله في الخامسة كما يحكى عن الخلاف فشاذ غير واضح المستند مخالف للإجماع انتهى

______________________________

(1) الخلاف المسئلة 55 من كتاب الحدود.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 340

و قد أورد عليها بانّ في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس و إسحاق بن عمّار و هو فطحيّ المذهب كما ان أبا بصير مشترك.

و أجيب بأنهم عبّروا عن الرواية بالموثقة و هذا يكفي في الاستدلال بها و لو كانت الرواية ضعيفة فضعفها منجبر بعمل الأصحاب.

و عن العلل و عيون اخبار الرضا بإسناده عن محمّد بن سنان عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه: و علّة القتل بعد اقامة الحدّ في الثالثة على الزاني و الزانية لاستحقاقهما و قلّة مبالاتهما بالضرب حتّى كأنّه مطلق لهما ذلك. و علّة اخرى انّ المستخفّ باللّٰه و بالحدّ كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر «1».

و قد جمع الشيخ- القائل بالقول الثاني- بين صحيح يونس و موثق ابى بصير بانّ صحيح يونس محمول على غير الزاني، و النتيجة انّ أصحاب الكبائر كلّهم يقتلون في الثالثة سوى الزاني فإنّه يقتل في الرابعة و ذلك بمقتضى العموم و الخصوص

فان الخاص مقدّم على العام.

و قد كان هذا القول عند المحقّق اولى و المراد منه كما في المسالك هو الاولى من حيث الاحتياط في الدماء لا من حيث الفتوى فان مختاره في الكتابين هو الأوّل.

و في الرياض. بالنسبة إلى القول الثاني: هذا القول في غاية القوّة مع كونه أحوط بلا خلاف و لا شبهة، لما فيه من عدم التهجم على اراقة الدماء و حفظ النفس المحترمة.

فاختار هو أيضا قتله في الرابعة بعد ان حدّ ثلاث مرّات.

و نحن نقول: امّا ان يقال باعتبار خبر ابى بصير أو بعدمه فعلى الأوّل لا بدّ من الأخذ به، و التخصيص، و الإفتاء بان الملاك هو المرّة الرابعة فلا يجوز قتله في الثالثة، و على الثاني فالملاك هو المرّة الثالثة و في الحقيقة الأمر دائر بين محذورين فان القتل في الثالثة ربما يكون بلا مسوّغ و مبرّر فهو محذور كما انّ القتل في الرابعة أيضا ربما يكون من باب التأخير في الحدّ و عدم إجرائه و هو أيضا حرام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 341

و محذور و كما انّ القتل بلا مسوّغ كبيرة موبقة كذلك ترك اجراء الحدّ أيضا من الكبائر فلا وجه للاحتياط لانّه نظير باب التعارض.

هذا مضافا الى انّ التأخير إلى الرابعة- من باب الاحتياط- إذا كان المعتبر بحسب الواقع قتله في الثالثة يؤدّى الى خلاف الاحتياط لأنّ جلده في الثالثة إيذاء للمؤمن بلا وجه، و على الجملة فالظاهر انّه لا وجه لهذا الاحتياط الذي قاله المحقّق و فسّره في المسالك على ما تقدّم.

و امّا ما يستفاد من كلام السيّد صاحب الرياض من

كونه من باب الأهمّ و المهمّ، «1»، ففيه انّ مورد قاعدة الأهم و المهمّ هو ما إذا كان هناك دليلان و تكليفان الّا انّ عدم قدرة المكلّف على الإتيان بهما اصظرّه إلى الأخذ بأحدهما و هناك لا بدّ من الأخذ بالأهمّ و ترك المهمّ كما في غريقين أحدهما عالم و الآخر عامي، و ما نحن فيه ليس، كذلك فإنّه كما تقدّم نظير باب التعارض فامّا ان يكون التكليف هو القتل في الثالثة أو في الرابعة.

نعم يمكن ان يقال انّ الآية الكريمة تدلّ على وجوب جلد الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي مأة جلدة و صحيح يونس: (انّ أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة) يقتضي تخصيص الآية الكريمة بأنّهما يقتلان في المرّة الثالثة مع اجراء الحدّ عليهما مرّتين و موثّق ابى بصر يقتضي تخصيصها بالمرّة الرابعة فهما يقتلان بعد جلدهما ثلاث مرّات و هذا يوجب الشبهة في تخصيصها بالثلاث أو بأربع في باب الزنا و المتيقّن هو المرّة الرابعة إمّا بنفسها أو لأنّه قد وجب القتل قبل الرابعة أي في المرّة الثالثة، و أصالة العموم و أصالة عدم التخصيص تقتضيان عدم خروج الزاني عن تحت عموم الآية إلى المرحلة المسلّمة و هي المرّة الرابعة.

لكن من الواضح انّ هذا يقتضي عدم القول بالقتل في الثالثة رأسا و لزوم تأخيره إلى الرابعة، و في الحقيقة هذا دليل مستقلّ في استظهار القول الثاني- كما انّ صاحب الرياض كان بصدد ذلك على خلاف المحقّق

______________________________

(1) راجع الرياض الجلد 2 الصفحة 473.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 342

و الشهيد الثاني- هذا، و على الجملة فالأظهر عندنا هو القول الثاني فإنّ الخاصّ مقدّم بعد اعتباره بالتوثيق.

و لا يخفى انّ

ما ذكر من وجوب قتله- سواء كان في المرّة الثالثة أو الرابعة- جار فيما إذا أقيم عليه الحدّ مرّتين على الأوّل و ثلاث مرّات على الثاني و مشروط به و الّا فإنّه لا يقتل إجماعا كما سيأتي ذلك أيضا.

قتل المملوك في الثامنة أو في التاسعة

هذا كلّه في الحرّ و امّا المملوك مطلقا ف

قال المحقّق:

امّا المملوك فإذا أقيم عليه الحدّ سبعا قتل في الثامنة و قيل في التاسعة و هو أولى.

أقول: هنا أيضا ثلاثة أقوال: أحدها: قتله في الثامنة و هو مختار الشرائع و قد ذهب اليه المشهور.

ثانيها انّه يقتل في التاسعة و قد ذهب اليه الشيخ في النهاية، و القاضي و جماعة و جعله المحقّق اولى، و يظهر من عبارة صاحب الوسائل انّه اختار هذا القول فإنّه قال في عنوان الباب المتعلّق بالمقام: باب انّ المملوك إذا جلد ثمان مرّات في الزنا رجم في التاسعة عبدا كان أو امة.

ثالثها التفصيل بين ثبوته بالبيّنة فيقتل بعد الثامنة و بين ثبوته بإقراره فلا يقتل الّا بعد التاسعة و هو المحكىّ عن الراوندي.

و قد استدلّ للقول الأوّل بعد ادعاء الإجماع عليه من الانتصار و الغنية بصحيح بريد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا زنى العبد جلد خمسين، فان عاد ضرب خمسين فان عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرّات فان زنى ثماني مرّات قتل و ادّى الإمام قيمته الى مواليه من بيت المال «1».

أقول: و هذا هو المناسب لكون حدّ المملوك نصف حدّ الحرّ المستفاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 343

من الآية الكريمة: و عليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب «1» فإنّه إذا كان عذاب الحرّ

في المرّة الرابعة فعذاب المملوك في المرّة الثامنة.

و استدلّ للقول الثاني بخبر عبيد أو بريد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: امة زنت؟ قال: تجلد خمسين جلدة قلت: فإنّها عادت، قال: تجلد خمسين، قلت: فيجب عليها الرجم في شي ء من الحالات؟ قال: إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم قلت: كيف صار في ثماني مرّات؟ فقال:

لانّ الحرّ إذا زنى اربع مرّات و أقيم عليه الحدّ قتل فاذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة «2».

و فيه انّه و ان كان يدلّ على اعتبار التاسعة الّا انّه ضعيف السّند [1] مختلّ الدلالة و ترى انّ التعليل لا يلائم الذيل و الحكم، و ذلك لانّ مقتضى لحاظ حال الحرّ هو قتله في الثامنة الذي ذكر في صدر الرواية و مع ذلك فقد فرّع عليه انّه يقتل في التاسعة، و لعلّ ذلك من خطإ الراوي هذا، مضافا الى انّه لا قائل بالرجم بالنسبة إلى المملوك و قد صرّح الخبر برجمه و هذا ممّا يوجب مزيد الوهن في الرواية.

و على هذا فالترجيح بحسب الرواية للقول الأوّل أي قتله في الثامنة و مع ذلك فقد جعل المحقّق القول الثاني أولى.

و يرد عليه ما ذكرناه آنفا بالنسبة إلى الحرّ فان المقام ليس بنحو يخرج المكلّف عن عهدة التكليف بأيّ واحد من التكليفين حتّى يكون أحدهما أحوط

______________________________

[1] صرّح في المرءاة الجلد 23 الصفحة 366 يكون الخير مجهولا.

أقول: انّ أصبغ بن أصبغ على ما قاله المامقاني: ليس له في كتب الرجال ذكر أصلا فهو مجهول انتهى راجع الجلد 1 الصفحة 150. و امّا محمّد بن سليمان، ففي روضة المتّقين الجلد 10 الصفحة 87 عن رجال الشيخ: محمّد بن سليمان له كتاب

يرمى بالغلوّ انتهى و في رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة 122: مقتضى نقل الشيخ رميه بالغلوّ هو ضعفه و ان تأمّل أحد في ذلك فلا أقلّ من جهالته انتهى.

و امّا مروان بن مسلم فقط اختلفوا فيه كما يظهر ذلك من رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة 210.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 25.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 344

مع الاجتزاء بالآخر بل هو من قبيل الدوران بين المحذورين.

كما انّه يرد على كلام صاحب الرياض هنا ما أوردناه عليه في ذلك المقام من عدم كون محلّ الكلام من باب الأهمّ و المهمّ حتّى يؤخذ بالأهمّ بل المقام من قبيل المتعارضين فإنّ الخصوصيّة ليست هي عدم قدرة المكلّف على الإتيان بهما.

نعم يمكن التمسك بما ذكرناه هناك من الشك في التخصيص و عدمه و الأصل عدمه [1].

الكلام في الزنا المتكرّر بلا تخلّل الحدّ

قال المحقّق: و في الزناء المتكرّر حدّ واحد و ان كثر.

أقول: بلا فرق بين اقسامه من الحرّ أو المملوك و كون الزنا بامرأة واحدة أو متعدّدة في يوم واحد أو في أيّام، نعم الظاهر انّه لا تشمل العبارة ما إذا أوجب الزنا كلّ مرّة حدّا غير الآخر، كالزناء الموجب للجلد، و الزنا الموجب للرجم، فالمقصود هو ما إذا كان حدّ كلّ واحد هو الجلد.

و في المسئلة قولان أحدهما انّه لا يتكرّر الحدّ بل يكتفى بحدّ واحد و هذا هو المشهور.

ثانيهما انّه ان زنا بامرأة واحدة كفى حدّ واحد، و ان زنا بجماعة نساء في ساعة واحدة حدّ لكلّ امرأة حدّا، ذهب اليه ابن الجنيد و الصدوق في المقنع.

و استدلّ على الأوّل بأصل البراءة و صدق الامتثال.

أقول: انّه لو وصلت النوبة

إلى الشك و لم يمكن الاستظهار من الأدلّة فالحكم هو الرجوع الى البراءة و امّا مع الاستظهار منها فلا، سواء استظهر الاكتفاء بالمرّة أو اعتبار التكرار.

______________________________

[1] لم يتعرض دام ظلّه لاستدلال القول الثالث فأقول: انّ مأخذه الجمع بين الخبرين بحمل الأوّل على ما إذا أقيمت البيّنة و الثاني على حالة الإقرار، قال في الرياض: و هو مع شذوذه تحكّم كما صرّح به جمع لفقد التكافؤ ثم الشاهد انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 345

و حينئذ يجري الكلام في الاستظهار من الأدلّة و ان المستفاد من الآية الكريمة «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ» هل هو الوحدة أو التعدّد و التكرار؟ و هكذا الكلام بالنسبة إلى الروايات المساوقة للآية الكريمة.

و بعبارة أخرى: يبحث في انّ الموضوع في الدّليل الشرعي ملحوظ في المقام بنحو صرف الوجود و أصل الطبيعة حتّى لا تقبل التعدد أو انّه ملحوظ بنحو الطبيعة السارية حتّى يتكرّر بعد انّا نعلم انّه في مواضع بنحو الأوّل و اخرى بنحو الثاني، فإنّ من أ كلّ مرّات متعدّدة في يوم من شهر رمضان فليس عليه الّا كفارة واحدة و لا يوجب ذلك تكرارها و ان كان يجب عليه الإمساك بعد إفطاره، و هكذا باب الحدث و الخبث فان البول مهما تكرّر لا يوجب الّا وضوءا واحدا، و تلطّخ الثوب أو البدن بالدم مثلا لا يوجب الّا غسلا واحدا لتطهير المعتبر في الصلاة و ان كان قد تلطّخ به مرارا، و هذا بخلاف من أفطر أياما من شهر رمضان فان لكلّ يوم من تلك الأيام كفّارة مخصوصة به، فالإفطار في هذا اليوم غير الإفطار في يوم آخر، و على الجملة فربّما يوجب

تعدّد السبب تعدّد المسبّب و اخرى لا يوجبه و ذلك لدلالة الدليل بعد انّ القاعدة تقتضي تكرار المسببات بتكرّر الأسباب و الأصل عدم التداخل.

و لعلّه يستظهر من الآية الكريمة مثلا انّ وجود العلّة اى الزنا ليس مأخوذا بنحو وجود الشي ء وجودا ساريا بل بنحو أصل الطبيعة و صرف الوجود غير القابل للتكرّر و على ذلك فلا يجب الّا حدّ واحد لانّ نفس الطبيعة غير متكرّرة فلا يتكرر المسبب عنها.

لا يقال على هذا فالمسئلة السابقة أيضا كذلك يعني إذا كان صرف الوجود سببا للحدّ فاذا حدّ فلا يوجب الزنا التالي حدّا آخر لعدم تكرّر صرف الطبيعة «1».

لأنّا نقول: انّ هذا خلاف ظاهر الدليل فان الظاهر منه انّه بعد تحقّق الزنا يجب الحدّ، فاذا زنى و أقيم عليه الحدّ ثم زنى ثانيا فلو اكتفى بالحدّ الأوّل

______________________________

(1) راجع جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 34.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 346

لزم كون حدّ الزنا السابق كافيا للزنا اللاحق مع انّ الحدّ حدّ للزنا الذي وقع الحدّ عقيبه لا لما يأتي بعده.

و قد ذكر في الجواهر قرائن لاستظهار ذلك اى كون المراد هو أصل الطبيعة الذي لا يقبل التكرّر.

منها ما أشار إليه بقوله: مع ابتناء الحدود على التخفيف و لذا تدرء بالشبهة.

و فيه ان قرينيّة هذا لصرف الظاهر عن ظهوره محلّ تأمّل و اشكال لو كان الظاهر من الآية هو الاستغراق أو الجنس الذي ينتج نتيجته، و التعبير و ان كان بلفظ الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي الّا ان من المعلوم ملاحظة عليّة الوصف للحكم و كأنّه قيل:

فاجلدوا الزانية و الزاني لمكان زناهما فهو نظير «لا تصلّ خلف الفاسق، أو، لا يجوز الايتمام بالفاسق» فإنّه ظاهر في انّ العلّة

في ذلك هو فسقه، و على الجملة فبعد تحقّق هذا الظهور و انّ كلّ فرد من إفراد الزنا يوجب حدّا مستقلا فصلاحيّة ابتناء الحدود على التخفيف لصرف هذا الظاهر محلّ التأمّل.

و منها ما افاده بقوله: و غلبة تكرار الخروج و الولوج في المرّة الواحدة فضلا عن تكراره مستقلا.

و فيه أوّلا انّ غلبة ذلك غير مسلّم و ثانيا سلّمنا ذلك الّا انّ المقصود من الزنا هو الزناء العرفي الذي لا ينافيه تكرار الخروج و الولوج و يحسب مع هذه الخصوصيّات زناءا واحدا لا متعدّدا.

و منها قوله: بل لعلّ التأمّل الجيّد في تعليق الحكم في الآية الشريفة على الزانية وَ الزّٰانِي يقتضي ذلك ضرورة كون التعدد في اشخاص الزنا حينئذ كالتعدّد في أسباب الحدث و النجاسة و لكن يكفي طهارة واحدة و تطهير واحد لانّ العنوان طهارة المحدث و تطهير النجس و هو صادق على متعدّد السبب و متّحده، فكذلك الكلام في الزناء فإنّ الزاني و الزانية يصدق كذلك، الى آخر كلامه.

و فيه انّا لا نعلم فرقا بين التعبيرين لأنّا لو استفدنا العليّة فكلّ زناء يوجب

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 347

حدّا مستقلا نعم لو لم يستظهر ذلك لتمّ ما افاده.

و كيف كان فارادة الطبيعة أو الوجود الساري أمر موكول الى لحاظ المتكلم فان استظهر انّه أراد و لاحظ أصل الطبيعة و ان كان بمعونة القرائن التي ذكرها العلماء الأعلام رضوان اللّٰه عليهم فهو، كما انّه لو استظهرت الطبيعة السارية فلا كلام، و لو شكّ في ذلك يتمسّك بأصل البراءة و في الرياض عند الاستدلال على كفاية حدّ واحد و عدم تعدّده بتعدّد الزنا قال: قيل لأصالة البراءة و صدق الامتثال و ابتناء الحدود

على التخفيف و للشك في وجوب الزائد فيدرء بالشبهة.

أقول: هذه هي الوجوه التي استدلّ بها للقول بعدم تعدّد الحدّ، و العمدة من بينها هو الإطلاق.

ثم قال: و في الأوّلين مناقشة لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات و التداخل خلاف الأصل.

ثم ردّ على هذه المناقشة المقتضية للتعدّد و التكرار فقال: لكن مقتضى هذا لزوم التعدد مطلقا و لو كان المزني بها مكررا، واحدة، و لم يقل به أحد من الطائفة حتّى الإسكافي و الصدوق الذين حكى عنهما الخلاف في المسئلة فإنهما قالا بما عليه الجماعة ان وقع التكرار بامرأة واحدة، و واجبا التعدّد ان وقع بالمتعددة، فحينئذ لا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدد المسببات عند تعدد أسبابها، المخالفة عمومها الإجماع هنا فلا بدّ من المصير الى أحد القولين امّا التفصيل المتقدّم أو المنع عن التعدّد مطلقا و الأوّل غير ممكن لعدم الدليل عليه عدا خبر واحد قاصر السند بل ضعيف شاذ مطروح كما صرّح به الماتن في الشرائع فتعيّن الثاني. انتهى.

و يرد عليه كما في الجواهر بأنّه لو كان المقام من باب تعدّد الأسباب فلا بدّ من العمل بالقاعدة و الأخذ بها إلّا في خصوص ما قام الإجماع على الخلاف و لازم ذلك العمل بها فيما إذا زنى بنسوة متعدّدة دون ما إذا زنى مرارا بامرأة واحدة لقيام الإجماع في هذا المورد على عدم التعدد و التكرار، و امّا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 348

بالنسبة إلى النسوة المتعدّدة فلا وجه لذلك بعد اقتضاء القاعدة التكرار. و قوله: «لا يمكن الأخذ بالقاعدة» لا يتمّ هنا أصلا.

نعم يمكن ان يتمسك بما أشرنا إليه من قبل من انّ الحكم فرع الموضوع و متعلّق به، و الموضوع هنا

الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي و هذا لا تعدّد فيه فيكون الزاني زانيا سواء زنى مرّة أو مرّات بالواحدة أو بالمتعددة نظير وجوب الغسل على الجنب فان الجنب جنب سواء كان بالإنزال أو بالدخول أو كليهما.

و على الجملة فالعلمان صاحبا الرياض و الجواهر متّفقان في انّه مع عدم تخلّل الحدّ لا يتعدّد ذلك بتعدّد الزنا الّا انّ الأوّل يستند في ذلك الى الإجماع القائم على خلاف القاعدة بحيث لولاه لكان الحكم هو التعدّد بمقتضى القاعدة فالإجماع مانع عنها، في حين انّ الثاني يقول بأنّه لا تعدّد أصلا لعدم دليل يدلّ على ذلك فعدم التكرار عنده هو مقتضى القاعدة.

و امّا القول بالتفصيل فقد ذهب اليه ابن الجنيد و الصدوق في المقنع فقالا: ان زنا بامرأة واحدة كفى حدّ واحد و ان زنا بجماعة نساء في ساعة واحدة حدّ لكلّ امرأة حدّا، و قد استندا في ذلك الى رواية أبي بصير

كما قال المحقّق:

«و في رواية أبي بصير عن ابى جعفر عليه السّلام: ان زنا بامرأة مرارا فعليه حدّ و ان زنى بنسوة فعليه في كلّ امرأة حدّ و هي مطرحة.»

و قد نقلها بالمعنى و محصّلا فإليك متنها:

محمد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد و عن علىّ بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن علىّ بن أبي حمزة عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مرارا كثيرة قال: فقال: ان زنى بامرأة واحدة كذا و كذا مرّة فإنّما عليه حدّ واحد فان هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد و في ساعة واحدة فإنّ عليه في كلّ امرأة فجر بها حدّا «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة

الجلد 18 الباب 23 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 349

و قد أورد بانّ في طريق الرواية ضعفا و ذلك لانّ علىّ بن أبي حمزة البطائنى الذي نقلها عن ابى بصير واقفي- و ان كان الخبر معتبرا عندهما و لذا فقد تمسّكا به.

هذا كلّه بحسب استظهارات العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين فلو قلنا بشي ء منها فهو و الّا فلو شك في الوحدة و التعدّد و ان الموضوع هل هو الفعل القابل للتكرار أو الفعل الذي لا يقبل التكرار و بعبارة أخرى لو شك في انّ الموضوع مأخوذ بنحو صرف الوجود حتّى لا يقبل التكرار و التعدّد أو بنحو الطبيعة السارية الصالحة للتعدد فهناك لا إشكال في جريان أصالة البراءة كما تقدّم ذلك لانّ الحدّ الواحد مقطوع به و متيقّن و الزّائد عليه مشكوك فتجري البراءة عنه.

لا يقال: انّ كلّ واحدة من المرّات المتعدّدة حرام قطعي فكيف يجري أصل البراءة بالنسبة إلى الحدّ مع العلم بالحرمة؟

لأنّا نقول انّ التحريم و ان كان امرا مسلّما مفروغا عنه لكنه أمر آخر غير الحدّ، فالموضوع بالنسبة إلى الحرمة مأخوذ بنحو الطبيعة السارية بلا كلام و لا ترديد، و لا منافاة بين تعدّد المعصية و وحدة الحد أصلا.

الكلام فيما إذا زنى الذميّ بالذميّة

قال المحقّق: و لو زنى الذّميّ بذميّة دفعه الإمام الى أهل نحلته ليقيموا الحدّ على معتقدهم و ان شاء اقام الحدّ بموجب شرع الإسلام.

أقول: ادّعى كثير من العلماء عدم الخلاف في ذلك. قال في الرياض: بلا خلاف أجده و به صرّح بعض الأجلّة و هو الحجّة انتهى.

و قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه كما عن بعضهم الاعتراف به.

و على هذا فالحاكم الإسلامي مخيّر بين

ان يحكم هو بنفسه بحكم الإسلام و ان يعرض عنه و يدفعه الى الحكّام الذميّين كي يحكموا عليه بمقتضى

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 350

مذهبهم [1].

و يمكن ان يستدلّ على ذلك بوجوه: الدليل الكلّي بلحاظ انّهم في ذمّة الإسلام، و الكتاب، و السنة.

امّا الأوّل فبيانه انّ ذلك مطابق أو مستلزم للوفاء بعهدهم لشرائط الذّمة فمقتضى كونهم من أهل الذّمة متعهّدين بشرائطها ملتزمين بأداء الجزية و غير ذلك من الأمور المشروطة عليهم هو كونهم في ذمّة الإسلام و في أمن و أمان و راحة و سلام، و عدم إجبارهم على الالتزام بمقررات الإسلام و آدابه، و عدم إلزامهم بأحكام المسلمين فلهم ان يعملوا بما هو مقتضى مذهبهم فترى انّ من أهمّ الواجبات على المسلمين الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فيجب حمل تاركي الصلاة على الانيان بها و هكذا بالنسبة إلى سائر شعائر الإسلام و لكن لا يجوز ذلك بالنسبة الى أهل الذّمّة و ليس للمسلمين إجبارهم على الصلاة أو غيرها فإنّ الإسلام يتركهم و ما يدينون و لهم ان يعيشوا في ظلّ الإسلام آمنين مطمئنين و هذا من الحقوق التي أوجب عقد الذمّة لهم علينا و على هذا فيجوز للحاكم إرجاعهم في المرافعات الى حكّامهم. هذا.

و يمكن ان يقال: إذا حدث بينهم ما يحتاج الى التحاكم و فصل الأمر و اطّلع على ذلك الحاكم الإسلامي فلا يجوز له ان يلزموهم بالرجوع الى حكم الإسلام و اعتناق ما هو المقرّر عند المسلمين بل الأمر هنا بيدهم و لا مانع لهم عن الرجوع الى حكامهم إذا اختاروا ذلك.

و امّا إذا وقع أمرهم بيد الحاكم الشرعي كما إذا كانوا قد ترافعوا اليه فهنا لا دليل

على جواز ترك الحكم بمقتضى الأحكام الإسلاميّة فإنّ من المعلوم انّ الأحكام الإلهيّة الإسلامية كلّها متعلقة بكل المكلّفين و كافّة أبناء البشر من المسلم و الكافر كتابيا كان أو غيره، و انّ دينهم صار منسوخا بطلوع الإسلام غاية الأمر انّ الشارع قرّر عقد الذمّة لمصالح عالية في ذلك و هو يمنع

______________________________

[1] أقول: و قد تعرّض العلّامة أعلى اللّٰه مقامه لهذه المسئلة في كتاب الجهاد من التذكرة الجلد 1 الصفحة 451 فراجع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 351

عن إلزامهم ابتداء بأحكام الإسلام، و امّا عند ترافعهم الى الحاكم الإسلامي و إيكالهم الأمر اليه و تسليمهم لدى نظره فليس له ان يترك الحكم الشرعي المكتوب على كلّ المكلّفين و إرجاعهم الى حكّامهم فبحسب الأدلّة الكلّية يشكل الحكم بالتخيير بل مقتضى القواعد الشرعيّة هو تعيّن الحكم بحسب الأحكام الإسلاميّة.

و امّا الثاني و هو الكتاب فقوله تعالى في مذمّة اليهود سَمّٰاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جٰاؤُكَ. فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ «1».

فان الظاهر منه انّ النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان مخيّرا بين ان يحكم هو بنفسه بينهم إذا جاءوه أو يعرض حتّى يحكم بينهم حكّامهم.

و امّا مجرّد الاعراض و ترك القضيّة فوضى فهو بعيد عن مقام الرسول العظيم صلّى اللّٰه عليه و آله و دينه الشامل الجامع فان من كان منصوبا من قبل اللّٰه الى الناس أجمعين لإصلاح أمورهم و حلّ مشاكلهم كيف يمكن ان يقال له:

احكم بينهم أو اتركهم بحالهم؟ فلا بدّ ان يكون الاعراض عنهم المذكور في الآية الكريمة مقدمة لأن يحكم بينهم من هو من أهل نحلتهم لو كان لهم في ذلك حكم، و العقل يأبى أن

يأتي قوم عنده لفصل الخصومة و هو يتركهم بلا جواب بل لا بدّ من ان يحكم بينهم بنفسه أو يرسلهم الى فاصل خصومة و ان كان من أهل مذهبهم و على الجملة فالآية الكريمة تدلّ على تخيير الحاكم بين الأمرين.

لا يقال انّ كون (أو) في الآية الكريمة للتخيير غير مسلّم و قد تردّد في ذلك بعض كالمحقّق الأردبيلي حيث قال في مجمع الفائدة و البرهان: انّ الآية غير صريحة في التخيير.

لأنّا نقول: انّ ظهورها في التخيير مسلّم و احتمال خلاف ذلك خلاف

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 42.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 352

الظاهر جدّا [1].

نعم قد ينافي التخيير قوله تعالى وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ. فان ظاهره وجوب الحكم بما انزل اللّٰه على نبيّه الأعظم بنفسه و تعيين ذلك لا بما انزل اللّٰه الى الأنبياء السابقين. و لا ينافي ذلك ما ذكره بعده بقوله تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً «1» فإنّ الظاهر انّ المراد منه: انّ لكلّ من الأنبياء شريعة و منهاجا و لم يجعلكم اللّٰه أمّة واحدة فلهم شريعتهم و لك شريعتك فاعمل بها و ليس المراد انّه جعل لكلّ منهم شريعة، و لك ان تعمل بشريعة غيرك فان ذلك ليس من متفاهم الآية الكريمة بل المقصود من الشريعة الآن هو الإسلام و لا غير فهو الذي يجب اتباعه و الحكم بمقتضاه، و على الجملة فظاهر هذه الآية الكريمة هو تعيين الحكم بمقتضى ما انزل اللّٰه على رسوله الخاتم و على هذا فتنافي الآية السابقة الدّالة على التخيير.

و عالج

بعض العامّة هذا التنافي بأنّ الآية السّابقة منسوخة بهذه [2]

______________________________

[1] أقول: هكذا أجاب دام ظلّه عن الاشكال و لكن هنا كلام و هو انّه و ان كان ظهور «أو» في التخيير غير قابل للإنكار الّا انّه ليست ظاهرة في التخيير بين حكمه (ص) بنفسه و إرجاعه إياهم الى أهل نحلتهم بل التخيير بين الحكم طبق الإسلام أو ردّهم و تركهم و لا اشكال فيه و تؤيّد ذلك تتمة الآية الكريمة: وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ و على الجملة فانّى كلّما تأملت في الآية لم ارفيها دلالة على إرجاعهم الى حكّامهم و ان كان «أو» فيها للتخيير فضلا عمّا إذا قيل بأنّه ليس للتخيير أصلا بأن يكون للجمع مثلا، و على ذلك فلم يبق الّا الروايات.

[2] قال الشيخ قدّس سرّه في التبيان الجلد 3 الصفحة 524: و في اختيار الحكّام و الأئمة الحكم بين أهل الذمة إذا احتكموا إليهم قولان أحدهما قال إبراهيم و الشعبي و قتادة و عطاء و الزّجاج و الطبري و هو المرويّ عن علىّ عليه السّلام و الظاهر في رواياتنا انّه حكم ثابت و التخيير حاصل، و قال الحسن و عكرمة و مجاهد و السدي و الحكم و جعفر بن مبشر و اختاره الجبائي انّه منسوخ بقوله: و ان احكم بينهم بما انزل اللّٰه، فنسخ الاختيار و أوجب الحكم بينهم بالقسط و هو العدل انتهى.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 49.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 353

و لكن لم يثبت ذلك و الأصل عدمه.

و يمكن الجمع بينهما بأنّ الآية الأخيرة متعرضة لواحد من طرفي التخيير فلا منافاة بينهما.

لا يقال: انّ

النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله كان بمقتضى الآية الثانية مأمورا بالحكم بين الناس كلّهم بما انزل اللّٰه و لعلّ ما انزل اللّٰه إليه بالنسبة الى أهل الكتاب هو إرجاعهم الى حكامهم إذا احتكموا اليه صلّى اللّٰه عليه و آله إذا لا تنافي بينهما.

لانّه يقال: انّه لا شكّ في نسخ الأديان السابقة بسبب الإسلام فالحكم الواقعي لكافّة المكلّفين و أهل الأرض بعد ذلك هو الإسلام لا غير غاية الأمر انّ مقتضى عقد الذمة و المسالمة جواز إرجاعهم الى حكّامهم و بتعبير آخر انّ جواز ان يحكم الحاكم الإسلامي و ان يتركهم كي يحكم بينهم حاكمهم، هو الحكم الواقعي بالنسبة إلى الحاكم، فكان حكم النبيّ صلوات اللّٰه عليه هو تجويز ان يعملوا بأحكامهم المنسوخة مع أداء الجزية لمصلحة مقتضية لذلك لا ان يكون هذا هو الحكم الواقعي بالنسبة إلى أهل الذمة فإنّ وظيفتهم قبول الإسلام و العمل بأحكامه و لذا فهم معذّبون في الآخرة لو ما توا على ذلك.

فتحصّل انّ التنافي بحسب الظاهر محقّق و بعد انّه لم يثبت النسخ فلا محالة يجمع بين الآيتين بحمل الاولى على ذكر عدلي التخيير و الثانية على ذكر واحد منهما خاصّة.

و امّا الثالث و هو الاخبار فهي روايات واردة في خصوص المقام اى الزنا بخلاف الدليلين الماضيين فإنّهما كانا في مورد ترافع أهل الكتاب إلى النبيّ و الحاكم الإسلامي، و عنوان بابها في الوسائل: باب وجوب اقامة الحدّ على الكفار إذا فعلوا المحرمات جهرا أو رفعوا الى حكّام المسلمين.

فمنها ما عن علىّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:

سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسيّ أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه؟ قال

الدر المنضود في

أحكام الحدود، ج 1، ص: 354

يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير أمصار المسمين إذا رفعوا الى حكّام المسلمين «1».

و مقتضى ظاهر هذا الخبر هو تعيّن الحكم عليهم بحكم الإسلام (كما انّ المجوسي قد الحق فيه بأهل الكتاب).

و مثله ما رواه في باب الديات عن ابى بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن دية اليهود و النصارى و المجوس قال: هم سواء ثمان مأة درهم.

قلت ان أخذوا في بلاد المسلمين و هم يعملون الفاحشة أ يقام عليهم الحدّ؟

قال: نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين «2».

و عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام انّ محمّد بن ابى بكر كتب الى علىّ عليه السّلام في الرجل زنى بالمرأة اليهودية و النصرانية فكتب عليه السّلام اليه: ان كان محصنا فارجمه و ان كان بكرا فاجلده مأة جلدة ثم انفه و امّا اليهوديّة فابعث بها الى أهل ملتها فليقضوا فيها ما أحبّوا «3».

ترى التصريح فيها بانّ الامام عليه السّلام أمر ببعث اليهودية الى أهل ملتها حتّى يحكموا هم فيها.

و مقتضى هذا الخبر هو تعيّن البعث إليهم و عدم الحكم يحكم الإسلام.

لا يقال: انّ هذه الرواية متعلقة بالمرأة اليهودية و الحال انّه كان الكلام في الرجل الذمي لا في المرأة و قد تقدم في خبر علىّ بن جعفر انّ السؤال كان عن يهودي أو نصرانيّ. أخذ زانيا.

ففيه انّ هنا من الموارد التي لا خصوصيّة لأحدهما فإذا وجب بعث اليهوديّة يجب بعث اليهودي أيضا و يشعر بوحدة الحكم في المقام قوله تعالى:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 29 من مقدّمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد

19 الباب 13 من أبواب ديات النفس الحديث 8 الصفحة 162.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 8 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 355

الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، فإنه يستشعر منه انّه لا فرق في أحكام الزنا بين الرجل و المرأة في غير ما أخرجه الدليل.

و على الجملة فإذا كانت رواية على بن جعفر و رواية أبي بصير ظاهرتين في تعيّن حكم الإسلام و اجراء حدود المسلمين، و رواية إسماعيل بن زياد ظاهرة في تعيّن بعثهم الى قضاتهم و أهل نحلتهم فيرفع اليد عن ظهور كلّ منهما في التعيين و يؤخذ بما هو المقطوع به من جواز كلّ واحد منهما، و نتيجة ذلك هو التخيير بين الأمرين.

و يشهد لذلك ما في باب القضاء عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السّلام قال: انّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون اليه كان ذلك اليه ان شاء حكم بينهم و ان شاء تركهم «1».

و قد ظهر ممّا ذكرنا في هذا المضمار انّ الاخبار على ثلاثة أقسام: منها ما يفيد الرجوع الى حكامهم و منها ما يفيد اقامة حكم الإسلام و منها ما يفيد كون الحاكم مخيّرا بينهما، و الأخير شاهد الجمع بين الأوّلين لسقوط ظهور هما في التعيين بالمعارضة.

ثم انّهم عنونوا المسئلة بعنوان زناء الذمي كما رأيت ذلك في كلام المحقّق و لكن بدل بعض العلماء لفظ الذمي بالكافر فعمّم محلّ البحث و قال:

لو زنى الكافر.، و قد تقدّم انّ المحدّث صاحب الوسائل رضوان اللّٰه عليه ذكر رواية على بن جعفر تحت عنوان باب وجوب اقامة الحدّ على الكفار، مع انّ السؤال فيها

كان عن يهودي أو نصراني أو مجوسي.

و نحن نقول انّ الكفار على أقسام: كتابيّ ذمّي، و كتابيّ غير ذميّ، و غير أهل الكتاب من الكفّار الحربيين. و الذي يقطع بشمول الاخبار له هو الأوّل أي الكتابي الذي كان في ذمّة الإسلام مع العمل بشرائط الذمّة و امّا غير ذلك و ان كان ذميا لا يبالي و لا يعتنى شرائط الذمة فلا، و لو فرض تعميم الحكم و تسريته فإنّما يتجاوز عن المورد المقطوع به الى مطلق الكتابي و ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 27 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 356

لم يكن ذميا و ذلك بلحاظ انتحاله الى شريعة إلهية و دين سماوي و ان كان محرّفا و امّا الحربي و غير المعتقد بدين الهى أصلا كالاشتراكيّين فلو راجعوا الى حكّام الإسلام في واقعة فلا يصحّ القول بجواز إرجاعهم الى حكّامهم و أحكامهم التي ليست الّا مجعولات بشريّة و قوانين خاطئة فيجب هناك عند ما راجعوا الى حكّام المسلمين إجراء أحكام الإسلام و تنفيذها بالنسبة إليهم و الّا فإنّهم ربما يبيحون بحسب مقرراتهم الوضيعة المنحطّة نكاح الرجال للرجال و كيف يمكن الالتزام بجواز الإرجاع إليهم و الحال هذه؟ و على الجملة فالظاهر انّ الأدلّة كتابا و سنّة منصرفة عن هذا.

و لو شك في اختصاص الأدلة بالمورد المتيقن و هو إذا كانت لهم شريعة و أحكام ينتحلون بها الى اللّٰه سبحانه أو شمولها لمطلق الكفار فلا بدّ من الاكتفاء بالقدر المسلّم و الرجوع في غيره إلى أحكام الإسلام.

لكنّا قد ذكرنا انّ الأدلّة ظاهرة في الاختصاص بأهل الملل الذين يعملون بمقتضى معتقد اتهم و يعيشون في ضوء الحكومة

الإسلاميّة مع تعهّدهم بالجزية و غيرها من الشرائط.

نعم إذا كان الذمي قد زنى بالمسلمة فلا محالة يقتل كما مرّ ذلك لانّه قد هتك حرمة الإسلام و خرج عن شرائط الذمّة. كما انّه لو زنى المسلم بالذّميّة فإنه يحكم على المسلم بما مضى سابقا من الأحكام من كونه محصنا أو غير محصن و امّا بالنسبة إلى الذّميّة فالحاكم بالخيار.

ثم انّه قد يستشكل في جواز الإرجاع إليهم إذا كان قوانينهم محرّفة و أحكامهم مبدّلة ليست على ما جاء به التوراة و الإنجيل و انّما يقتصر في ذلك على ما إذا وافقت قوانينهم الدائرة كتابهم السماوي، كما ربما يدلّ على ذلك ما رواه المحدّث العاملي في باب القضاء عن هارون بن خارجه عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت: رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديّان كان بينهما خصومة فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور فأبى الذي قضى عليه ان يقبل

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 357

و سأل ان يردّ الى حكم المسلمين قال: يردّ الى حكم المسلمين. [1]

و فيه انّه يجوز الإرجاع إليهم حتّى فيما حرّف من قوانينهم فإنّه يكفي في ذلك مجرّد انتحالهم الى اللّٰه و انّهم ينسبون مقرّراتهم الجارية بينهم الى اللّٰه تعالى، و يشهد على ذلك انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله قرّرهم على قوانينهم و أحكامهم و الحال انّ كثيرا من مقرّراتهم و أحكامهم كانت محرّفة.

و امّا الرواية فالظاهر انّ الحكم بالجور كان لأجل انّ الحاكم قد حكم بخلاف ما هو المقرّر على حسب نظامهم القضائي و ليس المراد انه حكم على خلاف كتابهم السماوي.

الكلام فيما إذا كانت المزني بها حاملا

اشارة

قال المحقّق قدّس سرّه: و لا يقام الحدّ على الحامل حتّى تضع

و تخرج من نفاسها و ترضع الولد ان لم يتّفق له مرضعة و لو وجد له كافل جاز اقامة الحدّ [2].

و في الجواهر- بعد قول المحقّق: و تخرج من نفاسها-: بلا خلاف أجده نصّا و فتوى بل و لا اشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت لعدم السبيل عليه.

أقول: انّ المراد من الحدّ أعم من الرجم و الجلد كما انّ الحامل أعم من كون حملها من الحلال أو من الزنا.

ثم انّه تارة يكون في إجراء الحدّ عليها- و هي حامل- ضرر على

______________________________

[1] الوسائل الجلد 18 الباب 27 من كيفيّة الحكم الحديث 2، أقول: أورده هذا العبد و قد أجاب دام ظله العالي بما ذكرناه في المتن.

[2] و قال ابن البرّاج في المهذّب الجلد 2 الصفحة 528: و إذا زنت امرأة و هي حامل لم يقم عليها حدّ بجلد و لا رجم و هي كذلك فاذا وضعت ولدها و خرجت من نفاسها و أرضعته جلدت أو رجمت.

و قال سلّار في المراسم الصفحة 253: و لا يحدّ الحامل حتّى تضع.

و قال ابن سعيد في جامع الشرائع الصفحة 554: و لا تحدّ الحامل حتّى تضع و ترضع.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 358

نفسها، و اخرى على ولدها، و قد نفى صاحب الجواهر الإشكال في الصورة الثانية.

و يمكن ان يقال انّه لا فرق في ذلك بين ضرر الولد و ضرر الأم إذا كان زائدا على ما هو من طبع الحدّ و مقتضاه، و ان كان يمكن ان يقال انّه إذا كان حدّها الرجم فلا ضرر أعظم من القتل و الموت فلا يعتنى بذلك الضرر، فالحكم بعدم اجراء الحدّ عليها حينئذ موقوف على تعبّد خاصّ.

و

كيف كان فاذا كان في إجراء الحدّ عليها ضرر على الولد فتارة يكون الضرر هو سقطه أو موته عند الرضاع و اخرى من قبيل المرض و غيره ففي الأوّل يتمسك في عدم اجراء الحدّ حينئذ بقاعدة الأهمّ و المهمّ.

بيان ذلك انّ التسريع في إجراء الحدّ كنفس إجرائه واجب و من ناحية أخرى فإنّ حفظ النفس المحترمة أيضا واجب الّا انّه لا شكّ في كون حفظ الدماء و النفوس المحترمة أهمّ من ترك التسريع في إقامة الحدّ و تأجيله و من المعلوم انّ الأهم مقدّم على المهمّ عند دوران الأمر بينهما بل لا يلزم العلم بموت الولد فإنّه يكفي مجرّد خوف ذلك و كونه في معرض التلف و الهلاك فيكون العلّة حكمة في الحكم لا علّة حقيقيّة حتّى يعتبر العلم بها و يدور الحكم مدارها و طبقا لهذه القاعدة العقلية وردت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال لعمر و قد اتى بحامل قد زنت فأمر برجمها فقال له على عليه السّلام: هب لك سبيل عليها اىّ سبيل لك على ما في بطنها و اللّٰه يقول:

وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ*، فقال عمر: لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن.

ثم قال: فما اصنع بها يا أبا الحسن؟ قال: احتط عليها حتّى تلد فاذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها «1».

و امّا إذا لم يكن الضرر اللازم هو الموت و التلف بل كان من قبيل المرض مثلا كما إذا فسدت لبن الام عقيب اجراء الحدّ عليها و كان ذلك موجبا لفساد مزاج الولد و اضطراب حاله أو لزم من ذلك ان يتغذّى بلبن غير لبن أمّه- الذي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18

الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 359

هو انسب لبن بحال الولد و أنفعه لمزاجه و لذا جعله اللّٰه تعالى غذاء له- و افضى ذلك الى مرضه فحينئذ يتمسّك بلا ضرر فإنّه حاكم على جميع الأدلّة فيجب التأخير في الحدّ الى ما بعد الرضاع.

ثم انّه قد اكتفى بعض من أيام الرضاع باللبإ مستندا إلى إناطة حياة الولد به، قال بعض الأجلّة إذا كانت المزني بها حاملا فان كانت محصنة تربص بها حتّى تضع حملها و ترضعه مدّة اللباء ثم ترجم.

و استدلّ على ذلك- بعد ذكره عدم خلاف ظاهر بين الأصحاب- بمعتبرة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن محصنة زنت و هي حبلى، قال: تقرّ حتّى تضع ما في بطنها و ترضع ولدها ثم ترجم «1» قال:

و الإرضاع في الرواية لا بدّ من حمله على الإرضاع مدّة اللباء فان الطفل- على ما قيل- لا يعيش بدونه و الدليل على ذلك صحيحة أبي مريم عن ابى جعفر عليه السّلام [1].، قال: فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على انّ الرجم لا يؤخر إلى إتمام الرضاع حولين كاملين.

ثم أورد على الرواية بعدم اعتبارها لاشتراك ابى مريم بين من ثبتت وثاقته و من لم يثبت وثاقته، و أجاب بوجهين يوجبان حمله على الثقة.

و قال أيضا: و ان كانت غير محصنة حدّت إلّا إذا خيف على ولدها و استدلّ على ذلك بقوله: امّا لزوم الحدّ فلعدم الدليل على التأخير لما عرفت من اختصاصه بالرجم الى ان تضع حملها نعم إذا خيف على ولدها وجب التأخير تحفّظا عليه.

______________________________

[2] قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: انّى قد فجرت فاعرض

بوجهه عنها فتحوّلت حتّى استقبلت وجهه فقالت: انّى قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: انّى قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: انّى فجرت فأمر بها فحبست و كانت حاملا فتربص بها حتّى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفيرة إلى الحقو. و رماها بحجر. الحديث 5.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 360

أقول: انّ أصل اناطة حياة الطفل باللباء محلّ الترديد و الكلام، و ليس ذلك بمسلّم و ان كان هو المشهور. و لذا قال بعض الأعاظم- مجيبا عنه- و يمكن ان يقال: ما ذكر من لابدية حمل الإرضاع على مدّة اللباء مشكل حيث انّ ما ذكر من انّ الطفل لا يعيش بدون اللباء مورد الإنكار فكيف يصرف اللّفظ اليه بلا قرينة و ما ذكر في رفع شبهة الاشتراك ليس يفيد الّا الظن، و الظن ما لم يصل الى حدّ الوثوق و الاطمئنان كيف يصحّ الاعتماد عليه في رفع الشبهة «1».

و التحقيق ان يقال: انّ ما تمسّك به في إثبات مدّعاه من صحيح ابى مريم لا ينفع في ذلك أصلا فإنّ قوله عليه السّلام: حتّى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها إلخ ليس له إطلاق فإنّه بيان لما وقع و صدر عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و لا يمكن حمله على صورة عدم المرضع و الكافل أصلا بأن يكون يجب التسريع في إجراء الحدّ و ان أفضى ذلك الى هلاك الصبي، و العقل حاكم بذلك فلا بدّ من ان يحمل على صورة وجود المرضع و

الكافل و من المعلوم انّ هذا مطابق للقاعدة العقليّة و لا شكّ في انّه مع وجود الكافل لا يؤخّر اجراء الحدّ أصلا و امّا مع عدم وجوده فيجب التأخير في الحدّ عقلا و نقلا و على هذا فالخبر لا ينفع في إثبات مدّعاه من وجوب إرضاع الصبي اللبأ.

هذا مضافا الى التصريح بالإرضاع حولين كاملين في روايات اخرى و على الجملة فهذا الصحيح لا يقول الّا ما قالت به الروايات الأخرى من انّه مع وجود الكافل يقام عليها الحدّ و على هذا فلا حاجة الى تجشّم الذبّ عن الاشكال الوارد في الرواية من جهة اشتراك ابى مريم، و الاشكال الذي أورده بعض الأعاظم على هذا الذب، فان الصحيح المزبور لا ينفع في إثبات مراده شيئا.

و امّا ما ذكره من انّ رواية أصبغ أجنبيّة عن المقام فإنّ الأمر بالإرضاع كان قبل الثبوت، ففيه ما أورد عليه من انّه يشكل حيث انه مع إصرار المرأة بتطهيرها و العلم العادي بأنها تقرّ مكرّرا حتّى يجرى عليها الحدّ كيف تؤمر بالإرضاع حولين كاملين الى آخر كلامه.

______________________________

(1) جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 39.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 361

و كيف كان فمقتضى القاعدة انّه لا يجوز رجم الحامل كما لا تجوز رجم المرأة إذا كانت ترضع الولد و كان في رجمها هلاك الولد و موته لفساد تغذيّته أو لغير ذلك فيجب التأخير في الحدّ رعاية لقاعدة الأهم و المهم، و امّا إذا لم يلزم موته بل كان في إقامة الحدّ عليها ضرر عليه فمقتضى تقديم أدلّة الضرر لزوم التأخير في الحدّ و امّا إذا لم يلزم ضرر أصلا فالقول بجواز تأخير الحدّ هناك الى ما بعد الرضاع مثلا يحتاج

الى تعبّد خاص و استفادة ذلك من الروايات، و الّا فمقتضى القاعدة وجوب التسريع فيه و الظاهر انّه لا يبعد استفادة ذلك منها.

ففي خبر ابى بصير عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه قال:

أتت امرأة مجحّ أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني طهّرك اللّٰه. فقال لها: ممّا أطهّرك؟ فقالت انّى زنيت. فقال لها: انطلق فضعي ما في بطنك ثم ائتيني أطهّرك فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم انّها شهادة فلم تلبث أن أتته فقالت: قد وضعت فطهّرني قال: فتجاهل عليها فقال: أطهّرك يا امة اللّٰه ممّا ذا؟ قالت:

انّى زنيت فطهّرني. قال فانطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّٰه قال: فانصرفت المرأة فلمّا صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال: اللّهم انهما شهادتان. قال: فلمّا مضى الحولان أتت المرأة فقالت: فقد أرضعته حولين فطهّرني يا أمير المؤمنين فتجاهل عليها و قال: أطهّرك ممّاذا؟ فقالت: انّى زنيت فطهّرني. قال: فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح و لا يتهور في بئر، قال: فانصرفت و هي تبكي فلمّا ولّت و صارت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهمّ هذه ثلاث شهادات قال: فاستقبلها عمرو بن الحريث المخزومي فقال لها: ما يبكيك يا امة اللّٰه و قد رأيتك تختلفين الى علىّ تسألينه أن يطهرك فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السّلام فسألته ان يطهّرني فقال: اكفلي ولدك حتّى يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح و لا يتردّى في بئر و قد خفت أن يأتي علىّ الموت و لم يطهّرني فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا

أكفله فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 362

عليه السّلام بقول عمرو بن حريث فقال لها أمير المؤمنين عليه السّلام و هو متجاهل عليها؟ و لم يكفل عمرو ولدك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني. فرفع رأسه الى السماء فقال: اللّهمّ انّه قد ثبت عليها اربع شهادات- الى ان قال: فنظر اليه عمرو بن حريث و كأنّما الرمّان يفقأ في وجهه فلمّا راى ذلك عمرو قال: يا أمير المؤمنين إنّي إنّما أردت أن أكفله إذ ظننت انّك تحبّ ذلك فامّا إذ كرهته فانّى لست افعل فقال أمير المؤمنين عليه السّلام أبعد أربع شهادات باللّٰه؟ لتكفلنّه و أنت صاغر «1».

قوله: المجحّ بتقديم المعجمة: الحامل المقرب التي دنا ولادها، و الفقوء الشق و البخص على ما في المصباح المنير و المراد به انّه احمرّ وجهه عليه غضبا. لتكفلنه و أنت صاغر اى ذليلا بلا أجر لأنّك عاهدتها و المسلمون عند شروطهم و يطلق هذا الكلام في مقام السبّ و الذم.

ترى انّه عليه السّلام أمرها بالانطلاق حتّى ترضعه حولين كاملين و بعد ذلك أمرها بكفالة الصبي.

لا يقال انّ الرواية أجنبيّة عن المقام حيث يظهر من قوله عليه السّلام:

اللّهم انّها شهادة، اللّهم انّها شهادتان و هكذا، انّ المانع من الحدّ كان عدم كون الشهادة كاملة.

فإنّه يقال: انّ قوله عليه السّلام: انطلقي فضعي ما في بطنك ثم ائتيني أطهرك و قوله عليه السّلام في المرّة الثانية: انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك اللّٰه، صريح في انّ المانع كان هو الحمل و الرضاع و لا ينافي ذلك انّه كلّما أقرّت عنده عليه السّلام كان يقول: اللّهم انّها شهادة، أو شهادتان أو ثلاث شهادات.

و على الجملة

فبالنسبة الى حال الحمل- مضافا الى عدم الخلاف، و الروايات- القاعدة العقليّة أيضا تقتضي عدم جواز اجراء الحدّ عليها، و امّا

______________________________

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 186 و الوسائل الجلد 18 الباب 16 من أبواب الزنا الحديث 1، و قد تقدّم نقل الخبر بكامله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 363

بالنسبة الى حال الرضاع فهل هو كحال الحمل أمر عقليّ و يكون الروايات أيضا ناظرة إلى القاعدة العقليّة أو انّ مقتضى الروايات حصول توسعة زائدة بالنسبة الى حال الرضاع بتقريب انه لو كان النظر إلى القاعدة العقلية لكان يكتفى من رضاعه باللباء و لكان اللازم ان لا يؤخّر الحدّ إلى إكمال الرضاع و الحال انّه يستفاد من الاخبار تأخيره إلى تمامه؟

قال في كشف اللثام عند قوله العلامة «و ان وجدت له مرضع أو حاضن جاز اقامة الحدّ»: بل وجبت لارتفاع المانع كما انّ عمرو بن حريث لما كفل لتلك المرأة و ولدها فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام لتكفلنه و أنت صاغر ثم رجمها.

ثم قال رحمة اللّٰه عليه: و لمّا لم يكمل نصاب الإقرار إلّا بعد ذلك لم يسترضع لولدها و الّا فالظاهر وجوبه، و الأجرة من بيت المال ان لم يتبرّع أحد و لا كان للولد مال إذ ليس في الحدود نظر ساعة.

أقول: الوجه في كون الأجرة من بيت المال هو انّه لمصالح المسلمين و هذا منها فان الحدّ قد أقيم على الامّ لحفظ حدود اللّٰه تعالى.

و كيف كان فقد حملت الروايات على مقتضى العقل و حيث انّه كان الاسترضاع للولد ممكنا فلذا حكم بوجوب رجمها و استرضاع من يرضعه.

و أورد عليه في الجواهر بقوله: قد يقال: ان إطلاق الموثّق و النبوي المذكورين

يقضى بعدم وجوب ذلك مضافا الى الأصل و بناء الحدود على التخفيف الذي يصلح ان يكون هذا و شبهه عذرا في تأخيره فتأمّل انتهى كلامه.

أقول: المراد من الموثّق هو موثّق عمّار الساباطي المذكور آنفا، و امّا النبوي فهو المروي عن سنن البيهقي و قد نقله رحمه اللّٰه بعد الموثّق و هو انّه صلّى اللّٰه عليه و آله قال لها: حتّى تضعي ما في بطنك فلمّا ولدت قال:

اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه، فإنّ إطلاقهما شامل لما إذا أمكن استرضاع الغير أيضا، و بعبارة أخرى مقتضى هذين هو تأخير الحدّ الى حصول الفطام سواء

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 364

أمكن استرضاع الغير أو لم يمكن.

و يمكن الانتصار لكشف اللثام، فان ما ذكره الجواهر من إطلاق الإمهال الى ما بعد الرضاع محمول على ما إذا لم يتيسّر مرضع و كافل و الّا فكما يجب حفظ النفس فإنّه يجب ان لا يؤخّر اجراء الحدّ فاذا تيسّر الاسترضاع يلزم ذلك حتّى يجمع بين حفظ النفس و التسريع في إجراء الحدّ.

كما انّ ما تمسك به في الجواهر من الأصل غير تامّ و ذلك لانّه لا مجال للتمسّك به عند ما كان المطلب عقليا الا ترى انّه في الدوران بين الأهم و المهمّ الذي يؤخذ بالأهم فإنّه لا مورد لأصالة عدم وجوب المهمّ بعد العلم بوجوب كلّ واحد منهما و عدم قدرة للمكلّف على إتيان كليهما فاذا استفدنا من حال الشارع عدم جواز التأخير في الحدّ كما استفدنا انّه يهتمّ بحفظ النفوس اهتماما بالغا كاملا فلا يصحّ التمسك بأصالة عدم وجوب الإسراع كما لا يفيد هنا ما ذكره أخيرا من بناء الحدود على التخفيف و لا يصلح هذا و شبهه

لان يكون عذرا في تأخيره.

و لعلّه لذلك أمر هو قدّس سرّه بعد ذلك بالتأمّل، و على الجملة فالقدر المتيقّن من جواز التأخير في الحدود هو ما إذا لم يمكن الإرضاع و التكفل و هناك يلزم عليها ان ترضعه و تكفله و يؤخّر الحدّ طبعا، و بعبارة اخرى انّه مع عدم إمكان مرضعة أخرى فاطلاقات لزوم الإرضاع مثلا عليها، شاملة لها و امّا في غير ذلك فشمولها مشكوك فيحكم بعدمه و لا يرد انّ ذلك يؤل الى حملها على الفرد النادر، و ذلك لانّ الغالب هو انّ الإنسان يكفل ولده بنفسه و قلّما يتفق ان يودعه بيد غيره و ذلك لقلّة من يقبل ذلك مع كونه ممّن يوثق به و يطمئنّ اليه.

فاذا افضى الحدّ الى هلاك الولد فالقيد العقلي مانع عن التمسك بإطلاقات إجراء الحدود فيبقى الباقي بحاله و لا يجوز تخصيص هذه الإطلاقات المحكّمة الدّالة على لزوم اجراء الحد و التسريع فيه بل لعلّها آبية عن التخصيص نعم لو لزم الضرر بسبب إرضاع غير الام كما لعلّه يلزم ذلك غالبا فهناك يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 365

ثم انّه هل المراد من الوجدان وجدان المرضع و الكافل بنفسه حتّى يكون كالواجب المشروط فلا يجب تحصيل مقدماته كالاستطاعة في باب الحج حيث انّه يجب إذا حصلت مقدّماته أو ان الملاك هو الوجدان بأيّ نحو كان، و لو كان بالاستيجار و الاسترضاع من ناحية الحاكم بحيث انّه لو أمكن الحاكم ان يسترضع مرضعا فعل حتّى يجرى على الامّ حدّ اللّٰه تعالى؟ حتّى يكون شبيه باب التيمّم الذي قال اللّٰه تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا و لا شكّ انّه يجب طلب الماء-

غاية الأمر انّ الشارع جعل له حدّا معيّنا- فاذا لم يحصل الماء و لو بالطّلب يصدق عدم وجدان الماء و تصل النّوبة إلى التيمّم.

ذهب بعض العلماء إلى الأوّل و امّا الآخرون فليس في عبائرهم ما ينافي ذلك و ان لم يصرّحوا بالموافقة بل تكون عباراتهم بحيث يمكن حملها على ما ذهب اليه خصوصا ما تضمّن منها للفظ إذا لم يوجد، و إليك بعض عباراتهم: قال العلّامة في التحرير: الحامل لا يقام عليه الحدّ سواء كان جلدا أو رجما حتّى تضع و ترضع الولد ان لم تحصل له مرضع سواء كان الحمل من زنا أو غيره.

و قال في القواعد: و لا يقام على الحامل جلدا كان أو رجما حتّى تضع و يستغنى الولد بها عن الرضاع ان لم تتّفق له مرضع و ان وجدت جاز اقامة الحدّ.

و قال المحقّق: و ترضع الولد ان لم يتفق له مرضعة و لو وجد له كافل جاز اقامة الحدّ

و في الرياض- عند قول المحقّق في النافع: و لا يقام على الحامل حدّ و لا قصاص حتّى تضع و تخرج من نفاسها-: إذا كان المقصود جلدها و الّا فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها ان مات ولدها و الّا فيتربص بها حتّى ترضع الولد و تحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن إذ لا سبيل على حملها وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ الى ان قال: و لو وجد له اى للولد كافل يرضعه و يحضنه جاز بل وجبت اقامة الحدّ عليها انتهى.

هذا كلّه بحسب الأقوال، و امّا بحسب الأدلّة فنقول: انّ أدلّة وجوب

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 366

الحدّ و لزوم تسريعه شاملة لجميع الموارد

و انّما خرج المورد الذي يلزم المحذور العقلي كتلف الطفل، لقاعدة الأهمّ و المهمّ و الّا فهو أيضا مشمول للأدلّة فيبقى البحث في انّ الإرضاع الذي خرج بالدليل هل له خصوصيّة و موضوعيّة أو انّه لأجل المحافظة على الولد و الاهتمام بحياته؟ المستفاد من الروايات هو الثاني فترى انّه لم يقتصر في الحكم بتأخير الحد في رواية ابن ميثم على الإرضاع وحده بل أمر صلوات اللّٰه عليه بان تكفله حتّى يعقل و لا يتردّى و لا يسقط في بئر أو غير ذلك، و هذا ظاهر جدّا في انّ الغرض الأصلي هو الاحتفاظ على حياة الولد و عليه فكلّما توقّف حياته على إرضاع خصوص الام فهو و امّا إذا لم تتوقّف على ذلك و لم يكن خطر عليه في إرضاع الغير فهناك يجب الاسترضاع و الاستيجار كي يجرى الحدّ و لا يحصل تأخير في إقامته و على ذلك فيجب على الحاكم استيجار المرضعة لأنّه لا وجه أصلا في تأخير الحدّ. نعم قد مرّ انّه لو كان في إرضاع الغير ضرر عليه فهناك يتمسك بقاعدة لا ضرر و يؤجّل الحدّ.

لا يقال انّ هذا البيان يستلزم حمل الروايات المتضمّنة لأمر النبيّ أو الوصي الزانية بالصبر الى ان ترضع ولدها على صورة عدم تمكّن إرضاع الغير و الّا فكانا صلوات اللّٰه عليهما يطلبان ذلك و يأمران به مع انّه لم ينقل ذلك عنهما عليهما السّلام و لم يرد في مورد انّهما طلبا المرضع و الكافل.

لانّه يقال: من الممكن انّه لم يكن يوجد في تلك الاحايين و الأزمنة مرضع تتكفل أمر الصبي فلذا امرا صلوات اللّٰه عليهما بإرضاع الأمّ الى ان يتم رضاع الولد.

هنا فروع

منها انّه لو مات الولد حين الوضع

، رجمت الامّ الزانية و هذا

واضح فان المانع من الرجم كان هو الولد و هو قد مات، و امّا كون المرأة في حال النفاس فليس مانعا عن الرجم فإنّه لا يتفاوت الحال بالنسبة الى من يقتل أو يرجم بين حال صحّته و سقمه و لا بين كونه صحيحا أو سقيما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 367

و منها انّه لو مات الولد و كان حدّ المرأة هو الجلد

أخر الحدّ حتّى تخرج من نفاسها فان الجلد ربّما اثر فيها و أوجب تشديد المرض بل و قتلها و من المعلوم انّه يحدّ المجرم إذا لم يستلزم ضررا متزايدا على ما هو مقتضى طبيعة اجراء الحدّ.

و يدلّ على ذلك ما روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّ امة لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله زنت فأمرني أن اجلدها فإذا هي حديث بنفاس فخشيت ان اجلدها فاقتلها فذكرت ذلك للنبي (ص) فقال: دعها حتّى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحدّ «1».

قال الشيخ: فان وجب على امرأة حامل الحدّ فإنّه لا يقام عليها حتّى تضع لأنّها ربّما أسقطت، فإذا وضعت فان لم يكن بها ضعف أقيم عليها الحدّ في نفاسها و ان كانت ضعيفة لم تقم عليها حتّى تبرأ كالمريض انتهى «2».

و قال ابن حمزة: و الحامل إذا وضعت حملها و كان حدّها الرجم تركت حتّى ترضع ولدها حولين كاملين و ان كان حدّها الجلد و كانت ضعيفة أخّرت حتّى قويت و ان كانت قويّة جلدت منفوسة «3».

و الظاهر انّه لا خصوصيّة لحال النفاس بل الضعف أيضا إذا كان معرضا للضرر فهو مانع عن اجراء الحدّ و ان لم يكن مع النفاس.

و منها انّه لو لم يكن عليها اثر من الحمل و لا انّها ادّعت ذلك [1]

فقال في الجواهر: لم يؤخّر الحدّ و لا اعتبار بإمكانه نعم لو ادّعته قبل قولها.

و لكن يرد عليه بأنّه بعد ما نعلم بانّ مورد الحدّ هو الزانية غير الحامل يكون المقام من قبيل التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية و ذلك لاحتمال كونها حاملا فكيف يمكن اجراء الحدّ عليها و الحال هذه؟ و ثانيا انّ المقام من قبيل موارد الشبهة و ذلك لاحتمال وجود الحمل المانع عن اجراء الحدّ، و الحدود تدرء بالشبهات، و على

الجملة فالظاهر انّه لا بدّ هنا من التأخير في إجراء الحدّ

______________________________

[1] أقول: ذكر العلّامة هذا الفرع في التحرير الصفحة

______________________________

(1) راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 229.

(2) المبسوط الجلد 8 الصفحة 5.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 412.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 368

الى ان يتبيّن الحال.

و ما قد أورد علينا من انا نستصحب عدم الحمل الذي هو أمر حادث فيثبت مصداق عدم الحمل و يستعجل في إجراء الحدّ و ليس من باب الشبهة المصداقية.

ففيه انّه لو كان الحكم متعلّقا بالحمل لكان يتمّ ذلك مثلا لو كان الدليل يقول: انّ الحمل يوجب التأخير في الحدّ، لكنّا نستصحب عدم الحمل و ينتج ذلك عدم جواز التأخير و امّا لو لم يكن كذلك بل كان الحكم قد تعلّق بالزانية غير الحامل اى الموضوع المتّصف و المقيّد فاستصحاب عدم الحمل لا يترتّب عليه أنّها زانية غير حامل بل هذا أثر عقلي مترتّب عليه و يكون من قبيل الأصل المثبت.

لا يقال: انّه إذا كان الموضوع مركّبا من جزئين و كان أحد الجزئين ثابتا بالوجدان يمكن إثبات الجزء الآخر بالاستصحاب و يترتّب عليه الحكم.

لأنّا نقول: هذا يتمّ في الموضوعات المركّبة من جزئين لا في المقيّد و ما نحن فيه من هذا القبيل فان الموضوع أمر واحد مقيّد.

في رجم المريض و المستحاضة

قال المحقّق: و يرجم المريض و المستحاضة و لا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله و لا رجمه توقّيا من السراية و يتوقع بهما البرء.

أقول: امّا رجم المريض و المستحاضة فلإطلاق أدلّة الحدود و كذا الأدلّة الدالة على عدم جواز تأخير الحد فلا فرق بينهما و بين الصحيح بعد ان كان الواجب هو الرجم فان من كان حدّه الرجم مثلا فهو

في معرض التلف شرعا و نفسه مستوفاة و لا فرق بين كونه صحيحا أو سقيما و قد ورد في الاخبار انّه ليس

______________________________

223 قائلًا: و لو لم يظهر الحمل و لم تدّعه لم تؤخّر بل تحدّ في الحال و لا اعتبار بإمكان الحمل من الزنا نعم لو ادّعت الحمل قبل قولها انتهى لكني لم أدر ما هو وجه التقييد بالزنا في كلامه؟

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 369

في الحدود نظر ساعة.

نعم احتمل في المسالك جواز تأخيره فيما إذا ثبت موجبه اى الزنا بالإقرار- الى ان يبرء لانّه سبيل من الرجوع و ربّما رجع بعد ما رُمى فتعن ما وجد من الرمي على قتله قال: و مثله يأتي في رجمه في شدة الحرّ و البرد [1].

و كأنّه تبع العلّامة في القواعد فإنّه بعد ان حكم بعدم اقامة الحدّ في حرّ شديد أو برد شديد قال: و كذا الرجم ان توهّم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره انتهى. اى لا يقام الرجم في شدّة الحرّ أو البرد ان توهّم سقوط الرّجم عنه برجوعه عن الإقرار أو توبته أو فراره، و قد علل ذلك في كشف اللئام بقوله:

احتياطا في الدم و اتقاء عليه ما أمكن انتهى.

و ليعلم انه لم يرد نص يدلّ على انّه مع احتمال الرجوع مثلا يؤخّر الرجم و انّما ذكروا ذلك على حسب القواعد مثل ان حفظ الدماء مطلوب للشارع فيلزم الاهتمام به مهما أمكن ذلك و مع احتمال عروض ما يمنع من القتل أو الرجم يؤخّر في إجراء حدّه.

و لكن الظاهر انّ ذلك مشكل فكيف يجوز تأخير الحدّ- مع تلك التأكيدات البليغة على التسريع في إجرائه- بمجرّد الاحتمال و ليت و لعلّ،

و على الجملة ففتح هذا الباب يفضي الى تأخير حدود اللّٰه سبحانه و هو غير جائز حتّى إلى ساعة و لم نظفر على مورد من موارد الإقرار عند النبي أو الوصيّ انّهما اخّرا الحدّ باحتمال رجوعه من إقراره، و لذا أورد عليه في الجواهر بقوله و فيه ما لا يخفى.

هذا كلّه بالنسبة إلى الرجم و امّا الجلد فقد حكموا بانّ المريض و المستحاضة لا يجلدان توقّيا من السراية و لتوقع البرء.

______________________________

[1] توضيح المقام ان المحكومين بالرجم مثلا قسمان قسم يتحتم عليه ذلك كما إذا ثبت زناه بالبيّنة و قسم لا يتحتم عليه ذلك كمن ثبت زناه الموجب للرجم بإقراره فترى انه لوفرّ من الحفيرة لا يرجع إليها كما انّه لو رجع عن إقراره لا يرجم فاذا كان الزاني من هذا القسم فلا يجوز رجمه في حال أو زمان يعين على قتله كحال المرض و شدة الحرّ و البرد لانّه ربما يوجب ذلك قتله.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 370

و تدلّ على ذلك أخبار أخرجها الوسائل في مقدمات الحدود فعن السكوني عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يقام الحدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدم عنها «1».

و عن السكوني أيضا عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أقرّوه حتّى تبرأ لا تنكؤها عليه فتقتلوه «2».

قوله عليه السّلام لا تنكؤها إلخ من نكأ القرحة اى قشرها قبل ان تبرأ و قوله عليه السّلام: فتقتلوه، لا يراد به خصوصيّة القتل بل لزوم مطلق الأذيّة و الضرر أيضا يمنع عن ذلك و كأنّه عليه السّلام قد ذكر

القتل كي يخوّف و يحذّر المخاطبين ان يقعوا في هذا الأمر العظيم اى انّ ذكر القتل لأجل أن يخافوا و لا يقربوا من اجراء الحدّ على المريض أصلا.

و عن مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام اتى برجل أصاب حدّا و به قروح و مرض و أشباه ذلك فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أخره حتّى تبرأ لا تنكأ قروحه عليه فيموت و لكن إذا برأ حددناه «3».

فمقتضى هذه الاخبار انّ المريض و المستحاضة لا يجلدان لأن في ذلك ضررا عليهما زائدا على أصل الحدّ و هو مظنّة الخطر و التلف.

و هل للمرض موضوعيّة توجب ان يكون هو بنفسه سببا للتأخير و مقتضيا له أو انّه لا خصوصيّة له و انّما ذكر ذلك لكونه مظنّة للخطر؟ وجهان.

و كيف كان فلا شكّ في انّ المرض يوجب التأخير و قد حكم العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين بمقتضى إطلاق الروايات بانّ المريض لا يجلد الى ان يحصل له البرء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3، 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3، 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدّمات الحدود الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 371

ضرب المريض بالضّغث إذا اقتضت المصلحة التعجيل

اشارة

قال المحقّق: و ان اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بالضغث المشتمل على العدد.

أقول: و من المصلحة الموجبة للتعجيل ما إذا علم انّه لا يحصل له البرء و حصل اليأس عن ذلك كالزمانة و غيرها فإنّه يعجّل في حدّه لانّه لا يرجى برؤه و هناك يحدّ الّا انّه يضرب بالضغث اى بحزمة مستملة على العدد المعتبر في الحدّ من شماريخ أو

أعواد- بل و السياط على ما ذكره بعض العلماء.

و قد ذهب الى ذلك الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم بل و عدّة من أهل الخلاف قال الجزيري: إذا كان المطلوب جلده نحيفا أو هزيلا شديد الهزال أو مريضا مرضا خبيثا لا يرجى برؤه كالمسلول و المجذوم و المصاب بالسرطان و غير ذلك من الأمراض الفتّاكة الخطيرة يجلد بمكتال النخل- اى عرجون عليه غصن- و به مأة غصن أو خمسون ففي المائة يضرب به مرّة واحدة و في الخمسين يضرب به مرّتين مع ملاحظة مسّ الأغصان لجميع جسمه أو يضرب بطرف ثوب مفتول أو يضرب بالنعال كما حدث أيّام الرسول صلّى اللّٰه عليه و سلم فقد روى البخاري و أبو داود انّ أبا هريرة قال: اتى النبي (ص) برجل قد شرب فقال: اضربوه، فمنّا الضارب بيده و الضارب بنعله و الضارب بثوبه، فلمّا انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللّٰه فقال عليه الصّلاة و السّلام: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان «1».

و قال شيخ الطائفة أعلى اللّٰه مقامه: المريض المأيوس منه إذا زنى و هو بكر أُخذ عذق فيه شمراخ أو مأة عود يشدّ بعضه الى بعض و يضرب به ضربة واحدة على وجه لا يؤدّى الى التلف (ثم قال): و قال أبو حنيفة: يضرب مجتمعا و متفرّقا ضربا مؤلما. و قال مالك: بالسياط مجتمعا ضربا مؤلما، و قال

______________________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة الجلد 5 الصفحة 62.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 372

الشافعي: يضرب مأة بأطراف الثياب و النعال ضربا لا يؤلم ألما شديدا إلخ «1».

أقول: امّا أصل مشروعيّة الضرب فيدلّ عليها الكتاب الكريم وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ. «2» فان

أيّوب عليه السّلام حلف ان يضرب زوجته في أمر ثم ندم عليه فحلّ اللّٰه يمينه بذلك.

و تدلّ على كون حدّ المريض هو الضغث الروايات الشريفة فمنها رواية يحيى بن عبّاد المكيّ قال: قال لي سفيان الثوري: انّى ارى لك من ابى عبد اللّٰه عليه السّلام منزلة فسله عن رجل زنى و هو مريض، ان أقيم عليه الحدّ مات [خافوا ان يموت] ما تقول فيه؟ فسألته، فقال: هذه المسئلة من تلقاء نفسك أو قال لك إنسان أن تسألني عنها؟ فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: انّ رسول الهّٰق صلّى اللّٰه عليه و آله اتى برجل احتبن [أحبن] مستسقي البطن قد بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة، فأمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بعذق فيه شمراخ فضرب به الرجل ضربة و ضربت به المرأة ضربة ثم خلّي سبيلهما، ثم قرء هذه الآية: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ «3».

أقول: و في اللغة: حبن عظم بطنه ورم و أحبن امتلأ غيظا.

و عن ابى العبّاس عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: اتى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله برجل دميم قصير قد سقى بطنه و قد درت عروق بطنه قد فجر بامرأة فقالت المرأة: ما علمت به الّا و قد دخل علىّ فقال له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أَ زنيت؟ فقال له: نعم- و لم يكن أحصن- فصعد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بصره و خفضه ثم دعا بعذق فقدّه مأة ثم ضربه بشماريخه «4».

و عن سماعة عن ابى عبد اللّٰه عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام عن

النبي

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود المسئلة 18.

(2) سورة ص الآية 42.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 373

صلّى اللّٰه عليه و آله انّه اتى برجل كبير البطن قد أصاب محرّما، فدعا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه مرّة واحدة فكان الحدّ «1».

أقول: العرجون أصل العذق الذي يعوّج و يبقى على النخل يابسا بعد أن تقطع عنه الشماريخ، و الشمراخ بالكر العثكان و هو ما يكون فيه الرطب.

و عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: لو انّ رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدّة ما يريد ان يجلد من عدّة القضبان «2».

و عن علىّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: انّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله أتي بامرأة مريضة و رجل أجرب مريض قد بدت عروق فخذيه قد فجر بامرأة فقالت المرأة: يا رسول اللّٰه أتيته فقلت له: أطعمني و اسقني فقد جهدت، فقال: لا حتّى افعل بك ففعل، فجلده رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بغير بيّنة مأة شمراخ ضربة واحدة و خلى سبيله، و لم يضرب المرأة [1].

قال الشيخ بعد العبارة التي نقلناها عنه آنفا: دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و أيضا قوله تعالى: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ، و هذه قصّة لايّوب معروفة، و روى انّ مقعدا أقرّ عند النبي بالزنا فأمران يضرب مأة بأنكال- باسكال- النخل انتهى.

ثم انك قد عرفت انّ

أخذ مأة شمراخ مجتمعة و الضرب بها ضربة واحدة ممّا قد ورد به الكتاب الكريم و قد ورد ذلك في الروايات أيضا المذكورة آنفا.

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 9 أقول: لا يخفى عليك انّه لم يكن في هذه الروايات ذكر عن المصلحة نعم قال في النهاية الصفحة 701: و من وجب عليه الجلد و كان عليلا ترك حتّى يبرأ ثم يقام عليه الحدّ فان اقتضت المصلحة تقديم الحدّ عليه أخذ بعرجون فيه مأة شمراخ أو ما ينوب منابه و يضرب ضربة واحدة و أجزأه عنه انتهى، و لصاحب الرياض هنا كلام فراجع إن شئت.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 374

لكن قد تعدّى بعض عن مأة شمراخ الى مأة سوط مجتمعة و الضرب بها فان ذلك أمر ممكن حيث كان لكلّ واحد من الشرطة سوط، هذا من ناحية و من ناحية اخرى انّ ضمّ مأة سوط لعلّه كان بنظرهم أقرب الى الحد اللازم فان الجلد يقع بالسوط فاذا ضمّت مأة سوط و ضرب المجرم بها لكان ذلك أقرب الى ضرب مأة سوط مستقلّة منفردة.

كما انّه قد تعدّى بعض عن المائة شمراخ الى خمسين، غاية الأمر أنّه يضرب بها مجتمعة مرّتين و هكذا، قال في الجواهر: و لو اشتمل الضغث على خمسين ضرب به دفعتين و هكذا بل لعلّه اولى من الضربة به دفعة.

و لكن الظاهر انّ التعدّي من الشمراخ الى السياط أمر مشكل و ذلك لانّه صلوات اللّٰه عليه قد دعا بعذق فقدّه مأة

ثم ضرب بشماريخه مع انّه كما ذكرناه كان يمكن له ان يدعو بمأة سوط و يضرب بها مجتمعة [1].

و هل يعتبر في ضربه بالعرجون أو الضغث وصول كل شمراخ و عود الى جسده أم لا؟

لا خلاف بين الأصحاب في عدم اشتراط ذلك بل و لا خلاف ظاهر منهم أيضا فيه و ان كان قد يتوهم من عبارة الجزيري المذكورة آنفا اعتبار ذلك لكنها لا تدلّ عليه أصلا و ذلك لانّه قال: مع ملاحظة مسّ الأغصان لجميع جسده، و لم يقل: مع ملاحظة مسّ جميع الأغصان لجميع جسده. نعم نفس العبارة مجملة في حدّ ذاتها و ليس لها معنى ظاهر، و لعلّ المراد انّه لا بدّ من مسّ الأغصان أيّ عضو و موضع من بدنه الذي يضرب بها و كيف كان فلا دلالة لها أصلا على اشتراط وصول كلّ شمراخ الى الجسد.

قال المحقّق قدّس سرّه: و لا يشترط وصول كل شمراخ الى جسده.

و قد ذكر العلامة عين هذه العبارة في القواعد.

و استدلّ على ذلك بوجهين أحدهما إطلاق الأدلّة كما في الجواهر.

ثانيهما التعذر عادة فيكفي التأثير بالاجتماع، كذا ذكره في كشف

______________________________

[1] أقول: فيما افاده دام ظله من الاستدلال مجال للكلام.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 375

اللثام، و هو كذلك فكيف يمكن ان يمسّ كل واحد واحد من الشماريخ بدن المضروب بعد كونها مجتمعة و لو جعلت الشماريخ بحيث يكون كل واحد منها في جنب الآخر فربّما يصير المجموع أطول من طول البدن.

و قد ظهر بما ذكرنا ما في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك، قال: و ينبغي ان يمسّه الشماريخ أو ينكبس بعضها على بعض ليثقل الغصن و يناله الألم، فإن انتفى الأمران

أو شكّ فيه لم يسقط الحدّ انتهى.

و ذلك لانّ ما كان متعذرا لا يتيسّر عادة فكما لا يصح ان يشترط و يلزم عليه كذلك لا يصحّ ان يستحسن و يندب اليه بعنوان: ينبغي ثم انّه لا يختصّ عدم اجراء الحدّ الدائر على المريض و المستحاضة بباب الزنا بل الظاهر بملاك وحدة المناط جريانه في كل واحد من الحدود، بل و ربّما يأتي ذلك في الجراحات التي يقتصّ فيها ممّن أوردها و البحث يحتاج الى مزيد تأمّل و تحقيق.

ثم انّ النفساء أيضا كالمستحاضة و المريض فيؤخّر حدّها الى ان تمضى تلك الأيّام و تخرج عن النفاس و فدمّرت حكاية امة لرسول اللّٰه قد زنت فراجع و لا حظ.

ثم انّه لو لم تسع اليد العدد فما ذا يصنع؟ قال في الروضة: ضرب به مرّتين فصاعدا انتهى و على هذا فلو وسعت نصف العدد فهناك يضرب بها مرّتين و لو وسعت للربع فقط يؤخذ به و يضرب به اربع مرّات و هكذا.

و في الجواهر: و لو اشتمل الضغث على خمسين ضرب به دفعتين و هكذا بل لعلّه اولى من الضربة دفعة.

و ظاهره جواز ذلك و ان أمكن الضغث المشتمل على المائة فمع وجوده يؤخذ بنصفه و يضرب به دفعتين.

و فيه انّ الظاهر اختصاص ذلك بحال الإعواز و الاضطرار، و استفادة جواز ذلك عند الاختيار من الأدلّة كقوله تعالى وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً، و غير ذلك، أمر مشكل و ما أفاد من الأولوية و ان كان تامّا بلحاظ حصول مزيد الألم،

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 376

لكن استفادة جوازه اختيارا غير ظاهرة، و الحكم بذلك يحتاج الى تنقيح مناط قطعي و هو غير ممكن لنا، و على

هذا، فلو كان هناك ضغث مشتمل على المائة فلا يجوز ضربه بخمسين منها مرّتين و لا ضربه مرّة بنصف و مرّة بنصف آخر، و لو لم يكن الّا الضغث المشتمل على النصف مثلا فلا بدّ من تحصيل المشتمل على المائة مقدّمة للواجب خصوصا بلحاظ انّه لم يرد في الأدلّة: و ان لم تجدوا المشتمل على المائة فاضربوه بالمشتمل على الخمسين مثلا، إذا فلا بدّ من تحصيل ما هو الواجب الّا ان يتعذر ذلك من رأسه. فهناك يضرب بالضغث الموجود مكرّرا الى ان يكمل العدد و لا فرق في تعذّره بين عدم وجدانه أو عدم اتّساع اليد للعدد اجمع.

و امّا ما مرّ من قول أهل الخلاف و هو جواز ضرب المريض بطرف ثوب مفتول أو النعال، فهو من مخترعاتهم و كم لهم أمثال ذلك من نظير، و ما نقلوه من الرواية فلم يثبت من طرقنا و انّما الثابت بمقتضى الروايات هو ضربه بالعرجون و الضغث المشتمل على مأة شماريخ.

و ما هو حكمه إذا أمكن جلده في أيّام؟

الظاهر انّ الضغث حدّ المريض مطلقا سواء أمكن جلده مأة جلده في الأيّام المتفرّقة أم لا و قد اقتصر المحقّق على ذكر الضرب بالضغث و لم يتعرّض للتفريق على الأيّام. لكن قال العلّامة في القواعد: و لا يفرّق السياط على الأيّام و ان احتمله و قال كاشف اللثام: لا يجب بل لا يجوز ان يفرّق السياط على الأيام بأن يضرب كل يوم بعضا منها حتّى يستوفي بل إذا لم يحتمل النصاب في يوم واحد عدل الى الضغث لانّه مأثور و قد ورد انّه لا نظرة في حدّ.

و في اللمعة عند ذكر أقسام الحدّ الثمانية: سابعها الضغث المشتمل على العدد و

هو حدّ المريض مع عدم احتماله الضرب المتكرّر.

و في الروضة، بعد ذلك: متتاليا و ان احتمله في الأيّام متفرقا و في المسالك: و لا يجب تفريق السياط على الأيّام و ان احتمل

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 377

التفريق بل يقام عليه الممكن و يخلّى سبيله.

نعم في كلماتهم نوع إبهام و إجمال من جهات و من جملتها اختلافهم في التعبير بالوجوب و الجواز فبعضهم قال: لا يجب إلخ و من المعلوم انّ هذا ظاهر في أصل الجواز الّا انه لا إلزام عليه، في حين انّ في كلمات بعضهم الآخر التعبير ب لا يجوز، و هو صريح في عدم الجواز.

و لكن الظاهر من قوله تعالى الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ، هو جلدهما متتالية فهو المطلوب أوّلا فإذا لم يتيسّر ذلك تصل النوبة إلى الضرب مرّة واحدة بالضغث المشتمل على العدد المعتبر و لا دليل على جواز تفريق المائة على الأيّام لأنّ الشرط في الحدّ بالضغث بحسب الاخبار هو عدم إمكان ضرب المائة متتالية.

لا يقال: انّ الأمر مردّد بين صرف النظر عن الحدّ الأصلّي و هو جلد مأة الذي هو ممكن ع؟؟؟؟؟ ى حسب الفرض، و رفع اليد عن إيقاعها في يوم واحد، و لا بدّ من ان ندع التوالي و التعاقب و نرفع اليد عنه كي يتحقّق أصل الحدّ و لا يتبدّل الى الضغث.

لأنّا نقول: الظاهر هو وحدة المطلوب فاذا لم يمكن ضرب المائة متتالية تصل النوبة إلى الضغث فان وظيفة الحاكم الإسلامي هو حلّ الدعاوي و فصل الخصومات و توجيه الأمور دفعة واحدة، فايكال الحدّ الى أيّام متعدّدة بحيث بضرب كل يوم ما يتحمّله منه يوجب تعويق الأمور و

التأخير فيها و هذا ينافي الغرض المقصود من الحكم.

ثم انّ الشهيد الأوّل قال في اللمعة بعد ما نقلناه من عبارته السابقة:

و اقتضاء المصلحة التعجيل، و قد مرّ انّ المحقّق أيضا قال: لو اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بالضغث المشتمل، و هذا أيضا من الأمور المجملة في كلماتهم و ذلك لانّه لا يدرى ما هو المراد من المصلحة بنظر الحاكم فهل هي انّ في التأخير خوف فوت الحدّ أو يكفي كون التسريع و الضغث أوفق للمريض؟

و يمكن ان يقال: انّ مقتضى الآية الكريمة هو وجوب جلد الزاني مأة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 378

جلدة مهما أمكن، فيجب العمل على طبقها و الجري بمقتضاها إلّا إذا لم يمكن ذلك و لم نقدر عليه، أو كان العمل بها مزاحما بالأهمّ كما إذا أفضى جلده مأة الى موته و تلفه، أو دلّ دليل قطعي على تبديله بحدّ آخر يكون أسهل، إرفاقا عليه و تسهيلا له، و ملاحظة الآية الكريمة المفيدة لإجراء الحدّ التام تقضى اجراء الجلد مأة حتّى بالنسبة إلى المريض إذا كان بحيث يحصل له البرء بالتأخير فيؤخّر في حدّه إذا رجي برءه و بعد ذلك يضرب تاما كما يدلّ على ذلك خبر السكوني و خبر مسمع بن عبد الملك ففي الأوّل عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أقرّوه حتّى تبرأ لا تنكؤها عليه فتقتلوه «1» و في الثاني قال أمير المؤمنين عليه السّلام أخّروه حتّى تبرأ. و لكن إذا برأ حددناه «2» نعم هذا إذا كان برؤه قريبا لا موقوفا على مضىّ زمان طويل كأعوام

و سنوا و الّا فيسّرع في حدّه و ليس الّا الضغث فان الإسراع في الحدّ مصلحة تقتضي ذلك و امّا إذا كان يحصل له البرء عن قريب فلا مصلحة توجب الإسراع في الحدّ حتّى يحدّ بالضغث بل لعلّ المصلحة في التأخير و جلده بعد البرء و كذا لو كان يلزم عليه الضرر إذا حدّ و لو بالضغث فإنّه يؤخّر الى ان يبرء فالقدر المتيقّن من الحدّ بالضغث هو ما إذا لم يرج زوال مرضه أو يرجى ذلك لكن بطيئا، و لا يبعد التبديل الى الضغث أيضا إذا كان ذلك أوفق بحال المريض.

ثم انّه لو كان يحتمل سياطا ضعافا فهل يقام عليه الحدّ كذلك أم لا؟

ذهب في الجواهر إلى انّه اولى من الشماريخ و أحوط، و لكنّ الظاهر انّه ليس بتامّ لعدم الدليل على ذلك، و هذا أيضا ممّا لم يتّضح المراد منه و ذلك لانّه لا يعلم ان المراد هو انّه احتمل مأة جلدة ضعاف خفاف أو انّه احتمل مأة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 379

مجتمعة بدل الشماريخ [1] و كيف كان فالحكم في حال المرض هو ضربه بالضغث المشتمل على المائة و ما ذكره ليس بأحوط بل لعلّه خلاف الاحتياط.

تذكار

ثم انّ مقتضى صحيحة أبي العبّاس المذكورة آنفا هو كفاية الإقرار مرّة واحدة في إثبات الحدّ و الحال انّ الروايات تدلّ على اعتبار الأربعة، فهل هذه معارضة لها أو انّها مخصّصة لها؟

أقول: لم أقف على من قال بالتخصيص حتّى يقال انّه يعتبر في إثبات الزنا أربعة اقارير إلّا في

حدّ الضغث فإنّه يكفي إقرار واحد بل لعلّ ذلك مقطوع العدم و خلاف الإجماع، و الظاهر انّه ليس من باب التعارض أيضا.

و يمكن ان يقال: انّه فعل من رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله، و الاستدلال بالفعل موقوف على العلم بجهته فلو لم تكن جهته معلومة لا يتمّ الاستدلال به و هنا ليس كذلك، و لعلّه كان قد ثبت الأمر عنده صلوات اللّٰه عليه بغير إقراره فلم يكن إقراره للإثبات حتّى يحتاج إلى أربع مرّات بل كان لسدّ احتمال رجوعه، أو انّه صلوات اللّٰه عليه قد اعتمد هناك على علمه بالواقعة و على ذلك فإقراره عند النبي صلّى اللّٰه عليه و آله مرّة واحدة ليس بحجّة لنا.

______________________________

[1] أقول: لعلّ الظاهر هو الأوّل و الّا فظاهر كلماتهم عدم الفرق في الضغث المجتمع بين ان يكون مركّبا من السياط أو من الشمراخات. اللّهم الّا ان يقول سيّدنا الأستاد أدام اللّٰه بقاه بخصوصيّة الشمراخات و الأغصان الدقيقة إرفاقا بحال المريض.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 380

الكلام في الحائض

هذا كلّه في المريض و المستحاضة و النفساء و امّا الحائض فليست كذلك فلا يجوز التأخير في حدّها و ذلك لانّ الاستحاضة و النفاس من المرض بخلاف الحيض فإنّه ليس كذلك بل قيل بأنّه يدلّ على صحّة مزاجها و اعتدال حالها و لذا قال المحقّق:

و لا يؤخّر الحائض لأنّه ليس بمرض.

و قال العلّامة في التحرير: و لا يؤخّر الحائض لأنّ الحيض ليس بمرض.

لا يقال: انّ ظاهر الآية الكريمة خلاف ذلك، لانّ اللّٰه تعالى يقول:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «1».

لانّه يقال: ليس الأذى بمعنى المرض و انّما هو بمعنى القذر و المستقذر و النجس

يؤذى من يقربه نفرة منه له فهو سبب لإيذاء الرجل لو قاربها و لذا ترى انّ الأصحاب. رضوان اللّٰه عليهم لم يفتوا بكون الحائضة كالنفساء و المستحاضة بل اقتصروا في الحكم المزبور على المريض و المستحاضة و النفساء.

ان قلت: ان ظاهر الآية الكريمة انّ الحيض أذيّة لها بنفسها و لذا رتّب على هذا، الحكم بالاعتزال عنهن في الحالة المزبورة كما انّ بعض المفسّرين

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 222.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 381

فسّروها كذلك [1] و يؤيّده انّ مفهوم الأذى هو مفهومه في آية الحج: و ان كان به أذى من رأسه ففدية «1» و لعلّ العرف يساعد ذلك و لذا يراعون المرأة في تلك الحالة و يرافقونهنّ، و ما نرى بينهم من الإرفاق و التسهيل في حقّهن شاهد على انّهم يرون الحيض مرضا بل يعاملون المرأة في حال الحيض بما لا يعاملونها في حال الاستحاضة من الرفق و عدم التحميل عليهنّ، هذا مضافا الى ورود رواية تدلّ على انّ الحيض أيضا مرض و هي ما رواه في الجعفريّات انّ عليّا عليه السّلام قال: ليس على الحائض حدّ حتّى تطهر و لا على المستحاضة حدّ حتّى تطهر «2» و قد أفتى الكاشاني رحمه اللّٰه بما ذكرناه و الحق الحائض بالمريض و المستحاضة [2].

نقول: إثبات ظهورها في ذلك مشكل و كذا ارادة المعنى المزبور عند العرف، و امّا تفسير بعض المفسّرين ففيه انّ بعضهم فسّروه بما ذكرناه أيضا فراجع تفسير الصافي للفيض الكاشاني و امّا الرواية فدلالتها و ان كانت واضحة الّا انّها ليست معمولا بها عندهم و امّا إفتاء الفيض فلا يخرج المطلب عن الشذوذ بعد كونه منفردا في الإفتاء بذلك و

مخالفة الواحد لا يضرّ بالإجماع خصوصا إذا كان من المتأخّرين و انّه بنفسه قد أفاده في تفسيره خلاف ذلك.

اعتراض الجنون أو الارتداد غير مانع من الحدّ

قال المحقّق: و لا يسقط الحدّ باعتراض الجنون و لا الارتداد.

______________________________

[1] أقول: راجع مجمع البيان، الجلد 1 الصفحة 319، إليك ما افاده و حكاه في مجمع البيان: معناه قذر و نجس. و قيل هو أذى لهن و عليهن لما فيه من المشقة انتهى.

[2] مفاتيح الشرائع الجلد 2 الصفحة 80 قال: و يرجم الحائض و المريض و المستحاضة و النفساء و لا يجلد أحدهم.، أورد الإشكال هذا العبد و أجاب دام ظله بما في المتن و يؤيّده أنّي كلّما تفحصت كلماتهم لم أر من افتى بسقوط الجلد عن الحائض.

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 196.

(2) الجعفريات ص 137.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 382

أقول: و ذلك لانّ المفروض انّه قد زنى في حال كونه مكلّفا اى انّه كان عاقلا ثم عرض له الجنون فلا مانع من اقامة الحدّ عليه.

و يدلّ على ذلك صحيح ابى عبيدة عن ابى جعفر عليه السّلام في رجل وجب عليه الحدّ فلم يضرب حتّى خولط، فقال: ان كان أوجب على نفسه الحدّ و هو صحيح لا علّة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان «1».

و في المسالك: ثم ان كان قتلا لم ينتظر بالمجنون الإفاقة و ان كان جلدا ففي انتظار إفاقته ان كان له حالة إفاقة وجهان، من انّه أقوى في الردع، و من إطلاق الأمر بإقامته عليه في صحيحة ابى عبيدة عن الباقر عليه السّلام، و هذا أجود.

و أورد عليه في الجواهر- في احتماله الانتظار- بقوله: و الأقوى خلافه للأصل و صحيح ابى عبيدة، ثم فرّع على هذا

قوله: فما عن بعض من احتمال السقوط في المطبق مطلقا و آخر من السقوط كذلك ان لم يحسّ بإلا لم و كان بحيث ينزجر به، كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى.

أقول: و يمكن توجيه ما احتمله في المسالك و هذا البعض، بانّ المقصود الأصلّي من الضرب هو ردع المضروب و عقابه على عمله القبيح، و المجنون إذا كان بحيث لا يدرك و لا يحسّ أصلا فلا فائدة في ضربه و جلده لانّ ضربه و ضرب الحجر و الجدار على حدّ سواء، و لماذا يضرب و هو لا يدرك الألم الآن، و لا يتذكر بعد ان أفاق، انّه قد جلد في حال جنونه.

لا يقال: فكيف يقام عليه حدّ القتل و الرّجم إذا كان قد اتى بسبب ذلك في حال عقله؟

لأنّا نقول: فرق بين هذا و ذاك فان المقصود في باب القتل و الرجم هو إعدام هذا الشخص، و ان لا يبقى في صفحة الوجود في حين انّ المقصد الا على في باب الجلد هو تأديبه و اذاقته الم الجرم و المعصية و ارتداعه و انزجاره عن العود الى ما اقترفه من المعاصي و هذا لا يحصل بدون الحسّ و الإدراك. اللهمّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من مقدمات الحدود الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 383

الّا ان يلاحظ ردع الآخرين، و هو أيضا ربما لا يحصل بضرب المجنون الذي لا يدرك و لا يعقل شيئا، و الآية الكريمة الآمرة بالجلد الواردة في مقام التخويف منصرفة عنه.

و عليه فليس ما حكى عن هذا البعض بهذه المثابة من البعد، و لا ينبغي ان يرمى بكونه كالاجتهاد في مقابلة النص فإنّه بالحمل على مجنون

لا يحسّ شيئا يتمّ كلامه.

و امّا كون المجنون بهذه الحالة فهو أمر واقع و ربّما يكون بحيث لا يتألّم ممّا يصيبه و لذا لا يفرّ ممّن يريدان يضربه، و لا يخاف منه.

و بذلك ظهر الكلام و انكشف الظلام عن فرع ربّما يذكر في هذا المقام و هو انّه لو كان المجرم شللا لا يحسّ الم الضرب فهل هو يجلد الحدّ أو يضرب بالشماريخ؟ و ذلك لأنّه إذا كان بهذه المثابة فلا فائدة في ضربه لأنّه لا ينزجر و لا يرتدع بذلك.

هذا كلّه بالنسبة إلى الجنون و امّا الارتداد فهو أيضا ليس بمانع عن اقامة الحدّ عليه بعد ان اتى بموجبه في حال إسلامه فلا يسقط الحدّ الواجب باعتراض الارتداد، فلو زنى و هو غير محصن يقام عليه الحدّ و يجلد أوّلا و يقتل ثانيا لارتداده، و لا وجه أصلا لسقوط جلده، و لو كان محصنا فقد اجتمع عليه الرجم و القتل و حيث انّه لا كيفيّة خاصة للقتل بخلاف الرجم الذي هو كيفيّة خاصّة من القتل فلذا يقدّم الرجم، و الظاهر انّ المطلب واضح لا يحتاج الى مزيد بحث و بيان و استدلال فلذا نقتصر على ذلك روما للاختصار كما انّ شرّاح الشرائع أيضا لم يتعرّضوا لذلك.

حول اقامة الحدّ في اعتدال الهواء

قال المحقّق: و لا يقام الحدّ في شدّة البرد و لا شدّة الحرّ و يتوخّى به في الشتاء وسط النهار و في الصيف طرفاه.

أقول: و قد علّل ذلك كثير من العلماء و منهم صاحبا المسالك و الجواهر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 384

بخوف التلف و خشية الهلاك بتعاون الجلد و الهواء فيؤخّر من شدّة البرد و الحرّ الى اعتدال الهواء، ففي الشتاء ينتظر وسط النهار

و في الصيف طرفاه.

و تدلّ على ذلك الأخبار الشريفة التي أخرجها المحدّث الحرّ العاملي في باب عنوانه: باب انّه ينبغي إقامة الحدّ في الشتاء في آخر ساعة من النهار و في الصيف في أبرده.

فعن هشام بن احمر عن العبد الصالح عليه السّلام قال: كان جالسا في المسجد و انا معه فسمع صوت رجل يُضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد فقال:

ما هذا؟ قالوا رجل يضرب، فقال: سبحان اللّٰه في هذه الساعة؟ انّه لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلّا في أحرّ ساعة من النهار و لا في الصيف إلّا في أبرد ما يكون من النهار «1».

و عن ابى داود المسترق عن بعض أصحابنا قال: مررت مع ابى عبد اللّٰه عليه السّلام و إذا رجل يضرب بالسياط، فقال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: سبحان اللّٰه في مثل هذا الوقت يضرب؟ قلت له: و للضّرب حدّ؟ قال: نعم، إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار، و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار «2».

و عن سعدان بن مسلم عن بعض أصحابنا قال: خرج أبو الحسن عليه السّلام في بعض حوائجه فمرّ برجل يحدّ في الشتاء فقال: سبحان اللّٰه ما ينبغي هذا فقلت: و لهذا حدّ؟ قال: نعم، ينبغي لمن يحدّ في الشتاء ان يحدّ في حرّ النهار و لمن حدّ في الصيف ان يحدّ في برد النهار «3».

و الظاهر من هذه الروايات هو الوجوب فان الاستعجاب الوارد فيها لا يناسب ارتكاب خلاف المستحبّ و انّما يناسب ارتكاب أمر ليس بجائز، و لا ينافي ذلك إطلاق لفظ ينبغي في الرواية الأخيرة بعد ظهور سائر الاخبار بل و نفس هذا الخبر في الوجوب فان

قول الراوي: لهذا حدّ؟ و جواب الامام عليه السّلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 7 من مقدمات الحدود الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 385

و تقريره يدلّ على الوجوب و لزوم مراعاة هذا الأمر، و على الجملة فلو لم نقل بالوجوب جزما فلا أقلّ من كونه هو الأحوط، و على هذا فلا وجه للقول بالاستحباب بل اللازم مراعاة ان لا يلزم ضرر و أذيّة زائدة على ما هو اللازم من طبع الحدّ.

ثم انّه هل وجوب ذلك على نحو وحدة المطلوب أو تعدّده؟ و تظهر الثمرة فيما إذا خالف مجرى الحدّ و اقامه في هواء غير معتدل فإنّه على الأوّل يترتب أمران أحدهما انّه على ذلك لم يقم الحدّ بل كان ما فعله جناية بخلاف ما إذا كان وجوب مراعاة الوقت من باب تعدّد المطلوب و من قبيل الواجب في الواجب فان الحدّ قد تحقّق و صحّ و ان كان المجرى قد عصى اللّٰه بإجراء الحدّ في غير الوقت المفروض، ثانيهما انّ مقتضى القاعدة هو تكرار الحدّ على فرض وحدة المطلوب دون فرض تعدّده و الإنصاف انّ الحكم بتكرار الحدّ مشكل كما انّ الحكم بسقوط الحدّ أيضا غير واضح و امّا استظهار هذا المذهب أو ذاك فنقول: مقتضى ظاهر كلمات العلماء هو تعدّد المطلوب و انّ المقام من قبيل الواجب في الواجب فإنّهم كما تقدّم يتمسّكون بخوف التلف و خشية الهلاك، و هذا يفيد انّ الواجب اثنان أحدهما إقامة الحدّ ثانيهما عدم التسريع عند خوف التلف نظير ما مضى في

المريض من انّه لا يقام عليه الحدّ في حال المرض لخوف الهلاك بل يؤخّر الى ان يحصل له البرء أو يقام عليه الحدّ بالضغث.

هذا لكن ظاهر تقرير الامام عليه السّلام: لكلّ حدّ حدّ، هو وحدة المطلوب فان ظاهر ذلك انّه إذا تعدّى الحدّ عن مقرّراته و محدودته فليس هو هذا الحدّ و انّما الحدّ هو الحدّ المخصوص مع ما اعتبره الشارع فيه، و لعلّ نظر العلماء رضوان اللّٰه عليهم أجمعين الى انّ خوف الهلاك علّة أو حكمة في جعل هذا الحكم على سبيل وحدة المطلوب.

و الإنصاف انّه يمكن ان يستفاد من روايات الباب انّ هذا من باب تعدّد المطلوب و ذلك لانّه و ان كان الامام عليه السّلام أنكر عليهم فيها اجراء الحدّ في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 386

غير اعتدال الهواء الّا انّه لم يأمر في شي ء منها بتكرار الحدّ، و إقامته ثانيا على الوجه الصحيح و لو كان ذلك واجبا لكان اللازم عليه ان يذكر ذلك لانّ وظيفته بيان الأحكام فيستفاد من عدم ذكر ذلك في كلماتهم انّ وجوب إيقاع الحدّ في الهواء الملائم و المناسب كان بعنوان الواجب في الواجب، و لو ثبت انّه كان من باب القيد و وحدة المطلوب فلا محيص عن القول بانّ الشارع قد جعل هذا الذي وقع على المحدود مسقطا عن الحدّ من باب التفضّل و ان لم يكن حدّا واقعا و كيف كان فلو شكّ في اعتبار القيد الزائد فالأصل هو العدم كما انّه لا شكّ في انّه لو مات بسبب الجلد و عدم مناسبة الهواء فان المجرى ضامن و تكون ديته عليه سواء قلنا بوحدة المطلوب أو تعدّده.

و ليعلم انّ هذا البحث

اى وجوب اجراء الحد في الجوّ المعتدل مخصوص بالجلد، و امّا في مورد الرجم فلا مجال لهذه المطالب، و ذلك لانّ المحكوم بالرجم محكوم بالإتلاف و الاعدام و لا يتفاوت الحال بالنسبة إليه بين اعتدال الهواء و عدمه.

نعم في كلمات بعض الأصحاب لزوم مراعاة ذلك بالنسبة الى من حدّه الرجم إذا كان قد ثبت ذلك بإقراره و ذلك لاحتمال رجوعه عن إقراره الذي يوجب عدم رجمه، فلو رجم في الهواء الحارّ مثلا فربّما وقع عليه أوّل حجر و قد اثّر فيه ذلك في تلك الهواء الخاصّ فيقضيان عليه و يوجبان موته و هلاكه فلا ينفعه الرجوع.

قال العلّامة أعلى اللّٰه مقامه في القواعد: و لا يقام الحدّ في حرّ شديد أو برد شديد بل يقام في الشتاء وسط النهار و في الصيف طرفيه و كذا الرجم ان توهّم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره.

و قال الشهيد الثاني في المسالك عند البحث عن المريض: المشهور انّ الرجم لا يؤخّر بالمرض مطلقا لانّ نفسه مستوفاة فلا يفرق بين المريض و الصحيح و يحتمل جواز تأخيره ان ثبت زناه بالإقرار الى ان يبوء لانّه سبيل من الرجوع و ربّما رجع بعد ما رمى فتعين ما وجد من الرمي عليه قتله. (ثم قال): و مثله

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 387

يأتي في رجمه في شدّة الحرّ و البرد.

نعم ظاهر كلامه رحمه اللّٰه انّ هذا البحث من توابع بحث المرض و لكنّ الحقّ ان اجراء الحدّ في الحرّ و البرد بحث مستقلّ غير متعلّق بالمرض [1].

ثم انّه قد ظهر بما ذكرناه تقديم أخبار التأخير إلى الهواء المعتدل على اخبار عدم جواز التأخير في الحدّ و ليس من باب

المعارضة بينهما.

و شرح هذا المقام يتوقّف على ذكر ما ورد من الاشكال ثم الجواب عنه فنقول: انّ بعض الأعاظم قدّس سرّه قال بعد ذكر الأخبار الناطقة بتأخير الحدّ الى اعتدال الهواء: و يمكن ان يقال: كيف يجمع بين هذه الاخبار و ما دلّ على عدم جواز التأخير؟

ثم تعرّض لهذه الجملة من كلام أمير المؤمنين في خبر ابن ميثم المشتمل على قصّة المرآة المحصنة: اللهم. و انك قد قلت لنبيّك صلّى اللّٰه عليه و آله فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادّتي.

قال قدّس سرّه: و حمل التعطيل على ترك الحدّ أصلا بعيد انتهى و هو كذلك ثم ذكر تصريح معتبرة السكوني بعدم جواز التأخير،: عن علىّ عليه السّلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علىّ عليه السّلام أين الرابع؟ قالوا الآن يجي ء فقال: حدّوهم فليس في الحدود نظر ساعة.

أقول: تأييدا لمراده انّه بعد ما شهد ثلاثة بالزنا لم يكن الناقص من الشهود الّا واحدا و يقرب في الأذهان جدّا لزوم الصبر الى ان يلحقهم الرابع و يشهد بالزنا و يقام الحدّ على المرأة و مع ذلك فلم يصبر عليه السّلام لحظات قليلة

______________________________

[1] أظن انّه لا يخلو هذا الاستظهار من شي ء و ذلك لانّ الظاهر انّ كلام الشهيد الثاني: و مثله يأتي في رجمه إلخ لا يراد به رجم المريض بل رجم من ثبت رجمه بالإقرار فهو يقول: انّ من ثبت زناه بالإقرار لا يرجم في حال المرض و لا في زمان الحرّ و البرد، و ذلك لانّه كما انّه يعين المرض على الهلاك كذلك ربّما أدّى إقامة الحدّ في شدّة الحرّ أو البرد الى

التلف و الهلاك و هذا عين ما قرأناه في عبارة القواعد فليس ذكر هذا الفرع عند بحث المرض من متفرّعاته بل هو قسيم له فلا حظ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 388

للحوق الرابع حتّى يقيم حدّا واحدا عليها، و اقام حدّ القذف على الثلاثة فليس العدول عن حدّ شخص واحد الى حدّ ثلاثة أشخاص الّا لالتزامه الكامل التامّ بعدم تأخير الحدّ.

ثم أيد المطلب بمرسل الصدوق قدّس سرّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسى فالحدّ معطّل. و على الجملة فقد تعرّض لهذه الاخبار بتعابيرها الشديدة الدّالة على وجوب التسريع في الحدّ و عدم التأخير فيه و انّ الحكم بتأخير الحدّ الى اعتدال الهواء لا يساعد هذه الاخبار و لا يجمع بينهما، و قال أخيرا: لا يبعد الجمع بين الاخبار بحمل الأخبار الدّالة على التأخير على الاستحباب.

أقول: انّ الحمل على الاستحباب مشكل جدّا بل لو كان الدليل مصرّحا باستحباب التأخير إلى اعتدال الهواء كان لا يعارض دليل وجوب التسريع، فاذا كان التسريع واجبا و التأخير حراما كما هو مقتضى الروايات التي ذكرناها آنفا فكيف يمكن ان يقال بأنّه يستحبّ التأخير إلى اعتدال الهواء؟ و على الجملة فلا يمكن الجمع بين قوله عليه السّلام: ليس في الحدود نظر ساعة، و استحباب التأخير أصلا كما قد أشار هو قدّس سرّه أيضا الى ذلك.

و الذي يبدو في النظر هو انّه لا معارضة أصلا في البين بل انّ الاخبار الدالّة على التأخير إلى اعتدال الهواء، كالحاكم على اخبار عدم جواز التأخير، فإنّ هذه الاخبار تبيّن و توضح شرائط الحدّ و مقرراته و انّ الحدّ الواجب شرعا هو ما يقام في معتدل الجوّ، فالتأخير عن

هذا الموقع غير جائز، كما انّه لو لم يقيّد الحدّ بإيقاعه في وقت خاص بل كان مطلقا فالتأخير عن أوّل وقته كان محرّما و على هذا فقد عملنا بالطائفتين و ذلك لانّ الواجب هو اجراء الحدّ في وقت ملائم مناسب و لا يجوز التأخير عن هذا الوقت، و الحاصل انّه على فرض استفادة وجوب التأخير إلى اعتدال الهواء لا معارضة في المقام، و امّا الوجوب فهو الظاهر من الاخبار الشريفة.

ثم انّه قد بدا لي هنا بحث لم أظفر على من تعرّض له أصلا و هو انّه هل

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 389

الحدّ واجب تعبديّ أو توصليّ، و بتعبير آخر هل يجب ان يؤتى بقصد أمر المولى أو انّه يكفى مجرّد إجرائه و إيقاعه و ان كان لامتثال أمر الحاكم و الرئيس و غير ذلك من الغايات غير المولى سبحانه و تعالى؟

أقول: لعلّ الظاهر من بعض الروايات هو الأوّل و ذلك كمرفوعة حفص بن عون قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة و حدّ يقام للّٰه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا «1».

فان قوله عليه السّلام: يقام للّٰه، ظاهر في ألنّ الحدّ أمر تعبديّ لا بدّ من ان يقام اللّٰه تعالى، و لعلّه الظاهر أيضا من الروايات التي عبّر فيها عن الحدود بحق اللّٰه أو، حدّه، مثل ما رواه أبو بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الرجم حدّ اللّٰه الأكبر و الجلد حدّ اللّٰه الأصغر «2».

لا يقام الحدّ في أرض العدوّ

قال المحقّق: و لا في أرض العدوّ مخافة الالتحاق.

أقول: المستفاد من عبارته هو انّ خوف الالتحاق بالكفّار حكمة في عدم اجراء الحدّ في

أرضهم.

لكن الظاهر من عبارة بعض المعاصرين انّ خوف الالتحاق قيد في الحكم بحرمة اجراء الحدّ في أرض العدوّ و بلاد الكفّار، قال: لا يجوز اقامة الحدّ على أحد في أرض العدوّ إذا خيف أن تأخذه الحميّة و يلحق بالعدوّ.

فان المستفاد من هذه العبارة هو انّه يجب تأخير حدّه الى ان يخرج من ارض الكفّار، لكن هذا عند ما خيف على المحدود من التحاقه بهم لا مطلقا فحينئذ يلزم مراجعة الاخبار و النظر فيها حتّى نرى ما هو المستفاد منها.

عن ابى مريم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدود الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 390

لا يقام على أحد حدّ بأرض العدوّ «1».

و عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علىّ عليه السّلام انّه قال:

لا أقيم على رجل حدّا بأرض العدوّ حتّى يخرج منها مخافة ان تحمله الحميّة فيلحق بالعدوّ «2».

و ظاهر هذا التعليل هو الإطلاق فيفيد انّه لا يقام عليه الحدّ في أرض الكفّار لانّ هذا الخوف حاصل لا انّه لا يقام عليه إذا خيف عليه ذلك. و لذا قال بعض الأعاظم قدّس سرّه: و الأظهر ان يكون ما ذكر من باب الحكمة من جهة انّ المطلق لا بدّ فيه من بقاء الغالب فيه بعد التقييد لا الأقلّ و لا المساوي.

و مراده رحمه اللّٰه انّه لا بدّ في التقييد ان لا يخرج الأكثر حتّى لا يكون من باب تخصيص الأكثر.

أقول الظاهر انّه و ان لم يكن الالتحاق بنفسه محقّقا الّا انّ خوف الالتحاق محقّق

نوعا فهذا هو النجاشي الشاعر المخصوص لأمير المؤمنين عليه السّلام فقد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه عليه السّلام ثمانين ثم حبسه ليلة ثم دعا به من الغد فضربه عشرين لتجرّئه على شرب الخمر في شهر رمضان و صار هذا سببا لفراره و إقباله على معاوية و الالتحاق به [1] و على هذا فهذا الخوف محقّق نوعا فيكون القيد من القيود الواردة مورد الغالب و هو لا يقيّد الدليل العامّ أو المطلق و على هذا فيؤخّر الحدّ و ان لم يكن في مورد خوف أصلا.

لا يقام الحدّ في الحرم

اشارة

قال المحقّق: و لا في الحرم على من التجأ إليه بل يضيّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج، و يقام على من أحدث موجب الحدّ فيه.

أقول: و قد استدلّ على ذلك بأمور: الأوّل الاحترام، اى احترام الحرم

______________________________

[1] في رجال المامقاني الجلد 3 الصفحة 267: النجاشي الحارثي الشاعر، عدّه الشيخ رحمه اللّٰه في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 10 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 391

فإنّ عقوبة من التجأ إلى الحرم و اقامة الحدّ على الملتجئ به اهانة له و كذا إخراج من لاذ به عنه جبرا و قسرا الثاني قوله تعالى وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً «1».

الثالث صحيحة هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا تقام عليه الحدّ و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم و لا يبايع فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك ان يخرج فيقام عليه الحدّ و ان جنى في الحرم جناية

أقيم عليه الحدّ في الحرم فإنّه لم ير للحرم حرمة «2».

و هي تدلّ بالوضوح على انّ الجاني الذي جنى في غير الحرم ثم لاذ الى الحرم لا يجوز اجراء الحدّ عليه و انّما يضيّق عليه في طعامه و شرابه و سائر الجهات كي يخرج منه و يقام عليه الحدّ في خارج الحرم. نعم لو أقدم هو على الجناية في نفس الحرم و هتك حرمته فحينئذ أقيم عليه الحدّ في الحرم كما هو صريح ذيل الصحيحة و سيأتي انّ في بعض الروايات ما ينافي هذا الذيل فانتظر.

ثم انّ التحقيق في المسئلة يقتضي التعرّض لأمور:

الأوّل هل انّ احترام الحرم الذي تمسّك به العلماء و استدلّوا به دليل مستقلّ

أو انّه أمر مستفاد من الآية الكريمة: و من دخله كان آمنا. الصريحة في

______________________________

رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان شاعر أهل العراق بصفين و كان على (ع) يأمره بمحاورة شعراء أهل الشام مثل كعب بن جعيل و غيره فشرب الخمر بالكوفة أوّل يوم من شهر رمضان مع ابى سمّاك الأسد فأخذ و جي ء به الى على (ع) فأقامه في سراويل فضربه ثمانين للخمر ثم زاده عشرين لجرأته على الإفطار بالمحرّم في شهر رمضان فغضب لذلك و هرب حتى لحق بمعاوية في الشام و هجا عليا ع فقال

الا من مبلّغ عني عليّا بأنّي قد أمنت فلا أخاف

لمّا عمدت لمستقر الحق رأيت أموركم فيها اختلاف

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 97.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 34 من مقدمات الحدود الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 392

انّ بيت اللّٰه تعالى محلّ أمن و أمان و من دخله فقد دخل دار الأمن و السّلام كائنا من كان؟

أقول: انّ اجراء الحدّ في الحرم على الجاني لم يكن هتكا و خلافا للاحترام اللازم له عرفا ما

لم يرد دليل من الشرع فإنّه من قبيل اقامة أمر اللّٰه في بيت اللّٰه و إذا كان هو حكما إلهيّا و طاعة لأمره سبحانه فكيف يكون إجرائه في بيته خلاف الاحترام؟ و خصوصا بلحاظ انّ في الإخراج إلى خارج الحرم و اقامة الحدّ عليه هناك تأخيرا في إجراء الحدود، و على الجملة فيمكن التشكيك في كون اقامة الحدّ في الحرم هتكا و في خارجه احتراما له، نعم بعد ملاحظة انّ الشارع جعله بيت الأمن و مركز الأمان يصحّ ان يقال: انّ عدم اقامة الحدّ عليه في الحرم نوع احترام منه.

الثاني انّه هل التضييق في المطعم و المشرب

على من التجى ء الى الحرم الى ان يتعب و يضطرّ الى الخروج لا ينافي كون الحرم أمنا، و انّ من دخله كان آمنا؟

الظاهر انّه مع غضّ النظر عن الرواية ينافي كونه محلّ الأمن فإنّ مقتضى كون الحرم كذلك ان يكون الداخل فيه في سعة و راحة لا في الضيق و الشدة و تحت ضغط الجوع و العطش و لازم كونه آمنا هو كونه مأمونا من جميع أنواع الأذى دون خصوص القتل أو الضرب نعم بلحاظ الرواية نقول بذلك.

و لعلّ الأمر بالتضييق عليه مع كونه آمنا و لائذا بدار الأمن هو التنبيه على لزوم مراعاة جانب الحدود أيضا فإنّه لو لا ذلك للزم تعطيل حدود اللّٰه تعالى و يصير ذلك ذريعة لنشر الفساد و اقتراف المعاصي و المحرّمات.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 392

الثالث انّ الظاهر كون النسبة بين أدلّة الحدود كآية الجلد و روايات الرجم

و الجلد و بين أدلّة حرمة الحرم، العموم من وجه فان مآلهما إلى أنّه يجلد الزاني مثلا في الحرم و غيره، و لا يجلد في الحرم سواء كان الحدّ حدّ الزنا أو غيره، فيتعارضان في المجمع و هو حدّ الزنا في الحرم لكنّا لم نجد أحدا قال بانّ بينهما تعارضا كذلك حتّى يسقط الدليلان مثلا و لعلّ ذلك لأجل انّ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 393

النسبة بين الدليلين و ان كانت بحسب المفهوم هو العموم من وجه لكن إذا كان أحد الدليلين بحيث لو عمل به لم يبق للآخر مورد و مصداق أصلا يجب ان يعاملا معاملة العموم المطلق و ما نحن فيه من هذا القبيل

لانّه لو عمل بدليل الحدود و الجنايات كدليل جلد الزاني الذي نسبته الى دليل احترام الحرم عموم من وجه و كذلك دليل جلد الشارب مطلقا و سائر الحدود، لم يبق مورد لدليل احترام الحرم بخلاف ما لو انعكس الأمر بأن يترك اجراء الحدّ في الحرم بالخصوص فإنّه يبقى لدليل الجلد و القطع و الرجم موارد أخر، و على هذا فيكون المقام كالتخصيص فتخصّص أدلّة الحدود بأدلّة احترام الحرم.

الرابع انّهم رضوان اللّٰه عليهم ذكروا في موضوع المسئلة

، التجاء الجاني إلى الحرم و قد رأيت عبارة المحقّق في الشرائع.

و لكن الظاهر انّه لا خصوصيّة لهذا القيد بل ظاهر الآية الكريمة، العموم لانّ ذلك احترام للحرم، فكلّ من دخل فيه فهو آمن و ان لم يكن ملتجيا و لائذا بل كان قد دخل لإتيان مناسك الحج و قد اتى بما هو سبب للحدّ، و هذا من مزايا الحرم و خصائصه بالنسبة إلى سائر الأماكن فإنّ المراد ليس هو العقوبة التي لا تستحق لانّ كون الإنسان آمنا بالنسبة إليها شامل لكلّ الأماكن بلا فرق بين الحرم و غيره، و انّما يفرق بينهما في العقوبة المستحقّة لها يعني إذا اتى الإنسان بما يوجب الحدّ- بحيث لو كان في خارج الحرم لا قيم عليه ذلك- فإنّ حرمة الحرم تقتضي عدم إقامته عليه فلا يجوز عقوبة الداخل و ان لم يكن ملتجيا لانّ المناط هو حرمة الحرم فلا يجوز عقوبة من دخل هذا المأمن و امّا ذكر قيد الالتجاء في صحيحة هشام المذكورة آنفا ففيه انّه ليس في كلام الامام عليه السّلام بل هو من كلام الراوي، و هذا لا ينافي جريان الحكم في موضوع آخر أيضا كما إذا دخله و لم يكن ملتجيا و ذلك لما مرّ من

انّ المقصود احترام الحرم و لا فرق فيه بين الملتجئ و الناسك و غير ذلك، كما انّه لا فرق في العقوبة بين القتل و الرجم و الجلد و التعزير.

لا يقال: انّ مقتضى الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على القدر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 394

المتيقّن، هو اختصاص الحكم بصورة الالتجاء، فإنّ القاعدة تقتضي عدم تأخير في الحدّ غاية الأمر انّ الدليل اقتضى خروج المجرم الملتجئ، فيقتصر على هذا المقدار، و عليه فالداخل لا للالتجاء يقام عليه الحدّ في الحرم [1].

لأنّا نقول: هذا خلاف مقتضى ظاهر الآية فإنّها تفيد انّ الحرم، حرم الأمن و محلّ الأمان و هذا بظاهره آب عن التخصيص بما إذا كان قد دخله لا للالتجاء حتّى يفيد انّه ليس أمنا له.

لا يقال: انّ هذا العموم قد خصّص قطعا لأنّه إذا دخل الحرم و جنى فيه فإنّه يقام عليه الحدّ فيه.

لأنّا نقول: لعلّ العامّ كان من أوّل الأمر منصرفا عمّن دخل الدار و جنى فيه، الا ترى انّه لو قيل: انّ دار العالم الفلاني محلّ أمن و أمان، فإنّه منصرف عمّن دخل دار هذا العالم ليقتله؟ و على الجملة فلا وجه للتقييد بالالتجاء أصلا بل الحكم لكلّ من دخل الحرم و ان لم يكن ملتجيا بل قد دخله للعبادة و لنسك الحج و العمرة مثلا.

فتحصّل انّه لا يجوز اقامة الحدّ على الداخل مطلقا خصوصا الملتجئ به ما دام فيه بل يضيّق عليه حتّى يخرج فاذا خرج يقام عليه الحدّ.

الخامس: انّ صريح صحيح هشام:

لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم و لا يبايع، كما انّ المحقّق قال: يضيّق عليه في المطعم و المشرب ليخرج، انتهى، و من المعلوم انّه إذا منع مطلقا و

بالكلّ عن الطعام و الشراب فهو ادعى لان يخرج و يستوفي منه الحدّ ممّا إذا اعطى الماء و الطعام قليلا، فكيف قال صاحب الجواهر بشرح عبارة الشرائع: بأن يقتصر على ما يسدّ به الرمق انتهى و لماذا أضاف ذلك و فسّر التضييق بإعطاء ما يسدّ به رمقه و دفع مقدار يسير من الماء و الغذاء اليه؟

هذا مضافا الى انّ مقتضى ذكر (لا يسقى و لا يطعم) عقيب ذكر عدم الحدّ انه لا يسقى و لا يطعم أصلا.

______________________________

[1] أورده هذا العبد و كذا الإشكال الآتي و قد أجاب دام ظله عنهما بما في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 395

أقول: انّ منعه عن الماء و الطعام مطلقا الى ان يموت خلاف كون البيت أمنا و ينافي انّ من دخله كان آمنا كما انّه خلاف المصلحة الملحوظة في المقام من اضطراره و إلجائه إلى الخروج فيقام عليه الحدّ.

هذا مضافا الى انه لا يجوز الاقدام على هلاك أحد و إتلافه بذنبه و ان كانت عقوبته القتل أو الرجم فإنّه لا بدّ من اجراء الحدّ عليه بالنحو المشروع و المنهاج المأثور لا مطلقا و لا يجوز قتله بالجوع و العطش.

السادس: انّه قد استشكل بعض الأعاظم قدّس سرّه في شمول لفظ الجناية المذكورة في صحيح هشام، للزنا،

قال: و التعبير بالجناية في السؤال و شمولها لارتكاب الزنا لا يخلو عن النظر و ان كان الجواب مناسبا انتهى.

و فيه انّ ذكر الصحيحة في كلماتهم رضوان اللّٰه عليهم أجمعين عند البحث عن ارتكاب الزنا و الالتجاء في الحرم شاهد على انّهم بأجمعهم قد فهوا شمول الجناية لمثل الزنا و سائر موجبات الحدّ.

و السرّ في ذلك و وجهه هو انّ للجناية معنيين أحدهما إيجاد الجرح و إيصال الألم إلى بدن الإنسان كلّه أو بعضه و الأوّل جناية

النفس و الثاني جناية الطرف.

ثانيهما ذنب أخذ الإنسان بعقوبته، و الزنا و ان لم يشمله الجنابة بمعناها الأوّل لكنّها تشمله بمعناها الثاني.

هذا مضافا الى انّ الراوي أطلق الجناية و اجابه الإمام بأنّه لا يقام عليه الحدّ و هذا ظاهر في كون الموضوع هو ما له حدّ في الشرع و ليس المراد هو إيراد ما يعاقب المورد على مثله، و ليس هذا الّا لواحد من الوجهين فامّا ان تكون الجناية هو الذنب الذي له عقوبة و امّا انّه كان هناك قرينة على انّ مقصود السائل هو هذا و كان الامام عليه السّلام عالما بذلك.

السابع: انّ الضمير في قوله تعالى:

وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً، و ان كان يرجع الى البيت المذكور في الآية السابقة و هي قوله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ «1»، الّا انّ المراد بحسب الآثار هو مطلق

______________________________

(1) سورة آل عمران الآية 97.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 396

الحرم.

نعم يستثني من الحكم المزبور و هو عدم جواز اقامة الحدّ في الحرم فيما إذا كان الجاني قد ارتكب الجرم في الحرم فإنّه يقام عليه الحدّ فيه و ذلك لانّه بنفسه قد هتك الحرم و ضاع حرمته و لم يراعها.

و تدل على ذلك صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام التي مرّ نقلها فان في آخرها: و ان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم فإنّه لم ير للحرم حرمة.

الّا انّ في مرسل الصدوق ما ينافي ذلك، و إليك نصّه: قال الصادق عليه السّلام و لو انّ رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة و من الحرم و ضربت عنقه «1».

فهذا يفيد انّه يخرج

الجاني من الحرم و يقام عليه الحدّ في خارجه مع انّه قد ارتكب الجناية في الحرم.

و قال صاحب الجواهر: و لعلّه الأحوط و الاولى.

و لكن الظاهر عندي خلاف ذلك، و ذلك لما مرّ من تصريح صحيح هشام بأنّ الجاني في الحرم يقام عليه الحدّ في نفس الحرم معلّلا بأنّه لم ير للرحم حرمة، و ليس لنا ما يدل على اعتبار إخراجه إلى خارج الحرم سوى هذا المرسل، و كيف يمكن رفع اليد عن الرواية الصحيحة برواية مرسلة لا يقوّيها شي ء سوى ما ذكره الصدوق بنفسه في مقدّمة كتابه- من لا يحضره الفقيه- بقوله: و لم اقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما افتى به و احكم بصحّته و اعتقد فيه انّه حجّة فيما بيني و بين ربّى تقدّس ذكره و تعالت قدرته «2».

هذا مضافا الى انّه قدّس سرّه قد رجع عمّا وعد، و أورد في كتابه ما لا يعمل و لا يفتي به أيضا و على هذا فليس في قبال الخبر الصحيح الصّريح في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 9 الباب 46 من مقدمات الطواف الحديث 3.

(2) من لا يحضره الفقيه الجلد 1 الصفحة 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 397

لزوم إخراجه إلى الخارج و اجراء الحد عليه في غير الحرم في مفروض المقام دليل حجّة يدلّ على إخراجه إلى خارج الحرم، فهنا يحدّ في نفس الحرم، و الاحتياط يقتضي ذلك.

حكم من جنى في حرم النبي أو الأئمة عليهم السّلام

ثم انّ ما ذكرناه كان بالنسبة إلى الحرم المعهود، و ما هو المتبادر من الحرم، المعهود بمكة المشرّفة فحينئذ تصل النوبة إلى البحث في انّه هل الحكم في حرم المدينة و حرم الأئمة عليهم السّلام أيضا

كذلك أم لا؟

قد الحق ابن حمزة خصوص حرم النبي الأعظم صلّى اللّٰه عليه و آله [1].

و عن شيخ الطائفة إلحاق حرم النبي و كذا الأئمة عليهم السّلام به [2] و حكى ذلك أيضا عن الحلّي.

و لكن خالف في ذلك الشهيد الثاني قدّس سرّه فقال في المسالك:

و الحق به بعضهم حرم النبي و الأئمة عليهم السّلام و هي مشاهدهم المشرّفة، و لم نقف له على مأخذ صالح انتهى. كما انّ صاحب الجواهر قال بعد نقل القولين: و لا دليل على شي ء منهما.

و نحن نقول انّ كلّ واحد من هذين العلمين قد تمسّك بالاحترام في قبال الآية الكريمة و الرواية الشريفة، فإذا كان الدليل الذي يتمسك به في عدم اقامة الحدّ على المحرم في الحرم هو الاحترام فهذه العلّة موجودة في ما نحن فيه و ذلك لانّ أخذ من دخل دارا من تلك الدار اهانة بصاحب البيت عرفا، و كانت العرب يعتبر ذلك أعظم اهانة بالنسبة اليه و لذا كان هاني بن عروة رحمة اللّٰه عليه الذي قد أجار مسلما و حماه و آواه في داره بذل له تمام النصرة و امتنع شديدا من تسليمه الى ابن زياد و اختار القتل على ذلك و قال لابن زياد: و اللّٰه لا آتيك بضيفي لتقتله ابدا، و لمّا قال له ابن زياد لتأتيّني به، قال: و اللّٰه لا آتيك به،

______________________________

[1] أقول: فإنّه عبّر بقوله: أو في الحرمين إذا التجأ إلى أحدهما.

[2] قال في النهاية: و لا يقام الحدّ أيضا على من التجأ إلى حرم اللّٰه و رسوله أو حرم أحد من الأئمة إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 398

و في رواية و اللّٰه لو انّه تحت قدميّ

ما رفعتهما عنه و لا أجيئك به.

و انّى أتذكر أنّ بيوت العلماء و منازلهم كانت مأمنا للملتجئين و الواردين حتّى انّ الحكّام و السلاطين كانوا يهمّون ذلك و يهتمّون به كما انّ حرم الامام الرضا عليه السّلام كان مأمنا للواردين و اللائذين و الملتجئين على مرّ الدهور و الأعصار الى ان جاء پهلوى الطاغوت و نقض هذا الأمان، بعد ان كان الأمر بحيث قد عرف بعض الشوارع و البيوت المتّصلة بالحرم الشريف بذلك العنوان و بقي له هذا العنوان و الاسم الى يومنا هذا.

و على الجملة فهذا الأمر عرفي دائر بين الأقوام، و العرف يرى إخراج أحد من دار دخل فيها و لجأ إليها اهانة بربّ البيت و قد امضى الشارع هذا الأمر العرفي و لم يردع عنه كما في حرم اللّٰه سبحانه، و من المعلوم انّ هذه العلّة و الخصوصيّة لا تختصّ بحرم اللّٰه بل هي جارية في حرم الرسول و الأئمة الطاهرين، و على هذا فالأحوط بل الأقوى عندنا مراعاة حرمة حرمهم و عدم التعرض لمن دخل تلك المشاهد الشريفة و المواقف الكريمة، و قد اتى بما أوجب الحدّ، الى ان يخرج منه.

لا يقال: انّ لازم ذلك هو إسراء الحكم المساجد و حرم أنباء أئمّة عليهم السّلام أيضا.

لأنّا نقول: انّ ما ذكرناه جار في كلّ حرم يوازن حرم اللّٰه سبحانه أو يقرب منه في الحرمة و التكريم كحرم المعصومين عليهم السّلام، فلا يجري في مطلق المشاهد المشرّفة و البقاع المقدّسة نعم هتك تلك المشاهد و الأماكن محرّم قطعا.

الترتيب في الحدود المجتمعة

قال المحقّق: إذا اجتمع الجلد و الرجم جلد أوّلا و كذا إذا اجتمعت حدود بُدئ بما لا يفوت معه الآخر.

أقول: إذا اجتمع على المكلّف حدّ

و تعزير أو حدّان فصاعدا و أمكن

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 399

الجمع بحيث لا ينافي إجراء واحد اقامة الباقي فلا محالة يجمع بين الأمور اللازمة و يتخيّر المستوفى بين تقديم اىّ واحد و تأخيره، كما إذا وجب على أحد الجلد و القطع و التعزير، و امّا إذا لم يمكن الجمع مطلقا و ان أمكن الجمع في بعض الصور و بعبارة أخرى لو كان أحد الحدّين مثلا بحيث لو قدّم على الآخر ينتفي موضوع الآخر دون العكس فهناك يجب تقديم ما أمكن معه اجراء الباقي و ذلك كما إذا اجتمع حدّ السرقة و الجلد لحدّ الزنا غير المحصن، و الرجم أو القتل كزنا المحصن أو الزنا بالمحارم فإنّه لو قدم الرجم أو القتل لم يبق موضوع و مورد للقطع و الجلد، و لا عكس، فيجب تقديم الجلد و حدّ السرقة ثمّ الرجم أو القتل، و البدأة بما لا يفوت معه الباقي.

و الدليل على ذلك أولا القاعدة العقلية فإنّ إذا كان هناك تكليفان و أمكن العمل بهما و الجمع بينهما وجب ان يؤتى بكلّ واحد منهما عملا بالتكليفين المستقلين، و العقل لا يجوّز البدأة بما لا يبقى معه موضوع الآخر لانّه لا يجوز ازالة التكليف الإلهي فيقدّم الجلد كي يجمع بين التكليفين.

و ثانيا الاخبار الشريفة فقد وردت نصوص مستفيضة معتبرة تدلّ على ذلك ففي صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ثم يقتل بعد ذلك «1».

و عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، قال: كان علىّ عليه السّلام

يقيم عليه الحدّ ثم يقتله و لا تخالف عليّا عليه السّلام «2».

و عن محمّد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يؤخذ و عليه حدود أحدها القتل، فقال: كان علىّ عليه السّلام يقيم عليه الحدود ثم يقتله و لا تخالف عليّا عليه السّلام «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 400

و عن حمّاد بن عثمان عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في الرجل يكون عليه الحدود منها القتل، قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل و يقتل بعد «1».

و عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل، قال: يبدأ بالحدود التي هي دون القتل و يقتل بعد «2».

و عن سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في من قتل و شرب خمرا و سرق فأقام عليه الحدّ فجلده لشربه الخمر و قطع يده في سرقته و قتله بقتله «3».

و عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: أيّما رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل فإنّه يبدأ بالحدود التي دون القتل ثم يقتل «4».

و هنا بحث و هو انّه هل الأوامر في تلك النصوص مولويّة بحيث لو خولف الترتيب و قدّم القتل لما وقع الحدّ أصلا بل كان هو جناية صدرت من المجرى و يترتّب عليها الضمان و على الجملة فيكون المقام كصلوتي الظهر و العصر، حيث انّ صلاة العصر مترتّبة على صلاة الظهر، و لو قدّم صلاة

العصر لكانت باطلة، أو انّ الأوامر الواردة فيها إرشاديّة ترشد الى ما يحكم به العقل حيث انّه حاك بلزوم مراعاة كلا التكليفين مع الإمكان؟

و تظهر الثمرة فيما أشرنا إليه من انّه على الأوّل كان ما اتى به جناية و عصيانا للأمرين و ذلك لترك الأوّل رأسا مع إمكان الإتيان به و ترك الثاني لعدم الإتيان بشرائطه. و لم يتحقّق حدّ أصلا في حين انّه على الثاني كان ما صدر منه هو الحدّ غاية الأمر انّه قد انتفى بهذا الحدّ موضوع الآخر و يصدق انّه قد فعل ذلك و ترك الآخر و يعاقب على ترك الثاني.

و قد تقدّم مثل ذلك في إجراء الحدّ في غير اعتدال الهواء و انّ الكلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 401

يأول إلى وحدة المطلوب و تعدّده.

و الظاهر انّ المقام من قبيل تعدّد المطلوب و إرشاد العقل نظير قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ، حيث انّ العقل يحكم بذلك و ان لم يكن شرع فعند ما ورد في القرآن الكريم و على لسان اللّٰه تعالى يكون للإرشاد الى ما حكم به العقل، و يبعد جدّا ان يحصل الجزم بتعبّد زائد على ذلك في الأمر بتقديم الجلد على القتل أو الرجم.

نعم لو اشترطت العدالة أو القربة في المجرى فلا بدّ من ان يفرض البحث في ما إذا كان ناسيا مثلا و اتى بالمؤخّر أوّلا.

لا يقال:

انّه ينافي الإرشادية ما ورد في الرواية عن علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخذ و عليه ثلاثة حدود: الخمر و الزنا و السرقة بأيّها يبدأ به من الحدود؟ قال: بحدّ الخمر ثم السرقة ثم الزنا [1].

لأنّا تقول: انّ ذكر الزنا في الآخر محمول- بقرينة سائر الروايات- على ما إذا كان مع الإحصان، و امّا تقديم الجلد للخمر على القطع للسرقة المستفاد من لفظة (ثم) فلا جل انّ تقديم القطع على الجلد قد يوجب تفويت الموضوع، و على الجملة فالاحتفاظ على إيقاع كلّ واحد من هذه الحدود يقتضي تقديم الجلد على القطع و القطع على الرجم أو القتل.

ثم انّه قد ظهر بما ذكرنا انّ هذا البحث غير البحث الذي تقدم مفصّلا من انّه هل يجب في مورد رجم الزاني جلده أيضا أو انّه يكتفى برجمه وحده فان الكلام في المقام في الموارد التي ثبت انّ حدّ المجرم هو الاثنان فصاعدا و بعد الفراغ عن تعدّد الحدّ فاذا وجب في مورد الجلد و الرجم مثلا فهناك يبحث في انّه اىّ واحد منهما يقدّم و أيّهما يؤخّر، في حين انّ الكلام في ذلك البحث في أصل التعدّد و عدمه.

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من مقدمات الحدود الحديث 3. و قد أورد الإشكال، هذا العبد و أجاب أدام اللّٰه بقاه بما في المتن.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 402

الكلام في توقع برء جلده و عدمه

اشارة

قال المحقّق: و هل يتوقّع برء جلده و عدمه؟ قيل نعم تأكيدا في الضرب و قيل: لا، لانّ القصد الإتلاف.

أقول: انّ في المسئلة أربعة أقوال: أحدها وجوب التأخير، ثانيها استحبابه، و اقتصر في الشرائع على نقل هذين، ثالثها المنع و

عدم جواز التأخير رابعها جواز التأخير بيوم لا أزيد فقد حكى عن الإسكافي القول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم.

و قد نسب الأوّل إلى الشيخين و ابن زهرة و ابن حمزة و ابن البرّاج و ابن سعيد، و استدلّ على ذلك بقولهم تأكيدا للضرب و الزجر.

توضيح ذلك انّ للجلد المين أحدهما الم إيقاع الضرب عليه، ثانيهما الألم الباقي في موضع الضرب إلى مدّة حتّى يبرأ، فإذا لم يتوقّع البرء في المقام فقد قلّ إيلامه و زجره فيجب تأخيره حتّى يذوق الالمين جميعا.

و نحن لا نعلم من أين استفادوا لزوم التأكيد في الزجر ا فهل كان هذا استنباطا من أصل تشريع الحدّ حيث انّه كان للايلام و أذاقه الألم له. فاستفيد من ذلك اعتبار إيذائه و إيراد الألم عليه حتّى بإمهاله بعد جلدة الى ان يبرأ ثم بعد ذلك يرجم أو يقتل، أو انّهم اعتمدوا في ذلك على الآية الكريمة و استندوا إليها حيث يقول الهّٰ سبحانه بعد الأمر بجلد الزانية و الزاني مأة جلدة:

و لا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّٰه ان كنتم تؤمنون باللّٰه و اليوم الآخر؟

و كيف كان فاستفادة هذا المطلب مشكل امّا على الأوّل فواضح و امّا على الثاني فقد وردت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام في تفسير الآية انه قال: في إقامة الحدود «1» هكذا في تفسير الصافي عن التهذيب، و على هذا فالآية الكريمة غير متعلقة بهذا المطلب و لا ربط لها به بل المقصود منها ان لا تحمل الرأفة

______________________________

(1) التهذيب الجلد 10 الصفحة 150 وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 403

و الرحمة على ترك اجراء الحدود

المقرّرة، سلّمنا انّ الآية متعرّضة لما نحن بصدده لكنّها في مورد الزاني فكيف نقول بذلك في جميع الموارد و نحكم بوجوب تأخير القتل أو الرجم الى ان يبرأ؟

هذا مضافا الى انّه على ما ذكروه يلزم الحكم بعدم جواز مداواته ليبرأ و تندمل جراحاته و لا ان يدهن بدنه المجروح حتّى يذوق الم الجلد و الجراحة كليهما تأكيدا للزجر، و هذا في غاية البُعد.

و العمدة هو انّ هذا ينافي عدم التأخير المعتبر في إقامة حدود اللّٰه تعالى و قد عرفت مبلغ تأكيد الشارع و شدّة إصراره و اهتمامه على إيقاع الحدود سريعا و مضى انّه قد بلغ التأكيد في ذلك الى انّ المريض إذا لم يكن بحيث يبرأ عاجلا يضرب في حال مرضه بالضغث كي لا يؤخّر الحدّ.

و قد ظهر بما ذكرنا انّه لا وجه لاستحباب ذلك أيضا و كيف نقول باستحباب ما يؤل إلى التأخير في إجراء الحدّ بل الحق هو عدم جواز التأخير أصلا، و لو كان مستند القول بالاستحباب هو التأكيد في الزجر، ففيه ما ذكرناه على القول بالوجوب.

و امّا ما ذكره ابن الجنيد من القول بوجوب الجلد قبل الرجم بيوم فهو لأجل الخبر: انّ أمير المؤمنين عليه السّلام جلد شراحة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة «1».

و أورد عليه في الرياض بقوله: و هو شاذّ كالمنع عن التأخير بل لعلّه احداث قول ثالث لاتفاق الفتاوى على الظاهر على جوازه و ان اختلفوا في وجوبه و عدمه و على هذا فالتأخير لعلّه أحوط و ان لم يظهر للوجوب مستند عليه معتمد، نعم نسبه في السرائر إلى رواية الأصحاب انتهى.

أقول: انّ وجه عدم ظهور مستند يعتمد عليه في الحكم بوجوب التأخير واضح فقد مرّ

انّ اعتمادهم في ذلك على التأكيد على الزجر، و قد قدّمنا ما فيه و امّا الاستناد إلى رواية الأصحاب، فهو في حكم خبر مرسل بل لعلّه أدون من

______________________________

(1) راجع سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 220.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 404

المرسل و ذلك لانّه استظهر ذلك منهم، و أين هو من الاستناد الى الخبر مرسلا فهذا لا ينفعنا شيئا.

و امّا كون التأخير أحوط، ففيه انّه لو كان الأمر يدور بين الوجوب و الجواز لصحّ القول بانّ الاحتياط في الإتيان به رعاية لاحتمال الوجوب، و ليس هنا كذلك، و ذلك لاحتمال حرمة التأخير، فإنّ مقتضى أدلّة وجوب التسريع في الحدود هو عدم التأخير فيها أصلا، و على هذا فليس في التأخير احتياط، و ليست الفتاوى بحيث يطمئن ببلوغها حدّ الإجماع، فهذا هو المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه و قد افتى بوجوب التسريع و عدم تأخير الى ان يبرأ فقال في مجمع البرهان: يجوز بل يجب ان يقتل بعد ذلك بما لا يعدّ تأخيرا انتهى، و الأقوى بنظرنا أيضا هو هذا.

و امّا التأخير إلى يوم فلعلّه كان بنحو لا ينافي الفورية العرفيّة أو كان الحكم به لجهات خارجيّة.

تذكرة و تتميم

ثم انّه لو مات المحدود في أثناء الجلد يسقط عنه باقي الضربات كما يسقط عنه الرجم أيضا لفوات الموضوع و لا ضمان أصلا و ذلك للإتيان بما هو وظيفته من إيقاع الجلد قبل الرجم، بخلاف ما لو عكس الترتيب فقدّم الرجم فإنّه قد فوّت التكليف بالجلد بتقديم الرجم على الجلد و عصى بذلك، و امّا الضمان فهو موقوف على وحدة المطلوب و تعدّده فعلى الأوّل فهو ضامن و على الآخر فلا و لو شك في وحدة المطلوب

و تعدّده و شكّ في الضمان و عدمه فالأصل عدم الضمان.

كيفيّة وضع المرجوم حال رجمه

اشارة

قال المحقّق: و يدفن المرجوم الى حقويه و المرأة إلى صدرها.

أقول: انّ الكلام هنا في موارد، أحدها في اعتبار حفر الحفيرة و عدمه

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 405

ثانيها في اعتبار الدفن و عدمه ثالثها في تعيين المقدار الذي يعتبر سترة أو دفنه في الحفيرة الى غير ذلك و قد اختلفت كلماتهم رضوان اللّٰه عليهم بالنسبة الى كلّ واحد من هذه الأمور [1].

و إليك قسما من كلماتهم: قال في المقنعة: تحفر له حفيرة إلى صدره ثم يرجم بعد ذلك و قال أيضا: و إذا وجب على المرأة رجم حفر لها بئر إلى صدرها كما يحفر للرجل ثم تدفن فيها الى وسطها و ترجم هذا إذا كان عليها شهود بالزنا و ان كانت مقرّة بلا شهود لم تدفن و نزلت كما ينزل الرجل إلخ.

و قال الصدوق في المقنع: و الرجم ان يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها فتكون بطوله الى عنقه فيرجم و يبدأ الشهود برجمه إلخ.

و قال سلّار في المراسم: و تحفر له حفيرة و يقام فيها الى صدره ثم يرجم و المرأة تقام الى وسطها. إلخ.

و في الغنية يحفر للمرجوم حفيرة يجعل فيها و يردّ التراب عليه الى صدره و لا يردّ التراب عليه ان كان رجمه بإقراره.

قد مضى انّ المحقّق قال بدفن المرجوم، و هو ردّ التراب عليه بعد وضعه في الحفيرة.

و حيث انّ الأصل في ذلك هو الاخبار فاللازم هو المراجعة إليها و النظر فيها و الاستظهار منها.

فعن ابى بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها و يرمى

الإمام ثم يرمى الناس بعد بأحجار صغار «1».

و عن سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمى الامام و يرمى الناس بأحجار صغار و لا يدفن الرجل إذا رجم الّا الى

______________________________

[1] لم يكن في الكلمات التي نقلها دام ظله العالي ما يدلّ على وجود قول بعدم الحفر أو الترديد فيه لكن كلام الشهيد الثاني في المسالك ظاهر في الترديد في ذلك و أظهر منه في ذلك كلام الأردبيلي فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 406

حقويه «1».

و عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه الى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، ثم ذكر انّه أقرّ أربع مرات- الى ان قال- فأخرجه إلى الجبّان فقال: يا أمير المؤمنين أنظرني أصلّي ركعتين ثم وضعه في حفرته. فأخذ حجرا فكبّر اربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة أحجار في كلّ حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السّلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ رماه الحسين عليه السّلام فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام فأمر فحفر له و صلّى عليه و دفنه «2».

و عن الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتّى يقام عليه الحدّ؟ فقال:

يردّ و لا يردّ، فقلت: و كيف ذاك؟ فقال: ان كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يردّ و ان كان انّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب ردّ و

هو صاغر حتّى يقام عليه الحدّ و ذلك انّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بالزنا فأمر به ان يرجم فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه ثم أخبروا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بذلك فقال لهم: فهلّا تركتموه إذا هرب يذهب فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه «3».

و عن ابى العبّاس قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: اتى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله رجل فقال: انّى زنيت فصرف النبي صلّى اللّٰه عليه و آله وجهه عنه. فأقرّ على نفسه الرابعة، فأمر به رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ان يرجم فحفروا له حفيرة فلمّا ان وجد مسّ الحجارة خرج يشتدّ فلقيه الزبير فرماه بساق

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزّنا الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من حدّ الزنا الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 407

بعير «1».

و عن ابى بصير و غيره عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له: المرجوم يفرّ من الحفيرة فيطلب؟ قال: لا و لا يعرض له ان كان اصابه حجر واحد لم يطلب فان هرب قبل ان تصيبه الحجارة ردّ حتّى يصيبه الم العذاب «2».

و عن ابى مريم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: انّى قد فجرت فاعرض بوجهه عنها. ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفيرة إلى الحقو و موضع

الثديين و أغلق باب الرحبة و رماها بحجر «3».

الى غير ذلك من الروايات و هي متّفقة في اعتبار إدخاله في الحفيرة و فيها ما هو الصحيح كرواية أبي مريم، و الموثّق كخبر سماعة، و لو كان كلّها ضعيفا فأيضا يعمل به و ذلك لانّه المشهور بينهم كما صرّح بذلك في الجواهر.

نعم بعض الاخبار ساكتة عن ذكر ذلك لكنّه ليس في مقام البيان من هذا الجهة و لم يرد فيها التصريح بالعدم حتّى يحصل التعارض سوى ما عن ابى سعيد الخدري في قصّة ماعز: أمرنا رسول اللّٰه (ص) برجمه فانطلقنا به الى بقيع الغرقد فما اوثقناه و لا حفرنا له حفيرة و رميناه بالعظام و المدر و الخزف.

لكن الرواية عامية منقولة عن سنن البيهقي فلا تقاوم تلك الروايات العديدة الدالة على ذلك، و هكذا ما نقلوه من انّ النبي (ص) حفر للعامرية و لم يحفر للجهنيّة.

هذا مضافا الى انّ قصّة ماعز منقولة بطرقنا أيضا و قد ذكر فيها انّه حفر له فراجع رواية حسين بن خالد المنقولة آنفا.

نعم قد يستشكل في دلالة الروايات لكونها متضمّنة للجملة الخبريّة بدل الأمر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من حدّ الزنا الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 408

و فيه انّ الجملة الخبريّة أيضا تدلّ على الوجوب كالأمر بل أنّها أظهر في إفادة الوجوب و ذلك لانّ من يأتي بالجملة الخبريّة يرى القضيّة محقّقة الوقوع و كأنّه يخبر عن أمر سيقع و لا يحتمل الخلاف في حين انّ الأمر لا يدلّ على أزيد من طلب

الفعل و لا فرق فيما ذكرنا بين المضارع المعلوم و المضارع المجهول فكما انّ المضارع المعلوم يدلّ على الوجوب كذلك المجهول منه.

هذا كلّه مضافا الى ما دل على الوجوب من التأسي بفعل النبي و الوصيّ صلوات اللّٰه عليهما و آلهما.

و ما نقلوه من عدم الحفر للجهنية، أو عدم الحفر لماعز فمضافا الى ما مرّ، أنهما حكاية فعل في بعض الاحايين و هو ليس بحجّة و لو فرض ظهور الفعل في عدم الوجوب فهذا لا يقاوم ظهور القول في الوجوب و ذلك لانّ وجه الفعل ليس بمعلوم لنا، و لا مكان طروّ العارض الحامل على عدم الحفر.

و مع ذلك كلّه لو شك في اعتبار الحفر فلا شكّ في حسنه و انّما البحث في الوجوب و الاستحباب و من المعلوم انّ الوظيفة حينئذ مراعاة ذلك، و على الجملة فوجوب حفر الحفيرة أحوط لو لم يكن أقوى.

فتحصّل انّ ما ذكره المشهور هو الصحيح فيلزم الحفيرة و امّا القول بعدم اعتبارها فهو شاذ و لعلّ القائل حمل هذه الاخبار على الاستحباب و الّا فلا دليل عليه ظاهرا هذا بالنسبة إلى اعتبار حفر الحفيرة و وجوب ذلك.

و امّا الدفن فقد عبّر بذلك بعض الفقهاء كما رأيت ذلك في عبارة المحقّق و هو مذكور في قسم من الروايات أيضا و قد تقدّم ذلك قريبا.

و غير خاف انّ الدفن بمعناه المعهود المذكور في باب الأموات هو المواراة في الأرض بحث يختفى المدفون عن تناول يد الغير و رؤيته، و هذا المعنى غير مناسب للمقام الذي يجب الرجم و الرمي فإنّ دفنه كالميّت ينافي الرجم، و الدفن بذاك المعنى مذكور في بعض الروايات بالنسبة الى ما بعد موته كما في مرفوعة أحمد بن

محمد بن خالد حيث قال فيها: فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام فأمر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 409

فحفر له و صلّى عليه و دفنه «1».

و يشهد لما ذكرناه ما رواه محمّد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

الذي يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه لانّ الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه و انّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها «2».

و ذلك لأنّه إذا دفن في الأرض خصوصا لو كان بحيث دفن الى ثدييه أو منكبيه فلم يبق من جسده حتّى يقال: انّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها، فلا بدّ ان يكون المراد من الدفن و الستر هو نفس الستر في الأرض.

و الإنصاف انّ إثبات إرادة مجرّد الستر في الحفيرة مشكل، و الظاهر انّ المراد من دفن المرجوم الوارد في الروايات هو مواراته الى الموضع المعتبر، في الحفيرة ردّ التراب عليه.

و امّا قوله عليه السّلام في رواية محمد بن مسلم: و انّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها، فلا ينافي ما ذكرناه و ذلك لانّ الضرب على الأعضاء كلّها، كان قد وقع عقيب قوله: لا يصيبان الوجه و يؤكّد عدم وقوع الضرب على الوجه و الرأس لا ان يكون العناية على وقوع الضرب على كلّ موضع موضع من جسده.

و امّا منافاة الدفن بهذا المعنى للفرار الذي يكون في من ثبت زناه بالإقرار موجبا لتخلية سبيله. ففيه انّ ردّ التراب و طمّه لا ينافي الفرار باعمال شدة و قوّة و لا يجب تسهيل سبيل الفرار على المحكوم بالرجم و انّما المسلّم هو انّه لو فرّ يترك بحاله و يخلّى سبيله لا أزيد من ذلك و

لا أكثر.

و امّا الحد و المقدار الذي ينزل و يجعل من المرجوم في الحفيرة فالأخبار المتعرّضة لذلك مختلفة منها ما اقتصر فيه على ذكر دفن المرأة إلى وسطها و ذلك كرواية أبي بصير، و لا تعرّض فيها للرجل أصلا، و منها ما يدل على انّه تدفن المرأة إلى وسطها و لا يدفن الرجل الّا الى الحقوين و ذلك كرواية سماعة، و منها ما ورد في فعل أمير المؤمنين عليه السّلام من انّه دفن المرأة المقرّة بالزنا الى الحقوين

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 410

كرواية صالح بن ميثم، و منها ما يقول بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أدخل المرأة التي ثبت عليها الرجم في الحفرة إلى الحقو و موضع الثديين.

و الحقو هو معقد الإزار و امّا الوسط فلا يخلو المراد منه عن إجمال، و مقتضى مقابلة الوسط في المرأة في موثّق سماعة، الحقوين في الرجل هو ان يكون الوسط ما يقرب الثديين مثلا و الّا فلا وجه للتفصيل المزبور، و هذا ينافي ما ورد في رواية صالح من دفن المرأة المقرّة الى الحقوين كما انّ رواية أبي مريم لا تساعد شيئا من الروايات لانّ المعتبر بحسبها دفن المرأة إلى الحقو و موضع الثديين فاذا كان (الى) لانتهاء الغاية و كانت الغاية الحقو فما وجه ذكر موضع الثديين- مع انّه لو كان المعتبر هو موضع الثديين فالحقو داخل لا محالة و لا ينفك عند ابدا بخلاف العكس-؟

و يمكن ان يكون المقصود هو ستر كلّ هذه المواضع الى موضع الثديين و

ان كان ذلك خلاف الظاهر، و على الجملة فلو كان الملاك هو موضع الثديين فيمكن الجمع بين هذا و بين ما دلّ على الدفن الى الوسط ان كان المراد من الوسط هو ما يحاذي الصدر، و لو أريد منه ما يحاذي موضع الإزار فهو يساعد رواية صالح الدّالة على دفنها الى الحقوين لكن لا يساعد ما دلّ على وجوب دفنها الى موضع الثديين.

اللهمّ الّا ان يقال: انّ الحدّ الأقلّ هو الى الحقوين و الأكمل هو الى الصدر و الثديين، و الوسط هو الوسط بينهما.

و قد حكى صاحب الجواهر رواية أبي مريم، بلفظ: دون موضع الثديين، بدل: موضع الثديين، بل هكذا كانت في بعض السنخ الأصليّة الروائية [1] و هذا يسهلّ الأمر و يرفع الاشكال، و ان كان يبقى الإشكال بأنّه لا يساعد ما ورد من اعتبار الصدر في المرأة.

و كيف كان فالظاهر هو ما افاده المشهور من لزوم دفن المرجوم الى حقويه ان كان رجلا، و الى الصدر ان كان امرأة، كما هو مقتضى قوله عليه السّلام في موثق

______________________________

[1] أقول: لكن في نسخة الفقيه المطبوعة جديدا: و موضع الثديين، فراجع الجلد 4 الصفحة 30.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 411

سماعة: تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمى الامام. و لا يدفن الرجل إذا رجم الّا الى حقويه، و ما ورد من انّه صلّى اللّٰه عليه و آله حفر للعامريّة الى الصدر و انّه صلوات اللّٰه عليه رجم امرأة فحفر لها الى الثندوة، فان الثندوة هو موضع الثدي، الى غير ذلك من الروايات.

بقي في المقام أمران

أحدهما انّ المحقّق لم يتعرّض للحفر أصلا و انّما اقتصر على قوله:

و يدفن المرجوم، و أضاف في الجواهر قبل ذلك، قوله:

و يجب ان.» حتّى يفيد انه و لو فرض استظهارهم- كالشهيد الثاني- عدم الوجوب، فهو بنفسه استظهر الوجوب و يقول بذلك.

ثم استدلّ على وجوب الدفن بقوله: للأمر بالحفر له في جملة من النصوص المعتبرة إلخ.

و نحن نقول: هل المراد منه انّه إذا وجب الحفر وجب الدفن أيضا ففيه انّه لا ملازمة لإمكان أن يجعل في الحفيرة بدون الدفن اى ردّ التراب و طمّه، هذا مضافا الى عدم ورود الأمر بالحفر في هذه الروايات حتّى بلفظ المضارع بل هي متعرّضة للدفن فقط نعم ورد في ثلاثة من الروايات انّه صلوات اللّٰه عليه أمران يحفر له حفيرة، فلو كان نظره من وجوب الدفن الى هذه الروايات ففيه ما ذكرناه من عدم الملازمة.

نعم يمكن التمسك بالسيرة في موارد الرجم فإنهم صلوات اللّٰه عليهم كانوا يحفرون و يدفنون المرجوم في الحفيرة.

و كيف كان فلو لم يكن الروايات صريحة في الوجوب فلا أقلّ من انّ الاحتياط هو الحفر و الدفن.

ثانيهما انّه هل الحفر و الدفن واجبان مستقلّان أو انّهما شرطان في الحدّ؟ الظاهر هو الأوّل، و استفادة الشرطية مشكلة جدّا، و على هذا فلو وقع الرجم بدون ذلك فقد تحقّق أمر الرجم و صحّ، و الّا لكان اللازم التعرّض له

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 412

و التصريح به في النصوص و الكلمات، و التنصيص على انّ الرجم بدونهما ليس برجم شرعي بل هو قتل و جناية، فعدم التعرض و التصريح يدلّنا على انّ هذين الأمرين من قبيل الواجب في الواجب لا من قبيل القيد و الشرط.

حكم فرار المحكوم بالرجم عن الحفيرة

اشارة

قال المحقّق: فان فرّ أعيد ان ثبت زناه بالبيّنة، و لو ثبت بالإقرار لم يعد و قيل ان فرّ قبل اصابته

بالحجارة أعيد.

أقول: امّا الحكم الأوّل و هو انّه إذا فرّ المرجوم عن الحفيرة أعيد ليتمّ رجمه ان كان زناه قد ثبت بالشهود، فتدلّ عليه أمور: الأصل و الإجماع و النصوص.

و المراد من الأصل هو أصالة عدم سقوط الرجم الثابت بثبوت موجبه، بفراره من الحفيرة، فإذا دلّ الدليل على وجوب الرجم و شكّ في انّ الفرار مسقط له أم لا فالأصل هو العدم و بقاء ما ثبت عليه من الحدّ.

و وجه ذكر الأصل مع وجود النصوص في المسئلة هو انّه لو لم يتم الاستدلال بها عند أحد و سقطت عن حدّ الاعتبار و صلاحية الاستدلال و وصلت النوبة الى الأصل كان مقتضاه ما ذكره.

و امّا الإجماع ففي الجواهر: لا خلاف أجده فيه انتهى و في كشف اللثام- بعد قول العلّامة: فإن فرّ أحدهما أعيد ان ثبت الزنا بالبيّنة-: إجماعا كما هو الظاهر انتهى و في الرياض: فان فرّ أحدهما من الحفيرة أعيد إليها ان ثبت الموجب لرجمها بالبيّنة بلا خلاف أجده فيه بل عليه الإجماع في عبائر جماعة و هو الحجّة إلخ.

و امّا النصوص فهي الأخبار الآتية الصريحة في ذلك.

و امّا لو ثبت زناه بالإقرار و فرّ عند رجمه من الحفيرة فإنّه لا يعاد إليها بل يخلّى و سبيله و يترك بحاله مطلقا على ما ذهب اليه المفيد و الحلّي و سلّار و ابنا سعيد بل المشهور أو بشرط اصابة الحجر له لا مطلقا على ما ذهب اليه الشيخ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 413

في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة.

قال الأوّل: إذا أراد الامام ان يرجمه فان كان الذي وجب عليه ذلك قد قامت عليه به بيّنة أمر بأن يحفر له حفيرة

و دفن فيها الى حقويه ثم يرجم و المرأة مثل ذلك تدفن الى صدرها ثم ترجم فان فرّ واحد منهما من الحفيرة ردّ حتّى يستوفي منه الحدّ بالرجم و ان كان الرجم وجب عليهما بإقرار منهما على أنفسهما فعل بهما مثل ذلك غير انّه إذا فرّا و كان قد أصابهما شي ء من الحجر لم يردّا انتهى «1».

و قال ابن حمزة عند بيان حدّ الرجم: فان فرّ بعد ما مسّته الحجارة لم يرد انتهى و قال بعد ذلك عند بيان ما إذا ثبت عليه الحدّ بالبيّنة: فإن فرّ ردّ على كلّ حال «2».

و الحاصل انّ في المقام مذهبين أحدهما انّ مع إثبات الرجم بالإقرار لا يعاد إلى الحفيرة إن فرّ منها مطلقا ثانيهما انّه فرّ بعد إصابة الحجارة لم يعد و ان فرّ قبل ذلك يعاد و يستوفي منه الحدّ.

و اختار المحقّق و صاحب الجواهر أيضا القول الأوّل.

و قد استدل على ذلك بأمور أحدها: مرسل الصدوق و سيأتي ذكره ثانيها: مفهوم التعليل في خبر حسين بن خالد الآتي ذكره أيضا: «فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه» يعنى انّه يخلّى سبيله إذا فرّ لانّه قد أقرّ فإنّ مفهومه: ان من لم يقرّ بل قامت عليه البيّنة فإنّه يرد و قد يؤيّد ذلك بانّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار الذي لا يرجم معه.

ثالثها: الشبهة و درء الحدّ بها.

رابعها: الاحتياط في الدماء.

و امّا المرسل فهذا: محمّد بن علىّ بن الحسين، قال: سئل الصادق عليه السّلام عن المرجوم يفرّ، قال: ان كان أقرّ على نفسه فلا يردّ و ان كان شهد

______________________________

(1) النهاية الصفحة 699.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة الصفحة 412.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 414

عليه الشهود

يردّ «1».

و مقتضاه انه إذا ثبت الموجب بالإقرار فلا يردّ المرجوم مطلقا سواء قد اصابه من الحجارة شي ء أم لا.

و استدلّ للقول الثاني برواية أبي بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام: انّه ان كان اصابه الم الحجارة فلا يردّ و ان لم يكن اصابه الم الحجارة ردّ «2».

و مقتضى ظاهر هذه انّ الفارق هو الإصابة و عدمها مطلقا فمن أصابته الحجارة لا يردّ إلى الحفيرة سواء ثبت الموجب للرجم بالبيّنة أو بالإقرار، و من لم تصبه يردّ كذلك. و لا تختصّ- بظاهرها- بما إذا أثبت الموجب بالإقرار، و النسبة بينهما هو العموم من وجه. و يجتمعان فيما إذا ثبت الموج بإقرار و لم تصبه الحجارة فإنّ مقتضى المرسل هو عدم الردّ و مقتضى خبر ابى بصير وجوب ردّه.

و في قبال هاتين ما قد جمع بين الإقرار و الإصابة و هو خبر حسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: أخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يردّ حتّى يقام عليه الحدّ؟ فقال: يردّ و لا يردّ، فقلت: و كيف ذاك؟ فقال: ان كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شي ء من الحجارة لم يردّ، و ان كان انّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب ردّ و هو صاغر حتّى يقام عليه الحدّ و ذلك انّ ماعز بن مالك أقرّ عند رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بالزنا فأمر به ان يرجم فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه ثم أخبروا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بذلك فقال لهم: فهلّا تركتموه إذا هرب يذهب فإنّما

هو الذي أقرّ على نفسه و قال لهم: اما لو كان علىّ حاضرا معكم لما ضللتم قال: و ودّاه رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله من بيت مال المسلمين «3».

فحينئذ امّا ان يقال بتعارض الخبرين السابقين و تساقطهما فيرجع الى

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 15 من أبواب حدّ الزّنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 415

رواية حسين بن خالد الناطقة باعتبار كلا الأمرين في عدم جواز الردّ إلى الحفيرة.

و امّا ان يقال بأنّه يلاحظ واحد منهما مع الخاص المشتمل لكلا القيدين و حيث انّ النسبة العموم المطلق فيخصّص العام ثم يلاحظ هذا المقيّد و المخصّص الى العام الآخر فيكون النسبة العموم المطلق فيخصّص العام بالخاص لانقلاب النسبة لكن هذا هو الذي حكاه الشيخ المرتضى قدّس سرّه عن بعض و لم يرتضه و ليس هو المنهاج الدائر بينهم بل البناء على ملاحظة النسبة بينهما و بالنسبة إلى الخاص و النتيجة انّ بين الدليلين الأولين بنفسهما عموما من وجه و بين كلّ واحد منهما مع الثالث أي رواية ابن خالد العموم المطلق و يؤل إلى انّه لو قيل بالتساقط عند تعارض الدليلين فيرجع الى رواية ابن خالد و يحكم باعتبار كلا الأمرين معا و انّه مع انتفاء اى واحد من القيدين ينتفي الحكم بعدم الردّ و على الجملة فهذا كلّه على القول بالتعارض.

و يمكن ان يجمع بين الروايتين بتقييد إطلاق كلّ منهما بقيد الآخر فتتوافقان مع رواية ابن خالد و لعلّه هو الأحسن.

كما يمكن ان يقال بأن

رواية ابن خالد شاهد للجمع بين المرسلة و رواية أبي بصير.

نعم يمكن الإشكال في رواية ابن خالد بتعارض الصدر و الذيل و ذلك لانّ الصدر يفيد انّ المسقط للرجم بعد الفرار هو كون الموجب قد ثبت بالإقرار مع كون الفرار بعد الإصابة و الحال انّ التعليل الوارد في الذيل و هو قوله صلوات اللّٰه عليه و آله: «فإنما هو الذي أقرّ على نفسه» ظاهر في انّ المسقط هو مجرّد كون الموجب الإقرار.

مع صاحب الجواهر في مناقشاته

ثم انّ صاحب الجواهر قد ناقش أوّلا في القول الأوّل فقال بعد ذكر القول الثاني و الاستدلال عليه،: بل قد يناقش في الأوّل بمنع كون الهرب بمنزلة الرجوع في ذلك.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 416

أقول: انّ من جملة ما تمسّك به للقول الأوّل كما تقدّم هو انّ الفرار بمنزلة الرجوع عن الإقرار- و معلوم انه مع الرجوع لا يرجم- و ذلك لانّ من هيّأ نفسه للتطهير عن المعصية بسبب الرجم فلو كان باقيا على إقراره فهو لا يفرّ طبعا عن الحفيرة بل يقوم و يثبت حتّى يجرى حدّ اللّٰه تعالى عليه كي يتطهّر من دنس المعصية.

فناقش رحمة اللّٰه عليه في ذلك بان كون الفرار بمنزلة الرجوع في إسقاط الرجم عنه غير معلوم.

و ما أفاده في محلّه و ذلك لانّه يمكن ان يكون فراره للألم الشديد الذي لا يتحمّله فعلا مع انّه قد أعدّ نفسه لتحمّله فليس هربه في معنى الرجوع.

و ناقش في الاستدلال بإطلاق المرسل باحتمال اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة كما هو الظاهر في فرار من أقرّ على نفسه.

أقول: انّ هذه المناقشة لا تخلو عن كلام و ذلك لانّه لا وجه لرفع اليد عن ظاهره الذي هو الإطلاق و

الّا فكلّ المطلقات يمكن ان تحمل على شي ء مثل ذلك.

نعم لو كانت خصوصيّة اقتضت صرف المطلق عن إطلاقه لكان يتمّ ما ذكره و هو رحمه اللّٰه و ان ادّعى وجود هذه الخصوصيّة في المقام حيث تمسّك بما هو الظاهر من فرار من أقرّ على نفسه لكنها ليست بهذه المثابة أي بحيث يوجب صرف الإطلاق فلربّما يفرّ و لم يصبه شي ء من الحجارة أصلا فهذا لا ينفع الّا لمن جزم بقرينيّة هذه الجهة فهو يقول بانّ المراد من المرسل هو ما إذا أصابته الحجارة.

ثم تعرّض للتعليل الوارد في قصّة ماعز حيث اعترض رسول اللّٰه (ص) على انهم لحقوا ماعز و قتلوه بعد انّ فرّ من الحفيرة قائلًا: فإنّما هو الذي أقرّ على نفسه، فان الظاهر منه انّ الفرار هو الذي يوجب ان يترك بعد ان فرّ و هرب.

فردّ رحمة اللّٰه عليه بانّ هذا التعليل وارد في صورة الإصابة فلا يشمل غيرها و هو ما إذا هرب بلا اصابة. فقال: و ان كان العبرة بالعموم دون المورد

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 417

بناءا على انّ صدر الرواية المعلّلة ظاهر في اعتبار الإصابة في عدم الإعادة إلى الحفيرة.

اى انّ العبرة بعموم الوارد لا بخصوص المورد ففيما نحن فيه العبرة بحسب القاعدة بالفرار بعد ان كان الموجب للرجم هو الإقرار و لا اعتبار بخصوصيّة المورد هو انّ ماعز كان قد هرب مع اصابة الحجر الّا انّه لا يعتبر ذلك في المقام بل الأمر بالعكس، و العبرة بخصوص المورد فيلاحظ الإصابة و ذلك لمراعاة صدر الخبر الدّال بظاهره على اعتبار الإصابة و هو قوله عليه السّلام: إذا كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد

ما يصيبه شي ء من الحجارة، قال: فمفهومه في ذيله معارض بمفهوم الشرط أو القيد في صدره فيتساقطان لو لم يكن الأوّل صارفا للثاني و مخصّصا له بمورده فلا حجّة فيهما.

يعنى انّ مفهوم الذيل كفاية مجرّد الإقرار في الحكم بعدم الردّ إلى الحفيرة، و هو معارض بمفهوم الصدر و هو امّا مفهوم الشرط بلحاظ (إذا) الشرطية، أو مفهوم القيد بلحاظ ذكر لفظة: بعد ما يصيبه، الذي يعتبر حالا في المقام، و كيف كان فهذا المفهوم يفيد اعتبار الإصابة أيضا فيتعارضان و يتساقطان- ان لم يكن مفهوم الصدر موجبا لصرف الذيل عن ظاهره و محضّصا له بمورده الذي كان مع الإصابة- و على هذا فلا حجيّة لا في هذا و لا في ذاك.

أقول: انّ الامام عليه السّلام قد ذكر الإصابة و قيّد الإقرار بها بلا ترديد ثم استدلّ عليه السّلام بقصّة ماعز و ما فعله رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله فيها و ما قاله، فلو لا انه كان تعليله صلّى اللّٰه عليه و آله مقيّدا بهذا القيد لما صحّ التمسك و الاستدلال بقصّة ماعز و فعل رسول اللّٰه و قوله: فهذه قرينة على انّ الإصابة كانت معتبرة في الذيل أيضا- الّا انّ الامام عليه السّلام لم يذكر ذلك و اقتصر على مجرّد ذكر الإقرار- و ذلك لعدم صحّة الاستدلال بالأعمّ للأخصّ، فيعلم انّ قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: انّما هو الذي أقرّ على نفسه،، معناه انّ من اصابته الحجارة قد أقرّ على نفسه،، فيدلّ على دخل كلّ من الإقرار و الإصابة في عدم الردّ إلى الحفيرة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 418

و على هذا فليست هذه الرواية لا صدرا و لا ذيلا

دليلا على كفاية مجرّد الإقرار بل تدلّ على عدمها بدون الإصابة.

نعم يبقى ان يدعى كون هذا القيد المذكور في الصدر واردا مورد الغالب و عليه فلا مفهوم له كما في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ «1»، قال صاحب الجواهر: و الذب عن مفهوم الشرط و ان كان ممكنا بدعوى ورود القيد مورد الغالب كما عرفته الّا انّ في بعض النصوص ما يدلّ على اعتبار مفهومه هنا كالمرسل في الفقيه بغير واحد المحتمل للصحّة عند بعض إلخ.

أقول: انّ المرسل الذي أشار إليه هذا: عن صفوان عن غير واحد عن ابى بصير عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام انه ان كان اصابه الم الحجارة فلا يردّ و ان لم يكن اصابه الم الحجارة ردّ «2».

ترى انّ الصدوق عليه الرحمة نقل عن صفوان و هو عن اشخاص كثيرين و لربما كان بعضهم ممّن تصحّ روايته و يؤخذ بها و قد تمسّك قدّس سرّه بمرسل الصدوق الصريح في المفهوم- حيث صرّح بأنّه إذا لم يكن اصابه ردّ- لإثبات انّ القيد في رواية حسين بن خالد ليس واردا مورد الغالب بل هو لإفادة المفهوم.

هذا و لكن لا يخفى انّ القيد و ان كان بحسب طبعه واردا مورد الغالب لكنّه إذا وقع تلو الشرط فلا محالة يفيد المفهوم، فاذا قال: و ربائبكم إذا كانت في حجوركم، فإنّه تختصّ و تقيّد بهذا القيد، و ما نحن فيه كذلك لوقوع قيد الإصابة عقيب إذا الشرطيّة و على هذا فنفس رواية ابن خالد تدلّ على الاشتراط.

قال: و فيه انّ ضعف الخبرين المزبورين مع عدم الجابر يمنع من العمل بهما في تقييد المرسل السابق المنجبر بهما.

______________________________

(1) سورة النساء الآية 23.

(2) وسائل الشيعة الجلد

18 الباب 15 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 419

يعنى انّ رواية حسين بن خالد صعيفة لانّه مجهول و مرسل الصدوق عن صفوان عن غير واحد، ضعيف للإرسال، و لا جابر لهما فلا يصلحان لتقييد المرسل السابق الدّال على كفاية مجرّد الإقرار في ان لا يردّ إلى الحفيرة، و هو منجبر بهما.

قال: و دعوى اختصاصه بصورة الفرار بعد الإصابة لأنّه الظاهر واضحة المنع كدعوى انّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ، فينبغي الاقتصار في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه منه بالنص و الإجماع و هو الزائد عن الم الحجارة و يمكن ان يجبر به قصور السند إلخ.

اى انّ دعوى اختصاص المرسل- الذي دلّ على كفاية الإقرار في الإعادة- بما إذا كان فراره بعد الإصابة حيث انّ الظاهر ذلك، واضحة المنع كدعوى انّ مقتضى الأصل بقاء الحدّ، و يقتصر في إسقاطه على القدر المتيقّن سقوطه بالنص و الإجماع و هو ما إذا أصابته الحجارة فحينئذ لا يردّ فإنه المتيقن من مورد عدم الردّ فلا يعاد للزائد عن الم الحجارة التي اصابته، و لعلّ كونه متيقّنا يكون جابرا لقصور السند في خبر حسين و ابى بصير الدّالين على اعتبار الإصابة.

ثم قال: ضرورة انقطاع الأصل بالمرسل المنجبر بالعمل الذي لا أقلّ من ان يكون موجبا للتردّد كما هو ظاهر السرائر و التحرير و الصيمري و مقتضاه عدم الإعادة درءا للحدّ بالشبهة ان لم نقل بعدم فائدتها بعد الأصل.

يعنى أنّ الأصل- أصل بقاء الحدّ- دليل حيث لا دليل و لمّا كان المرسل الدّالّ على كفاية الإقرار و عدم الحاجة الى الإصابة منجبرا بالشهرة كما سبق ذلك فالأصل يكون منقطعا بهذا المرسل المنجبر و لا

أقلّ من كون ذلك موجبا للتردّد كما يظهر ذلك- اى التردّد- من الأعلام المذكورين.

و الحاصل انه بالآخرة ذهب الى ما اختاره الشرائع من كفاية مجرّد الإقرار و عدم اعتبار الإصابة.

و نحن نقول: انّ ظاهر رواية حسين بن خالد هو اشتراط الإصابة و هي صحيحة عند بعض العلماء و منهم بعض المعاصرين أو موثقة و على هذا فمقتضى الأخذ بالخبر الصحيح أو الموثق الظاهر الدلالة هو اعتبار الإصابة في عدم الإعادة

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 420

إلى الحفيرة.

و يؤيّد ذلك انّ المتيقّن هو هذا الفرد و لا خلاف في عدم اعادة من فرّ من الحفيرة بعد ان ثبت زناه بالإقرار و كان قد اصابه حجر من أحجار الرجم.

نعم من قال: بان حسين بن خالد مشترك و مردّد بين الثّقة و غيرها فلا يرد عليه ذلك. كما انّ القدر المتيقن يمكن ان يقرّر هنا بوجه آخر تكون نتيجته على خلاف ما تقدّم لأنّه إذا قيل انّ المتيقّن من المقيّد هو ما إذا ثبت الموجب بالإقرار و كان فراره بعد الإصابة فهذا الفرد خارج عن أدلّة الرجم قطعا.

و امّا إذا لوحظ انّ المتيقّن من مطلقات الرجم هو ما إذا كان قد أقرّ و لم يفرّ فهذا يفيد خلاف الأوّل لأنّه يستلزم اجراء الحدّ إذا أقرّ بالموجب لكنه قد فرّ من الحفيرة سواء اصابته الحجارة أم لا.

دفع توهّم

اشارة

لا يقال: انّ قوله عليه السّلام في رواية حسين بن خالد: و ان كان انّما قامت عليه البيّنة و هو يجحد ثم هرب ردّ و هو صاغر،، يفيد بمقتضى التقييد بالجحد انّه إذا قامت عليه البيّنة لكنّه لم يكن يجحد بل كان ساكتا مثلا لم يردّ.

لأنّا نقول: انّ ذكر

ذلك في الرواية من باب ذكر اجلى الفردين و أعلى المصداقين للمفهوم نظير ان يقال: انّ الماء القليل يتنجّس بالملاقاة ثم يقال:

اما ماء البحر فلا يتنجس ابدا، فليس المراد عدم انفعال خصوص ماء البحر و هكذا فيما نحن فيه قال عليه السّلام بانّ المقرّ يردّ بخلاف الذي قامت عليه البيّنة و هو جاحد فالمقصود هو غير المقرّ و انّما ذكر و أضاف قيد:،، و هو يجحد،، لتحقيق المطلب و ذكر أعلى فردي المفهوم، و امّا افادة إخراج صورة سكوته كي يكون مفهوم الجملة الأولى خصوص من يجحد فهو غير مراد و خلاف المتعارف في ذكر المفهوم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 421

فروع في المقام

ثم انّ هنا فروعا تعرّض لها صاحب الجواهر رحمه اللّٰه.

الأوّل قال: و كذا يسقط الحدّ عن الزاني الذي شهدوا على زناه بها قبلا أو أطلقوا للشبهة انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 468

أقول: صورة المسئلة هي صورة أصل المسئلة المبحوث عنها آنفا الّا انّ الكلام هناك كان بالنسبة إلى المرأة و هنا بالنسبة الى الرجل، فاذا شهد أربعة بزنا رجل خاص بامرأة لكن شهدت أربعة نسوة أنّها بكر عقيب دعواها ذلك فإنّه لا يحدّ الزاني و ذلك لعين ما سبق و هو حصول الشبهة، و لا فرق بين ان يكونوا قد شهدوا بزناه بها قبلا أو أطلقوا في ذلك و لم يتعرّضوا لهذه الجهة أصلا كما لا يحدّ الشهود أيضا.

الثاني: و لو ثبت جبّ الرجل المشهود على زناه في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده درئ الحدّ عنه و عن التي شهد انّه زنى بها و حدّ الشهود للفرية بتحقّق كذبهم.

و في هذا الفرع يدرء الحدّ عن المشهود عليه

بالزنا مطلقا دون الشهود امّا عدم حدّ المشهود عليه فلانّ الجبّ الذي يمتنع عادة حصوله في هذه المدّة موجبة للشبهة فلذا لا حدّ للزنا، و امّا حدّ الشهود فلظهور كذبهم و افترائهم فيما شهدوا به.

الثالث: و كذا يسقط الحدّ عنها لو شهدن النساء بأنّها رتقاء و لكن قيل: حدّ الشهود لعدم إمكان حدوث الرتق عادة.

أقول: إذا كانت رتقاء بحيث كان هناك مانع عن دخول الحشفة فشهادة الشهود بالزنا افتراء فلذا لا تحدّ المرأة، و امّا الشهود فقد قيل بأنّهم يحدّون و ذلك لانّه لا يمكن حدوث الرتق بحسب العادة فشهادتهم كذب و افتراء.

و أورد عليه في الجواهر بانّ غايته التعارض بين الشهادتين يعنى انّ غاية الأمر حصول التعارض بين شهادة الشهود بالزنا و شهادة النساء بكونها رتقاء فيتساقطان.

قال: و مثله القول في الجبّ.

و يرد عليه بالفرق بين المسئلة المبحوث عنها و مسئلة الجبّ و ذلك لانّه يحصل العلم نوعا بكونه مجبوبا حتّى للحاكم و يسهل الأمر هنا خصوصا لو قلنا بأنّ حرمة النظر تختص بالعورة دون محلّها لمن لم يكن له شي ء، في حين انّ

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 469

الأمر في الرتقاء ليس كذلك و على هذا فيحصل العلم للحاكم بالجبّ نوعا دون الرتق فليسا من واد واحد حتى يتساويا في الحكم.

ثم قال رحمه اللّٰه: نعم ان حصل العلم به أو بالرتق بالمعاينة أو شهادة عدد التواتر و كان المشهود به الزناء قبلا اتّجه حينئذ حدهم للفرية.

أقول: فالضابط الكلّي هو انّه لو شهدت الشهود بما ثبت للحاكم انّه افتراء عليه وجب عليهم الحدّ، و لو شهدوا بما لم يعلم ذلك منها و احتمل الصدق و الكذب سقط الحدّ عنهم للشبهة، و

ما ذكره من مصاديق هذا الضابط الكلّي الجامع.

في حكم فرار الزاني في وسط الجلد

ثم انّ ما مرّ كلّه كان حكم فرار المحكوم بالرجم، فلو فرّ المحكوم بالجلد في أثنائه فلا ينفع الفرار منه شيئا و ان كان قد اصابه بعض تلك الجلدات و كان قد ثبت موجبه بإقراره، و ذلك لدلالة الآية الكريمة على جلد الزانية و الزاني مأة جلدة فهو واجب بلا كلام و لم يرد دليل على سقوطه فلذا يجب الإكمال إذا فرّ و هرب في أثنائه، هذا مضافا الى ورود الرواية الصريحة في ذلك.

فعن محمد بن عيسى بن عبد اللّٰه عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: الزاني يجلد فيهرب بعد ان اصابه بعض الحدّ أ يجب عليه ان يخلّى عنه و لا يرد كما يجب للمحصن إذا رجم؟ قال: لا و لكن يردّ حتّى يضرب الحد كاملا قلت: فما فرق بينه و بين المحصن و هو حدّ من حدود اللّٰه؟ قال:

المحصن هرب من القتل و لم يهرب الّا الى التوبة لأنّه عاين الموت بعينه و هذا انّما يجلد فلا بدّ من ان يوفى الحدّ لانّه لا يقتل «1».

فترى انها صريحة في وجوب ردّه و اجراء الحدّ عليه بكامله.

نعم هنا نوع إجمال بالنسبة إلى ذيل الرواية، و ما وقع من السؤال و الجواب، فإنّ الراوي سئل عن الفرق بين مورد الرجم الذي لا يردّ الهارب و مورد الجلد الذي يردّ، فأجاب عليه السّلام بانّ المحصن هرب من القتل و لم يهرب الّا الى التوبة لأنّه عاين الموت بعينه إلخ.

و لعلّ المراد انّه حيث عاين الموت لما قد رآه من الرجم فقد تاب لانّ من عاين الموت فهو بالطبع يتوب من معاصيه.

لكن يلزم على هذا عدم

قبولها كما في قصّة فرعون حيث انّه قد تاب بعد ما عاين الموت فردّت توبته قال اللّٰه تعالى حَتّٰى إِذٰا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 35 من حدّ الزنا الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 422

آمَنْتُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ «1».

هذا مضافا الى انّه كيف تاب و هو يفرّ من الرجم و لو كان قد تاب لكان يقوم على قدمه حتّى يرجم و يتطهّر من العصيان.

أضف الى ذلك كلّه انّ التوبة تنفع قبل ان يثبت الموجب عند الحاكم، امّا بعد ذلك فالظاهر انّه لا تنفع التوبة كما هو الظاهر من الروايات، و كيف كان فهذا ما ورد في الرواية و هو حكمة لا نعلم مغزاها.

نعم يمكن ان يقال: ان بين الموردين فرقا و هو انّ الحكم في مورد المحصن هو الرجم و إزهاق روح إنسان بخلاف الجلد الذي ليس هو الّا مجرد ضرب المجرم و من المعلوم انّ للشارع اهتماما بالغا بحفظ النفوس فلذا يحكم بأنّه إذا فرّ المحكوم بالرجم من الحفيرة فإنّه لا يردّ و امّا المحكوم بالجلد إذا فرّ فإنّه يردّ.

ثم انّه قد استدلّ صاحب الجواهر [1] على عدم سقوط الجلد بالأصل أيضا، و هو أصالة عدم سقوط الحدّ.

و فيه انه لا مجال للتمسك بالأصل مع وجود الآية و الرواية، و التحقيق انّه امّا ان يكون الزاني الهارب، و الزاني غير الهارب، فردين من الزاني فلا كلام في شمول آية الجلد لهما و هكذا بالنسبة إلى الرواية، و ان كانا موضوعين مختلفين فمن الأوّل يشك في شمول الآية للزاني

الهارب و معلوم انه حينئذ لا وجه للتمسك بالأصل بعد ان كان شمول الدليل لهذا الفرد أي الزاني الهارب مشكوكا فيه من رأسه، و الحقّ هو الأوّل.

الكلام فيمن يبدأ بالرجم

قال المحقّق: و يبدأ الشهود برجمه وجوبا و لو كان مقرّا بدأ الإمام.

أقول: هذا التفصيل مشهور و قيل يبدأ الإمام في رجمه مطلقا. و تنقيح

______________________________

[1] أقول: و قد تمسّك به قبله صاحب الرياض فراجع إن شئت.

______________________________

(1) سورة يونس الآية 90 و 91.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 423

الكلام انّه لا شكّ في لزوم رعاية الترتيب في مقام الرجم و لا شكّ أيضا في انّه ليس للرعيّة التقدّم على الامام، و انّما البحث و الكلام في انّه هل يقدّم الامام مطلقا و بنحو كلّي أو انّه يفصّل في الموارد، فهم بين من يقول بتقدم الامام مطلقا و بين من يفصّل بين ما إذا ثبت الموجب بالشهادة فيبدأ الشهود أو بالإقرار فيبدأ الامام و هو مختار المحقق رضوان اللّٰه عليه و المشهور.

و مستندهم في ذلك مرسلة صفوان عمّن رواه عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أقرّ الزاني المحصن كان أوّل من يرجمه الامام ثم الناس فاذا قامت عليه البيّنة كان أوّل من يرجمه البيّنة ثم الامام ثم الناس «1» و هذا الخبر منقول بطريق آخر أيضا فراجع الوسائل.

و بهذا الخبر يقيّد إطلاق رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام:

تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها و يرمى الإمام ثمّ يرمى الناس بعد بأحجار صغار «2».

و رواية سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمى الامام و يرمى الناس بأحجار صغار «3».

و الّا فهما بظاهرهما يدلّان

على ابتداء الامام سواء كان قد ثبت الموجب بالبينة أو بالإقرار كما هو القول الآخر في المسئلة.

و امّا ضعف رواية صفوان بالإرسال فلا يقدح في التخصيص فإنّها منجبرة بذهاب المشهور الى القول بالتفصيل و على هذا فالقول المزبور أقوى.

و لعلّ الوجه في تقدّم الامام عند ثبوت الموجب بالإقرار هو حصول الاطمئنان للناس بلزوم الرجم في مورده كما انّ الوجه في ابتداء الشهود بالرجم عند ثبوته بالبينة ذلك أيضا فإنّه لو كانت البيّنة كاذبة لارتعشت يد الشهود عند الرجم و تأخروا عنه نوعا فإذا رأى الناس انّهم قد ابتدءوا بالرجم يحصل لهم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 424

الاطمئنان بذلك فالنكتة المقتضية للابتداء في الموردين واحدة و هو حصول الاطمئنان للناس.

ثم انّ بعض الروايات الواردة في فعل أمير المؤمنين عليه السّلام ناطق بأنه عليه السّلام ابتدأ بنفسه برجم من كان أقرّ بالزنا.

فعن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه الى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: أتاه رجل بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني ثم ذكر انّه أقرّ أربع مرّات، الى ان قال: فأخرجه إلى الجبّان فقال: يا أمير المؤمنين أنظرني أصلّي ركعتين ثم وضعه في حفرته- الى ان قال- فأخذ حجرا فكبّر اربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة أحجار في كلّ حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السّلام مثل ما رماه أمير المؤمنين ثم رماه الحسين عليه السّلام فمات الرجل فأخرجه أمير المؤمنين عليه السّلام فأمر فحفر

له و صلّى عليه و دفنه فقيل يا أمير المؤمنين الا تغسله؟ فقال:

قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم «1».

ثم انّه هل بدأة الإمام في مورد الإقرار و الشهود في مورد البيّنة واجب أو مستحب؟ الظاهر من الاخبار هو الوجوب.

و في كشف اللثام: و إذا ثبت الموجب للرجم بالبيّنة كان أوّل من يرجمه الشهود وجوبا كما يظهر من الأكثر، و في الخلاف و ظاهر المبسوط انّ عليه الإجماع، الى ان قال: و ان ثبت بالإقرار بدأ الإمام وجوبا كما هو ظاهرهم، و في الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه انتهى.

لكن قال في المسالك: و في كثير من الاخبار إطلاق بدأة الامام و يحتمل حمل ذلك على الاستحباب لضعف المستند عن إثبات الوجوب و للأخبار المستفيضة بقصّة ماعز، و انّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله لم يحضر رجمه فضلا عن بدأته به انتهى.

و نحن قد ذكرنا انّ الإطلاقات تقيّد بما ورد فيه التفصيل، و امّا ضعف الخبر فمنجبر بعمل الأصحاب.

و أجيب عن الاستدلال بقصّة ماعز بأنّ الرواية ساكتة عن رميه صلّى اللّٰه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 1 من أبواب حدّ الزّنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 425

عليه و آله و ليس فيها تصريح بأنّه لم يرم فمن المحتمل انّه رمى و لكن لم ينقل في الخبر [1].

و ان أبيت إلّا عن ظهوره في عدم رميه فهذا ظهور فعلى لا يقاوم الظهور القولي الذي مرّ بقوله عليه السّلام: يرمي الإمام، فإنّه ظاهر في الوجوب جدّا، و الفعل محتمل لوجوه خصوصا بعد ان صرّح في بعض الروايات الواردة في إقرار الزاني عند أمير المؤمنين عليه

السّلام بأنّه (ع) أقدم على الرمي بنفسه.

و قد أورد بعض الأعاظم خدشة أخرى في دلالة الروايات على الوجوب فقال: نعم يمكن الاشكال من جهة منع ظهور الجملة الخبريّة في اللزوم «1».

و فيه انّه لا يقتصر في إفادة الوجوب على الأمر بالصّيغة أو الأمر الغائب بل كثيرا ما يؤتى بلفظ المضارع لإفادة الوجوب و اللزوم، بل قد تدّعي أظهريّته في الوجوب من فعل الأمر كما تقدّم ذلك.

في إعلام الناس ليتوفرّوا على الحضور

قال المحقق: و ينبغي ان يعلم الناس ليتوفّروا على حضوره.

أقول: يحتمل ان يقرء لفظ «يعلم» بصيغة المعلوم و مبيّنا للفاعل فيكون فاعله الامام و على هذا قال في الجواهر- بعد لفظة ينبغي-: للإمام و من قام مقامه إذا أراد استيفاء الحدّ ان يعلم الناس انتهى. و يحتمل ان يقرء بصيغة المجهول و مبنيّا للمفعول، و كيف كان فظاهر عبارة المحقق انه مستحبّ فإنّه عبّر بلفظ ينبغي، و قد نفى صاحب الجواهر الاشكال و الخلاف في ذلك، لكن لا

______________________________

[1] أقول: قال في الرياض الجلد 2 الصفحة 475: و المستفيضة قيل ما تضمّنت انّه صلّى اللّٰه عليه و آله لم يحضر بل غايتها عدم تضمّنها انّه حضر، واحدهما غير الآخر فيحتمل الحضور و لم ينقل، و لو سلّم الدلالة على عدم حضوره فيحتمل كونه لمانع انتهى.

يقول المقرّر: و لا يخفى ما فيه فان قوله ص: لو كان علىّ حاضرا لما ضللتم، دالّ على عدم حضورهما صلوات اللّٰه عليهما.

______________________________

(1) جامع المدارك الجلد 7 الصفحة 48.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 426

يعلم انّ المشار إليه أصل الإعلام مطلقا أو هو استحبابه، و على اىّ حال فظاهر بعض الروايات هو وجوب الأعلام.

فعن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه

انّ امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالزنا اربع مرّات فأمر قنبرا فنادى بالناس فاجتمعوا و قام أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد اللّٰه و اثنى عليه ثم قال: ايّها الناس انّ إمامكم خارج بهذه المرأة الى هذا الظهر ليقيم عليها الحدّ إن شاء اللّٰه فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم و أنتم متنكّرون و معكم أحجاركم لا يتعرّف منكم أحد الى أحد فانصرفوا الى منازلكم إن شاء اللّٰه قال: ثم نزل فلمّا أصبح الناس بكرة خرج بالمرأة و خرج الناس معه متنكّرين متلثّمين بعمائمهم و بأرديتهم و الحجارة في أرديتهم و في أكمامهم حتّى انتهى بها و الناس معه الى الظهر بالكوفة «1».

و في مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد المذكورة آنفا: ثم نادى في الناس يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحدّ و لا يعرفنّ أحدكم صاحبه «2».

و منها خبر أصبغ بن نباته انّ رجلا اتى أمير المؤمنين عليه السّلام فأقرّ عنده بالزنا ثلاث مرّات فقال له: اذهب حتّى نسأل عنك. الى انّ قال: ثم عاد اليه. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنّي زنيت فطهّرني. فقال: انّك لو لم تأتنا لم نطلبك و لسنا بتاركيك إذ لزمك حكم اللّٰه عزّ و جلّ. ثمّ قال: ايها الناس انّه يجزى من حضر منكم رجمه عمّن غاب فنشدت اللّٰه رجلا منكم يحضر غدا لمّا تلثّم بعمامته حتّى لا يعرف بعضكم بعضا و أتوني بغلس حتّى لا يبصر بعضكم بعضا فانّا لا ننظر في وجه رجل و نحن نرجم بالحجارة قال: فغدا الناس كما أمرهم «3».

و عن الصادق عليه السّلام: انّ رجلا جاء الى عيسى بن مريم عليه السّلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب

31 من حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حدّ الزنا الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 427

فقال: يا روح اللّٰه انّى زنيت فطهّرني فأمر عيسى عليه السّلام انّ ينادى في الناس ان لا يبقى أحد إلّا خرج لتطهير فلان فلمّا اجتمع الناس و «1».

و على الجملة فظاهر هذه الروايات هو وجوب الإعلان ليحضروا و يكونوا ناظرين و شاهدين لعذابه، فالاعلان مقدّمة للحضور، و على هذا فلو حضروا بأنفسهم متوفّرين فلا حاجة الى ذلك لعدم وجوب نفسي بل حضور هذه العدّة للتنبّه و تعظيم الشعائر و حصول الانذار كي يتنبّهوا و يواظبوا على أنفسهم ان لا يقعوا في مثل هذه المشكلات و المواقف الخطيرة فلو كان حضورهم موقوفا على الأعلام يلزم عليه ذلك، و كيف كان فالتأسى بأمير المؤمنين عليه السّلام يقتضي إعلان الحاكم الناس بذلك.

ثم انّ صاحب الجواهر قال: بل الذي ينبغي له أيضا ان يأمرهم به انتهى مع انّ المحقّق اكتفى بقوله: ينبغي ان يعلم الناس،، نعم لا يبعد ان يكون مراد المحقّق هو الإعلان و الأمر بالحضور، و بعبارة أخرى الإعلان المقترن بالأمر.

ثم انّه هل يكتفى بحضور النساء فقط أم لا؟

لم أجد في الروايات موردا تعرّض لذلك، لكنّ القرينة قائمة على عدمه فان النساء لا تشارك الرجال في المجامع العامّة بل يقوم بتلك الأمور الرجال خاصّة.

في حضور طائفة لإقامة الحدّ

قال المحقّق: و يستحبّ ان يحضر اقامة الحدّ طائفة و قيل: يجب تمسّكا بالآية و أقلّها واحد و قيل عشرة و خرّج متأخّر ثلاثة و الأوّل حسن.

أقول: الأصل في ذلك قوله تعالى بعد بيان حكم الزانية و الزاني

و وجوب جلدهما وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «2» فإنّه قد أمر بأمر الغائب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من حدّ الزنا الحديث 5.

(2) سورة النور الآية 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 428

بحضور الطائفة.

قال الشهيد الثاني في المسالك: و اختلفوا في الموضعين أحدهما الأمر للوجوب أم الاستحباب فقيل بالأوّل و اختاره ابن إدريس و المصنف في النافع و جماعة عملا بظاهر الأمر فإنّ الأصل فيه الوجوب و قيل بالثاني و هو الذي اختاره المصنف هنا و قبله الشيخ في كتب الفروع لأصالة عدم الوجوب و حمل الأمر على الاستحباب لانّه بعض ما ورد بمعناه و لا يخفى قوّة الأوّل إلخ.

أقول: انّه و ان كان الأمر قد يأتي لإفادة الاستحباب بل قال صاحب المعالم: انّه يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم الصلاة و السّلام انّ استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم انتهى،، لكن الظاهر من الأمر هو الوجوب و على هذا فلا بدّ من القول بوجوب ذلك لا استحبابه أخذا بظاهر صيغة الأمر. الّا ان يكون هناك إجماع على عدم وجوب شهود الطائفة و حضورهم. و قد مرّ أن إعلان الإمام الناس بذلك و أمرهم بالحضور كان من باب المقدّمة للحضور و لذا قد يكون الإعلان أيضا واجبا إذا كان الحضور متوقفا عليه.

و امّا الموضع الثاني من الموضعين اللذين ذكر انهما محلّ الكلام فهو في العدد المعتبر في المقام، المراد من الطائفة.

فنقول: هنا ثلاثة أقوال: أحدها الواحد فإنّ أقلّ الطائفة واحد و هي تصدق به و قد ذهب الى ذلك الشيخ الطوسي في النهاية و كذا المحقق هنا و في النافع، و العلّامة في القواعد.

ثانيها

ان أقلّها ثلاثة ذهب اليه ابن إدريس.

ثالثها انّ أقلّها عشرة و قد اختاره الشيخ في الخلاف.

و استدلّ للقول الأوّل: بوجوه أحدها ما مرّ من صدق الطائفة بالواحد، ثانيها: أصالة البراءة من الزائد.

ثالثها: رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّٰه عزّ و جلّ: و لا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّٰه، قال: في إقامة الحدود،

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 429

و في قوله تعالى وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال: الطائفة واحد [1].

أقول: انّه لا وجه للتمسك بالأصل مع وجود الدليل كرواية غياث، فان كانت هي حجّة معمولا بها كما هي كذلك فهي المرجع، و نحن في غنى عن المعنى اللغوي لأنّا مأمورون بالأخذ بتفسير الامام عليه السّلام و العمل بقوله- دون قول اللغوي- و ان كان الامام عليه السّلام فسّر اللفظ بالمجاز، و الّا فالأقوال مختلفة لمناسبات مختلفة فقد يقال بأنّ الطائفة بمعنى القطعة و هي تصدق بواحد فكذا الطائفة، و قد يقال: انّها من الطوف و الإحاطة و الاحتفاف، و عليه فيعتبر وجود أربعة تحفّ به من الجهات الأربعة أو ثلاثة مثلا، الى غير ذلك من الكلمات.

لا يقال: ان ظاهر قوله تعالى فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا «1». بمقتضى ضمير الجمع في:

ليتفقهوا و كذا في: و لينذروا،، هو انّ الطائفة ثلاثة و ما فوقها.

لأنّا نقول: لعلّ ضمير الجمع باعتبار انّ من كلّ فرقة أحدا و يؤل الى آحاد و ذلك لا ينافي كون الطائفة واحدا.

و حينئذ فلو كان هناك مفهوم عرفي يجب الأخذ به و ذلك لتعلّق التكليف أوّلا و بالذات

بالمتفاهم العرفي من الألفاظ، و الخطابات الشرعية منزلّة عليه و من المعلوم ان الطائفة بحسب المتفاهم العرفي لا تستعمل في الواحد بل لا أقلّ من الثلاثة و هذا هو المرتكز في الأذهان لو لا دليل صارف عن ذلك.

قال العلّامة أعلى اللّٰه مقامه- بعد ان نقل عن الشيخ في الخلاف انّه قال: أقلّ ذلك العشرة، و بعد ان نقل كلام بعض آخر من الأصحاب-: و قال ابن إدريس: الذي أقول في الأقلّ انّه ثلاثة نفر لانّه من حيث العرف دون

______________________________

[1] تهذيب الأحكام الجلد 10 الصفحة 150، وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 5، أقول: و قد استدلّ أيضا بقوله تعالى وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا. بدليل قوله تعالى فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ. راجع كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 221.

______________________________

(1) سورة التوبة الآية 122.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 430

الوضع، و العرف إذا طرأ صار الحكم له دون الوضع الأصلي، و شاهد الحال يقتضي ذلك، و ألفاظ الاخبار، لانّ الحدّ إذا كان قد وجب بالبيّنة فالبيّنة يرجمه و يحضره و هم أكثر من ثلاثة، و ان كان باعترافه فأوّل من يرجمه الامام ثم الناس مع الامام، و ان كان المراد و المعنى حضور غير الشهود و الامام فالعرف و العادة اليوم انّ أقلّ ما يقال: جئنا في طائفة من الناس أو جاءنا طائفة من الناس المراد به الجماعة عرفا و عادة، و أقلّ الجمع ثلاثة، و شاهد الحال يقتضي انّه أراد تعالى الجمع، و فيه الاحتياط، و خيرة شيخنا في الخلاف لا وجه له، فأمّا الرواية فمن الاخبار الآحاد و قد بيّنا ما في ذلك.

ثم قال: و المعتمد في ذلك

المصير الى العرف فمهما دلّ عليه لفظ الطائفة صرف اليه و الّا فعلى الموضوع اللغوي لانتفاء العرف الشرعي فيه «1».

هذا كلّه مقتضى الاستظهار فيبقى الكلام في انّه لو لم تكن الرواية حجّة لنا و لا كان هناك مفهوم عرفي للفظ الطائفة و تردّد أمرها بين معاني مختلفة و وصلت النوبة الى الأصل فما هو مقتضاه؟

الظاهر انّ الأصل هنا أصالة الاحتياط لا أصالة البراءة. تقرير ذلك انّه إذا وقع مفهوم مجمل في كلام الشارع فان كان قد نهى عنه فمقتضى إجماله هو الأخذ بالمتيقّن فيحرم على المكلّف هذا المقدار، و امّا الزائد عليه فلا، لعدم حجيّة المشكوك فيه و هذا بخلاف ما إذا أمر بهذا المفهوم المجمل فإنّه لا بدّ من الإتيان بالمقدار المتيقّن الذي يخرج به عن العهدة و هو مالا مزيد عليه قطعا و ذلك كما إذا أمر بالركوع و تردّد امره بين انحناء يسير أو الى حدّ يبلغ كفّاه ركبتيه فإنّه يجب الاحتياط بذلك لانّه المتيقن و إذا أريد الاحتياط فالظاهر انّ ما ذكره الشيخ في الخلاف هو حدّ الاحتياط و لا حاجة الى أزيد من ذلك و هو العشرة لأنّه لا شكّ و لا شبهة في صدق لفظ الطائفة عليها.

بقي انّ الشيخ قدّس سرّه استدلّ على ما ذهب اليه، بالاحتياط، قال في

______________________________

(1) المختلف الصفحة 761.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 431

الخلاف المسئلة الاولى من باب الحدود: و أقلّ ذلك عشرة و به قال الحسن البصري، و قال ابن عباس: اقلّه واحد و قد روى ذلك أصحابنا أيضا. دليلنا طريقة الاحتياط لأنّه إذا حضر عشرة دخل الأقل فيه إلخ.

ينبغي كون الحجارة صغارا

قال المحقق: و ينبغي ان تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف.

و

قال العلّامة في القواعد: ثم يرمى بالأحجار الصغار.

و قال كاشف اللثام- بعد ذلك- لئلا يتلف سريعا، و للأخبار.

و قال الشهيد في اللمعة: و ينبغي كون الحجارة صغارا لئلا يسرع تلفه انتهى.

و قال الشهيد الثاني- بعد ذلك- بالكبار و ليكن كما يطلق عليه اسم الحجر فلا يقتصر على الحصى لئلا يطول تعذيبه أيضا انتهى.

أقول: و على هذا فلا يرمى بصخرة واحدة عظيمة تجهز عليه و تقتل بها سريعا بل ربما لا يصدق الرجم بذلك و لذا قال بعض بأنّه يرمى بالأحجار الصغار و انّه لا يجزى غير ذلك.

و يدلّ على ذلك أو يؤيّده ما ورد في الاخبار من التعبير بالأحجار كما انّه يدلّ على ذلك صريحا النصوص الناطقة بذلك ففي رواية أبي بصير: و يرمى الإمام ثم يرمى الناس بعد بأحجار صغار «1».

و في موثّقة سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام:. ثم يرمى الامام و يرمى الناس بأحجار صغار «2».

و على هذا فلا بدّ من ان يكون بنحو يصدق الأحجار الذي هو لفظ الجمع، و بناءا عليه- اى بناء على عدم صدق الرجم- لو ضرب بحجر كبير أسرع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب الحدود الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 432

التلف يلزم الضارب القصاص ان كان قد تعمّد في ذلك، أو الدية ان لم يتعمّد فيه لكنّهم لم يتعرّضوا لذلك، كما انّهم لم يتعرضوا أيضا لما إذا كان رماه بحجر معتبر في الرجم الّا انّه وقع على موضع منه أوجب قتله، و انّه ما حكمه؟

ثم انّه كما يلاحظ ان لا تكون الأحجار كبيرة- لأنّها تسرع في قتله

و توجب ان لا تذوق الم العذاب- كذلك العكس يعنى يلاحظ ان لا تكون الأحجار في غاية الصغر فان ذلك يوجب ان يطول به الأمر و يؤذيه و يتعبه كثيرا و يعذّب بطول الضرب مع بقاء الحياة و رمقه، و هذا خلاف المتعارف، و على الجملة فالمعيار هو الحدّ المتوسّط بين هذا و ذاك، و كونه في حول ما ذكر في مرفوعة أحمد بن خالد في رجل اتى أمير المؤمنين عليه السّلام بالكوفة، الى ان قال:

فأخذ حجرا فكبّر اربع تكبيرات ثم رماه بثلاثة أحجار في كلّ حجر ثلاث تكبيرات ثم رماه الحسن عليه السّلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السّلام ثم رماه الحسين عليه السّلام فمات الرجل «1».

و كذا ما ورد في خبر ابن ميثم من قوله: و الحجارة في أرديتهم و أكمامهم «2» فإنّ ذلك لا يمكن في الحجر الكبير جدّا، هذا بل و ربّما ينصرف لفظ الرجم عن رميه بالحجر الكبير فإنّه بالفارسية (سنگباران) و ان هذا ممّا يقتله دفعة كما انّه لا يجوز بالصغار جدّا لعدم صدق الحجر عليها.

و خلاصة الكلام انّه لو كان هناك متعارف فإنّه يؤخذ به و الّا فالّلازم الاحتياط و الأخذ بالمتيقن.

و بقي بعد فروع لم ينصّ عليها و لم تذكر في الكلمات. مثل انّه هل يعتبر فيه التوالي أم لا بل تجوز مع الفصل في الرمي، و انّه هل يعتبر فيه ان يكون بلا واسطة أو انه يجوز ذلك بواسطة بعض الآلات مثلا؟

و غير خاف انّ أصل المسئلة هامّ و يحتاج الإفتاء به جدّا الى تحقيق كامل و حصول الاطمئنان إلى أحكامها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدود الزنا الحديث 4.

(2) الكافي الجلد

7 الصفحة 187.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 433

و الحكم في الجميع مع عدم دليل يتمسك به و يستند اليه، و عدم عرفيّة في البين هو الاحتياط و ملاحظة القدر المتيقّن.

لا يرجم من كان للّٰه عليه حدّ

قال المحقّق: و قيل: لا يرجمه من للّه قبله حدّ و هو على كراهيّة.

أقول: ظاهر قوله: لا يرجمه، هو الحرمة و ان كان لم يذكر قائله و انّما نسبه الى القيل، بل قال صاحب الجواهر- بعد لفظة قيل،، في عبارة المحقق-: و ان كنّا لم نتحقّقه.

أقول: و قد افتى المحقق في النافع بالحرمة فقال: و لا يرجمه من للّه قبله حدّ فقد استدلّ له في الرياض بظاهر النهى عنه في المعتبرة المستفيضة، و هكذا العلامة أعلى اللّٰه مقامه أفتى في الإرشاد بالحرمة فقال: و لا يرجمه من عليه حدّ انتهى و قال الأردبيلي في شرحه: ظاهر هذه تحريم الرجم فيمن كان للّه عليه حدّ سواء كان رجما أو غيره.

و التحقيق انّ البحث هنا في موضعين أحدهما في انّه هل هو حرام أو مكروه؟ ثانيهما انّه هل يختصّ بما إذا كان عليه حدّ مثل حدّ المرجوم أو مطلق الحد؟

امّا الأوّل فنقول: قد اختلفوا في ذلك و ليس بنحو يقال بقيام الإجماع على عدم الحرمة و ذلك لافتاء مثل المحقق و العلّامة بها فإنّه إذا أفتى مثلهما بشي ء و ان كان في بعض كتبهم يعلم انّ خلافه ليس إجماعيّا، و على الجملة ففي المسئلة قولان و ان كان المشهور هو القول بالكراهة، و في الرياض انّه ظاهر الأكثر بل المشهور، بل في كشف اللثام: هو مذهب الأصحاب.

و قد استدلّ للقول بالحرمة بالنصوص و الاخبار الكثيرة المتضمّنة للنهى عن ذلك، و النهى ظاهر في الحرمة،

و ليس لنا ما يوجب صرفه عنها.

ففي رواية ابن ميثم في قصّة امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالزنا اربع مرّات: ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه و نادى بأعلى صوته: ايّها الناس

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 434

انّ اللّٰه عهد الى نبيّه صلّى اللّٰه عليه و آله عهدا عهده محمّد صلّى اللّٰه عليه و آله الىّ بأنّه لا يقيم الحدّ من للّه عليه حدّ فمن كان للّه عليه حدّ مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ قال: فانصرف الناس يومئذ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام إلخ «1».

و عن زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لأصحابه: اغدوا غدا علىّ متلثّمين فقال لهم: من فعل مثل فعله فلا يرجمه و لينصرف، قال: فانصرف بعضهم و بقي بعضهم فرجمه من بقي منهم «2».

و في مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد في رجل اتى أمير المؤمنين عليه السّلام بالكوفة و أقرّ عنده اربع مرّات بالزنا و طلب منه ان يطهّره: و استقبل عليه السّلام الناس ثم قال: معاشر المسلمين انّ هذه حقوق اللّٰه فمن كان للّه في عنقه حق فلينصرف، و لا يقيم حدود اللّٰه من في عنقه حدّ، فانصرف الناس و بقي هو و الحسن و الحسين، فرماه كلّ واحد ثلاثة أحجار فمات الرجل «3».

و في خبر أصبغ بن نباته: انّ رجلا اتى أمير المؤمنين عليه السّلام، الى ان قال: فاقبل علىّ عليه السّلام ثم قال: نشدت اللّٰه رجلا منكم للّه عليه مثل هذا الحق ان يأخذ للّه به

فإنّه لا يأخذ للّه بحقّ من يطلبه اللّٰه بمثله «4».

و في خبر الفقيه قال الصادق عليه السّلام: انّ رجلا جاء الى عيسى بن مريم عليه السّلام فقال: يا روح اللّٰه انّى زنيت فطهّرني فأمر عيسى عليه السّلام ان ينادى في الناس ان لا يبقى أحد إلّا خرج لتطهير فلان، فلمّا اجتمع الناس و صار الرجل في الحفيرة نادى الرجل: لا يحدّني من للّه في جنبه حدّ فانصرف الناس كلّهم إلّا يحيى و عيسى «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 435

فمقتضى الأخذ بظاهر هذه الروايات هو الحكم بالحرمة.

و امّا ما استدلّ به القائل بالكراهة أو يمكن ان يستدلّ له فأمور:

أحدها شيوع استعمال النهي في الكراهة على وزان استعمال الأمر في الاستحباب الذي هو كالمجازات الراجحة، أو كأنّه يكون استعمال النهي في الحرمة و الأمر في الاستحباب من قبيل المشترك اللفظي الذي يحتاج استعماله في معانيه المختلفة محتاجا إلى القرينة و حيث انّ المشهور أفتوا بالكراهة فلا يصحّ حمله الّا على ذلك.

ثانيها انّ القول بالحرمة يحتاج الى مستند صحيح و دليل قاطع بخلاف الكراهة فإنّها لا تحتاج الى ذلك بل يتساهل في أمرها و يتسامح فيها كما في الاستحباب و هذا الروايات ضعيفة لا تصلح لإثبات الإلزام و التحريم، و بعبارة اخرى: انّ قصور سند النهى عن إفادة الحرمة يوجب

الحمل على الكراهة.

ثالثها ما استدلّ به بعض الأصحاب من وجوب القيام بأمر اللّٰه تعالى و عموم الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و الرجم من هذا القبيل.

رابعها الأصل [1].

و يرد على الأوّل انه ليس استعمال النهي في الكراهة إلى حدّ يوجب صرفه إليها كما انّ الأمر أيضا ظاهر في الوجوب و لا تطمئن النفس الى انّ استعماله في الندب صار راجحا على الوجوب.

و امّا الثاني فيرد عليه انّ الروايات ليست بأجمعها ضعيفة بل بعضها صحيح كخبر زرارة و بعضها معتبر كخبر أصبغ، و على هذا فلا يصحّ الاشكال فيها من ناحية قصور السند كما انّ دلالتها واضحة.

و امّا الثالث ففيه ما ذكره في الرياض من انّ مقتضاه الوجوب- اى وجوب اقامة الحدّ- و هو ينافي الكراهة المتفق عليها.

و امّا الرابع أي أصالة عدم الحرمة، فهو دليل حيث لا دليل.

و على هذا فمقتضى الدليل هو القول بالحرمة، و قد مال اليه صاحب

______________________________

[1] أقول: و قد استدل بعض بعدم ذكر ذلك في قصّة ماعز و لو كان واجبا لما تركه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 436

الرياض أيضا- و ان ادّعى في أثناء كلامه الاتّفاق على الكراهة- و عليه فالأقوى هو الحرمة.

اللهم الّا ان تكون الروايات معرضا عنها بان يقال: انّه كانت عندهم قرينة حملتهم على عدم العمل بهذه الروايات.

و فيه ما ذكرنا من الإفتاء بالحرمة من مثل المحقّق و العلّامة في بعض كتبهما [1].

نعم ما علّل به الحكم أشد مناسبة للكراهة من التحريم و هو انّ من عليه الحدّ فلا يرجم، فإنّه مشعر بالعليّة و كأنّه قيل: كيف يرجم من كان عليه حدّ اللّٰه تعالى؟! و امّا الموضع الثاني فنقول: انّ الروايات بظاهرها مختلفة

و هي على ثلاثة أنحاء فمنها ما يستظهر منها اعتبار المثليّة و هو صحيح زرارة، ففيه: من فعل مثل فعله فلا يرجمه. «1» و معتبرة أصبغ بن نباته و فيها: نشدت اللّٰه رجلا منكم للّٰه عليه مثل هذا الحق ان يأخذ للّه به «2».

و منها ما هو ظاهر في الإطلاق و انّ الملاك هو مجرّد كون الحدّ عليه و ذلك كمرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد ففيها: فمن كان للّه في عنقه حقّ فلينصرف، و لا يقيم حدود اللّٰه من في عنقه حدّ «3». و كذا رواية الامام الصادق في حكاية عيسى بن مريم، و فيها: لا يحدّني من للّه في جنبه حدّ «4».

______________________________

[1] أقول: و يظهر من المقداد قدّس سرّه انّ القائل بالحرمة أيضا غير قليل حيث قال في التنقيح الجلد 4 الصفحة 345: لا شك انّه ورد النهى عن ذلك في الروايات فيحتمل ان يكون ذلك للتحريم مناسبة لإعظام حدود اللّٰه تعالى و محارمه، و يحتمل ان يكون الكراهة لأصالة البراءة من التحريم و وجوب القيام بحقوق اللّٰه و عموم الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فلذلك قال جماعة بالتحريم و جماعة بالكراهة انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 13 من مقدمات الحدود الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 437

و منها ما قد جمع بينهما بحسب صدر الرواية و ذيلها و ذلك كرواية ابن ميثم ففيها: لا يقيم الحدّ من للّه عليه حدّ، فان ظاهر هذه الجملة

هو الإطلاق و كفاية مجرّد كون الحدّ عليه اىّ حدّ كان فلا يعتبر المثلية، الّا انّ فيها بعد ذلك بلا فاصلة: فمن كان للّه عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ «1»، و هذه العبارة ظاهرة في اعتبار المثليّة.

و لكنّ التحقيق انّه لا اعتبار بالمثليّة و انّما المعتبر هو كون حدّ عليه و ذلك لأمرين: أحدهما مناسبة الحكم و الموضوع فإنّها تقتضي انّ من كان عليه حدّ من حدود اللّٰه فلا يشارك الناس في رجم أحد.

و ثانيهما ملاحظة التفريع الذي ورد في هذه الرواية فإنّ التفريع لا يناسب إلّا إذا كان المفرّع من إفراد المفرّع عليه و أحد مصاديقه فلو كان الثاني عين الأوّل فلا معنى لتفريعه عليه و هو بعيد عن نطاق البلاغة، و إذا كان الثاني متفرّعا على الأوّل فلا محالة يفيد انّ من كان عليه مثل هذا الحدّ فلا يرجم و من كان عليه حدّ مطلقا فلا يرجم أيضا، و على هذا فهذه الرواية التي ظهر المراد منها ببركة فاء التفريع تفسّر ما دلّ منها على اعتبار خصوص المثليّة و يفهم منها انّه ليس الملاك ذلك و انّما الملاك تعلّق حدّ من حدود اللّٰه تعالى به.

لا يقال: لعلّ ذيل رواية ابن ميثم يكون مفسّرا لصدره لا ان يكون تفريعا عليه، و حينئذ يكون الملاك هو خصوص الحدّ المماثل.

لأنّا نقول: انّه خلاف ظاهر لفظ الفاء و لا يلائم البلاغة و انّما الظاهر منه التفريع.

و هل الحكم يجرى فيما إذا كان قد تاب الى اللّٰه تعالى، أو انّه إذا تاب فليس عليه حدّ و يجوز له ان يرجم؟

المختار عندهم هو الثاني و يؤيّد ذلك أو يدلّ عليه ما ذكروه من انّه لو

لم يجز على من كان عليه الحد مع انّه قد تاب، ان يرجم فلعلّه لا يوجد من يرجم فإنّه قلّما يوجد من لم يكن عليه حدّ أصلا بخلاف ما إذا قلنا بقبول التوبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 438

فإنّه و ان كان قد تعلّق عليه الحدّ لكن التوبة فيما بينه و بين اللّٰه قد طهّرته، و التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و هذا يسهّل الخطب، و به يمكن أقدام كثيرين على رجم من وجب رجمه و المستفاد من أدلّة التوبة انّه بعد ما تاب فليس عليه شي ء و لا عليه حقّ و دين من اللّٰه كي لا يمكنه الاقدام على الرجم.

قال في الجواهر: و ظاهر النص و الفتوى سقوط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته عند الحاكم فيتّجه حينئذ ما سمعته من ابن إدريس.

أقول: و ما ذكره ابن إدريس هو ما حكاه عنه آنفا بقوله: و في السرائر:

و روى انّه لا يرجمه الّا من ليس للّه سبحانه في جنبه حدّ، و هذا غير متعذر لانّه يتوب في ما بينه و بين اللّٰه تعالى ثم يرميه انتهى.

نعم يشكل الأمر على هذا بلحاظ ما ورد في رواية ابن ميثم حيث قال في آخره: فانصرف الناس يومئذ كلّهم ما خلا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ و ما معهم غيرهم إلخ «1».

لأنّه إذا كانت التوبة كافية في رفع حكم الحدّ فلما ذا لم يتوسلوا بالتوبة؟ و كيف يمكن ان يقال بانّ هذه الجماعة كلّهم كانوا قد ارتكبوا موجب الحدّ و مع ذلك فلم يتوبوا حتّى في

هذه الساعة و رجعوا؟

و لذا قال صاحب الرياض: و ربما يظهر من الصحيحة الاولى و نحوها ممّا تضمّن انصراف الناس بأجمعهم بعد ما قيل لهم ذلك ما خلا أمير المؤمنين و الحسنين عليهم السّلام عدم الفرق فان من البعيد جدّا انّ جميعهم لم يتوبوا من ذنوبهم ذلك الوقت انتهى «2».

و في الجواهر بعد إيراد هذا الاشكال: و يمكن ان يكون لعدم علمهم بالحكم انتهى.

أقول: و يحتمل انّهم كانوا في ذاك الوقت غافلين عن التوبة، و أمثال ذلك من التوجيهات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 31 من مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) الرياض الجلد 2 الصفحة 477.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 439

و كيف كان لا يمكن رفع اليد بهذه الرواية عن الأصل المسلّم و هو قبول التوبة.

ثم انّ الظاهر انّه لا فرق في النهي كراهة أو تحريما بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البيّنة.

الّا انّه حكى عن الصيمري اختصاص الحكم بالأوّل قائلًا انّه محلّ خلاف و انّه إذا قامت البيّنة فالواجب بدأة الشهود، و لأنّ النهى انّما ورد في صورة الإقرار.

و يرد على الوجه الثاني انّه لا عبرة بخصوص المورد بل العبرة بعموم الوارد، و موارد النهي في المقام و ان اختصّت بالإقرار الّا ان النهى فيها وارد على سبيل العموم.

و امّا الوجه الأوّل أعني وجوب بدأة الشهود بالرجم فيما إذا قامت البيّنة عليه فوجه الاستدلال به هو انّه إذا كان يجب على الشهود الابتداء بالرجم فكيف يقال: بانّ من كان عليه الرجم فلا يرجم، و بعبارة اخرى: انّ أدلّة بدأة الشهود بالرجم لا يساعد بل ينافي الحكم بأنه لا يرجم من عليه الحدّ فلذا يختصّ هذا الحكم بمن ثبت زناه بالإقرار خاصّة.

و فيه انّ

ذلك لا يوجب تخصيص الحكم بالإقرار فإنّ لنا عامّين من وجه أحدهما انّ من عليه الحدّ لا يرجم سواء كان قد ثبت الموجب بالإقرار أو بالبيّنة، و الآخر: يجب بدأة الشهود بالرجم سواء كان عليهم حدّ أم لا، و لا وجه لتقديم الثاني على الأوّل و ذلك لاحتمال العكس فتخصّص أدلّة وجوب البدأة بما إذا لم يكن على الشهود حدّ للّه تعالى.

و في الجواهر: و دليل بدأة الشهود لا يقتضي تخصيص النص و الفتوى بما سمعت بل العكس اولى انتهى.

و مراده من العكس الذي جعله اولى، هو ان يكون النص و الفتوى يقتضيان تخصيص أدلّة بدأة الشهود فيقال انّ الشهود يبتد أون إذا لم يكن عليهم حدّ للّه سبحانه.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 440

و امّا وجه الأولويّة فغير ظاهر حيث انهما مثلان و لا مزيّة لأحدهما على الآخر.

اللّهم الّا ان يكون مراده انّ أدلّة عدم الرجم حاكمة على أدلّة البدء و ذلك لانّ مفاد دليل بدأ الشهود انّه كلّما كان حدّ يبدأ الشهود به و أدلّة: لا يرجم من كان كذا، تفيد انّ الشهود الذين كان عليهم الحد ليس عليهم اجراء الحدود كي يبتدأون بها فالبدء بالحد متعلّق بما إذا كان عليهم اجراء الحدّ. [1]

نعم هنا كلام و هو انّه كيف يتصوّر في حق الشهود كون حدّ عليهم و الحال انّ المعتبر في الشهود هو العدالة؟

اللّهم الّا ان يقال بإمكان ذلك بكون الشاهد قد ارتكب موجب الحدّ خفاء بعد إيقاع الشهادة و الّا فلو كان عليه ذلك من قبل، لم تكن شهادته نافذة و لم يجز له ان يقدم على أدائها.

ثم انّه هل على الحاكم ان يستفسر الشهود عن تعلّق حدّ بهم-

بإتيان ما يوجبه- أم لا؟ الظاهر انّه ليس عليه ذلك بل لا يجوز لانّه من باب التجسّس و التفتيش و هو غير جائز.

______________________________

[1] أقول: لعلّ وجه الأولوية هو انّه إذا كان قد اعتبر في باب الإقرار الذي ثبت الموجب بإقرار المجرم دون الناس ان لا يكون على الراجمين حدّ فكيف بما إذا كان المجرى للحدّ و هو الشهود قد اثبتوا الحدّ بشهادتهم و بعبارة أخرى إذا اعتبر عدم حدّ علىّ الراجمين مع عدم كونهم مثبتين للرجم فاشتراط ذلك فيمن اثبت الجرم اولى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 441

الكلام في وجوب دفن المرجوم

قال المحقّق: و يدفن إذا فرغ من رجمه و لا يجوز إهماله على حاله.

أقول: لا خلاف أصلا في وجوب دفن المرجوم بعد الفراغ عن رجمه، كما لا خلاف أيضا في وجوب دفنه في مقابر المسلمين و ذلك لانّه مسلم فيكون كسائر أموات المسلمين و لم يخرج بسبب معصيته و لا رجمه عن الإسلام فليس المستحق للرجم بكافر كما انّ كثيرا ممّن يستحقّ القتل أيضا كذلك و منهم المسلم الذي ارتكب القتل فإنّه يقتل و ليس بكافر الى غير ذلك من الموارد بل ربما يظهر من بعض الاخبار انّ حضوره و تسليمه تجاه اقامة حكم اللّٰه يوجب له اجرا عظيما و ربّما كان اللّٰه سبحانه قد غفر له بسبب اجراء الحدّ عليه و هو في حكم التوبة و ان كان لو تاب فيما بينه و بين اللّٰه تعالى لكان أفضل، لكن صبره على اجراء حكم اللّٰه تعالى أمر عظيم جدّا و مظنّة لمغفرة اللّٰه سبحانه.

ففي رواية الجهنيّة لمّا أمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله برجمها فرجمت صلّى عليها فقال له عمر: تصلّى عليها يا

رسول اللّٰه و قد زنت؟ فقال ص: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لو سعتهم، و هل وجدت أفضل من ان جادت بنفسها للّه؟ «1».

و في خبر العامرية لمّا رجموها فاقبل خالد بحجر فرمى رأسها فينضح الدم على وجه خالد فسبّها فسمع النبي صلّى اللّٰه عليه و آله سبّه ايّاها فقال: مهلا يا

______________________________

(1) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 442

خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس- ميسر- لغفر له ثم أمر بها صلّى عليها و دفنت [1].

و يدلّ على وجوب دفنه ما دلّ على لزوم معاملة المرجوم معاملة سائر الموتى من الاخبار.

ففي رواية أبي مريم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: أتت امرأة أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: انّى قد فجرت فاعرض بوجهه عنها ثم استقبلته فقالت: انّى فجرت فأمر بها فحبست و كانت حاملا فتربصّ بها حتّى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفيرة إلى الحقو و موضع الثديين و أغلق باب الرحبة و رماها بحجر و قال: بسم اللّٰه اللّهم على تصديق كتابك و سنّة نبيّك ثم أمر قنبر فرماها بحجر ثم دخل منزله ثم قال: يا قنبر ائذن لأصحاب محمّد قد خلوا فرموها بحجر حجر ثم قاموا لا يدرون ا يعيدون حجارتهم أو يرمون بحجارة غيرها و بها رمق، فقالوا يا قنبر أخبره انّا قد رمينا بحجارتنا و بها رمق كيف نصنع؟ فقال: عودوا في حجارتكم فعادوا حتّى قضت فقالوا له: قد ماتت فكيف نصنع بها؟ قال:

فادفعوها إلى أوليائها و مروهم ان يصنعوا

بها كما يصنعون بموتاهم «1».

ثم لا يخفى انّ في حكم دفنه حكم الصلاة عليه، كما صرّح بصلاة رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على المرجوم في رواية الجهنية و قد تقدّمت آنفا.

الكلام حول غسل المرجوم

بقي البحث و النزاع في سائر تجهيزاته كالغسل. فنقول: ربّما يظهر من رواية أبي مريم و أمر الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قنبر أن يأمر الناس ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم، خصوصا بلحاظ عدم ذكر عن غسلها قبل رجمها، انّه يجب غسله أيضا كالصلاة عليه و دفنه.

______________________________

[1] سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 221، و قيل انّ المراد بصاحب المكس هو العشّار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 443

لكن قال المحقق في الشرائع في كتاب الطهارة عند البحث عن أحكام الميّت: و كذلك من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسّل بعد ذلك.

و قال العلّامة في الإرشاد: و يؤمر من وجب قتله بالاغتسال أوّلا ثم لا يغسّل.

و قال الأردبيلي في الشرح: كانّ دليله الإجماع و الّا فليس له مستند واضح عامّ «1».

أقول: انّه و ان فرض عدم كونه إجماعيّا الّا انّ الشهرة غير قابلة للخدشة و هي مفروغ عنها.

قال الكلباسي [1] في منهاج الهداية: و لو كان الحدّ رجما أمر المرجوم و المرجومة أوّلا بالاغتسال و التحنيط و التكفين للنصوص المستفيضة المؤيدة بالشهرة المحقّقة و المحكيّة انتهى.

فقد ادّعى رحمه اللّٰه النصوص المستفيضة المؤيّدة بالشهرة بقسيمها على وجوب التجهيزات في قبال الأردبيلي الذي ادّعى عدم مستند واضح عامّ لذلك.

و قال في الجواهر بعد العبارة المذكورة آنفا عن المحقّق في الطهارة:

و الأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني بسند

ضعيف جدّا عن مسمع كردين عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلّى عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك يغسّل

______________________________

[1] قال في الكنى و الألقاب الجلد 3 الصفحة 89: الكرباسي: الشيخ الأجل الأفقه الأورع الحاج المولى محمد إبراهيم بن محمد حسن الكاخكي الأصبهاني المعروف بالكلباسى مصدر العلم و الحكم و الآثار، مركز دائرة الفضلاء الاخبار ركن الشيعة و شيخها الجليل المنزلة و المقدار صاحب كتاب المنهاج و النخبة و الإشارات تلمذ على العلّامة الطباطبائي بحر العلوم و الشيخ الأكبر و صاحب الرياض و غيرهم رضوان اللّٰه عليهم بل أدرك مجلس الأستاد الأكبر المحقّق البهبهاني توفي سنة 1262 و قبره بأصبهان.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان الطبع الجديد الجلد 1 الصفحة 208.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 444

و يحنط و يلبس الكفن ثم يقاد و يصلّى عليه، و رواه الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب و بإسناد ثان فيه إرسال و غيره، لكن في التهذيب يغتسلان من الافتعال بخلاف ما في الكافي فإنه فيه يغسّل بالتشديد مع البناء للمجهول «1».

أقول: انّ الرواية واضحة الدلالة على المراد و امّا من حيث السند فهي و ان كانت ضعيفة الّا أنّها منجبرة بالشهرة لو لم يكن إجماع على ما قاله الأردبيلي.

و هنا بحث و هو انّه ربما يقال: انّ غسله هذا هو غسل الميّت الواجب بعد الموت الّا انّه يفعله المرجوم مثلا بنفسه قبل الموت تعبدا من الشارع.

و هذا في النظر بعيد، فان غسل الميّت موقوف على زهوق روح الإنسان حتّى يتنجّس بدنه و يلزم

بعده الغسل فكيف نقول بأنّه مع كونه حيّا- يغتسل بنفسه- يكون غسله هو غسل الميّت المعتبر بعد الموت؟ و المترجح في النظر انّه ليس هو ذاك الغسل و انّما يؤمر بالاغتسال، فاذا اغتسل فقد جعل الشارع غسله هذا مسقطا عن غسل ما بعد الموت و كذا بالنسبة الى الحنوط و الكفن.

و تظهر الثمرة في انّه على ما ذكرنا فلا يعتبر في هذا الغسل ما يعتبر في غسل الميّت من التعدد و كذا الخليطين و غير ذلك لانّه بعد عدم الدليل على شي ء سوى الغسل يشكّ في اعتبار هذه الأمور و الشرائط، و الأصل عدم الوجوب، و البراءة منها و ان كان الاحتياط حسنا في حين انّه لو كان الغسل هو غسل الميّت فإنّه يعتبر فيه ما يعتبر في غسل الميّت، و لكنّه عندنا بعيد.

و في القواعد استشكل في وجوب الثلاثة بعد ان قال بها، قائلًا: و يؤمر من وجب قتله الاغتسال قبله ثلاثا على اشكال [1] و التكفين و التحنيط.

______________________________

[1] و قال ولده الشارح فخر الدين قدّس سرّه في بيان الاشكال: من حيث انه غسل الأموات و من انّه حيّ و عدم اقتضاء الأمر المطلق التكرار، و الأصحّ عندي الأوّل لأنّه تقديم لغسل الأموات على الموت و هو هو بعينه انتهى، راجع إيضاح الفوائد الجلد 1 الصفحة 59.

______________________________

(1) جواهر الكلام الجلد 4 الصفحة 94، و رواية مسمع: وسائل الشيعة الجلد 2 الباب 17 من غسل الميّت الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 445

و استدلّ بعضهم على انّه غسل واحد، بأمور: منها أصالة البراءة و منها إطلاق النصوص و الفتاوى و عدم التعرّض فيها للثلاثة و كذا غيرها من الشرائط المعتبرة في غسل

الأموات، و منها انّ هذا الغسل يأتي به الحيّ، و اغتسال الأحياء ثلاثا غير معهود.

كما انّه استدلّ من اعتبر الثلاثة بأنّ الظاهر كون هذا الغسل غسل الميّت الذي قدّم على الموت بأمر الشارع فحينئذ يعتبر فيه ما هو المعتبر في غسل الأموات.

و الإنصاف انّ الظاهر من النص و الفتوى هو الثاني فهو غسل الميّت و انّما يقدّم للتّعبّد و أمر الشارع فلذا يعتبر فيه ما يعتبر في غسل الأموات كما قوّى ذلك في الجواهر قال: من غير خلاف أجده فيه سوى العلّامة في القواعد و تبعه بعض من تأخّر عنه، ثم تعرّض قدّس سرّه لاستدلالات المخالف و أجاب عنها بضعف الجميع، ثم قال: و كذا لا إشكال في الاجتزاء به عن الغسل بعد الموت و انّه به ترتفع النجاسة الحاصلة بسبب الموت في غيره و كذا سائر ما يترتّب على غسل الميّت من عدم وجوب الاغتسال بالمسّ و نحوه و لا وجه لاستبعاد ذلك من حيث تقديم الغسل على سبب النجاسة بعد فرض ثبوت ذلك من النصّ و الفتوى إذا لأحكام الشرعية موكولة إلى صاحبها انتهى.

و في مفتاح الكرامة بعد كلام العلّامة في القواعد المذكور آنفا: هذا الحكم في الجملة ممّا لا خلاف فيه كما في المعتبر و الذكرى، و عليه الإجماع كما في الخلاف.

ثم قال: و وقع الخلاف في مواضع، الأوّل: انّ هذا الأمر على سبيل الوجوب أو الاستحباب، الثاني: الحكم عام أو مقصور على المرجوم و المقتول قودا الثالث: انّ الواجب أو المستحب الغسل مع التكفين و التحنيط أو بعضها الرابع:

انه يغسل ثلاثا أو واحدة و هذا هو الذي استشكل فيه المصنّف «1».

و نحن نقول: امّا بالنسبة إلى الموضع الأوّل فيمكن ان يقال:

انّه لا يجب ما لم يأمر الحاكم به و انّما يجب ذلك إذا أمره به.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة الجلد 1 الصفحة 423.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 446

و لكن الظاهر انه يجب الغسل على المرجوم بنفسه و انّما يجب ان يؤمر بذلك تحفّظا على إيقاع العمل و على ذلك فلو فعله هو بنفسه لكفى ذلك عن امره به، و ذلك لأنّه إذا أمر الشارع أحدا أن يأمر آخر بشي ء فلا بدّ ان يكون ذلك الشي ء واجبا على المأمور، و لذا أوجب أمره به و على الجملة فتارة نقول بضعف سند الخبر- كما عبّر صاحب الجواهر بقوله: بسند ضعيف جدّا- بلا جابر له في البين فهو، و امّا لو كان ضعف سنده منجبرا بعمل المشهور كما هو كذلك فلا وجه حينئذ لحمله على الاستحباب فان ظاهره الوجوب.

نعم ربما يوهم مرفوعة ابن خالد- في رجل طلب من الامام أمير المؤمنين عليه السّلام ان يطهّره من الزنا عدم لزوم الغسل أصلا فإنّ فيها: فأخرجه أمير المؤمنين فحفر له و صلّى عليه و دفنه فقيل يا أمير المؤمنين الا تغسّله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة. لقد صبر على أمر عظيم «1»- عدم وجوب الغسل مطلقا لا قبل الرجم و لا بعده و الّا لكان اللازم ان يجيب «ع» بأنّه قد اغتسل قبل رجمه.

و فيه انها ليست صريحة و لا ظاهرة في ذلك و لعلّ وجه عدم التعرّض له هو انّه عليه السّلام كان قد امره بالغسل قبل رجمه.

و امّا بالنسبة إلى الموضع الثاني و هو انّه هل الحكم عامّ لكلّ من كان محكوما بالقتل أو انّه يختصّ بالمرجوم و الذي يحكم عليه بالقتل قصاصا؟

فنقول:

انّ المذكور في رواية كردين التي هي الأصل في الحكم هو المرجوم و المرجومة و كذا المقتصّ منه و لم يزد فيها على ذلك شي ء، فان كان قد تحقق إجماع على التعميم و الإلحاق فهو و الّا- كما هو الواقع- فلا وجه للتعميم، استنادا إلى المشاركة في السبب، بل هو قياس لا نقول نحن به، فالقدر المسلّم و المتيقّن الذي لا مناص عن الأخذ به هو المرجوم و المقتول قودا، كما انّه لو شكّ في ذلك فالأصل عدم الإلحاق، فيكون غير الموردين الخاصّين تحت أدلّة غسل الميّت فيجب غسله بعد قتله و موته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 447

و امّا الموضع الثالث و هو اعتبار التكفين و التحنيط ففي خير كردين «1» ذكرهما مع الغسل حيث قال: المرجوم و المرجومة يغسّلان و يحنطان و يلبسان الكفن، لكن عبارات الأصحاب مختلفة فبعضها ساكت عن ذكرهما رأسا و ذلك كعبارة المحقّق في «حدود الشرائع» كما انّه اقتصر على ذكر امره بالاغتسال قبل القتل في «كتاب الطهارة» و بعضها متعرّض لكليهما كما انّ بعضها قد تعرّض لواحد منهما.

ففي المبسوط: إذا رجم غسل و صلّى عليه و حكمه بعد الرجم حكم المسلم إذا مات و حكم من يقتل قصاصا يغسّل و يصلّى عليه و يدفن في مقابر المسلمين بلا خلاف، و روى أصحابنا انّه يؤمر بالاغتسال قبل الرجم و التحنيط، و كذلك من وجب عليه القصاص فاذا قتل صلّى عليه و دفن «2».

فقد ذكر هنا مع الاغتسال التحنيط خاصّة.

و قال الصدوق في المقنع: و المرجوم يغسّل و يحنّط و يكفّن ثم يرجم بعد ذلك، و

كذا القاتل إذا أريد قتله قودا «3».

ترى انّه ذكر مع الغسل، التحنيط و التكفين كليهما، نعم ظاهر كلامه انّ المباشر لهذه الأمور هو غير المرجوم و مقتضى ذلك هو انّه يجب ان يغسّله آخر و يحنّطه و يكفّنه لا انّه يؤمر هو بذلك كي يأتي به بنفسه.

و قال الشيخ المفيد: و المقتول قودا يؤمر بالاغتسال قبل قتله فيغتسل كما يغتسل من جنابته و يتحنّط بالكافور فيضعه في مساجده و يتكفن ثم يقام فيه بعد ذلك الحدّ بضرب عنقه ثم يدفن «4».

و لكنّ الظاهر هو وجوب كلّ هذه الأمور، و انّ ترك ذكر التحنيط أو التكفين في بعض الكلمات كان للاختصار لا لعدم الاعتبار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 2 الباب 17 من أبواب غسل الميّت الحديث 1.

(2) المبسوط الجلد 8 الصفحة 4.

(3) المقنع الصفحة 20.

(4) المقنعة الصفحة 85.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 448

و امّا الموضع الرابع اى البحث في انّه يغتسل ثلاثا أو واحدة فهو محلّ الكلام كما تقدّم. و قد يستظهر من عبارة المفيد المذكورة آنفا انّه غسل واحد و ذلك لانّه قال: يغتسل كما يغتسل من جنابته انتهى فان من المعلوم انّ غسل الجنابة غسل واحد لا أزيد.

نعم يمكن ان يحمل كلامه على انّ غسل هذا كغسل الجنابة في الترتيب و الكيفيّة و لا ظهور كامل له في تشبيهه بغسل الجنابة في عدم التعدّد و التكرار و ان كان هذا الحمل بعيدا و ذلك لظهوره في المثلية مطلقا لا في خصوص الترتيب و كيفيّة الإيقاع فتشمل جهة الوحدة و عدم التعدّد أيضا.

ثم انّ ممّن أنكر اعتبار الثلاثة هو الفقيه الهمداني رضوان اللّٰه عليه و قد بالغ و أكدّ على ذلك قال بعد

كلام له: و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في انّ المراد في النصّ و الفتاوى ليس الّا الغسل بالماء القراح دون الغسل مع مزج الخليطين إذ من المستبعد جدّا بل المحال عادة في خصوص الفتاوى ان يكون المقصود بالغسل الأغسال الثلاثة من دون إشارة إليها مع انّه لا ينسبق الى الذهن من أمر الحيّ بالغسل كما وقع في عبائرهم إلّا الغسل بالماء القراح فكيف يجوز في مثل الفرض الإهمال في بيان المقصود اتكالا على ظهور العبارة في إرادة غسل الميّت مع انّه على تقدير تسليم الظهور لا دلالة فيها على إرادة الأغسال الثلاثة لاحتمال اختصاص الغسل بالممزوج، بالميّت، لخصوصيّة فيه، و كون الغسل الحقيقي المؤثّر في رفع حدثه هو الغسل بالماء القراح فاستظهار اعتبار التثليث من إطلاق النص و فتاوى الأصحاب كما زعمه غير واحد من المتأخرين غير سديد فالأظهر كفاية الغسل الواحد بالماء القراح و ان كان الثلاث أحوط خروجا من شبهة الخلاف انتهى.

و لقد أجاد فيما أفاد من عدم ذكر عن التعدد و لا الخليطين في النصوص و الفتاوى، و هذا يقوّى في الذهن عدم اعتبارهما أصلا خصوصا بلحاظ ذكر الحنوط و الكفن في العبائر و على هذا فلا يعتبر التعدّد و لا الخليطان على ما هو المنساق إلى الأذهان من غسل واحد بالنسبة إلى الحيّ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 449

و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط، بمراعاة الأمرين و ذلك لما ذكرناه آنفا من انّ هذا الغسل بمقتضى مقام الاستظهار هو الغسل المقرّر للأموات بعد تحقّق الموت لكنّه قد قدّم في المورد على الموت، و إذا استظهر كونه هو بنفسه فلا بدّ من مراعاة ما كان له من الشرائط

و لا أقلّ من الاحتياط بمراعاته. لانّ الغسل بالماء القراح يتحقّق على كلا القولين و ضمّ الغسل بالخليطين لا يبطل الغسل بالماء الخالص، و ان كان لو شك واقعا تجري أصالة البراءة عن الزائد لكن بلحاظ ما ذكرناه يحتاط بثلاثة أغسال على ما هو المعهود في غسل الأموات.

و إذا اغتسل قبل رجمه أو قتله فيترتّب على غسله ما يترتّب على غسل الأموات فلا يوجب مسّه بعد ذلك الغسل لان بدنه طاهر.

نعم هنا بحث و هو انّ غسل الميّت حيث يكون عقيب الموت يوجب زوال النجاسة الحاصلة بالموت فكان الميّت قبل ان يغسّل نجسا و يؤثّر مسّه بعد برده الغسل و إذا غسّل يكون طاهرا و لا يوجب مسّه الغسل، و امّا إذا وقع الغسل قبل الموت فكيف يتصوّر ان يزيل النجاسة التي لم تحصل بعدُ.

اللّهم الّا ان يقال في رفع الإشكال بأنّه لا يحكم بنجاسة الميّت الذي قد اغتسل قبل قتله بأمر الشارع و يكون غسله هذا مانعا عن حصول النجاسة و بعبارة اخرى: انّه قد يكون الغسل رافعا للنجاسة و قد يكون دافعا لها، و الغسل بعد الموت في المورد المبحوث عنه من قبيل الدفع الذي هو المنع عن تقرّر الشي ء خارجا و يؤل الأمر إلى القول بأنّ الإنسان يتنجّس بالموت إلّا الذي اغتسل قبل موته في الموارد الخاصّة فإنّه لا يتنجّس أصلا.

و بعبارة ثالثة: انّ الأمر يدور بين ان نقول بانّ هذا المرجوم مثلا يتنجّس بموته و لكن يجب دفنه كذلك تعبّدا و على هذا فقد خصّص دليل وجوب تطهير المؤمن قبل دفنه و كأنّه قيل: الّا في المرجوم و يجب غسل الميّت المسلم إلّا في هذه الموارد المعيّنة، و بين ان نقول

بأنّه يلزم تطهير المسلم قبل دفنه و بعد موته إلّا في المرجوم مثلا فإنّه يغتسل قبل الموت لقيام الدّليل على ذلك و على هذا فقد خصّص دليل وجوب كون الغسل بعد الموت، و الظاهر هو الثاني.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 450

الكلام فيما إذا لم يغتسل قبل الرجم

و لو لم يغتسل قبل الرجم مثلا فما هو الوظيفة؟ الظاهر انّه يجب تغسيله بعده لانّه لو كان يغتسل قبل رجمه لكان غسله كافيا عن الغسل بعد الموت بلا كلام و امّا إذا لم يغتسل قبل ذلك فأدّلة وجوب تغسيل المسلم مطلقا تقتضي وجوب تغسيله الآن، و لذا قد يقال: بانّ وجوب الغسل قبل موته أو بعده من قبيل الوجوب التخييري.

و لكن فيه انّه يمكن ان يقال بانّ الواجب هو غسله قبل الرجم مثلا الّا انّه لو خولف ذلك و عُصي هذا الأمر يجب غسله بعد الموت و على هذا فلم يكن من قبيل الوجوب التخييري بل من باب الوجوب التعيينيّ و الترتيبيّ.

الكلام فيما إذا كان جنبا

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر المنضود في أحكام الحدود؛ ج 1، ص: 450

ثم انّه لو كان جنبا فهل يكفى غسله هذا عن الجنابة أم لا؟ معلوم انّه في غسل الحيّ يتداخل الأغسال إذا كان قد نوى الجميع و يسقط الأغسال المتعدّدة بذلك بل و لو قصد الجنابة لكفى ذلك عن باقي الأغسال و امّا في المقام فيشكل الثاني فإذا نوى الجنابة بغسله لا يكون هذا كافيا عن غسل المرجوم.

نعم لو نوى به غسل الجنابة أيضا و كذا سائر الأغسال إذا كانت عليه فهناك يكتفى به لكن لا يخفى انّ التداخل يجري في الغسل بالماء القراح و امّا بالماء الممزوج بالخليطين فلا معنى للتداخل فيه.

لا يقال: انّ وجوب غسل الجنابة كالحيض و النفساء غيريّ و مع الموت يرتفع التكليف بالصلاة مثلا فلا يبقى وجوب لهذا الغسل و لا اثر لهذه الجنابة كي يغتسل عنها و ينوي

باغتساله للرجم الغسل للجنابة أيضا.

لأنا نقول: انّه و ان كان قد سقط الغسل من هذه الناحية الّا انّه لا

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 451

ينحصر اثر الغسل في تجويز العبادة بل له آثار أخر عظيمة كعدم وروده في المحشر مع الجنابة التي هي نوع قذارة روحيّة فيؤثّر غسل الجنابة في ان يرد القيامة طاهرا متطهّرا بخلاف ما إذا لم يغتسل منها كما يظهر ذلك من قصّة الشاب الذي كان ينبش القبور و ينزع و أكفان الموتى و كلام الجارية التي كانت من بنات الأنصار بعد موتها و عند ما زنى ذلك الشّاب بها و أخذ كفنها حيث نطقت بإذن اللّٰه و قالت: يا شاب ويل لك من ديّان يوم الدين يوم يقفني و إياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى و نزعتني من حفرتي و سلبتني أكفاني و تركتني أقوم جنبة الى حسابي فويل لشبابك من النار «1».

و مع ذلك كلّه ففي وجوب غسل الجنابة هنا إشكال لأنهم لا يقولون بوجوبه على الميّت الذي كان جنبا و ان كان خبر عيص- قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: الرجل يموت و هو جنب قال: يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت «2»- يدلّ على الوجوب لكن المشهور لم يعملوا به فلا اعتبار له فلو كان هذا الخبر و الخبران الآخران المنقولان عنه بهذا المضمون معتبرة معمولة بها لكنّا نقول بالوجوب، و لكن مع عدم إفتاء المشهور فلا، و على هذا فليس يجب على الميّت غسل الجنابة لعدم مستند صحيح، لا لانّ غسل الجنابة غيري و هو ساقط عن الميّت و ذلك لما عرفت من ضعفه، و لو لا ضعف الخبر لكان

اشكال الوجوب الغيري قابلًا للدفع بما ذكرناه من الوجه.

هذا مضافا الى روايات عديدة ناطقة بعدم وجوب غسل الجنابة مع كونه جنبا و الاكتفاء بغسل الميّت و لعلّ ما ذكر في خبر عيص كان لتحصيل مزيد الثواب.

نعم انّه و ان لم يكن بواجب لكنّ الاحتياط حسن.

و هذا الذي ذكرناه في الميّت الجنب يجري في المحكوم بالرجم الذي كان عليه غسل الجنابة و يزيد هنا التأييد بمرفوعة محمّد بن خالد و قول أمير المؤمنين

______________________________

(1) أمالي الصدوق المجلس 11 الصفحة 27 و بحار الأنوار الجلد 6 الصفحة 23.

(2) وسائل الشيعة الجلد 2 الصفحة 722 الحديث 7 من الباب 31 من غسل الميّت و الحديث 5 و 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 452

فيها- بالنسبة الى رجل أقرّ عنده بالزنا و رجمه الامام عليه السّلام-: قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة لقد صبر على أمر عظيم، و قد تقدم ذكرها آنفا فإنها ظاهرة في انّ حضوره للرجم و صبره عليه موجب لطهارته و على هذا فلو اغتسل للرجم فلا حاجة الى غسل الجنابة بعد ذلك. و امّا عدم اشتمال هذا الخبر على ذكر الغسل قبل الرجم فقد مرّ انّه لا يدلّ على عدمه حتّى يخالف النصّ و الفتوى.

هذا مضافا الى انّ روايات اغتساله قبل رجمه مطلقة تشمل ما إذا كان عليه غسل الجنابة أم لا.

و على ما ذكرنا من حسن الاحتياط فان لم يغتسل لجنابته بنفسه و لا انّه نواها في غسله للرجم فيحسن ان يغسل بعد موته لهذا.

هذا كلّه إذا كانت الجنابة من قبل و امّا لو وقعت بعد غسله للرجم فهل هو كما إذا كان السبب من السابق؟

أقول: الظاهر عدم بطلان غسله

للرجم بالجنابة اللاحقة لعدم استفادة ذلك من الأدلّة و ان كان الاحتياط حسنا.

فروع مناسبة لغسل المرجوم

ثم انّه لو اغتسل للرجم مثلا لكنّه مات بعد الغسل حتف انفه فهل يجزيه غسله السابق أم لا؟

الظاهر عدم اجزائه عن غسل الميّت و ذلك لدلالة العمومات على وجوب غسل الميّت المسلم مطلقا و انّما خرج ما إذا كان محكوما بالرجم أو القتل فإنّه يقدّم غسله و حيث انّ المقام لم يكن من مصاديق المرجوم و المقتول فالمرجع هو العمومات الدّالة على وجوب الغسل.

و بعبارة اخرى انّه من قبيل تبدّل الموضوع، فالغسل المقدّم كان للمرجوم و هذا ليس بمرجوم و انّما مات هو حتف انفه.

و لو اغتسل للرجم ثم قتل بسبب آخر غيره كما إذا قتل قصاصا قبل ان يرجم فالظاهر عدم الاكتفاء بغسله الذي قد اتى به للرجم.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 453

و هكذا عكس ذلك كما إذا اغتسل لان يقتصّ منه ثم رجم للزنا.

و امّا لو اغتسل لان يقتصّ منه لشخص ثم قتل لشخص آخر كما إذا عفى عنه وارث المقتول الأوّل و اقتصّ منه وليّ المقتول الثاني أو انّه في الذهاب به الى موضع القصاص للاوّل صادفه وليّ الثاني فقتله، فقد استشكل صاحب الجواهر هنا في وجوب التجديد و ذلك لاتّحاد السبب.

و فيه انّ المعيار و الميزان في لزوم التجديد و عدمه في هذه الفروع كلّها أمر واحد و هو انّه هل الغسل هنا من التوصليّات التي لا تحتاج الى قصد القربة كرفع الخبث عن الثوب و البدن حيث يكتفى بمجرّد ذلك و ان لم يكن مقترنا بالقصد أو كان مقترنا بقصد آخر أو قصد الخلاف فيتطهر الثوب المتنجّس بنجاسة كذا إذا غسله متخيّلا تنجسه بنجاسة

أخرى، أو انّه ليس كذلك بل هو يحتاج الى القصد؟

الظاهر هو الثاني و لذا لو أتى بطهارة حدثيّة بلا قصد و لا نيّة فإنّها باطلة قطعا، و امّا صحّة الوضوء بلا حاجة الى نيّة كونه لصلاة الظهر أو العصر فهو لأجل كفاية قصد الطهارة غاية، سواء صلّى الظهر أو العصر، و امّا الموارد الأخر فهي تحتاج الى القصد فلذا لو وقع الغسل بقصد الحيض ثم بان انّه كان نفاسا لا حيضا أو بالعكس فإنّه لا يكتفى به.

و امّا الاجتزاء بقصد الجنابة عن سائر الأغسال اللازمة بأسبابها فهو لدليل خاص و الّا فكلّ سبب يحتاج الى قصد خاص و ان تداخلت الأسباب، و لو غسّل ميتا بتصوّر انه زيد ثم انكشف انّه عمرو فإنّه لا يجتزى بذلك الغسل إلّا إذا كان قد نوى غسل هذا الميّت فإنّه لا يضرّه الخطأ في المصداق.

و الحاصل انّه يشكل الاكتفاء بالغسل الذي اتى به للاقتصاص عن أحد ثم قتل قصاصا عن آخر.

و لو فرض الشك في الاكتفاء و عدمه فحيث انّ المسئلة من قبيل العامّ و الخاص يلزم الاحتياط للشك في التخصيص.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 454

كيفيّة جلد الزاني

قال المحقّق: و يجلد الزاني مجرّدا و قيل على الحال التي وجد عليها قائماً أشدّ الضرب و روى متوسّطا.

الكلام هنا في أمور: أحدها انّه هل يجلد الزاني مجرّدا أو مع ثيابه؟

فنقول: انّ في المسئلة قولين: أحدهما انّه يجرّد عدا عورته و يجلد و قد ذهب الى ذلك المحقق في الشرائع و النافع، و العلّامة في القواعد و كذا غيرهما و عن الصيمري في غاية المرام انّه المشهور.

ثانيهما انّه يجلد على الحال التي وجد عليها فان كان عاريا في تلك الحال

جلد عاريا و ان كان كاسيا فكاسيا ذهب الى ذلك: الشيخ و جماعة بل هو المشهور بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه.

و هل المراد من الحال التي وجد عليها هو حال الزّنا أو حال أخذه؟

عبارة المحقق و عباراتهم مجملة و لا يتّضح انّ المراد هذا أو ذاك؟ [1].

و احتمل كاشف اللثام ان يكون لفظ (يوجد) في رواية طلحة الآتية تصحيفا ان يكون الصحيح: (يؤخذ) حتّى يكون المراد هو حال أخذه و رفع امره الى الحاكم.

و على الجملة فعلى القول الثاني يلاحظ انّه كان الزاني كاسيا أو عاريا فيضرب كاسيا ان كان هو بنفسه كذلك.

نعم عن ابن إدريس: ما لم يمنع الثوب من إيصال شي ء من الم الضرب.

كما انّ الشيخ قدّس سرّه اعتبر نزع ما كان يمنع الم الضرب قال: و امّا

______________________________

[1] أقول: انّ عبارات عدّة منهم صريحة في انّ المراد هو حال الزنا، قال المفيد في المقنعة: و يجلد قائماً في ثيابه التي وجد فيها زانيا. و ان وجد عريانا في حال الزنا جلد عريانا بعد ان يستر فرجه انتهى و مثلها عبارة الصدوق في المقنع الصفحة 143.

و في الغنية: و يقام الحدّ على الرجل على الهيئة التي رأى زانيا عليها من عرى أو لباس.

و في القواعد: ثم الحدّ ان كان جلدا ضرب مجرّدا و قيل على حالة الزنا انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 455

صفة المضروب، فان كان رجلا ضرب قائماً و يفرق الضرب على جميع بدنه و لا يجرّد عن ثيابه لأنّ النبي عليه و آله السّلام أمر بالضرب و لم يأمر بالتجريد، و روى أصحابنا انّ في الزنا يقام عليه الحدّ على الصفة التي وجد عليها ان كان عريانا

فعريانا و ان كان عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه فان كان عليه ما يمنع الم الضرب كالفروة و الجبّة المحشوّة نزعها و ترك بقميصين و لا يشدّ و لا يمدّ و لا يقيّد و يترك يداه يتّقى بهما لأنّ النبي عليه و آله السّلام يأمر بذلك «1».

ثم انّ منشأ القولين في المسئلة هو الروايات فان فيها اختلافا.

فعن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد، قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه قلت:

فالمفتري؟ قال: يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه «2».

و عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد، فقلت: من فوق الثياب؟ قال: بل يجرّد «3».

و أنت ترى التصريح هنا بلزوم تجريده و خلع ثيابه.

و لكن في رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال: لا يجرّد في حدّ، و لا يشنح يعنى يمدّ و قال: يضرب الزاني على الحال التي يوجد عليها ان وجد عريانا ضرب عريانا و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه «4».

و هي صريحة في النهي عن التجريد.

نعم قد يتراءى التعارض بين صدر هذا الخبر و ذيله و ذلك لانّ الصدر ينهى عن التجريد و يمنع عن ذلك، و الذيل يفصّل بين وجدانه عريانا فيضرب عريانا و بنى وجدانه و عليه ثيابه فيضرب و عليه ثيابه فالملاك بحسب الذيل هو الحال التي وجد عليها.

و نحن نقول انّ في صدر الخبر احتمالين: أحدهما ان يكون المراد انّه لا

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 69.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

(3) وسائل

الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 456

يضرب في حال التجرّد أصلا بل يلزم و يعتبر ان يكون عليه ثياب ثانيهما ان يكون المراد منه انّه لو كان كاسيا عليه ثيابه فلا يجرّد و بعبارة اخرى انّه لا يتعيّن تجريده للحدّ بحيث لو كان كاسيا لكان يجب تجريده.

فعلى الأوّل: فبين الصدر و الذيل و ان كان نوع تناف لكنه بنحو العموم و الخصوص أو المطلق و المقيّد و ذلك لانّ الصدر يقول: لا يجرّد في حدّ من الحدود أصلا فيلزم ان يكون عليه ثيابه، و الذيل يقول ان كان الزاني وجد عريانا ضرب كذلك، و ان وجد و عليه ثيابه يضرب و عليه ثيابه، فيخصّص الصدر بالذيل، و النتيجة انّه لا يجوز تجريد أحد في حدّه إلّا الزاني فإنه لو وجد عريانا ضرب عريانا فقد خصّص العموم بخصوص باب الزنا في حالة خاصّة.

و على الثاني: فلا منافاة أصلا بين الصدر و الذيل لانّ مفاد الصدر- انّه لو كان كاسيا لا يعتبر تجريده، و الذيل أيضا يقول لو كان حين وجد عريانا ضرب عريانا و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و هو في أثوابه، و من المعلوم انهما متوافقان و بينهما كمال الملائمة.

و على الجملة فعلى فرض ليس بينهما ادنى نخالف و تهافت، و على فرض يكون هناك تناف لكنه بنحو العموم المطلق الذي يحمل العامّ على الخاصّ فكيف يقال بانّ بينهما التعارض؟.

ثم انّه بعد ان ثبت عدم مشكلة في البين من ناحية صدر هذا الخبر و ذيله تصل النوبة إلى ملاحظة

هذا الخبر مع سائر الأخبار فمقتضى خبر إسحاق بن عمّار هو اعتبار التجريد و خلع اللباس عن المحكوم بالجلد في حين انّ خبر طلحة يدلّ على عدم التجريد و ينهى عن ذلك ففي مورد الكاسي يتعارضان لأنّ أحدهما يوجب التجريد و الآخر يمنع التجريد.

و قد صاروا بصدد الجمع بينهما و ذكروا له وجوها:

منها التخيير بينهما، قال كاشف اللثام قدّس سرّه: و قد يجمع بينه و بين ما تقدّم بالتخيير انتهى و في الحقيقة قد حمل النهي في خبر طلحة بقوله: «لا يجرّد» على عدم تعيّن التجريد و عدم وجوبه و قوله: يضرب من فوق ثيابه، في خبر

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 457

إسحاق، على جواز ذلك و عدم تعيّن هذا أيضا.

و هذا خلاف الظاهر جدا.

و منها انّهما تسقطان بالتعارض و المرجع هو إطلاقات أدلّة الجلد من الكتاب و السنة، و مقتضاها جواز الجلد كاسيا.

و أورد عليه بعض الأعاظم قدّس سرّه بأنّه مع تعارض الخبرين بنحو التباين فما هو وجه عدم الأخذ بالتخيير خصوصا مع الإشكال في كون ما في الكتاب و الاخبار في مقام البيان.

و فيه انّ الظاهر انّه ليس هذه الأدلّة في مقام أصل التشريع بل الظاهر انّها في مقام البيان من كثير من الجهات و قد استقرّت عادتهم على الأخذ بعمومها أو إطلاقها في مواقع مختلفة و امّا التخيير فهو موقوف على كون الدليلين متكافئين و متساويين لا مع وجود المزيّة و الرجحان كالشهرة و غيرها ففي الخبر خذ بما اشتهر بين أصحابك، و هنا المشهور هو الأوّل.

و قد يقال: انّه بعد تساقط الروايتين لا يرجع الى مثل الآية كي يستشكل بعدم كونها في مقام البيان بل يرجع الى بعض

الروايات الوارد في خصوص باب الجلد مع عدم تعرّضه لهذه الجهة و ذلك كخبر زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: يضرب الرجل الحدّ قائماً و المرأة قاعدة و يضرب على كلّ عضو إلخ.

و فيه انّ الرجوع اليه موقوف على كون هذا الخبر في مقام البيان من هذه الجهة و هو غير معلوم بل لعلّ الظاهر كونه في مقام البيان من حيث خصوص القيام و القعود و كذا جهة ضرب مطلق الأعضاء، و امّا الإشكال في الرجوع الى العمومات فقد أجبنا عنه آنفا.

و منها ما قاله بعض بانّ خبر إسحاق بن عمّار حيث تضمّن السؤال عن الجلد من فوق الثياب فدلالته على وجوب التجريد أقوى و أظهر من دلالة خبر طلحة في عدمه.

و فيه أوّلا انّه لا فرق بينهما لانّه و ان كان خبر إسحاق ظاهرا من هذه الجهة الّا انّ خبر طلحة أيضا لاشتماله على الذيل المشتمل على التشقيق يصير

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 458

ظاهرا جدّا، فهما مثلان في الظهور و لا مزيّة لأحدهما على الآخر في ذلك.

و ثانيا انّه لا يرفع اليد عن الظهور العرفي الحجّة و لا يصرف النظر عنه بمجرّد انّ في قباله ما هو أظهر.

و منها ما قد يقال من انّ معتبرة إسحاق بن عمّار مطلقة من جهة انّه كان في حال وجدانه عاريا و اكتسى بعد ذلك أو انّه كان كاسيا حال وجدانه و عليه فيقيّد إطلاقها بمعتبرة طلحة بن زيد، و النتيجة هي اختصاص وجوب الخلع و التجريد بما إذا كان في حال وجدانه عاريا و امّا إذا كان كاسيا حين ان وجد، ضرب و عليه ثيابه.

و في الجواهر: بعد الاستدلال للقول بالتفصيل بخبر

طلحة بن زيد:

مؤيّدا ببناء الحدود على التخفيف و لذا تدرأ بالشبهة فضلا عن المقام فيخصّ به حينئذ ما سمعت إلخ.

يعنى ان الخبر يؤيّد بأنّ بناء الحدود على التخفيف فمهما أمكن يلاحظ ذلك في إجراء الحد و من شئونه هو عدم جلده عريانا و مجرّدا مطلقا و انّما يجرّد إذا وجد في حال الزنا مثلا مجرّدا، هذا إذا لو حظ مجرّد الشبهة مع صرف النظر عن الدليل الوارد في المقام فكيف بما إذا لو حظ الدليل الناطق بعدم تجريده إذا وجد و عليه ثيابه.

و نحن نقول: هذا الكلام لا يخلو عن اشكال بل هو خلاف ظاهر الروايات الواردة في كيفيّة الضرب الدّالة على انّه يضرب أشدّ الضرب.

و التحقيق انّه فرق بين مقام إثبات الحدّ و مقام إجرائه، و درء الحدود بالشبهات متعلق بالمقام الأوّل دون الثاني فإنّه مقام التشديد لا التخفيف.

لكن قوله: فيخصّ إلخ فهو تامّ فان خبر طلحة صريحة في انّه ان وجد عريانا ضرب عريانا و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه، فلا يجرّد إذا كان قد وجد و عليه ثيابه و امّا خبر إسحاق الدّال على التجريد للجلد فهو مطلق شامل لكلّ زان سواء أ كان وجد عاريا أو وجد و عليه ثيابه و نتيجة التخصيص وجوب تجريده إذا وجد عاريا و امّا إذا وجد و عليه ثيابه فلا.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 459

نعم أورد عليه بعض الأعاظم بقوله: و امّا ما ذكر من اختصاص وجوب الخلع بما إذا كان في حال وجدانه عاريا و اكتسى بعد ذلك فالظاهر انّه من حمل المطلق على غير الغالب، و مقتضى الحكمة ذكر المطلق، و الباقي فيه بعد التقييد، الأكثر،

لا الأقلّ و لا المساوي انتهى.

و حاصل ذلك لزوم تخصيص الأكثر.

و فيه انّ ذلك غير مسلّم فلا يعلم حال الأغلب في تلك الحال كي يقال بتخصيص الأكثر أو عدمه.

ثم انّه يمكن ان يستفاد من رواية العلل «عن محمّد بن سنان عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه: و علّة ضرب الزاني على جسده باشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به إلخ «1»» لزوم التجريد مطلقا و ذلك لانّ اللازم هو إحساس الجسد الم الحدّ بعد ما أحسّ لذّة الحرام، فان هذا التعليل لا يتحقق الّا بان يجرّد البدن كي يتألم جسده و لا أقلّ من انّ التجريد انسب لإحساس الألم المطلوب في حدّ الزنا.

اللّهم الّا ان يقال بأنّ الأثواب الخفيفة غير مانعة عن إحساس الألم و لذا قيّد بعض العلماء عدم كون الثوب ممّا يمنع من الم الضرب كالفروة و الجبّة و غير ذلك، و هو كذلك، بل لعلّ أدلّة الضرب و الجلد تكون منصرفة عن ذلك، لأنّه إذا كان قد كسي الجبّة و المحشوّة و الفروة و أمثال ذلك فهو لا يحسّ الم الضرب و لا يترتّب على هذا الجلد اثر و فائدة أصلا فيلزم ان يجرّد من مثل هذه الأثواب حتّى و لو كان حين الزنا لابسا لها.

أضف الى ذلك كلّه انّه لو لم يمنع عن مثل ذلك و كان مجازا ان يضرب و عليه مثل الجبّة فربّما يجعل الزناة ذلك ذريعة الى هذه المعصية العظيمة لأنّه لا الم في الجلد و الحال هذه.

لا تخلع ثياب المرأة لإقامة الحدّ عليها

ثم انّ هذا كلّه كان بالنسبة الى الرجل و امّا المرأة فلا بد من ان يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث

8.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 460

عليها ثيابها و ذلك لانّ بدن المرأة عورة.

- و امّا جواز تجريدها إذا كان مجرى الحدّ هو المرأة فهو يحتاج الى البحث في جواز إجراء المرأة الحدّ و عدمه، و لم نعثر الى الآن على مورد في الروايات يفيد انّ المجرى كان هو المرأة و البحث محتاج الى الفحص التام و التأمّل الكامل و سيأتي البحث في ذلك إن شاء اللّٰه تعالى.

و في الجواهر: و عن المقنع: و يجلد ان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا و ان وجدا مجرّدين ضربا مجرّدين، و فيه كما عن المختلف انّ بدن المرأة عورة فلا يجوز تجريدها كعورة الرجل و الخبر المزبور ظاهر في الرجل، و احتمال ارادة الجنس منه مجاز محتاج إلى قرينة و هي مفقودة بل لعلّ القرينة على خلافها موجودة انتهى.

أقول: هكذا نقل الجواهر عن المقنع و اعترض عليه بما نقلناه و لكن نحن قد راجعنا عبارة الصدوق فيه و لم تكن على طبق المحكى عنه و إليك عبارة المقنع بنفسها. و يجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا انتهى كلامه [1] و أنت ترى انّه لا تعرّض فيها لحال تجرّدهما أصلا و على هذا فلا يرد عليه اما أورده صاحب الجواهر.

فلو كان الصدوق قال بذلك لما قد وقف عليه من رواية فيه لكان يمكن توجيهه بانّ قد استثنى هذا المورد الخاص عن الحكم بوجوب ستر بدن المرأة نظير استثناء رؤية الطبيب بدنها عند الضرورة إليها، عن الحكم الكلى بوجوب ستر بدنها، الّا انّ الكلام في انّه رحمه اللّٰه قال بذلك أم لا، و قد نقلنا عبارته آنفا.

______________________________

[1] المقنع الصفحة 144، أقول: انّه لا اشكال

على صاحب الجواهر فإنّه حكى ذلك عن المختلف و إليك عبارة المختلف الصفحة 762: قال الشيخ في النهاية: و هو المشهور انّ الرجل يجلد قائماً على حالته الّتي وجد عليها ان وجد عريانا جلد كذلك و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه و المرأة إذا أريد جلدها ضربت مثل الرجل غير انها لا تضرب قائمة بل تضرب و هي جالسة عليها ثيابها قد ربطت عليها لئلا تنهتك فتبدو عورتها، و قال الصدوق في المقنع: و يجلد ان في ثيابهما التي كانت عليها حين زنيا و ان وجدا مجردين ضربا مجرّدين و المعتمد الأوّل إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 461

و التحقيق انّ هذه الروايات الواردة في التجريد لا تعرّض فيها للمرأة أصلا و لا يصحّ ان يقال انّ المراد من الرجل، الأعم من الرجل و المرأة بل الروايات منصرفة عنها بالنسبة الى هذا الحكم، فان المطلوب منها شرعا هو الستر و ما يلائم عفافها، بل في بعض الروايات ما يدلّ على لزوم سترها كيلا تبدو لغير ذي محرم عليها و ذلك كرواية أبي مريم عن ابى جعفر عليه السّلام في امرأة أتت أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت: انّى قد فجرت الى ان أقرّت بذلك اربع مرّات و بعد ان وضعت حملها رجمها، و في هذا الخبر: ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرّحبة و خاط عليها ثوبا جديدا و أدخلها الحفيرة إلى الحقو «1».

لا يقال: انّ هذا الخبر متعلق بالرجم و وارد في المحصنة، و الكلام الآن في الجلد و في غير المحصنة.

لأنّه يقال: انّ الملاك الوحيد و الرمز الأصلي في ذلك هو سترها و عدم هتكها

برؤية الأجانب لها و ان لا تنكشف لديهم، و لا فرق في ذلك بين المحصنة و غيرها و ما إذا كان حدّها الرجم أو الجلد و ان كانت الرواية كما ذكر واردة في المحصنة و رجمها.

لا يقال انّه بعد ورود الروايات في تجريد الرجل نقول بذلك في المرأة أيضا إلغاء للخصوصيّة.

لأنّا نقول: انّه لا يمكن ذلك بعد انّ اللّٰه تعالى لم يلغ الخصوصيّة هنا بل أثبتها و أكّد عليها و ذلك لتأكيد الشرع على كمال سترها بحيث ورد في بعض الآثار و الكلمات انّه يرتبط عليها ثيابها- اى تشدّ عليها- لئلا تنهتك و تبدو عورتها، و السرّ في ذلك هو المراقبة عليها كيلا يرتفع ثوبها بهبوب الرياح أو بإصابة الجلدات فتبدو بدنها و على الجملة فالأمر بالتجريد منصرف الى الرجل و لا يشمل المرأة أصلا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 462

الكلام في انه يجلد قائماً أشد الضرب

و ممّا ذكره المحقق و غيره في كيفيّة الجلد هو ضربه قائماً و انّه يضرب أشد الضرب.

أقول: امّا الأوّل، فيدلّ عليه خبر زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

يضرب الرجل الحدّ قائماً و المرأة قاعدة «1».

و امّا الثاني، أي ضربه أشد الضرب فهو الأشهر رواية و فتوى كذا في الجواهر و تدلّ عليه عدة من الاخبار ففي خبر إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد، فقلت: من فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه «2».

و مثله رواية أخرى لإسحاق بن عمّار عنه عليه السّلام فراجع «3».

و عن سماعة عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود

«4».

و في رواية العلل و عيون الاخبار عن محمّد بن سنان عن الرضا عليه السّلام فيما كتب اليه: و علّة ضرب الزاني على جسده باشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كلّه به فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره و هو أعظم الجنايات «5».

و امّا قول المحقق رحمه اللّٰه: و روى متوسطا انتهى فالمراد به رواية حريز عمّن أخبره عن ابى جعفر عليه السّلام انّه قال:. و يضرب بين الضربين «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 8.

(6) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 463

قال في الجواهر: و عن بعض العمل به و لم نتحقّقه- و في الوسائل:

لعلّه مخصوص بغير الزنا،، انتهى، و السرّ في ذلك عدم ذكر في هذا الخبر عن الزنا بخلاف الأخبار السابقة حيث انّها واردة في الزاني.

الكلام في تفريق الضرب على جسده و اتقاء بعض المواضع

قال المحقّق: و يفرّق على جسده و يتّقى وجهه و رأسه و فرجه.

أقول: و ذلك لدلالة روايات على ذلك ففي صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام المذكور آنفا: و يضرب كلّ عضو و يترك الرأس و المذاكير «1».

و في مرسل حريز- المذكور عن قريب- عن ابى جعفر عليه السّلام انّه قال:

يفرّق الحدّ على الجسد كلّه و يتّقى الفرج و الوجه «2».

و عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال: الذي

يجب عليه الرجم يرجم من ورائه و لا يرجم من وجهه لانّ الرجم و الضرب لا يصيبان الوجه و انّما يضربان على الجسد على الأعضاء كلّها «3».

و قد علّل تفريق الضرب على تمام الجسد- في رواية العلل و العيون المذكورة آنفا- باستلذاذ الجسد كلّه من الزنا، و على هذا فيضرب كلّ البدن حتّى يحسّ الكلّ الم الجلد و العقوبة كما أحسّ الكلّ لذّة المعصية. نعم تستثنى الأعضاء المذكورة في الروايات المتقدّمة.

ثم لا يخفى انّه ليس المراد من التفريق على كلّ الجسد هو التفريق العقلي و بالدّقة العقليّة بحيث لا يبقى شي ء من اجزاء الجسد لم يصبه الضرب حتّى يكون كغسل الأعضاء في الوضوء و الغسل، بل المراد هو ضرب كلّ الجسد عرفا و ان بقي أجزاء من الجسد لم يصبه الضربات أو وقعت ضربة منها مكان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدود الزنا الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 14 من حدود الزنا الحديث 6.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 464

ضربة أخرى منها، و الّا فلو كان المراد ان لا يبقى جزء من البدن غير مضروب فهو مستلزم للعسر و الحرج و هكذا لو كان يعتبر عدم إصابة الضربة عضوا من الأعضاء مرّتين.

كيفيّة جلد المرأة

قال المحقّق: و المرأة تضرب جالسة و تربط عليها ثيابها.

أقول: و تدلّ على الأوّل رواية زرارة المذكورة آنفا عن ابى جعفر عليه السّلام قال: يضرب الرجل الحدّ قائماً و المرأة قاعدة «1».

و في كشف اللثام: و لانّه أستر لها.

و امّا الثاني أي ربط ثيابها عليها فيدلّ على ذلك ما ورد في قصّة الجهنيّة من انّه

صلوات اللّٰه عليه أمر فشدّ على الجهنيّة ثيابها ثم رجمت «2» و لعلّه يستفاد ذلك أيضا من رواية أبي مريم عن ابى جعفر عليه السّلام في امرأة رجمها أمير المؤمنين عليه السّلام من انه عليه السّلام أمر بها فحفر لها حفيرة في الرحبة و خاط عليها ثوبا جديدا «3».

و في كشف اللثام: و امّا ربط الثياب عليها فلما ذكره الشيخان و غيرهما من ان لا ينهتك فتبدو عورتها.

و قد تقدّم منّا انّه لو لم تربط ثيابها، بها فربّما ترفع ثيابها بهبوب الرياح أو بوقع الجلدات و يوجب ذلك هتكها.

هل تجوز إقامة المرأة الحدّ؟

و امّا انه هل يجوز ان يباشر المرأة في حدّ المرأة كي لا يحتاج الى ربط ثيابها- غاية الأمر اشتراط كون الطائفة المشاهدين أيضا النساء- أم لا؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 11 من حدّ الزنا الحديث 1.

(2) سنن البيهقي الجلد 8 الصفحة 225.

(3) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 16 من حدّ الزنا الحديث 5.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 465

الظاهر عدم جواز ذلك كما يستفاد هذا من الروايات الدّالة على مباشرة أمير المؤمنين عليه السّلام بنفسه في رجم المرأة المقرّة بالزنا و كذا الروايات الدالة على انّ الامام يبدأ بالرجم فيما إذا ثبت الزنا بالإقرار ثم باقي الناس و يبدأ الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ثم باقي الناس، و ذلك لأنه لو كان يجوز مباشرة النساء لما أقدم هو بنفسه على ذلك كما في باب غسل الميّت فإنّه حيث يجوز مباشرة النساء في تغسيل المرأة لما جاز للرجل الأجنبي ان يباشر في ذلك.

و على الجملة فهنا من الموارد التي يكون الجواز للمرأة ملازما للوجوب عليها و حرمته على الرجال فجواز هذا للرجال كان

لمكان عدم جوازه على النساء هذا في مباشرة النساء في إقامة الحدّ و امّا حضورهنّ لمشاهدة العذاب فالظاهر انّه لا بأس به على حسب القاعدة.

مسائل عشر

الاولى فيما لو ادّعت المرميّة بالزنا انها بكر

قال المحقق: النظر الثالث في اللواحق و هي مسائل عشر الأولى إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا فادعت انّها بكر فشهد لها اربع نساء بذلك فلا حدّ و هل يحدّ الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم. و قال في المبسوط: لا حدّ لاحتمال الشبهة في المشاهدة، و الأوّل أشبه.

أقول: من المعلوم انّه إذا شهد أربعة رجال، أو رجلان و اربع نسوة، على الزنا فإنّه يثبت ذلك و يحدّ المشهود عليه، هذا من حيث هو و انّه بلا مزاحم أو منازع.

فلو شهد أربعة شهود عدول على امرأة بزناها قبلا لكنّ المرأة ادعت انّها بكر و شهد لها اربع نساء عدول بذلك فهنا لا يحدّ المرأة فإنّ شهادة النساء مقبولة في البكارة و ليست مثل باب الزنا الذي لا يكتفى بشهادتهن محضا و منفردات، و قد ادّعوا على ذلك عدم الخلاف، بل و الإجماع.

و استدلّ على ذلك بأمرين أحدهما الشبهة الدارئة للحدّ و ذلك لتعارض البينتين فيكون زناءها موردا للشبهة.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 466

ثانيهما الأخبار ففي قويّ السكوني عن ابى عبد اللّٰه عن أبيه عن علىّ عليه السّلام انّه اتى رجل بامرأة بكر زعمت انّها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن: هي عذراء فقال على عليه السّلام: ما كنت لا ضرب من عليها خاتم من اللّٰه و كان يجيز شهادة النساء في مثل هذا «1».

و منها خبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا فقالت: انا بكر، فنظر إليها النساء فوجدنها بكرا فقال:

تقبل شهادة النساء «2».

و امّا احتمال عدم التنافي بين ادعائها كونها بكرا و شهادة النساء لها بذلك و بين شهادة الشهود بالزنا، و ذلك لاحتمال عود البكارة- مع انّها قد زنت- لترك المبالغة في الافتضاض.

ففيه كما في الجواهر انّه كالاجتهاد في مقابلة النصّ و الفتوى و هم لم يعتنوا بهذا الاحتمال و الّا كان اللازم اجراء الحدّ عليها مع قيام الشهود على زناها.

و امّا الشبهة الدارئة فالمراد منها هو ما يعرض مع صرف النظر عن نفس البيّنة فإنّ البيّنة حجّة و ان لم تكن موجبة للقطع فربّما يكون الاحتمال المخالف محقّقا معها لكن الشّارع جعلها حجّة و ليس هذا الاحتمال موجبا للشبهة بل الشبهة دائرة مدار أمر خارج و زائد على ذلك و هو هنا حاصل، و كيف كان فالرواية كافية في ذلك.

ثم انّه يمكن حمل الروايتين على التعبد في خصوص المورد بان لا يكون البيّنة حجّة في هذا المقام في قبال قول النساء و شهادتهنّ بكونها بكرا فكونها بكرا طريق الى عدم زناها و كاشف عنه و هذا يفيد انّ الشهود قد شهدوا كذبا و افتراء و لازم ذلك ان يحدّوا حدّ القذف و لعلّ نظر من قال بأنّهم يحدّون، الى هذا البيان فترى المحقّق و الشيخ في النهاية و ابن إدريس ذهبوا الى أنّه يحدّ الشهود للحكم بردّ شهادتهم مع تحقّق القذف بالزنا. لكن هذا الاحتمال بعيد غاية البعد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 25 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 44.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 467

فان احتمال التخصيص بعيد في النظر جدّا.

و يمكن ان يقال بانّ بيّنة الزنا

حجّة لم تخرج عن عموم حجيّة البيّنة بالتخصيص الّا انّها معارضة ببيّنة المرأة على كونها بكرا فلا يؤثّر بينة الزنا في الحد لا للتخصيص بل للمعارضة فالبيّنتان تتعارضان و تتساقطان و لم يثبت موجب حدّ المرأة بل يبقى الشبهة من الطرفين فالمرأة لا تحد لعدم الحجّة على زناءها، و كذا الشهود لعدم حجّة على الافتراء.

و بتقرير آخر لا بدّ للحاكم الشرعي المجرى للحدّ ان لا يقدم على اجراء الحدّ الّا ان يحصل له العلم بموجبه أو يثبت ذلك شرعا بدليل معتبر و في المقام لم يحصل اىّ واحد منهما و ذلك لانّ المفروض هو عدم العلم، و البيّنة قد سقطت بالتعارض كما انّ موجب حدّ القذف أيضا لم يثبت حتّى يجرى حدّه و الحاصل انّ موجب الحدّ في المرأة هو الزنا و في الرامي و الشهداء، الفرية و كلّ منهما غير معلوم و لا ثابت بالحجّة الشرعيّة لتعارض البينتين و تساقطهما فيبقى كلّ من الأمرين مشكوكا و مشتبها، و الحدود تدرء بالشبهات، و الفرية هو الكذب، و كذب الشهود غير معلوم، و لا حجّة عليها للتعارض.

و يمكن ان يقال انّ الآية الكريمة: الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأجلد و هم ثمانين جلدة. تدلّ بالمفهوم على انّ من رمى و اتى بأربعة مقبولي الشهادة فلا يجلد، و لا يشترط في سقوط الحدّ عدم المعارض فإنّه لم تقيّد الأربعة شهداء بكونهم غير معارضة بل يكفي في سقوط حدّ الرمي مجرد الإتيان بأربعة شهداء و المفروض في المقام الإتيان بأربعة شهداء كما انّه لا حدّ على المرأة لعدم قيام الحجّة على زناها بعد قيام المعارض.

[الثانية] لا يشترط حضور الشهود عند اقامة الحدّ

اشارة

المسئلة الثانية قال المحقّق: لا يشترط حضور الشهود عند اقامة

الحدّ بل يقام و ان ماتوا أو غابوا لا فرارا، لثبوت السبب الموجب.

أقول: هنا مسائل: منها انه هل يجب حضور الشهود عند اقامة الحدّ أم لا؟

و منها انّه لو لم يحضروا هل يسقط الحدّ بذلك أم لا؟ و منها انّه لو حضروا و لكنّهم أبوا عن ضرب المحكوم بالحدّ بشهادتهم فما يصنع هناك؟ الى غير ذلك ممّا يساعد و يناسب المقام.

و الظاهر انّه لا دليل لوجوب حضورهم في مجلس الحدّ و ذلك لانّ ما هو متعلّق بهم هو الشهادة و قد أقدموا عليها.

نعم مقتضى ما دلّ من الروايات على بدء الشهود بالحدّ إذا ثبت بها هو وجوب ذلك و ان كان الظاهر انّه لا وجوب للحضور نفسيا بل الأصل عدمه و انّما الذي يمكن ان يقال قطعا هو انّه إذا حضروا في موقف الحدّ وجب عليهم الابتداء بذلك و الّا فلا فإنّه لا يستفاد من وجوب بدئهم به وجوب حضورهم أيضا لذلك بل المتيقن هو الوجوب التقديري لا الشرطي بحيث لولاه لا يجب الحدّ و ان كان الظاهر من أدلّة الاجزاء و الأوصاف هو دخلها في نفس العمل فهي ظاهرة في الاشتراط، و الخروج عن ذلك يحتاج الى دليل، و لكنّ الظاهر في

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 470

المقام انّه ليس كذلك، و لعلّ الدليل هو الإجماع على عدم الاشتراط و عدم كون استيفاء الحدّ مشروطا بحضورهم و لا أقلّ من الشهرة المحقّقة.

و ممّن يظهر منه ذلك هو الشيخ قدّس سرّه فإنّه قال في الخلاف في كتاب الحدود المسئلة 15: إذا حضر الامام و الشهود موضع الرجم فان كان الحدّ ثبت بالإقرار وجب على الامام البدئة به ثم يتبعه الناس و ان

كان ثبت بالبيّنة بدأ أوّلا الشهود ثم الامام ثم الناس إلخ.

ترى انّه أوجب الابتداء إذا كانوا قد حضروا لا مطلقا.

و مثله كلامه في المبسوط حيث قال: و ليس من شرط استيفائه (يعنى الحدّ) حضور شاهد الامام و لا الامام [1].

كما انّ المحقّق أيضا لم يذكر الشرطية عند البحث عن البدأة، و انّما اقتصر على ذكر وجوب بدأ الشهود برجمه و هنا صرّح بعدم اشتراط الحضور.

و كيف كان فقد خالف أبو حنيفة و ذهب الى عدم وجوب الحدّ لو غاب الشهود أو ماتوا.

قال الشيخ في الخلاف (المسئلة 30): إذا تكاملت شهود الزنا أربعة شهدوا به ثم ماتوا أو غابوا جاز للحاكم ان يحكم بشهادتهم و يقيم الحدّ على المشهود عليه و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: متى غابوا أو ماتوا لم يجز للحاكم ان يحكم بشهادتهم إلخ.

و لكن مقتضى ما ذكرناه هو عدم اعتبار حضورهم في إجراء الحدّ بل يحكم الحاكم به و يقام عليهما و ان غابوا أو ماتوا و لا يعطّل الحدّ بذلك و ان كان ذلك من باب الميسور بان كان الواجب هو حضورهم و الاقدام على اجراء الحدّ و حيث تعذّر مقدار من ذلك فالباقي بحاله و لا يسقط الميسور بالمعسور، و قد مرّ انّ وجوب الابتداء غير ملازم للشرطية بل قال صاحب الجواهر: و لا دليل على

______________________________

[1] المبسوط الجلد 8 الصفحة 4 أقول لكنه رحمه اللّٰه قال بعد ذلك: و روى أصحابنا انّه ببدأ الشهود بالرجم ان ثبت بالبيّنة ثم الامام ثم الناس و ان ثبت باعترافه بدأ برجمه الامام ثم الناس و هذا يدل على ان من شرطه حضور الامام و الشهود و به قال جماعة انتهى.

الدر

المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 471

وجوب التأخير إلى حضورهم إذا توقّع إذ لا نظرة في الحدود.

ثم ان ذلك كلّه فيما إذا لم يكن غيابهم فرارا و الّا سقط الحدّ للشبهة الطارئة و ذلك لانّ مقتضى صدقهم في شهادتهم هو حضورهم و الاقدام على اجراء الحدّ لا الفرار عن إجرائه فإنّ ذلك ممّا يوهم انّ الشاهد غير معتقد بما قد شهد به و انّه كاذب في قوله و الّا لما كان يفرّ بل كان هو الاولى بالحضور.

نعم يشكل فيما إذا علم انّ فراره لم يكن لهذه الجهة بل لجهة أخرى كما إذا كان ضعفه و عدم تحمّله في تلك المواقف حمله على ان تيرك هذا الموقف.

و كيف كان فيدلّ على أصل المطلب رواية محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل جاء به رجلان و قالا: انّ هذا سرق درعا فجعل الرجل يناشده لمّا نظر في البيّنة و جعل يقول: و اللّٰه لو كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله ما قطع يدي أبدا قال: و لم؟ قال: يخبره ربّه انّى بري ء فيبرّئني ببرائتي فلما راى مناشدته إيّاه دعا الشاهدين و قال: اتّقيا اللّٰه و لا تقطعا يد الرجل ظلما و ناشد هما ثم قال: ليقطع أحدكما يده و يمسك الآخر يده فلمّا تقدّما إلى المصطبة ليقطع يده ضرب الناس حتّى اختلطوا فلما اختلطوا أرسلا الرّجل في غمار الناس حتّى اختلطا بالناس فجاء الذي شهدا عليه فقال: يا أمير المؤمنين شهد علىّ الرجلان ظلما فلمّا ضرب الناس أرسلاني و فرّا و لو كانا صادقين لم يرسلاني فقال أمير المؤمنين عليه السّلام من يدلّنى على هذين

انكلهما «1».

و الرواية و ان كانت واردة في مورد حدّ السرقة و لكن الظاهر انّه لا خصوصيّة له، و الملاك متّحد فالأمر في حدّ الزنا أيضا كذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال فيما إذا كانوا حاضرين عند اجراء الحدّ لكنّهم امتنعوا من الشركة في إقامته، فإنّ ذلك ممّا يورث الشبهة و يتردّد الإنسان في

______________________________

(1) الكافي الجلد 7 الصفحة 264.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 472

أمرهم، فيقال انّه لو كانوا صادقين في شهادتهم فلما ذا امتنعوا عن مشاركة الناس في إجراء الحدّ بل الشبهة هنا أقوى من الفرع السابق و هو ما إذا حضروا و اختاروا الفرار، و علم أيضا حال ما إذا لم يكن غائبا مسافرا لكنّه ابى عن الحضور في موضع الحدّ من رأس.

و على الجملة فمجرّد عدم حضور الشهود لا يوجب سقوط الحدّ و ذلك لانّ حضورهم و ان كان واجبا فهو مقدّمي و ليس شرطا في الحدّ حتّى ينتفي الحدّ بانتفاءه فان ضربهم واجب نفسي و ليس هو شرطا فاذا انتفى الحضور لا ينتفي الحدّ بذلك و ان كانوا قد ارتكبوا الإثم بعدم حضورهم أو عدم ضربهم مع حضورهم.

و لو كان حاضرا و لا يشاركهم في إقامة الحدّ الّا انّه كان بحسب حاله مثلا معذورا فان الآخرين يأتون بالواجب، و عدم المشاركة في الرمي مع الحضور لا يلازم الشبهة كما انّ عدم حضورهم أصلا لا يلازمها، فاذا لم يكن موجبا لها فإنّه يجري الحدّ الواجب و قد عصى الشاهد، في عدم الحضور أو عدم المشاركة لو لم يكن معذورا و الّا فلا معصية أيضا.

نعم قد يقترن عدم الحضور أو عدم الضرب أو الفرار من الموقف موجبا لحصول احتمال الكذب زائدا

على ما هو طبع القضية الخبرية التي تحتمل الصدق و الكذب فهناك يتوقّف الحدّ [1].

وجوب حضور الشهود موضع الرجم

قال المحقق: قال الشيخ: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم و لعلّ الأشبه الوجوب لوجوب بدأتهم بالرجم.

أقول: تحصّل من المسألة السابقة عدم اشتراط الحضور، و هذه المسئلة

______________________________

[1] و في المسالك بعد تقرير عدم اشتراط حضورهم: هذا إذا لم يكن الغيبة فرارا و الّا تربّص بالحدّ الى حضورهم لحصول الشبهة حينئذ و لا حدّ عليهم لانّه ليس برجوع انتهى.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 473

متعرّضة لوجوب الحضور و عدمه [1] و قد وقع فيه الخلاف فذهب الشيخ قدّس سرّه الى عدم الوجوب و خالف فيه المحقّق و مال الى الوجوب و استدلّ على ذلك و علّله بأنّه يجب بدأة الشهود بالرجم فاذا وجب ذلك وجب حضورهم أيضا.

و ما افاده هو الأصحّ و ذلك لما مرّ من دلالة النصوص على وجوب بدأ الشهود إذا كان الموجب قد ثبت بالبيّنة، و بدأ الإمام إذا كان قد ثبت ذلك بالإقرار، و حيث انّه موقوف على الحضور فيجب ذلك أيضا.

و امّا عدم حضور الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في بعض تلك الموارد مع لزوم ابتدائه عليه السّلام لمكان الإقرار فلعلّه كان للعذر و الّا فقد نقل حضوره في كثير من الموارد.

[الثالثة] فيما إذا كان الزوج أحد الشهود

قال المحقّق: إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان، و وجه الجمع سقوط الحدّ انّ اختلّ بعض شروط الشهادة مثل ان يسبق الزوج بالقذف فيحدّ الزوج أو يدرأ باللعان فيحدّ الباقون و ثبوت الحدّ انّ لم يسبق بالقذف و لم يختلّ بعض الشرائط.

أقول: انّ في المسئلة أقوالا مختلفة الأوّل انّه إذا شهد أربعة أحدهم الزوج ترجم المرأة فلا فرق بين كون كلّ واحد من الأربعة أجنبيّا أو كان أحدهما هو الزوج، و قد ذهب إليه

الأكثر.

الثاني انّه إذا كان أحدهم الزوج فإنّه يحدّ الشهود الثلاثة و يلاعن الزوج و هو المحكىّ عن جماعة.

______________________________

[1] يظهر ممّا أفاد سيّدنا الأستاد دام ظله العالي إنّ الفرعين كليهما متعلقين بمورد واحد الّا انّ الأوّل متعرض لجهة الشرطيّة و الآخر لجهة الوجوب، و هذا لا يخلو عن كلام و ذلك لانّه قد عبّر في الأوّل بالحدّ و هنا بالرجم، و لذا قال في المسالك: المراد بالحدّ هنا ما عدا الرجم لما سيأتي من الخلاف فيه و يمكن ان يريد ما يعمّه إلخ.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 474

الثالث ما عن السرائر و الوسيلة و الجامع من انّه إذا سبق الزوج بالقذف فإنّه يعتبر الأربعة غيره بخلاف ما إذا شهد هو مع الثلاثة بلا سبق القذف منه فإنّه يكتفى بالأربعة و ان كان أحدهم الزوج و قد استحسنه المحقق في الشرائع.

الرابع ما عن ابن الجنيد من التفصيل بأنّ الزوجة ان كانت مدخولا بها ردّت الشهادة و حدّوا و لا عن الزوج و الّا حدّت هي.

الخامس ما عن الصدوق من انّه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة و الّا حدّ الثلاثة و لا عنها و ذلك بناءا على ما اختاره من انّه لا لعان إلّا إذا نفى الولد.

و الأصل في المسئلة و اختلافهم فيها هو الروايات و الاختلاف فيها ففي رواية إبراهيم بن نعيم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال: تجوز شهادتهم «1».

و هذا الرواية صريحة في قبول شهادة الزوج مع الثلاثة على زنا زوجته و نفوذ تلك الشهادة.

و يؤيد ذلك عدم الفرق بين الزوج و غيره في قبول شهادته للمرأة و عليها.

بل

الزوج اولى بالقبول من غيره و ذلك لانّه يشهد بما هو ضرر عليه و فيه هتك لعرضه فتكون نظير الإقرار على نفسه فيندرج فيما دلّ على ثبوت الزنا بشهادة الأربع.

كما و انّه يؤيّده أيضا ما يستشعر من الآية الكريمة قال اللّٰه تعالى:

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدٰاءُ إِلّٰا أَنْفُسُهُمْ إلخ «2» فإنّها مشعرة بأنّ نفسه أيضا شاهد لو حصل معه تمام العدد فان الظاهر انّ الاستثناء متّصل لا منفصل.

لكن في قبال الرواية المذكورة رواية زرارة عن أحدهما عليهما السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال: يلاعن الزوج و يجلد الآخرون «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من أبواب اللعان الحديث 1.

(2) سورة النور الآية 6.

(3) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من اللعان الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 475

و قد يؤيّد ذلك بقوله تعالى لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ «1» و ذلك لانّه لا يقال جاء الإنسان بنفسه.

و كيف كان فهذه الرواية صريحة في عدم قبول شهادة الشهود بل يجلد الثلاثة و يدرأ الزوج الحدّ عن نفسه بالملاعنة و أين هذه من رواية إبراهيم؟

نعم قال في الجواهر: انّها ضعيفة جدّا و لا جابر [1] و مخالفة للعمومات فهي قاصرة عن معارضة الاولى من وجوه.

أقول: و من جملة تلك الوجوه انّها خلاف المشهور: و امّا كونها مخالفة للعمومات فلان العمومات تدلّ على قبول شهادة أربعة شهود في باب الزنا، و ان أمكن الإيراد عليه بانّ كلّ خاصّ يخالف العامّ.

نعم هنا رواية أخرى صحيحة و هي رواية أبي سيّار مسمع عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في أربعة شهدوا على امرأة بفجور، أحدهم زوجها، قال:

يجلدون الثلاثة و يلاعنها زوجها

و يفرّق بينهما و لا تحلّ له ابدا «2».

لكن قد رماها بعض بالضعف أيضا «3» فلو ثبت ذلك و شكّ في الأمر فالمرجع هو العمومات.

و يمكن الجمع بين القسمين من الروايات بوجه عرفي من الوجوه كحمل الثانية على اختلال بعض الشرائط، أو يجمع بينهما بسبق رمى الزوج و عدمه.

و الذي يبدو في النظر هو انّه لا معارضة بينهما بل هما من قبيل العام و الخاص لأنّ رواية إبراهيم بن نعيم الناطقة بالجواز و الاجتزاء شاملة للمدخول بها و غيرها و هذا بخلاف رواية زرارة و مسمع فإنّها تختصّ بالمدخول بها و هذا و ان لم يصرّح به في الرواية الّا انّه مستفاد من جواب الامام عليه السّلام حيث حكم بانّ الزوج

______________________________

[1] أقول: لأنّ في سندها إسماعيل بن خراش الذي قيل انه مجهول.

______________________________

(1) سورة النّور الآية 13.

(2) وسائل الشيعة الجلد 15 الباب 12 من أبواب اللعان الحديث 3.

(3) راجع شرح الإرشاد للأردبيلي.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 476

يلاعن، و الآخرين يجلدون، فان اللعان على ما صرّح به المحقّق بنفسه، متعلّق بالمدخول بها و جار فيها، قال قدّس سرّه في باب اللعان: الأوّل في السبب و هو شيئان الأوّل القذف و لا يترتّب اللعان به الّا على رمى الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنا قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة و عدم البيّنة. السبب الثاني إنكار الولد إلخ.

و على هذا فيعلم انّ السؤال كان عن المدخول بها فلو كانت رواية مسمع حجّة فهي تخصّص رواية إبراهيم، و النتيجة انّه تقبل الشهادة المبحوث عنها اعنى ما إذا كان أحد الشهود هو الزوج إذا لم تكن الزوجة مدخولا بها و امّا إذا كانت مدخولا بها فهناك تصل

النوبة إلى اللعان، نعم لو كانت رواية مسمع ضعيفة فلا مخصّص هناك لعموم رواية إبراهيم. و تمام الكلام في باب اللعان.

[الرابعة] في حكم الحاكم بعلمه

قال المحقق: يجب على الحاكم اقامة حدود اللّٰه تعالى بعلمه كحدّ الزناء امّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّا كان أو تعزيرا.

أقول: هنا أبحاث أحدها وجوب اقامة الحدود في عصر غيبة وليّ الأمر ثانيها انّه بعد وجوبها، على من تجب هي؟ ثالثها في جواز عمل الحاكم بعلمه رابعها في التفصيل بين الحقوق.

امّا الأوّل فالظاهر هو الوجوب و ذلك لانّ إدارة الأمور و حفظ النظام واجبان لا محيص عنهما و هما موقوفان على اجراء حدود اللّٰه و اقامة أمره.

و امّا الثاني فهنا احتمالات: وجوبها على كلّ الناس ممّن توجّه اليه التكليف، و على المجتهدين الجامعين لشرائط الفتوى، و على خصوص السلطان الذي بيده ادارة الأمور و حفظ النظام لكن الأوّل غير صحيح و ذلك للأدلة المذكورة في محلّها من الزوم الهرج و المرج و غير ذلك.

و امّا الثالث فقد حقّق في محلّه انّه يجوز للحاكم ان يعمل بعلمه و قد حقّقناه نحن أيضا في كتاب القضاء.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 477

و امّا التفصيل الذي ذكره المحقق فليس تفصيلا في عمل الحاكم بعلمه بل مآل هذا التفصيل إلى انّه يجب على الحاكم ان يعمل بعلمه مطلقا، غاية الأمر انّه في حقوق اللّٰه بغير توقّف على شي ء و هذا بخلاف حقوق الناس فإنّها موقوفة على مطالبة صاحبها فإذا اذن صاحبها في ذلك فهو يعتمد على علمه و يحكم بمقتضاه و لا يطالب بالبيّنة.

و وجه هذا التفصيل هو انّ إحقاق الحقّ و أخذه منوط بمطالبة من له الحق، و من له الحق في حقوق

اللّٰه تعالى هو الحاكم بنفسه لانّه حافظ حدود اللّٰه، و مقيم أمر اللّٰه، قد قام مقام اللّٰه و مقام خلفائه و أوصيائه، في حين انّ المطالب بحقوق الناس هم بأنفسهم فلا يجوز الاقدام على أخذها بدون إذنهم و مطالبتهم.

و هنا روايات تدلّ على عمل الحاكم بعلمه و الفرق بين حقوق اللّٰه و حقوق الناس، قال الشيخ المحدّث صاحب الوسائل: باب انّ الامام إذا ثبت عنده حدّ من حقوق اللّٰه وجب ان يقيمه و إذا كان من حقوق الناس لم يجب إقامته الّا ان يطلبه صاحبه.

عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبدا أو حرّة كانت أو امة فعلى الامام ان يقيم الحد عليه للذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء فاذا شهدوا ضربه الحدّ مأة جلدة ثم يرجمه. قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: و من أقرّ على نفسه عند الامام بحق من حدود اللّٰه مرّة واحدة حرّا كان أو عبدا أو حرّة كانت أو امة فعلى الامام ان يقيم الحدّ عليه للّذي أقرّ به على نفسه كائنا من كان إلّا الزاني المحصن فإنّه لا يرجمه حتّى يشهد عليه أربعة شهداء فاذا شهدوا ضربه الحدّ مأة جلدة ثم يرجمه قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: و من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ من حدود الهّٰ في حقوق المسلمين فليس على الامام ان يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحب الحق أو وليّه فيطالبه بحقّه قال: فقال له

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 478

بعض أصحابنا يا أبا عبد اللّٰه فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرّة واحدة على نفسه أقيم عليه الحدّ فيها؟ فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّٰه و إذا أقرّ على نفسه انّه شرب خمرا فهذا من حقوق اللّٰه قال: و امّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتّى يحضر صاحب الفرية أو وليّه و إذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتّى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم «1».

فهذه من جهة الفرق بين الحقوق و انّه يقدّم الحاكم بنفسه في حقوق اللّٰه بخلاف حقوق الناس فإنّها مفوّضة إلى نظر صاحب الحق و مطالبته.

و امّا من جهة عمل الحاكم بعلمه فلا دلالة لها عليه الّا من حيث حكمه عليه السّلام بكفاية الإقرار مرّة واحدة حتّى في مثل الزنا لانّه قد استثنى خصوص الزنا المحصن فان الاكتفاء بالإقرار مرّة واحدة مخالف لما هو المسلّم من الروايات من اعتبار الأربعة في مثل الزنا فلا بدّ من حمل هذه الرواية على ما إذا كان الامام عالما بنفسه بحيث لم يكن لإقراره أثر في الحكم أو يحمل على حصول العلم بإقراره مرّة واحدة، و ان كان يلزم من هذا، الالتزام بكفاية علم الحاكم في الحكم مطلقا و ان كان ناشيا من إقرار المقرّ بالزنا بالمرة الاولى و هذا مشكل لأنّي لم أعثر على من صرّح بالاجتزاء بذلك و عدم الحاجة الى المرّة الثانية و الثالثة و الرابعة.

و عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أقرّ على نفسه عند الامام بحقّ أحد من حقوق

المسلمين فليس على الامام ان يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به عنده حتّى يحضر صاحبه حقّ الحدّ أو وليّه و يطلبه بحقّه «2».

و هذه أيضا تدلّ على انّ اقامة حدّ الناس منوطة بمطالبة صاحبة.

و عن الحسين بن خالد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول:

الواجب على الإمام إذا نظر الى رجل يزني أو يشرب الخمر ان يقيم عليه الحدّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 479

و لا يحتاج الى بيّنة مع نظره لأنّه أمين اللّٰه في خلقه و إذا نظر الى رجل يسرق ان يزبره و ينهاه و يمضى و يدعه قلت: و كيف ذلك؟ قال: لأنّ الحق إذا كان للّه فالواجب على الإمام إقامته و إذا كان للناس فهو للناس «1».

و هذه صريحة في المطلوب و هو اكتفاء الامام بعلمه و اقامة حدود اللّٰه تعالى معتمدا على ذلك.

نعم يشكل الأمر فيها من جهة تصريحها بانّ السرقة من حدود الناس و انّ على الإمام إذا نظر الى رجل يسرق ان يزبره و ينهاه و يدعه معلّلا بأنّ الحق إذا كان للناس فهو للناس، و الحال انّ الرواية الأولى صرّحت بأنّه إذا أقرّ على نفسه بالسرقة قطعه و انّه من حقوق اللّٰه.

و حيث انّ المسلّم بحسب الروايات هو انّ السرقة و ان كانت من جهة أخذ المال من حقوق الناس الّا انّها من جهة القطع من حقوق اللّٰه سبحانه، فالّلازم رفع اليد عمّا هو مذكور في رواية ابن خالد، فان ذلك أمر مفروغ عنه و لذا يكتفى في

جهة ماليّتة إلى إقرار واحد بخلاف جهة قطعه فإنّه يحتاج إلى إقرارين.

و كيف كان فالحاكم يعمل في حقوق اللّٰه بعلمه بلا حاجة الى شي ء آخر، و في حقوق الناس بشرط طلبهم و التماسهم ذلك.

[الخامسة] في ما إذا ردّت شهادة بعض الشهود

قال المحقّق: إذا شهد بعض و ردّت شهادة الباقين قال في الخلاف و المبسوط ان ردّت بأمر ظاهر حدّ الجميع، و ان ردّت بأمر خفي فعلى المردود الحدّ دون الباقين و فيه اشكال من حيث تحقق القذف العاري من بيّنة.

أقول: تارة تردّ شهادة الباقين بأمر ظاهر و اخرى بأمر خفي فالأوّل كما إذا كان فاسقا متجاهرا لفسقه فحينئذ يحدّ كلّ الشهود امّا الفاسق فمعلوم و امّا سائر الشهود فلأنّهم علموا انّ شهادتهم غير نافذة حيث يكون من جملة الأربعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 480

من تردّ شهادته و مع ذلك أقدموا على إقامة الشهادة عالمين بأنّها مردودة لعدم كونها واجدة لشرائط القبول، و هذا بخلاف الثاني و هو ما إذا كان جهة الردّ امرا خفيّا. فهنا لا يحدّ الشهود لأنّهم لا يعلمون بهذا الأمر حيث كان خفيّا و الّا للزم عدم إقدام أحد على الشهادة نعم يحدّ المردود شهادته بنفسه و ذلك لفسقه.

قال الشيخ في الخلاف: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنا فردّت شهادة واحد منهم فان ردّت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنه يجب على الأربعة حدّ القذف و ان ردّت بأمر خفي لا يقف عليه الّا آحادهم فإنّه يقام على المردود الشهادة الحدّ و الثلاثة لا يقام عليهم الحدّ. دليلنا انّ الأصل برأيه الذّمة و لا دليل على انّه يجب على هؤلاء الحدّ

و أيضا فإنّهم غير مفرطين في إقامة الشهادة فإنّ أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حدّ و يفارق إذا كان الردّ بأمر ظاهر لانّ التفريط كان منهم فلهذا حدّوا و الدليل على انّ مع الردّ بأمر ظاهر يجب الحدّ قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً، و هذا ما اتى بأربعة شهداء لانّ من كان ظاهره ما يوجب الرّد لا يكون شاهدا «1».

و قال في المبسوط: فان ردّت بأمر ظاهر مثل ان كان مملوكا أو امرأة أو كافرا أو ظاهر الفسق فان حكم المردود شهادته قال قوم: يجب عليه الحدّ و قال آخرون: لا يجب و كذلك اختلفوا في الثلاثة. و الأقوى عندي انّ عليهم الحدّ، و ان كان الردّ بأمر خفي قبل ان بحث الحاكم فوقف على باطن يردّ به الشهادة فالمردود الشهادة قال قوم: لا حدّ عليه و هو الأقوى و الثلاثة قال قوم: لا حدّ عليهم أيضا و هو الأقوى عندي و منهم من قال: عليهم الحدّ لانّ نقصان العدالة كنقصان العدد و الأوّل أقوى لأنهم غير مفرّطين في إقامتها فإنّ أحدا لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حدّ، و يفارق هذا إذا كان الردّ بأمر ظاهر، لانّ التفريط كان منهم فلهذا حدّوا عند من قال بذلك.

______________________________

(1) الخلاف كتاب الحدود المسئلة 33.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 481

انتهى «1».

و مقتضى عبارة الخلاف التفصيل بين ما إذا كان الأمر ظاهرا فيحدّ الجميع و بين ما إذا كان خفيّا فيحدّ المردود الشهادة دون الباقين، و هذا بمقتضى القاعدة لأنّه مع الأمر الجلي فقد أقدموا

على الشهادة غير المقبولة فيحدّ الجميع، بخلاف عبارة المبسوط فإنّها تفيد انّ في العيب الظاهر يحدّ الجميع و في الخفي لا حدّ على أحد منهم.

و قد اختار العلّامة في المختلف مختار الشيخ في الخلاف من انّه إذا ردّت شهادة بعض الأربعة بأمر خفي أقيم الحدّ على المردود الشهادة دون الثلاثة الباقية، و استدلّ لذلك بقوله: لنا انّه مردود الشهادة فيجب عليه الحدّ كما لو ردّت بأمر ظاهر، ثم نقل عن الشيخ انّه احتجّ على مذهبه في المبسوط- من انّ الأقوى انّ مردود الشهادة بأمر خفي لا حدّ عليه- بأنّه قد لا يعلم انّه يردّ شهادته بما ردّت به فكان كالثلاثة [1].

و أجاب عنه بقوله: و الجواب الفرق فإنّه يعلم انّه على سبب- صفة- تردّ به الشهادة لو عُلم به بخلاف الشهود.

و فيه انّ المفروض انّه عالم و قاطع بكون شهادته مقبولة عند الحاكم و لا يبدو في ذهنه في هذا الحال- الذي هو بسبب جهله المركّب قاطع- انّه ربّما يظهر حاله للحاكم و تردّ شهادته بسبب ذلك فكأنّ ما ذكره قدّس سرّه خلاف الفرض.

و أشكل في الشرائع ما حكاه عن الخلاف من التفصيل في مورد الخفيّ بين المردود فيحدّ هو و الباقين فلا يحدّون و ذلك لتحقّق القذف العاري عن البيّنة.

و أضاف في الجواهر قوله: أو شبهة دارئة للحد انتهى و النتيجة انّه قد

______________________________

[1] أقول: كلّما راجعت المبسوط لم أجد هذا الاستدلال في كلامه في المسئلة المزبورة من كتاب الحدود اللّهم الّا ان يكون في موضع آخر منه.

______________________________

(1) المبسوط الجلد 8 الصفحة 9.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 482

تحقّق القذف و هو موجب للحدّ على القاذف الّا ان يأتي بأربعة شهداء أو

تكون هناك شبهة تدرء الحدّ بها و لم يتحقّق اىّ واحد من هذين الّذين يكون أحدهما دارئة للحدّ بنصّ القرآن الكريم و الآخر بالأخبار الشريفة فلا بدّ من ان يحدّ الجميع.

ثم قال: و التفريط و عدمه لا مدخليّة له بعد تناول الأدلّة، اى انّ وقوع التفريط من المردود و عدمه من الباقين لا يؤثّر شيئا بعد شمول الإطلاق و اقتضائه أن يحدّ المردود معهم أيضا هذا.

قال بعد ذلك: نعم لو كانوا مستورين و لم تثبت عدالتهم و لا فسقهم فلا حدّ عليهم للشبهة، و كأنّه رحمه اللّٰه صار بصدد اراءة مصداق لما ذكره آنفا بقوله:

أو شبهة دارئة للحدّ، فهذا مثال لها لانّه بعد ان كانوا مستورين و لا يعلم حالهم من العدالة و الفسق فإنّه يحصل الشبهة و هي تقتضي ان لا يحدّوا.

ثم تعرّض لخبر ابى بصير عن الصادق عليه السّلام في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلم يعدّلوا قال: يضربون الحدّ.

و أجاب بأنّه ضعيف محتمل لظهور الفسق.

و كلّ واحد من كلاميه هنا محلّ الإشكال امّا الأوّل فلانّ العدالة الّتي هي شرط في الشهادة هي العدالة المحرزة، و الإطلاقات الدّالة على اعتبار أربعة شهود في درء الحدّ عن القاذف يراد منها أربعة مقبولو الشهادة كما انّ الأمر كذلك في سائر الشروط و الاوصاف، فاذا لم يكن الشاهد مقبول الشهادة فإنّه تردّ شهادته، و كون الشك في تحقّق الشرط كالعدالة شبهة دارئة مشكل في النظر، و كيف نقول بأنّه مع الشك لا تقبل الشهادة و مع ذلك لا يحدّون لأجل الشبهة؟

فمطلق الشبهة بأيّ نحو كانت لا تكون دارئة للحدّ و الّا فمن اقام شهودا فسقة بظاهر حالهم فإنّه يتحقّق بذلك الشبهة لاحتمال صدقهم أيضا فهل يدرء

بذلك الشبهة الحدّ؟ و هكذا لو قذف الرامي و لم يأت بشاهد أصلا فإنّ مجرّد قذفه يوجب الشبهة- إلّا في مورد يكون الأمر الذي قذفه به مقطوع العدم-

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 483

فهل يمكن ان يقال بدرء الحد بالشبهة فلا يحدّ القاذف؟ و لو كان الأمر كذلك فلا مورد لحدّ القذف إلّا في موارد نادرة و يؤل الأمر إلى اختصاص الحدّ بما إذا أقيمت الشهادة العادلة فيحدّ المشهود عليه و امّا في غير ذلك فلا حدّ مطلقا لا بالنسبة إلى المشهود عليه و لا القاذفين و ذلك للشبهة، فاتّضح انّ اللازم هو إحراز الشرط فيحكم بحسب الشهادة، و لو لم يحرز ذلك فهو بعينه كما إذا علم بعدم تحقّق الشرط و لازم ذلك ان يحدّ القاذف.

و امّا الثاني فنقول: انّ الرواية على مقتضى القاعدة فإنّه إذا لم يتحقّق التعديل لهم لا بدّ من ان تطرح شهادتهم و يحدّون فلا وجه لرفع اليد عن مقتضاها و الحال هذه.

و قد ظهر بما ذكرنا ضعف ما قاله بعد ذلك أيضا و هو قوله: فالمتّجه في الفرض حينئذ عدم ثبوت الزنا فيتوقّف الحكم الى ان يظهر حالهم فامّا ان يحدّهم أو المشهود عليه و قبل ذلك يدرأ الحدّ عنه و عنهم انتهى.

فان مقتضى ما تقدّم منّا انهم يحدّون حدّ القذف، هذا مضافا الى انّه لا وجه لتوقّف الحكم بعد ان لا نظرة في الحدّ و لا تأخير أصلا فامّا ان يكون الشهود مقبولة فيحكم على المشهود عليه و الّا فيحكم بقذفهم و حدّهم.

و التحقيق انّه لا شكّ في انّ الإتيان بأربعة شهود المعتبر بنصّ الآية الكريمة الذي به يدفع الحدّ عن الرامي لا يراد به الإتيان

بأربعة كيف ما كانت بل المعتبر هو الأربعة المقبولة المرضيّة و هي الأربعة العادلة الّا انّ الكلام في انّه هل المعتبر هو العادل الحقيقي أو العادل بنظره و المقبول في علمه؟ فعلى الأوّل فهو لم يأت بما هو المعتبر لانّ بعضا من هذه الشهود مردود شهادته في الواقع و عند الحاكم بخلاف ما لو كان الملاك هو الثاني فإنّ الشرط موجود و هو العدالة بنظره و عنده، و الظاهر هو الثاني و ذلك لانّه لو كان الملاك هو العادل الواقعي فهذا يتوقّف على علمه بالغيب، و لا يعلم الغيب الّا اللّٰه. و يكون كالأمر بالمحال، فمن أين يوجد أربعة كانوا عدولا في الواقع و ثانيا انه يلزم من ذلك سدّ باب الشهادة فلو كان الملاك هو العدالة في الواقع و الّتي تكون مقبولة عند

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 484

الحاكم فمن يقدم على الشهادة و الحال انّه يحتمل عند نفسه ان لا يقبل الحاكم شهادته و يردّها و يقيم عليه حدّ المفتري؟

و بتقرير آخر انّه كما قد يكون العادل عادلا في الواقع كذلك قد يكون عادلا بمقتضى الطريق و بحسب الظاهر فهو بحكم الشرع يحتسب عادلا و ان لم يكن كذلك في الواقع، و المفروض انّ هذا الشاهد يرى نفسه عادلا فهو محكوم بحسب الظاهر بالعدالة و حيث انّه يعتقد قبول شهادته عند الحاكم فلا شي ء عليه و ان كان علمه هذا جهلا مركّبا، و مقتضى ذلك قبول شهادته، و لا فرق في ذلك بين الشاهد نفسه و بين كون القاذف يرى الشاهد عادلا مرضيّا و يعتقد كونه مقبول الشهادة فلا وجه لإجراء الحدّ عليه كما انّ الآخرين أيضا كذلك لفرض كون

الأمر خفيّا هذا مضافا الى شمول حديث الرفع له و لهم أيضا.

و امّا ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام من انّه قال: انّى لا أكون أوّل الشهود فهذا لأجل انّه لو كان يشهد أوّلا فربّما لا يأتي الآخرون للشهادة و الّا ففي ما نحن فيه لا وجه لإجراء الحدّ ظاهرا.

[السادسة] حول رجوع واحد منهم بعد شهادة الأربع

قال المحقّق: و لو رجع واحد بعد شهادة الأربع حدّ الراجع دون غيره.

أقول: و يتصوّر ذلك بان يقول الراجع: ما رأيت، بعد ان كان قد شهد برؤيته أو انّه يقول: ما زنى، بعد ان كان قد شهد بزناه، سواء قال: بأنّي قد كذبت أو نسب نفسه الى الغلط و الاشتباه.

و هذا هو مقتضى إقرار العقلاء على أنفسهم جائز فإنه قد أقر على نفسه فيحدّ.

و يمكن تقرير الآية الكريمة:

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 485

«وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً «1». بحيث تنطبق على ذلك و هو ان المستفاد منها انّه إذا رمى الرامي و كان صادقا بحسب دعواه و اقام أربعة شهود على ذلك مقبولة بلا رجوع فهو امّا لو رماه و اتّهمه و لم يأت بالدارء سواء كذب نفسه أو خطّأه أو لم يتمّ له الشهود الأربعة المقبولة فإنّه يحدّ و يجلد للفرية و ظاهر عبارة الشرائع هو الإطلاق و عدم الفرق بين ان يكون رجوعه قبل حكم الحاكم أو بعده.

لكن في الجواهر أضاف الحكم بالشّهادة و عليه فالحكم مختص بما إذا شهدوا و حكم الحاكم بمقتضى شهادتهم و خصّ الحكم- بحدّ الراجع دون غيره- بهذه الصورة و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

و علل عدم حدّ غير الراجع، بصدق الإتيان بالبيّنة المسقطة.

و في بعض الكلمات:

لتماميّة البيّنة و كونها بيّنة كاملة.

و فيه انّه لو صدق على هذه أربعة شهداء لزم سقوط الحدّ حتّى عن الراجع- بخلاف ما لو قلنا بعدم صدقها على ذلك أصلا و انّ شهادة الأربع غير متحقّقة إذا رجع واحد منهم أو انّه و ان صدقت على ذلك لكن الآية منصرفة عن ذلك فيلزم ان يحدّ الراجع أو هو و الباقون أيضا و ذلك لصيرورة الأربعة ثلاثة و عدم صدق الأربعة مع رجوع واحد منهم فليس ممّا يدرأ عنه الحدّ- و الظاهر انّه على ذلك لا وجه للتفصيل بين الراجع و غيره لأنه لو صدقت على هذه أربعة شهود، بان تكون مطلقة شاملة لما إذا رجع واحد منهم و ما إذا ثبتوا جميعا على شهادتهم و لم يكن هناك انصراف فلا فرق بين الراجع و غيره كما انّه لو شك في صدقها أو قيل بالانصراف فهناك أيضا لا وجه للتفصيل بل لا بدّ من الحكم بحدّهم مطلقا.

و لذا ترى العلامة أعلى اللّٰه مقامه حكم بلزوم الحد عليهم جميعا.

قال في القواعد: و لو رجعوا عن الشهادة أو واحد منهم قبل الحكم فعليهم اجمع الحدّ و لا يختص الراجع بالحد و لا العفو انتهى و في كشف اللثام

______________________________

(1) سورة النّور الآية 4.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 486

في مقام التعليل لذلك: امّا مع رجوع الكلّ فظاهر و امّا إذا رجع البعض فلان رجوعه قبل الحكم بمنزلة عدم شهادته فلم يكمل شهادة الأربعة امّا بعد الحكم فيختص الراجع بالحدّ أخذا بإقراره و لا يتعدّى الى الباقين [1].

أقول: و لكن الظاهر انّه لا فرق من جهة عدم تحقق الشهادة بين ما إذا كان قبل الحكم أو بعده كما

أطلق في الشرائع و لذا قال في الجواهر بل مقتضى إطلاق المصنّف و غيره من الأصحاب انّه كذلك أيضا قبل الحكم بها للإطلاق المزبور، فقد أقرّ رحمه اللّٰه بأنّ عبارة المحقّق بل و غيره من الأصحاب مطلقة.

و ما ذكره بعد ذلك بقوله: لكن قد يشكل بانّ الرجوع قبل الحكم بمنزلة عدم الشهادة انتهى لا يساعد ما ذكره آنفا من صدق الإتيان بالبيّنة المسقطة. فإنّه لو صدق ذلك فلا فرق بين ما إذا كان قبل الحكم أو بعده و لو لم يصدق أيضا كذلك كما لا فرق بين الراجع و غيره فاذا كان هذا الرجوع يجعل الشهادة كالعدم فهذا جار في القبل و البعد و لو كان الشارع قد اكتفى بصورة الشهادة فهو أيضا جار في المقامين، و الظاهر انّه يشكل شمول إطلاق الآية للمقام اى ما إذا رجع واحد من الشهود بعد انّ ادّى الشهادة و الّا فلو كانت صورة الشهادة أيضا مؤثرة فكان اللازم ان يحدّ المشهود عليه أيضا. و على هذا فيلزم ان يحدّ كلّ واحد منهم حد القذف.

ثم انه رحمه اللّٰه بعد ان استشكل في مورد يكون ذلك قبل الحكم و ذكر جزم كاشف اللثام بذلك اى عدم الحاقة بما إذا كان بعد الحكم و حكم هنا بحد الجميع قال: قلت قد يقال ان مقتضى الآية و غيرها السقوط أيضا خصوصا على بناء الحد على التخفيف.

و مقتضى كلامه هنا عدم حد الشهود مطلقا لا الراجع و لا غيره. لكن قد مر منا الإشكال في شمول الشبهة لمثل هذه الأمور.

و في المسالك في باب الشهادات: و لو كانوا قد شهدوا بالزنا و رجعوا و اعترفوا بالتعمد حدّوا للقذف و لو قالوا غلطنا ففي

حدّ القذف وجهان:

______________________________

[1] قد تقدم قسم من هذه الأبحاث في أوائل الكتاب.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 487

أحدهما المنع لان الغالط معذور و أظهر هما الوجوب لما فيه من التعيير و كان من حقهم التثبت و الاحتياط و على هذا ترد شهادتهم. ثم قال: و لو قلنا لا حد فلا ردّ.

و كأنّه رحمه اللّٰه ادعى الملازمة بين عدم الحدّ و عدم الرد يعنى لو قلنا بأنهم لا يحدون فاللازم قبول شهادتهم و الحكم بها.

و في الجواهر «1»: و لو كان المشهود به الزناء و اعترفوا بالتعمد حدّوا للقذف و لو قالوا غلطنا فعن المبسوط و الجواهر يحدان أيضا و في المسالك وجهان إلخ.

و قد ذكر مؤيدا لما اختاره المسالك- من رد شهادتهم- مرسل ابن محبوب عن الصادق عليه السّلام فراجع «2».

و على الجملة فالمختار عندنا هو انهم يحدون حد الافتراء حتى فيما إذا ادعى الراجع الغلط و الخطأ فان المصحّح للحد موجود و هو انه لم يتثبت في شهادته و إطلاق حد من رمى المحصنات و لم يأت بأربعة شهداء، شامل للمقام فيقام الحد.

و لا يرد ما قد يقال من انه كيف يحدّ باقي الشهود و الحال انه لا تقصير من ناحيتهم حيث انهم قد أدّوا الشهادة عالمين بتحقق الأربعة فإذا رجع واحد منهم فلا تعلق له بغيره من الشهود فكيف يحد؟

و ذلك لان الحكمة الكامنة الملحوظة في المقام و هي كون الأمر مستورا لا يقدم الناس على كشفه و إظهاره أوجبت ذلك و بلحاظ هذه الحكمة الغالبة يجوز حد الباقين مع عدم تقصير منهم في رجوع الراجع عن شهادته [1].

______________________________

[1] قد مضى ما فيه فراجع.

______________________________

(1) كتاب الشهادات الصفحة 221.

(2) وسائل الشيعة الجلد

18 الباب 12 من الشهادات الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 488

[السابعة] في حكم من وجد مع زوجته رجلا يزني بها.

قال المحقق: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما و لا اثم و في الظاهر عليه القود الا ان يأتي على دعواه بينة أو صدّقه الولي.

أقول: لا إشكال في انه لا يجوز على من اطلع على الزانين استيفاء الحد منهما إذا لم يكن أهلا لإقامة ذلك فإن أمره موكول الى نظر الحاكم. نعم قد استثنى من ذلك موارد منها مسئلتنا هذه و هي ما إذا اطّلع الزوج و راى من يزني مع زوجته فإنه يجوز له ان يقتلهما مع إحراز الموازين كالعلم بأنه لا إكراه من ناحية الزاني بالنسبة إليها أو بالعكس، و لا اثم عليه في ذلك لترخيص الشارع فيه. نعم لو انجرّ الأمر إلى اعتراض أولياء الدم و مطالبتهم له دم المقتول فلا بدّ له من إثبات ذلك عند الحاكم و الا فيقاد منه سواء كانا محصنين أم غير محصنين سواء كان الزوجان حرّين أم عبدين أم بالتفريق و سواء كان الزوج قد دخل بها أم لا و سواء كان النكاح دائما أم متعة كل ذلك للرخصة الواردة عن الشرع، هكذا قالوا.

و الدليل على ذلك هو الاخبار العامّة الشاملة بعنوانها العام للمقام و الاخبار الخاصة.

ففي خبر عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول في رجل أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا قال: ليس عليها شي ء فيما بينها و بين اللّٰه عزّ و جلّ و ان قدمت الى امام عادل أهدر دمه «1».

تقريب الاستدلال انها تدل على جواز المدافعة عن العرض و جواز قتل من تعرض لذلك كما

يجوز المدافعة عن المال و من جملة موارد الدفاع عن العرض هو المقام اى ما إذا راى أحدا يزني مع زوجته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 19 كتاب القصاص الباب 23 الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 489

نعم يرد عليه انها واردة فيمن أراد، فيجوز هناك المدافعة كي لا يقع الحرام، و أين هذا مما نحن بصدده من جواز القتل بعد ان وقع الأمر و تحققت المعصية، مضافا الى عدم التعرض فيها لحال المرأة و جواز قتلها أيضا.

و عن ابى مخلد عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كنت عند داود بن على فاتى برجل قد قتل رجلا فقال له داود بن على ما تقول؟ قتلت هذا الرجل؟

قال: نعم انا قتلته فقال له داود: و لم قتلته؟ فقال: انه كان يدخل منزلي بغير اذنى فاستعديت عليه الولاة الذين كانوا قبلك فأمروني ان هو دخل بغير اذن ان اقتله فقتلته، فالتفت الىّ داود بن على فقال: يا أبا عبد اللّٰه ما تقول في هذا؟

فقلت: أرى انه أقر بقتل رجل مسلم فاقتله فأمر به فقتل، ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: ان ناسا من أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله كان فيهم سعد بن عبادة فقالوا: يا سعد ما تقول لو ذهبت الى منزلك فوجدت فيه رجلا على بطن امرأتك ما كنت صانعا به؟ فقال سعد: كنت و اللّٰه اضرب رقبته بالسيف قال فخرج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و هم في هذا الكلام فقال: يا سعد من هذا الذي قلت: اضرب عنقه بالسيف؟ فأخبره الذي قالوا و ما قال سعد فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: يا سعد

فأين الشهود الأربعة الذين قال اللّٰه عز و جل؟ فقال سعد: يا رسول اللّٰه بعد رأي عيني و علم اللّٰه انه قد فعل؟! فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: اى و اللّٰه يا سعد بعد رأى عينك و علم اللّٰه ان اللّٰه قد جعل لكل شي ء حدّا و جعل على من تعدّى حدود اللّٰه حدا، و جعل ما دون الشهود الأربعة مستورا على المسلمين «1».

و لكن ليست لهذا الخبر دلالة واضحة على المراد بل لعل الظاهر منه ان قتله موقوف على وجود أربعة شهود ان من قتله بدون ذلك فقد تعدى حدود اللّٰه تعالى و بعبارة اخرى ان قتله لهذا الرجل بلا وجود أربعة شهود يحتسب من باب التعدي عن حدود اللّٰه تعالى لأنه كان مشروطا بوجود الشهود.

نعم يمكن ان يقال ان هذا الشرط معتبر بلحاظ الظاهر و التحفظ على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 19 الباب 69 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 490

نفسه لأنه إذا بلغ الأمر إلى الحاكم و احتيج إلى إثبات ان القتل كان لأجل أنه رآه يزني مع زوجته فإنّه يحتاج في إثبات ذلك الى أربعة شهود و الا فيحكم بقتله لإقراره بنفسه بأنه قد قتله فلو لا هذه الجهة لم يكن عليه بأس في قتله فيما بينه و بين اللّٰه تعالى و على الجملة فلو كان له أربعة شهود فلا يتعرض عليه في اقدامه بنفسه على القتل و مباشرته في ذلك و عدم إرجاع الأمر إلى الحاكم.

و عن عبد اللّٰه بن القاسم الجعفري عن ابى عبد اللّٰه عن أبيه عليهما السّلام قال: قال سعد بن عبادة أ رأيت يا رسول

اللّٰه ان رأيت مع أهلي رجلا فاقتله؟ قال:

يا سعد فأين الشهود الأربعة «1».

و هذه أيضا كالسابقة.

و عن سعيد بن المسيب ان معاوية كتب الى ابى موسى الأشعري ان ابن ابى الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله فاسأل لي عليا عن هذا قال أبو موسى فلقيت عليا عليه السّلام فسألته- الى ان قال: فقال: انا أبو الحسن ان جاء بأربعة يشهدون على ما شهدوا لا دفع برمّته «2».

و لهذا الخبر دلالة في الجملة على جواز القتل و عدم اثم عليه في ذلك الا ان دفع القتل عنه موقوف بأربعة شهود.

نعم يشكل الأمر بالنسبة إلى قوله: وجد رجلا مع امرأته، فإن مجرد ذلك لا يسوغ القتل.

اللهم الا ان يكون ذلك كناية عن الزنا كما يشهد على ذلك اعتبار أربعة شهود على ما هو صريح كلام الامام عليه السّلام في الجواب و ان لم يكن في السؤال ذكر عن الزنا فيمكن ان يكون الامام عليه السّلام قد كان علم بنفسه أو من القرائن ان السؤال كان عن الزنا و أجاب على ما حسب ما علمه أي بالنسبة إلى الزنا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 45 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة الجلد 19 الباب 69 من أبواب القصاص الحديث 2، و في التهذيب الجلد 10 الصفحة 214 و الفقيه الجلد 4 الصفحة 172 و فيه: و الّا دفع اليه برمته.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 491

و مع ذلك فليس في هذه الروايات ذكر عن قتل الزوجة، و الذي اشتمل على كلتا الجهتين هو مرسل الشهيد قدّس سرّه في الدروس حيث قال: روى ان من راى زوجته تزني فله قتلهما [1].

و على هذا فلا بأس

بأصل القتل فيما بينه و بين اللّٰه و يكون شهادة الأربع لإثبات الاستناد عند الحاكم فاذا قيل له لماذا قتلت و أجاب بأنه رآه يزني مع زوجته و شهد الشهود بذلك يثبت مدعاه و الا فإنه يقتل قودا.

و هل اللازم شهادتهم على أصل الزنا أو على ان الزوج رآه يزني مع زوجته بحيث لو علموا بأصل الزنا لكنهم لم يروا ان الزوج راى ذلك لما جازت لهم الشهادة و لما درءت القتل عن الزوج؟ لعل الظاهر كفاية الشهادة على أصل الزنا و ان لم يتعرضوا لرؤيته.

و قد أبدع الشهيد الثاني قدّس سرّه طريقا آخر لخلاص الزوج عن القتل و ان لم يكن له أربعة شهود و هو الإنكار مع التورية قال في المسالك: إذا اطلع الإنسان على الزانيين و لم يكن من أهل الحدود فمقتضى الأصل عدم جواز استيفائه منهما بنفسه لكن وردت الرخصة في جواز قتل الزوجة و الزاني بها إذا علم الزوج بها سواء كان الفعل يوجب الرجم أو الجلد كما لو كان الزاني بها غير محصن أو كانا غير محصنين و سواء كان الزوجان حرين أو عبدين أم بالتفريق و سواء كان الزوج قد دخل أم لا و سواء كان دائما أم متعة عملا بالعموم، ثم قال رحمة اللّٰه عليه: و هذه الرخصة منوطة بنفس الأمر امّا في الظاهر فان ادعى ذلك عليها لم يقبل و حدّ للقذف بدون البينة و لو قتلهما أو أحدهما قيد بالمقتول ان لم يقم بينة على ما يبيح القتل و لم يصدقه الولي و انما وسيلته مع الفعل باطنا الإنكار ظاهرا و يحلف ان ادعى عليه و يورّى بما يخرجه عن الكذب ان أحسن لأنه محق

في نفسه الأمر مؤاخذ في ظاهر الحال و قد روى داود بن فرقد في الصحيح، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: ان أصحاب النبي قالوا

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 45 من حدّ الزنا الحديث 2. و لكن. عبارة الدروس الموجودة عندي الصفحة 165: روى انه لو وجد رجلا يزني بامرأته فله قتلهما.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 492

لسعد بن عبادة. إلخ.

و كيف كان فاذا جاز القتل فيما بينه و بين اللّٰه فيكون المورد من باب التخصيص للأدلة الدالة على لزوم الإرجاع إلى الحاكم و كون الأمر في إجراء الحدود موكولا اليه فيحوز له في خصوص المقام الاقدام على القتل بدون ذلك لكن إذا أحرز عدم إكراه في البين كما قد يظهر ذلك من القرائن فإذا رأى الزوجة تأبى عن ذلك و تدافع عن نفسها و تصحيح عليه فان يعلم ان الزاني قد أكرهها على الزنا فهنا لا يجوز له قتل الزوجة.

قال في المسالك: و اعلم ان مقتضى قوله: الا ان يأتي ببينة أو يصدقه الولي أنه لو أتى ببينة على الزنا فلا قود عليه و هو يشمل أيضا ما لو كان الزنا يوجب القتل أو الجلد وحده و يشكل الحكم في الثاني بعدم ثبوت مقتضى القتل، و الرخصة منوطة بحكمه في نفس الأمر لا في الظاهر الا ان يقال انه أباحت له قتلهما مطلقا و انما يتوقف جريان هذا الحكم ظاهرا على ثبوت أصل الفعل و يختص تفصيل الحد بالرجم و الجلد و غيرهما بالإمام دون الزوج و هذا أمر يتوقف على تحقيق النص في ذلك، و الرخصة مقصورة على وجدان الزوج ذلك بالمشاهدة، و اما البينة فسماعها من

وظيفة الحاكم إلخ.

أقول: ان هنا اشكالا آخر و هو انه على ما ذكروه يلزم من اجراء هذا الحكم بدون الشهود ان يجعل الإنسان نفسه في معرض القتل و الإتلاف و ذلك لأنه ربما يؤاخذ على ما فعله و أوجب ذلك ان يحكم الحاكم بقتله فكيف يحكم بجواز ذلك؟

و يمكن ان يقال: بل لا بد من ان يقال بأنه تعبد من الشارع فيجوز له شرعا عند المدافعة و الإنكار على الحرام ان يقدم على ذلك و ان أفضى ذلك الى قتله فإنّه قد جعل نفسه فداء لدين اللّٰه. هذا مضافا الى ان من أعظم العناوين الحسنة التي يبتغيها الرجال و إباء الضيم هو الدفاع عن العرض، و القتل فيه أشرف أنواع القتل.

و لكن قد مران الشهيد الثاني تخلّص عن الإشكال بإنكاره القتل و التورية

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 493

فيه.

ثمّ انه لمّا كان أصل هذا الحكم خلاف القاعدة حيث ان أمر القتل بيد الحاكم و موكول الى نظره فلذا يقتصر في ذلك على المتيقن و هو ما إذا راى الزوج بعينه لا انه سمع أو علم بطريق آخر كما انه لا يجوز لغير الزوج ذلك عند ما رأى أحدا يزني بزوجة الغير كما انه يقتصر على قتله عند ما راى لا بعد ذلك.

نعم من جهة الإحصان و عدم الإحصان و ان كان المتيقن هو الأول الا ان الظاهر هو عدم الفرق بينهما و ذلك لإطلاق المرسلة و الروايات الأخرى و اما ضعف المرسلة فمنجبر بالشهرة.

و قد علم ممّا تقدّم ان الروايات الأخرى غير المرسلة تدل على جواز قتل الزاني من حيث الدفاع عن العرض و اما بالنسبة إلى الزوجة فهي ساكتة و الذي

يدل على كلا الحكمين هو مرسلة الشهيد.

[الثامنة] «حكم من افتضّ بكرا بإصبعه»

قال المحقق: الثامنة: من افتضّ بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها و لو كانت امة لزمه عشر قيمتها و قيل يلزمه الأرش و الأول مروي.

أقول: إذا افتض بكرا فاما ان يكون هو الأجنبي و اما ان يكون هو الزوج اما الأول فاما ان يكون المرأة حرة أو امة.

فإذا كان الأجنبي افتضّ الحرة بإصبعه فعليه مهر نسائها.

و مستند ذلك عدة روايات فمنها صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في امرأة افتضّت جارية بيدها قال: قال: عليها مهرها و تجلد ثمانين «1».

و منها صحيحته الأخرى عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام أيضا في امرأة افتضّت جارية بيدها قال: عليها المهر، و تضرب الحد «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من حدّ الزنا، الحديث 4 و 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من حدّ الزنا، الحديث 4 و 2.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 494

و قال الصدوق: و في خبر آخر: تضرب ثمانين [1].

و عن ابن محبوب عن ابن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام قضى بذلك و تجلد ثمانين [2].

فان مفاد هذه الاخبار ان افتضاض الحرة يوجب تدارك النقص الحاصل لها بافتضاضها بإعطاء صداقها و هو مهر نسائها فعلى من اتى بذلك دفعه إليها.

كما انه يستفاد منها ان افتضاض الحرة يوجب التعزير نعم قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلك فقال بعض يجلد من ثلاثين الى ثمانين كما حكى ذلك عن المفيد و الديلمي و قال بعض كالشيخ من ثلاثين إلى سبعة و تسعين و عن ابن إدريس من ثلاثين إلى تسعة و تسعين، ما هو الأصلح

بنظر الحاكم، بعد ما حملوا الثمانين الذكور في هذه الاخبار على واحد من إفراد التعزير لعدم قائل به أصلا أو يطرح كما في الجواهر و قد اختار كون امره بيد الحاكم و تفويضه إلى رأيه كما عن الأكثر.

و اما إذا افتضّ الأجنبي الأمة ففيه قولان، أحدهما ان عليه عشر قيمتها، و الثاني ان عليه الأرش، و رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام تدل على الأول و إليك نصها: قال: إذا اغتصب امة فافتضّها فعليه عشر قيمتها و ان كانت حرة فعليه الصداق «1».

و اما لو كان المفتض بالإصبع هو الزوج ففي الجواهر: فعل حراما، قال بعضهم «2»: و عزر و استقر المسمى فتأمل انتهى.

أقول: فيه ان حرمة ذلك مع رضاء الزوجة غير معلوم خصوصا إذا كان الزوج ضعيفا و أقدما على ذلك لتمكن الدخول، و اما استقرار المهر بالدخول فلا

______________________________

[1] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3، أقول: و هذه الاخبار و ان كانت مطلقة الّا انها تحمل على الحرة للتصريح بذلك في رواية طلحة الآتية عن قريب.

[2] وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3، أقول: و هذه الاخبار و ان كانت مطلقة الّا انها تحمل على الحرة للتصريح بذلك في رواية طلحة الآتية عن قريب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 39 من أبواب حدود الزنا الحديث 5.

(2) راجع كشف اللثام الجلد 2 الصفحة 226.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 495

يلازم استقراره بإزالة البكارة بغيره. اللهم الا ان يكون له دليل خاص.

[التاسعة] فيمن تزوج امة على حرة

قال المحقق: التاسعة: من تزوج امة على حرة مسلمة فوطئها قبل الاذن كان عليه

ثمن حد الزاني.

أقول: و استدل على ذلك بخبر حذيفة بن منصور قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تزوج امة على حرّة لم يستأذنها؟ قال: يفرّق بينهما قلت: عليه أدب؟ قال: نعم اثنا عشر سوطا و نصف، ثمن حد الزاني و هو صاغر «1».

أقول: و ليس فيها ذكر عن الوطي في حين انّ ظاهر عبارة الشرائع ان الحد للوطي بعد التزويج، و في الجواهر: لا أجد فيه خلافا بل عن بعض الإجماع عليه، و في كشف اللثام: و ذكر الوطي المصنف و المحقق بناء على صحة التزوج و إباحته و التوقف على الاذن ابتداء أو استدامة انتهى و اختاره في الجواهر.

فان كان العقد صحيحا و كان معلقا على الاذن فلازم ذلك عدم التفريق مع عدم الاذن السابق و اللاحق فإذا أذن يكشف عن عدم حرمة الوطي و عدم بطلان العقد و لو ردّ يكشف عن البطلان و لزوم الحد عليه.

و الظاهر انّ الحد مخصوص بالوطي قبل الرد حيث انه فعل ما هو مردد بين الحلال و الحرام.

ثم انه لا إشكال في عدم جواز نكاح الأمة على الحرة بلا اذن من الحرة سابقا أو لاحقا كما انه لا إشكال في بطلانه كذلك.

ففي رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن عليه السّلام: هل للرجل ان يتمتع من المملوكة بإذن أهلها و له امرأة حرة؟ قال: نعم إذا رضيت الحرة قلت: فإن أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال: نعم «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب المتعة الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 496

و بذلك يقيد ما دلّ

على عدم جوازه و بطلانه مطلقا مثل ما رواه يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة متعة؟ قال: لا «1».

و ما رواه الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تزوج الحرّة على الأمة و لا تزوج الأمة على الحرة و من تزوج امة على حرة فنكاحه باطل «2».

و في الرياض ادّعى الإجماع على ذلك اى بطلانه مع عدم إذن الحرة فقال- بعد قول النافع: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها-: بإجماعنا حكاه جماعة من أصحابنا كالمبسوط و السرائر و الغنية و الروضة و غيرهم و الاخبار به مستفيضة. و لا فرق فيه بين الدائم و المنقطع إلخ «3».

و اختار المحقّق القميّ رضوان اللّٰه عليه في جامع شتاته اعتبار خصوص الاذن السابق.

و لكنّ الظاهر كفاية الإذن مطلقا و ان كان بعد وقوع التزويج.

و في الجواهر- بعد قول المحقق: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها- بلا خلاف أجده في المستثنى و المستثنى منه الا ما عساه يظهر مما حكاه الشيخ عن قوم من أصحابنا من عدم الجواز و ان أذنت و هو مع انه غير معروف القائل واضح الضعف بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص «4».

و على الجملة فالنكاح كان من أوّل الأمر صحيحا الا ان تردّ الحرة ذلك و على هذا فثمن الحد كان على الوطي قبل ان تأذن الحرة، اما بعد الردّ فالحدّ الكامل.

و اما اثنا عشر سوطا و نصفا فالمراد بالنصف ان يؤخذ بوسط السوط و يضرب به كما أوضح ذلك خبر هشام بن سالم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال: يفرّق بينهما

و يضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 16 من أبواب المتعة الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

(3) رياض المسائل الجلد 2 الصفحة 99 كتاب النكاح.

(4) جواهر الكلام الجلد 29 الصفحة 409.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 497

سوطا و نصفا فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد و لم يفرّق بينهما، قلت: كيف يضرب النصف؟ قال: يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به «1».

و قيل في كيفيّة التنصيف انّه يضرب ضربا بين الضربين و قد حكاه في المسالك.

و فيه انّه لا شاهد عليه بل لا وجه له بعد ورود النصّ بخلاف ذلك.

[العاشرة] من زنى في زمان أو مكان شريف

قال المحقق: من زنى في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب زيادة على الحد لانتهاكه الحرمة و كذا لو كان في مكان شريف أو زمان شريف.

أقول: مستند ذلك مضافا الى عدم الخلاف فيه، مرسل ابى مريم قال:

اتى أمير المؤمنين عليه السّلام بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم جسه ليلة ثم دعا من الغد فضربه عشرين فقال له: يا أمير المؤمنين هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر و هذه العشرون ما هي؟ قال: هذا لتجرّئك على شرب الخمر في شهر رمضان «2».

و الرواية و ان كانت متعلقة بشرب الخمر في رمضان الا ان التعليل يفيد عدم الاختصاص بشرب الخمر كما ان من المعلوم بحسب الاعتبار انه لا خصوصية لشهر رمضان بل الحكم شامل لسائر الأزمنة المباركة بل و لا خصوصيّة للزمان، فالحكم شامل للمكان المحترم أيضا.

و الإنصاف انّ استفادة التعميم- لكلّ زمان شريف أو مكان كذلك- من التعليل الوارد في الرواية المتقدّمة مشكلة جدّا فان

قوله عليه السّلام: (هذه لجرأتك في شهر رمضان) ظاهر في انّ حرمة شهر رمضان أو جبت هذه الزيادة، و لو كان الأمر كما فهمه الأصحاب للزم الحكم بذلك في كلّ شهر له مزيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجلد 14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة الجلد 18 الباب 9 من أبواب حد المسكر الحديث 1.

الدر المنضود في أحكام الحدود، ج 1، ص: 498

شرف عند اللّٰه كشهري رجب و شعبان بل و كلّ زمان شريف و ساعة لها فضل، كبين الطلوعين مثلا، فلو شرب الخمر في هذه الساعة وجب ان يجلد و يزاد في حدّه لهتكه الساعة الشريفة، و للزم ان يزاد في حدّه إذا كان في ليلة القدر- من شهر رمضان- التي هي خير من الف شهر مضافا الى الزيادة التي كانت لشهر رمضان و هكذا لزم الزيادة إذا اتى بموجب الحدّ في المسجد أو على قرب من قبور أبناء الأئمّة أو لدى مضاجع العلماء و الأولياء الصالحين، بل و في مثل ارض قم المشرّفة التي شهدت بفضلها العظيم الأخبار الواردة عن خزّان الوحي، فهل يمكن القول بانّ من شرب الخمر بأرض قم المقدّسة يزاد في حدّه؟ و مجرّد انّ الأصحاب فهموا التعميم و شهد له الاعتبار- على ما افاده صاحب الجواهر- غير كاف في ذلك و كأنّهم قالوا بذلك من باب أصل التجرّي و انّ لهذا المجرم جرأة على العصيان.

و كيف كان فالجزم بذلك مشكل جدّا و المقدار المسلّم هو خصوص شهر رمضان و ما له حرمة كحرمته مثل الكعبة و مسجد النبيّ و حرم الأئمّة الطاهرين. و انّى لا أظنّ انّ الأصحاب يقولون بالتعميم الى كل زمان أو مكان

له نوع شرف و فضل.

و على اىّ حال فكلّما شككنا في انّه يوجب الزيادة في الحدّ أم لا فمقتضى قاعدة الدرء هو العدم.

تمّ بحمد اللّٰه و المنة و نحن نقول: «الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطاهرين.»

العبد: على الكريمي الجهرمى

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، الدر المنضود في أحكام الحدود، 3 جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.